الثلاثاء، 22 يوليو 2008

«سوق واقف» يؤجج المنافسة بين فناني «سمبوزيوم» الدوحة


الدوحة - شبّوب أبوطالب أطلق الفنانون العرب والقطريون المشاركون في فعاليات «سمبوزيوم الديار» مرحلة تصميم اللوحات المتنافسة على جوائزه، وكانت الساعات الأولى للانطلاقة شاهدة على تفرّد كل فنان بطريقته الخاصة، ورؤيته للأسلوب الذي يحقّق أفضل النتائج في التعاطي مع موضوع وحيد هو «سوق واقف» التي تم اختيارها كـ «تيمة» جماعية للسمبوزيوم.وقد بدا التباين واضحا بين الفنانين، فالفنان العراقي إسماعيل عزام اختار أن يكون عمله «بسيطا»، وبرأيه فإن «تيمة السوق نفسها تفرض موضوعا بسيطا، فنحن أبعد ما نكون عن موضوع يحتمل الفلسفة أو التأويل، أو ينقاد للتخريجات المعقّدة، لدينا سوق وناس يبيعون أو يشترون، وبالتالي فلا مجال للتطويل»، وعليه فإن اختياره كان أن يرسم «صورة قديمة وأخرى حديثة لسوق واقف، حيث تمثّل الصورة القديمة نظرة القطري لسوق واقف التي يعرفها المواطن القطري منذ الأيام الأولى لتأسيسها، وبالتالي فصورتها مرتبطة في الذهن بقضاء المصالح وإنجاز المعاملات، أما الصورة الحديثة فتمثّل رؤية الزائر للسوق، حيث تبدو حاليا كمكان تراثي أكثر منه مكانا تجاريا، وبالتالي فإن التركيز على رسم البناء والناس يعتبر أفضل فكرة للتعاطي مع موضوع رسمنا من وجهة نظري» كما يقول الفنان، وعلى عكس عزام فإن الفنان السعودي زمان جاسم يصرّ على أنه لم يحدّد موضوعا معيّنا للرسم، ويقول: «أرسم لأني بحاجة للاكتشاف، وأعتقد أن الرسم رحلة استكشافية في المقام الأول، وبالتالي فأنا أرسم وليس في ذهني شكل معيّن للوحة»، أما حول اهتماماته كرسام والنقاط التي يستوحيها في عمله فإنه يقول: «يستهويني اللون، خصوصا لون الأرض والأقمشة والأزياء النسائية القديمة، وأحاول أن أرسم لوحة تكون فيها رائحة الأرض ولونها وعمقها وتراثها وروحها، بحيث إذا رسمت جلسة قهوة تقليدية فإن هدفي أن أجعل المشاهد يشمّ رائحة القهوة حينما يواجه لوحتي، فهذا هو المستوى الذي أحاول الرسم لبلوغه من خلال طريقتي التي تُزَاوِجُ بين التجريد والزخرفة».ممثلتا مصر كانتا على طرفي نقيض، فالفنانة نادية معجبة تركّز على رسم الجدار باعتباره مرآة حقيقية للسوق، وتستعمل في سبيل ذلك تقنية تستلزم مهارة كبيرة، أي التعامل مع نشارة الخشب واستعمال القماش داخل جسم اللوحة، وهما مادتان تفرضان حذرا كبيرا في التعاطي معهما، بحيث إن أبسط خطأ يمكن أن يؤذي المنظر العام للوحة، نقطة يبدو أن فنانتنا منتبهة لها تماما، حيث تشتغل بهدوء شديد وبينما تعدّ موادّ رسمها فإنها تستوحي حركة الناس وألوان الأقمشة والبهارات وطريقة البناء لتصنع منها خلاصة جمالية، وفي المقابل فقد بدت مواطنتها هيام عبدالباقي منشغلة بتأمّل لوحات بيضاء! ولدى سؤال «العرب» عن سبب هذا السلوك قالت الفنانة: «أنا أستوحي لوحتي من حركة الناس داخل السوق، وحيث إنني زرتها في الصباح فقط حيث كانت الحركة التجارية منخفضة، فإنني أبعد ما أكون عن الرسم إلى أن يحل المساء وأتمكّن من مشاهدة غُدُوِّ ورواح المواطنين والزوار بداخله، وطريقة تعاملهم مع باعته ومع بعضهم وأسلوب تسويق الباعة وحينها فقط يمكنني البدء بالرسم» لتضيف لاحقا «السوق ليست البناء وحسب بل هي الناس أيضا، وبقدر أهمية البناء فإن شاغليها هم الجزء الأهم في الموضوع، خصوصا بالنسبة لي حيث أزاوج بين الأسلوبين: الانطباعي التجريدي والانطباعي التعبيري»، وكان لافتا أن الفنانة قد شغلت نفسها بالبحث عن كتب تتحدث عن تاريخ السوق أو صور قديمة لها، بما يعني أنها تود تثبيت صورة معينة عن السوق داخل ذهنها أو استكمال صورة غير مكتملة حتى اللحظة.في اتجاه آخر كان الفنان العراقي سالم مذكور منتشيا تماما، ومستعدا للإدلاء بتصريحات صحافية مستفيضة، فالرجل يشتغل على الرسم الزيتي، ما يعني أن لوحته تستلزم مرحلة صبر طويل في انتظار جهوزيتها، فترة قضاها في التعرف على نظرائه ومبادلتهم المزاح، وفي الأثناء قال لـ «العرب» إنه اختار شكل لوحته مبكرا، حيث سيرسم «صور شخصيات معيّنة مأخوذة من سوق واقف وتمثّل التناقض الكبير الذي يمثلّه العالم، فرجال مثل سائقي العربات أو باعة الخبز هم جزء لا يتجزّأ من ماضي السوق وحاضرها، إلا أن حقيقتهم ماضية وحضورهم الحالي أشبه بحضور مواد منتهية الصلاحية، هم موجودون ولكن صوريا فقط، غرباء في زمن غريب ومضطرون للتعامل مع ظروف وتكنولوجيات لم يكونوا يعتقدون يوما أنهم سيتعاملون معها، وبالتالي فإن اختيار هؤلاء كثيمة يساوي العثور على موضوع إشكالي حقيقي»، وبدا مذكور سعيدا جدا ومتحمّسا للرسم قائلا إن بإمكانه «رسم أكثر من لوحتين، فالأفكار جاهزة في ذهني، ولكن ما دام المطلوب لوحتين فقط فسأرسم لوحتين وأجتهد فيهما بالقدر الذي أستطيع.. فهذا أول عرض عامٍّ لي»!أما الفنان السوداني إسلام كامل فقد كان مشغولا على طريقته بالهم السوداني ولدى سؤاله عن موقفه من الاتهامات الموجَّهة لرئيس دولته بارتكاب جرائم حرب، ردّ قائلا «وجودي هنا نوع من الاحتجاج ورسمي نوع من الاحتجاج والذي سأرسمه نوع ثالث من الاحتجاج، فكل الذي سأفعله يمثّل موقفا»، ويبدو أن لكامل تقنية خاصة جدا في الرسم، فبينما تستكمل لوحاته الجفاف يقوم هو برسم لوحة ثالثة مصغّرة، ويقول في تبرير سلوكه «ما أفعله هو نوع من الإحماء والتسخين لذهني ويدي، فبهذه الطريقة أختصر جزءا كبيرا من وقت الرسم كما أكون في حالة نفسية وجسدية مستعدة تماما للتعامل مع اللوحة الحقيقية»، أما حول المدرسة التي سيلجأ إليها خلال فعاليات السمبوزيوم فقال «أفضّل الانطباعية التجريدية، وأركّز على فكرة الزمن كمساحة ترسم المكان وتهيّئه للتحول إلى لوحة، كما تجذبني الزخارف وديكورات الأبواب بشكل خاص، ومن هذه الثيمات جميعها أصوغ لوحتي الشخصية».وبينما يستمر الفنانون في الاشتغال فقد أبى المشرف على السمبوزيوم، الفنان محمد العتيق، إلا أن يرسم هو الآخر وليس معروفا ما إذا كان ينوي الدخول في المسابقة أم مجرّد ممارسة هوايته المفضّلة، أما الفنانة القطرية وضحى السليطي فتواصل التعاطي المرح مع نظرائها ويستمر الفنان علي عزّام في التجول صامتا راسما ابتسامة غير محدّدة الهوية على تقاسيمه البريئة.. وبين هذا وذاك تستمر المسابقة على قدم وساق، وستعود لاحقا لاستكمال الجولة بين أروقة أول سمبوزيوم تشكيلي في تاريخ قطر.
العرب القطرية
2008-07-22

ليست هناك تعليقات: