الأربعاء، 9 يوليو 2008

أحمد مطر يشتم أدونيس ويهدّد بإلغاء نزار قباني


2008-07-08 الدوحة - شبّوب أبوطالب عرف الأدب العربي عددا مهما من الرموز في الخمسين سنة المنصرمة، ولا ريب أن أحمد مطر ونزار قباني وأدونيس يمثلون النجوم التي أضاءت أكثر من غيرها، اختلفت طرقهم ولكنهم وصلوا للناس بشكل واسع واستطاعوا بناء قاعدة جماهيرية واسعة.. إلا أن هنالك مساحة غير معروفة جمعت هذا الثلاثي وقصصا جميلة عفى عليها الزمن بينهم.يعرف أحمد مطر واحدا من أشعر منتقدي الحكومات العربية، وإذا كان الرجل قد نفي من الكويت إلى لندن فإن شعره لم يتخلف عن الوصول للناس، وقد حقّق مساحة عريضة من الشهرة والمحبة الكبيرة، ولا ريب أنه كشاعر يسمو فوق أي مقارنة إلا مع نزار قباني، والذي لا يعرفه كثيرون هو أن الرجلين صديقان حميمان، وقد تواصلا كثيرا ولم تفرقهما الغيرة التي تشعل القلب نارا بين أرباب «الصنعة الواحدة»، بل إن نزار قباني قد أشار على أحمد مطر بخطة تنفعه في حياته، كما روى هو نفسه ذات حوار «ولا أنسى أنّ نزار قبّاني قد أخذ عليّ -أكثر من مرّة- أن أدفن نفسي حياً، وأنشغل بالحرب دون الحب. وقد أزعجه أن يذهب شبابي دون أن أخوض في هذا اليم الساحر، فأستحضر في النفس الأمّارة.. كلّ شياطين وملائكة الشعر»، والواقع أن أحمد مطر قد وقع دوما في مشكلة مقارنته مع نزار، وسأله جميع من يعرف: لم لا تكتب الغزل؟ خصوصا أن مقدرته الشعرية خارجة عن نطاق أي شكٍّ، لكن الرجل المطارد والمتعب والمثقل بالمشاكل لم يكن يجد وقتا لكل ذلك مع اعتزازه الكبير بشاعريته، وقد أجاب مطر عن الأسئلة التي وجّهت إليه في قصيدة جميلة جدا حملت اسم «أعرف الحب.. ولكن!» وطفحت بالمعاني المشرقة: «هتفت بي: إنني مت انتظارا/ شفتي جفّت/ وروحي ذبلت/ والنهد غارا/ وبغاباتي جراح لا تداوى/ وبصحرائي لهيب لا يدارى/ فمتى يا شاعري.. تطفئ صحرائي احتراقا/ ومتى تدمل غاباتي انفجارا/ إنني أعددت قلبي لك مهدا/ ومن الحب دثارا/ وتأملت مرارا/ وتألمت مرارا/ فإذا نبضك إطلاق رصاص/ وأغانيك عويل وأحاسيسك قتلى/ وأمانيك أُسارى/ وإذا أنت بقايا من رماد وشظايا/ تعصف الريح بها عصفا وتذروها نثارا/ أنت لا تعرف ما الحب وعبثا متُّ انتظارا/ رحمة الله على قلبك يا أنثى/ ولا أبدي اعتذارا/ أعرف الحب ولكن../ لم أكن أملك في الـمُرِّ اختيارا/ كان طوفان الأسى يهدر في صدري/ وكان الحب نارا/ فتوارى!!/ كان شمسا.. واختفى لما طوى الليل النهارا/ كان عصفورا يغني فوق أهدابي/ فلما أقبل الصياد طارا/ آه لو لم يطلق الحكام في جلدي كلابا تتبارى/ آه لو لم يملؤوا مجرى دمي زيتا/ وأنفاسي غبارا/ آه لو لم يزرعوا الدمع جواسيس على عيني بعيني/ ويقيموا حاجزا بيني وبيني/ آه لو لم يطبقوا حولي الحصارا../ ولو احتلت على نفسي فجاريت الصِّغارا/ وتناسيت الصَّغارا/ لتنزلت بأشعاري على وجد الحيارى/ مثلما ينحلغيم في الصحارى/ ولأغمدت يراع السحرفي النحر/ وفي الثغر/ وفي الصدر/ وفي كلبقاع البرد والحر/ وهيجت جنون الرغبات الحمر/ حتى تصبح العفة عارا/ ولأشعلت البحارا/ولأنطقت الحجارا»، والغريب أن أحمد مطر الذي يهدد في هذه القصيدة القديمة بأن يجعل «العفة عارا» لو كانت الظروف غير الظروف التي نواجهها، الغريب أنه يذكر صديقه نزار قباني في آخر مقطع من القصيدة: «ولخبأت (امرؤ القيس) بجيبي/ ولألغيت نزارا»!، وهذه اللفتة تجاه نزار لم تكن عفوية فالرجلان صديقان، والذي يجمع بينهما أكثر من الشعر بل الرابطة الإنسانية، فكلاهما كتب الغزل صغيرا وكلاهما ثار على الأنظمة، ولعل الفارق الوحيد بينهما أن أحمد مطر قد ثار على النظام العربي مرّة واحدة وأعلن عداوته جهارا نهارا، أما نزار قباني فجاءت ثورته بالتقسيط بدْءًا من ديوان «هوامش على دفتر النكسة» الذي كتبه عام 1967، وظل رغم ثورته مجبرا على شيء غير قليل من المداهنة التي مثلتها قصائده العراقية واعتذارياته المصرية وكذا العلاقات الطيبة التي جمعته ببعض رموز الشعر والسياسة الخليجيّين، ولعل السبب الذي جعل نزار يقدم على هذا هو أن لديه ما يربحه ولديه ما يخسره، فقد كان صاحب دار نشر وعائدات دواوينه تحقّق أرباحا وفيرة، وفي كل قطر يحل به يحظى بتكريم، وقد رأى -ربما- أن ما من مبرر ليخسر كل هذا، أما أحمد مطر فإنه أعلن العصيان المدني باكرا ولم يكن لديه ما يخسره فقد اضطهدت عائلته وهرب من العراق ومن ثم إلى الكويت، وبعدها نفي إلى لندن، حيث فقد صديقه الأقرب، الكاريكاتيري الراحل ناجي العلي، وبرغم هذا الاضطراب الذي عاشه أحمد مطر فإن علاقته بنزار لم تتأثر ولعل الشفقة كانت الشعور الطاغي عليه تجاه صديقه، فنزار هو الآخر انتهى في آخر حياته شيخا وحيدا لم ينقذه سوى كاظم الساهر الذي أعاد روائعه الشعرية مرة ثانية إلى التداول، وبالتالي فقد انتهى الاثنان إلى ذات المصير. وعلى عكس هذا الشعور المفعم بالصداقة الذي طبع علاقة نزار بمطر، وإن هدد الأخير بإلغاء الأول شعريا، فإن علاقة مطر بأدونيس حملت شيئا غير قليل من عوامل الازدراء البالغ لشعر أدونيس، ولعل ذلك يعود في جزء منه إلى أن مطر لا يعترف بأدونيس شاعرا، وإن قدّره على المستوى النقدي، وهي نظرة تلقى قبولا كثيرا في العالم العربي، فأدونيس الذي لا يختلف مجنونان ولا عاقلان على رياديته النقدية وقدراته التنظيرية الاستثنائية لا يحظى بكثير اهتمام كشاعر، إلا على سبيل المجاملات، ويندر أن تجد شخصا حافظا لقصائد أو حتى مقاطع من شعر أدونيس، بينما يحدث العكس مع نزار وأحمد مطر وآخرين دونهما في الشاعرية، ولمن لا يؤمن بموقف مطر من أدونيس فإن قصيدته «عقوبة إبليس» خير رادع، ويقول فيها «طمأن إبليس خليلته/ لا تنزعجي يا باريس/ إن عذابي غير بئيس/ ماذا يفعل بي ربي في تلك الدار؟/ هل يدخلني ربي نارا؟/ أنا من نار!/ هل يبلسني؟/ أنا أبليس!/ قالت: دع عنك التدليس/ أعرف أن هراءك هذا للتنفيس/ هل يعجز ربك عن شيء؟!/ ماذا لو علمك الذوق/ وأعطاك براءة قديس/ وحباك أرق أحاسيس/ ثم دعاك بلا إنذار../ أن تقرأ شعر أدونيس؟!».

ليست هناك تعليقات: