الأحد، 6 يوليو 2008

الجزائرية مسعودة مرابط تطالب نابليون بديونها






الجزائر: شبّوب أبو طالب

أطلق البرلمان الفرنسي قانونًا جديداً ينص على ما سمّي «فضائل
الاستعمار»، ويثني على قرون من استعباد شعوب شمال أفريقيا
وغربها. وقد ظلّ هذا القانون خانقا للكثيرين حتى تكلمت الدكتورة
الجزائرية مسعودة مرابط، فأنهت القضية برمّتها!
في سبيل استرضاء أصوات اليمين الأكثر تطرّفًا قبل انتخابات
الرئاسة المقبلة، لجأ البرلمانيون الفرنسيون إلى سنّ قانون غريب
يُمجِّد الاستدمار الذي طال الشعوب الأفريقية. سُنَّ هذا القانون
في ظرف لا أخلاقي اتسم باستعداد الجزائر ـ درّة المستعمرات
الفرنسية ـ لتوقيع اتفاق صداقة مع باريس، يطوي مشاكل يزيد عمرها
على ثلاثة قرون! أكثر من هذا، فإن الرئيس الجزائري، عبد العزيز
بوتفليقة، كان على فراش مرضه في المستشفى العسكري الفرنسي الأشهر
ـ فال دو غراس ـ مما يعني أن النواب إيّاهم وجّهوا شتيمة
لضيافتهم وضيفهم! ولم يتورّعوا عن استثارة الرجل الذي شارك في
حرب التحرير الجزائرية، ولا عن استثارة جراح عشرات الملايين من
الشعوب الأفريقية المُسْتَعْمَرة سابقًا والتي لا تفهم أي معنى
لقانون يمجّد التجويع والتجهيل والإبادة المنظمة...عاصفة من
الاحتجاج أثارها القانون الجائر وما زال، ولم يحسّ أحد بأن شيئًا
قد ردّ الصاع لأشبال ديغول.
ظلّت الحال هكذا، حتّى أطلّت الدكتورة الجزائرية، مسعودة يحياوي
مرابط، على القضية من نافذة البرنامج الإذاعي «فواصل» الذي
ينشّطه الصحافي السعيد جاب الخير. الدكتورة إيّاها صادت فرصتها
وسدّدت بإحكام قنّاص ميداني: «لقد تعلّمت في مدرسة فرنسية، ونلت
شهادة الدراسات العليا من باريس، وكذا شهادة الماجستير ودكتوراه
الدولة. إنني سليلة الأكاديمية الفرنسية العريقة، ولكن!». ثم
تشرع الدكتورة في قراءة التاريخ الاستعماري كما كتبه الضّباط
الفرنسيون والمبدعون والصحافيون... أي من خلال الاعتراف الصريح
المحفوظ في الأرشيف الرسمي الفرنسي. قالت إن الأرشيف الفرنسي
يكشف أن ثورة 1789 مُوّلت من قبل الجزائر التي أنقذت الجمهورية
الوليدة حين حوصرت اقتصاديًا، إذن فإن نابليون وكل أولياء عهده،
مطالبون بسداد ديون حفظها أرشيفهم الرسمي ـ لا تقل عن بضعة
مليارات دولار ـ بدل الشروع في شتم ذاكرة الدائنين! وتضيف
الدكتورة أن الوثائق العسكرية الفرنسية تكشف عن «علاوات» كانت
تمنح لكل جندي فرنسي يقطع أذن أو أنف أو معصم جزائري، وأن
الترقية في الجيش الجمهوري كان ثمنها ممارسة البربرية بأبشع
صورها، ولا يتوقّف الأمر عند هذا لأن الأرشيف ذاته يعلن عن
«مجازر تمّت بأمر رسمي» وضدّ أشخاص عزّل ـ أطفال ونساء وشيوخ ـ
هربوا من جحيم الحرب، حدث ذلك مع كل من الجنرالين؛ بيليسي وبيجو،
وشهدت عليه مناطق غرب الجزائر ووسطها وكهوف «آل الصبايح» ومزارع
«آل المقراني» وسط الجزائر.
ومثل رشّاش سريع الطلقات، واصلت المتحدّثة سردها لأفظع ما
يتصوّره عقل من ممارسات استعمارية محفوظة في السجل الرسمي الوطني
الفرنسي.. تحدّثت عن قانون يقسّم البشر إلى قسمين دعي «قانون
الأهالي»، وعن ديمقراطية فرنسية يساوي فيها صوت فرنسي واحد أصوات
8 جزائريّين! وعن فظاعات أكاديمية قادها مبدعون وباحثون فرنسيون،
كـ«لوي بيرترون» الذي فرّ من الاحتلال الألماني لـ«الألزاس»
ليدرّس بالجامعة الفرنسية في الجزائر، ثم وجد في نفسه الشجاعة
الكافية ليقول إنّه «عاد لأرض أجداده اللاتينيّين» وأن 8 ملايين
جزائري هم «لا شيء.. شعب من رؤوس البرانيس»، ثم يتسامح زملاؤه
فيدرّسون طلبتهم الجزائريّين أن الأمير عبد القادر ـ قائد
المقاومة الوطنية ومؤسّس الدولة الجزائرية الحديثة ـ كان «فتى
شجاعًا... يأكل خبز الشعير ويقضي نهاره على حصانه ويستطيع الصراخ
أمام الجنرال بيجو!». هذا هو الأمير الذي أذلّ الإمبراطورية
الفرنسية 17 عامًا متّصلة، ولم يضع السلاح إلا بعد «تفاهمات»
فرنسية مع سلطان المغرب الأقصى. ولم يقف الأمر عند قتل البشر، بل
امتدّ إلى قتل حضارتهم لأن الاستعماريّين من «شُذاذ الآفاق»
راحوا يحاولون اختراع لغة دعيت «التاتاوات» لتحلّ محل العربية
التي اعتبرت لغة أجنبية في أرضها، واعتُبر الشعب الجزائري ثورًا
فرَّ من عالم الحضارة الغربية ووجبت إعادته إليها كما بشّر بذلك
«الباحث» ألبيرتو فيموس في ثلاثة كتب جد قيّمة! ولم يكن ناقصًا
لاكتمال المشهد سوى أن يشهد الإحصاء الفرنسي أن عدد سكان الجزائر
كان 10 ملايين عام اندلاع ثورتهم التحريرية في أول نوفمبر (تشرين
الثاني) عام 1954 لـ«يرتفع» إلى 8 ملايين في نهايتها! والباقي
محذوف بالنابالم والقنابل الفوسفورية وفرق الإعدام الجماعي التي
طبّقت «تعاليم الإنسانية الفرنسية».
الدكتورة مسعودة جدّدت محاولات جزائرية سابقة لتدوين جرائم
الاستعمار كان قادها كلّ من الأكاديميين الراحلين الحاج حمّو عبد
القادر، عيسى زهّار، جميلة دبّاش، آكلي ورابح زناتي.. الخ. كما
قدّمت مداخلة «قطعت قول كل خطيب»، ومن باب «وشهد شاهد من أهلها»
باعتمادها على الأرشيف الرسمي الفرنسي الذي شهد على جرائم دولته،
فإن رأى «نوّاب الجمهورية» أن الجرائم بحقّ الإنسانية، هي «محض
فضيلة استعمارية».. فإن «أقفاص حدائق الحيوانات تسع الجميع!» كما
علق مجاهد جزائري حانق.
الشرق الأوسط اللندنية
الاربعـاء 19 ذو الحجـة 1426 هـ 18 يناير 2006 العدد 9913

ليست هناك تعليقات: