الثلاثاء، 1 يوليو 2008

كتب استعبدت أصحابها





اعتاد العالم الثقافي وجود حالات غير طبيعية من الإعجاب بكتابات معينة.. روايات تخلق لنفسها قراءً مهووسين بها.. وكتابا حصدوا النجاح والشهرة وقلوب الملايين.. لكن المقلب الآخر للصورة غير معروف كفاية.. فهناك كتاب أسكرتهم نجاحاتهم وهناك من فوجئوا بها وهناك كتب عقّدت أصحابها.. وأخرى استعبدتهم فلم يستطيعوا منها فكاكا!

الدوحة ـ شبّوب أبوطالب


تشبه علاقة الكاتب بالكتاب علاقة أي رجل أعمال بمشروع تجاري، أو علاقته مع زوجته، فكما أن أي مشروع معرض للخسارة والربح بقدر متساوٍ و الزواج مغامرة لا يضمن أي أحد لها «نهاية سلمية»، فكذلك الكتاب الذي يرعاه الكاتب فكرة ويعيشه حلما ويطلقه لاحقا للقراء وهو يضع يدا على قلبه وأخرى على جيبه، فطريقة تعاطي القراء مع إنتاجه ستحدد له مستقبله المعنوي و المادي معا، وتكون فترة الانتظار لحكم القراء أشبه بمن ينتظر نتيجة سباق خيول راهن فيه بكل ما يملك، أو رأي الفتاة الوحيدة التي عرض عليها الزواج!ولعل قصص المبدعين مع كتاباتهم تنطوي على جانب خفي ولذيذ، فإذا كنا كقراء نعرف الكتب التي أعجبنا بها بجنون وتحمسنا لكتابها، فإننا لا نهتم كثيرا للأثر التي تتركه النجاحات الكبرى على بعض الأدباء و طريقة تعاطيهم مع موهبتهم التي أثمرت في قلوبنا وعقولنا تماما كما أثمرت في جيوبهم.فرواية «نهاية رجل شجاع» للأديب السوري حنا مينا حققت نجاحا كاسرا و مثلها تفوقت بعض أعماله التي تحدث فيها عن ذكرياته كـ»بقايا صور « و»المستنقع « و»القطاف»، ونجحت بشكل خاص أعماله التي تحدثت عن البحر، لكن الرجل الكبير يبدو أنه استمرأ «النجاح البحري» ونجاح أسلوب الذكريات فاتخذه مذهبا شخصيا معتقدا أنه وقع على مفتاح الكنز، فما الذي كانت النتيجة؟ لقد حققت انفضاض القراء عن كثير من كتبه البحرية والشخصية وتلقفها البعض الآخر ببرود شديد، وبعد مضي عقود طويلة ما زال القراء يعتقدون أن حنا مينا لم يستغل كل موهبته، ولكنه استعذب نجاح بعض رواياته فواصل على دربها بغير جهد ولا موهبة، ويبدو أن كاتبنا قد عرف مشكلته فقال ذات يوم: «مهنة الكاتب ليست سواراً من ذهب، بل هي أقصر طريق إلى التعاسة الكاملة، لا تفهموني خطأ، الحياة أعطتني، وبسخاء، يقال إنني أوسع الكتّاب العرب انتشاراً، مع نجيب محفوظ بعد نوبل، ومع نزار قبّاني وغزلياته التي أعطته أن يكون عمر بن أبي ربيعة القرن العشرين.. ويطالبونني، في الوقت الحاضر، بمحاولاتي الأدبية الأولى، التي تنفع النقاد والدارسين، لكنها، بالنسبة إلي، ورقة خريف أسقطت مصابيحا زرقا»!.نفس المطب يبدو أن الروائية أحلام مستغانمي قد عانته، فبعد نشرها لرواية «ذاكرة الجسد» فوجئت بحجم الإقبال الرهيب للقراء عليها وأنهت في عقد واحد حوالي عشرين طبعة، ويبدو أن الكاتبة قد قرأت ما كتبه نقادها بشكل جيد، إذ لخص هؤلاء أسباب نجاحها في ثلاثية: الجرأة، والمقدرة اللغوية الكبيرة، والعنوان اللافت، وبالتالي فقد عملت أحلام على استثمار ذات الأسلوب في بقية أعمالها و أصدرت لاحقا «فوضى الحواس» ثم «عابر سرير» وإذا كانت أحلام قد عصفت بالكل في روايتها الأولى فإن ثاني وثالث أعمالها كانا بعيدين عن تكرار تجربة النجاح السابق.قصة أخرى كان بطلها الروائي الكبير أمين معلوف، والذي عرف عنه أنه منذ عمله الأول «الحروب الصليبية كما رآها العرب» قد لعب على تيمة «التسامح» الذي رآه المدخل الطبيعي للقارئ الغربي ولاحقا العربي، وجاءت هذه التيمة فيما يبدو كاستقراء جيد جدا للمزاج الأدبي في فرنسا والدول الأوروبية، إذ إن سنوات نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات قد شهدت اهتماما عالميا غير مسبوق بالإسلام بعد أحداث الثورة الإيرانية واحتلال أفغانستان، وكان من غير الطبيعي أن يترجم هذا الاهتمام روائيا، وهو الدور الذي لعبه أمين معلوف لكنه لم يقدم الإسلام دينا منتصرا بل قدم المسلمين من خلال نماذج لامعة ومتسامحة وعلمانية، في مقابل نماذج أخرى متعصبة ومؤذية، أي أنه قدم الإسلام «الجميل الأعزل» فأعجبت أوروبا بهذا النمط الجديد من الروايات، واهتم القراء بمعلوف الذي عثر هو الآخر على «مفتاح الكنز» فاستعمله خلال رواياته اللاحقة: ليون الإفريقي، سمرقند، حدائق النور، القرن الأول بعد بياتريس، صخرة طانيوس، موانئ المشرق.ونجح «المفتاح» نجاحا كبيرا، لكن فورة نجاح أمين معلوف أنسته بعض الشيء أن الأرض التي يقف عليها قد بدأت بالتموج، ولم يعد الإسلام ذلك الدين الذي يجذب الانتباه فقد لبِسَ مخالبا و نبتت له أنياب ولم تعد فكرة تقديمه بهدوء تغري أحدا! وذاك الذي كان وراء «برود مشاعر القراء» تجاه أعمال معلوف الأخيرة كـ: الهويات القاتلة، الحب عن بعد، رحلة بالداسار، بدايات، الأم أدريانا. وفي الاتجاه الآخر، وجد روائيون عرفوا كيفية الحفاظ على نجاح متصل، كمؤلفة سلسلة هاري بوتر جي كي رولينغ، والتي حافظت بقوة على قرائها خلال سبعة أعمال ابتلعت المكتبات منها حوالي 360 مليون نسخة! ويبدو أن الحساسية البالغة لهذه الروائية تجاه مزاج القراء قد كانت السبب الرئيس الذي جعلها تصرح بتفكيرها في إيقاف السلسلة والتفرغ بعدها لمشروع ثانٍ ربما يكون انطلاقة جديدة لها، وللأسف فإنه لا تتوفر نماذج كثيرة مماثلة في العالم العربي، ربما عدا قلة يمكن أن نذكر بينهم الروائي علاء الأسواني الذي لم يفكر في تحويل «عمارة يعقوبيان» إلى سلسلة، مفضلا أن تكون رديفتها «شيكاغو» عملا مستقلا عن سابقتها، ولعل هذا هو سبب النجاح الذي حظيت به الرواية. يشكل العمل الروائي الناجح علامة فارقة في حياة كثير من القراء ولكنه قد يتحول في بعض الأحيان لعقدة حقيقية لدى صاحبه، والذي يتحول في هذه الحالة من مبدع يكتب ما يمليه عليه إحساسه إلى تاجر يريد تسويق سلعة أثبتت جدارتها، وبالتالي تنسحب الذهنية المبدعة من ذهن الكاتب ليصبح عبدا لكتابه الشهير!

العرب القطرية 1-7- 2008

ليست هناك تعليقات: