الاثنين، 28 يوليو 2008

أزمة سكن حادة يعاني منها أبطال الروايات الجزائرية



الجزائر: شبّوب أبو طالب
آخر الروايات الصادرة، في الجزائر، ليس في اي واحدة منها طرف خيط يشدّها إلى البلد. وقد تبدو الكاتبات أكثر نزوعاً إلى الترحال من الكتاب.
السنة الماضية أفاق المشهد الثقافي الجزائري على «طفلة» في السابعة عشرة من العمر، روائية ذات لغة وخيال يصعب التصديق بأنهما غير مستعارين، الأمر الذي استوقف الروائي السوري نبيل سليمان في زيارته للجزائر، حيث أبى إلا أن يسجّل صدمته بالظاهرة التي تسمّى سارة حيدر. المشكلة أن رواية سارة حيدر التي تحمل اسم «زنادقة»، لا ترتبط بشكل أو بآخر ببلدها، بل تمتد من نيويورك إلى بغداد دون أن تتوقف في بلد المليون شهيد. والأغرب أن «الطفلة» عندما تتحدّث لا تأتي على ذكر بلدها ولو عفوًا، تحدّثت عن كل شيء إلا عن الجزائر، حتّى اسمها بدا غريبًا عن تشكيلة الأسماء والألقاب الجزائرية التي يندر فيها هذا اللقب المشرقي «حيدر». توقّع الكل أن ما قامت به سارة مرحلة وانتهت، لكن عندما سئلت «ما الذي تقرئينه؟»، تبين أن الأزمة مستمرة، إذ جاء جوابها «التاريخ التركي !».
في الأيّام السابقة طلعت علينا روائية جديدة، كانت قد شرعت في كتابة «ثلاثية» وعمرها 14 سنة وأنهتها في الثامنة عشرة. ثلاثية «ذاكرة الدم الأبيض»، صدمت المشهد الثقافي الجزائري، فكاتبتها فتاة تمتلك لغة سابقة لسنّها بكثير، ولا تتخلّف قدراتها الوصفية عن قدراتها اللغوية إذ أنّها تُطَوِّّعُ الجمل حتّى لَكَأَنَّها ريشة في يد رسّام أو قلب عاشق في يد حسناء مستبدة. لكن المشكلة ظهرت ثانيةً، فأحداث هذه الرواية تقع بين مدينتي «مانشيستر» و«ليفربول» البريطانيتين، وليس فيها اسم عربي واحد كي لا نقول اسما جزائريا. الفتاة تحدّثت في ندوة مشهودة عقدتها في «اتّحاد الكتّاب الجزائريّين»، قالت خلالها إنّها تعبت كثيرًا لتكتب عن العهد الفيكتوري وأحداثه في بريطانيا ـ الرواية تدور أحداثها أواخر القرن 17 الميلادي ـ وأنّها عادت لكل ما توفَّر من كتب ومراجع، بل وجنّدت الشبكة العنكبوتية لتحصل على خرائط تفصيلية عن «مانشيستر» و«ليفربول» كي يكون تموقعها الجغرافي سليمًا ولا تتوه عن مناجم الفحم ومصانع القطن. حين سئلت خديجة نمري عن مشروعها الجديد الذي تضع فيه كل عقلها ومشاعرها، بعد أن أضافت للأدب الانجليزي عملاً آخر، قالت إنّها تفكّر في رواية بوليسية، وأنّها شرعت في الاستعداد لذلك بـ«حملة قراءة» استنزفت كل ما خطّته الراحلة آجاتا كريستي.... وبعد لأيٍ قالت إن أحداث هذه الرواية البوليسية قد تكون جزائرية.
ولم يتوقّف الأمر عند صغار المشهد الثقافي، فالروائي والجامعي سفيان زدادقة الذي كان أوّل من تحدّث عن الظاهرة العسكرية الجزائرية وسمّاها باسمها، شرع أخيرًا في كتابة عملٍ جديد عن «الموريسكيّين» في اسبانيا ومثله فعل الكثيرون. طبعًا لم يغترب المشهد بكامله، فما زال الثقل الساحق تمثّله روايات تتغذّى من سنوات الجزائر العصيبة، لكن «الظاهرة الاغترابية» تفرض نفسها بقوّة، خصوصًا إذا استكملت الصورة بقراءة إحدى الفقرات التي كتبها أحد النقّاد الايطاليّين ممن أقاموا في الجزائر طويلاً، إذ قال «مشكلة الرواية الجزائرية هي البطل المثقّف»، أي أن معظم الروايات الجزائرية مؤخّرًا لا تسجّل يوميات شعبية بقدر ما تسجّل احباطات مثقّف وتترجم تقوقعًا فاشلاً ضمن منظومة المجتمع ككل، وإلا كيف نفسّر الظاهرة المحيرّة التي تجعل غالبية أبطال الروايات الجزائرية كتّابًا وروائيين. وهي قاعدة لم يشذّ عنها سوى قلّة، بينهم الروائي الشاب الخيّر شوّار وعبد الوهّاب بن منصور والروائي السينمائي عيسى شريّط الذي أخرج عملاً بعنوان «الجيفة» يحكي يوميات حيّ فقير تملؤه الموبقات. هل صارت الجزائر بلداً طارداً للذّات الراوية؟ أم أن الأمر برمّته صدفة غير مرتّبة؟ وهل ينعم الوطن بسلام يجعل من العثور على «مأساة» مناسبة لكتابة رواية عظيمة ضرباً من المستحيل؟
يخيل للقارئ ان أزمة السكن الحادة في الجزائر، لحقت بأبطال الروايات فهربوا.
الاربعـاء 22 صفـر 1427 هـ 22 مارس 2006 العدد 9976

ليست هناك تعليقات: