الأحد، 27 يوليو 2008

سيمبوزيوم الديار يدخل مراحله النهائية

الدوحة - شبّوب أبوطالب
كانت نهاية الأسبوع الماضي موعدا مع إتمام غالبية المتنافسين في «سمبوزيوم الديار» التشكيلي لأعمالهم، وفيما لم تبقَ إلا بعض التدقيقات والرتوش الطفيفة فإن أعضاء لجنة التحكيم قد بدؤوا التفكير باكرا في النتيجة النهائية التي لن يكون حسمها سهلا.وتكشف جولة داخل كواليس المسابقة عن الصراع الصامت الذي يدور رحاه بين المتنافسين، كلٌّ على طريقته، فقد اختار الرسامان العراقيان الأسلوب الذي أعلناه من قبل، حيث جسّد الفنان سالم مذكور صورة لشيخ يتكئ على أحد جدران سوق واقف، بينما تكشف ملامحه ونوعية الجدار عن الشيء الكثير من ماضي قطر وتاريخها، وقد أبدع مذكور بشكل كبير في التعامل مع موضوعه وإن كان اللون السماوي الذي اختاره ليس لونا كثير الاستعمال في قطر، وهو اختيار سيضع التزام مذكور بالواقعية الفنية على المحك برغم وفائه لتمثيل صورة الرجل الذي «يعيش في غير زمنه»، حيث بدا الشيخ المرسوم خارجا لتوّه من عهد غابر، ومسافر بآلة زمن توقّفت دقائقها وثوانيها على موجات القرن الماضي. أما الفنان إسماعيل عزام فقد جسّد لوحة فنية من الخمسينيات تقريبا، وتمثل صورة لوسط سوق واقف وقد تناثرت على جنباتها المحلات بأسمائها الشعبية الشائعة حينذاك من «متجر الجوهرة» إلى «المعرض الوطني» وقد اختار أن يمثل صورة ذلك العهد بشكل يبدو أقرب للحَرفية منه للابتكار، وهو موضوع سبق أن رأيناه في أعمال سابقة لعزام وغيره من الفنانين المقيمين بقطر، ما يطرح سؤال التجديد لحظة الحكم على اللوحة حتى ولو دخل في الاعتبار التزام الفنان منذ البداية بإنجاز عمل واقعي لا فلسفة فيه.من ناحية ثانية، يظهر أن المنافسة ستكون حامية للغاية بين الفنانين: السعودي زمان جاسم والعُماني أنور سونيا على صعيد المقاربة الفنية وعلى صعيد العمل أيضا، فقد اختار الفنانان كلاهما المدرسة التجريدية واشتغلا على التناغم اللوني بشكل مدهش، وبدا لمن راقبهما أنهما الفرسان الأسودان في صراع الظفر بذهب «سمبوزيوم الديار»، حيث عمل زمان بشكل متقن للغاية وتوقّف مطوّلا عند كل تفصيل في لوحته، وصبر طوال الأيام الماضية على التعامل الهادئ مع لوحته فيما كان زملاؤه قد قاربوا النهاية، ولعله قد جسّد حقيقة مقولته إنه لا يرسم ما يخطّط له ولا يخطّط ما يرسمه وإنما يدع اللوحة لتنمو من تلقاء ذاتها، وفي الاتجاه المقابل فقد كان الفنان أنور سونيا على موعد مع حيازة جزء كبير من إعجاب الحاضرين، خصوصا أن من أجمل المشاهد التي قدمها السمبوزيوم للزائرين: اللوحة التي صنعها أنور سونيا بنفسه، فقد قضى يوم نهاية الأسبوع برمّته عاكفا على لوحة واحدة وتفصيلات دقيقة ولم يتحرّك ولو مترا بعيدا عن لوحته، وقد ظهر مشهد هذا الفنان المخضرم وهو يتوقّف عند أبسط التدقيقات مذهلا للغاية، خصوصا أن للجسد قوانينه التي يفرضها مرور الزمن، والتي يبدو أنور سونيا في حل من تطبيقها، أما على صعيد الاشتغال الفني فإن التجريدية هي الأخرى تطل برأسها من لوحة سونيا وتفرض سياقها على عمله، والاختيارات اللونية تُظهر المهنية العالية التي يتمتّع بها.من ناحية ثانية، ركّز بعض الفنانين على إنجاز أعمالهم بكفاءة وسرعة، فالفنان علي عزام أنهى أربع لوحات بدلا من اثنتين، وقال لـ «العرب» إنه قد جاء لـ «السمبوزيوم» مستعدا بشكل جيّد للغاية، ولذا لم يضيِّع وقته وانطلق في مشروعه مبكرا وتحولت ابتسامته غير محددة المعالم في اليوم الأول إلى أربع لوحات جميلة مزجت الواقعية بالتجريدية التعبيرية، وأظهرت مدى اشتغاله على اللون والاختيار الفني.نسويا، يبدو أن الصراع سيكون بطعم «الفلفل الأحمر» بين لوحتي الفنانتين: العراقية صبا حمزة والقطرية وضحى السليطي، حيث اختارت كلتاهما المدرسة التجريدية وفيما استوحت صبا حمزة فكرة الجدار لتصنع منها لوحة فإن وضحى السليطي قد استوحت الملابس، وبالتالي بدا الفرق واضحا في درجات الدفء اللوني بين صبا التي جاءت لوحتها خليطا بين البياض والزرقة والدفء الرمادي وبين السليطي التي كانت ألوان لوحتها دافئة للغاية، وسيكون من الصعب على أيٍّ منهما أن تحسم اللقب، كما سيكون من الصعب على لجنة التحكيم الفرز بين عملين يتشابهان في الذهنية والتنقية ويختلفان في اختيار موضوع التصميم. في اتجاه آخر يستمر الفنان إسلام كامل في استيحاء لوحاته بذات طريقة عمله في السودان، حيث يُعرف كامل لدى المطلعين على فنه بقدراته على امتصاص المضامين الثقافية الإفريقية، أو ما يُعرف بثقافة «السكان الأصليّين» وهو المذهب ذاته الذي يسير عليه في رحلته القطرية، حيث يلتقط صوره من أشكال أواني الطبخ وأدوات الاستعمال اليومي لكنه يقدّم كل ذلك بشكل تجريدي يلعب فيه اللون البنّي دوراً مهماً.وأمام هذا الكمّ من اللوحات المنتهية تقريبا فإن لجنة التحكيم ستكون «مهمومة» للغاية لدى اجتماعها المرتقَب للفصل في النتيجة النهائية، فمن جهة فرض بعض الفنانين «ريتما» عاليا على المسابقة كزمان جاسم وأنور سونيا، إذ يبدو صعبا أن يزيح أنور سونيا فنانٌ آخر غير زمان جاسم والعكس صحيح، بينما تبدو فرص البقية في منازعتها بعيدة، نظرا للمستوى العالي للغاية الذي فرضاه، أما بقية الفنانين فسوف تكون لجنة التحكيم مجبرة على التفاعل بإيجابية مع جهودهم، فعلي عزام الذي رسم بأكثر مما فعل أي فنان غيره، وأبدع في فنّه من غير المرجّح أن يخرج مبكّراً من السباق، ومثله السودانيان إسلام كامل ونور الهادي، أما الجانب النسوي من السباق، فيبدو من شبه المؤكد أن تظفر إحدى ممثلاته بجائزة ولو على سبيل حفظ الحق التمثيلي لـ «نون النسوة» في السباق، ولن يكون سهلا الفصل بين المتنافسات، خصوصا أنهن اعتمدن النوعية الفنية ذاتها، التجريد، وإن تنوّعت مصادر الاستيحاء لدى كل فنانة، كما يبدو ظاهر أن صبا حمزة ووضحى السليطي، إحداهما أو كلتاهما، ستحجز مقعدا ضمن كوكبة الأوائل.وبين هذا وذاك فإن لجنة التحكيم تباشر عملها بهدوء شديد وتلحظ تطوّر السباق دقيقة بدقيقة، فيما يبرمج الجمهور أنفاسه على توقيت المراحل النهائية التي ستكون نتيجتها الأخيرة جاهزة خلال 72 ساعة هي كل ما تبقّى من عمر أول «سمبوزيوم» تشكيلي في تاريخ قطر.

العرب القطرية
2008-07-27

ليست هناك تعليقات: