السبت، 19 يوليو 2008

سلمان رشدي يثير أزمة ثقافية في السعودية



الدوحة ـ شبّوب أبوطالب شارك الروائي السعودي يوسف المحيميد قبل فترة في مؤتمر «أصوات عالمية» الذي نظمته منظمة «قلم» المرؤوسة من قبل الروائي سلمان رشدي، وضم المؤتمر حوالي خمسين كاتباً من 23 دولة، وتحدث ضيوفه عن الحرية والقمع في العالم، كما تناولوا بالتفصيل عن تجاربهم الأدبية في بلدانهم، وأثارت مشاركة المحيميد ردودَ فعل غاضبة كثيرة؛ حيث رأى منتقدوه أن الرجل قد ذهب ليصافح الشخص الذي شتم الإسلام والمسلمين، واعتدى على حرمة النبي الكريم –صلى الله عليه وسلم- وأهل بيته، وولغ في عرض أمهات المؤمنين، بينما حاول المحيميد تبرير فعلته بطرق شتى.وجاءت أعلى صيحات النقد المهذب من طرف الداعية السعودي المعروف، الدكتور سلمان بن فهد العودة، والذي كتب مقالاً في صحيفة «عكاظ» بعنوان «يوسف أعرض عن هذا»!، وقد تحدث بشكل مهذّب عن فعلة المحيميد، مبتدئاً مقالته بالحديث العام عن واقع الأدب السعودي بقوله: «اتّسَعت دائرة الأعمال الروائية في المملكة، وتراوحت أسباب رَوَاج هذه الأعمال بين الإبداع الفني والأدبي، وبين ملامسة المستور والمحظور الاجتماعي..يظل الكثير من الكتاب والكاتبات أبناء فطرة وانتماء، اتفقنا معهم أو اختلفنا، وهم جزء من هذا المجتمع، الذي يحتاج في هذه المرحلة إلى تَفهّم التنوع بين أطيافه، شريطة اتفاق الجميع على القواعد الأساسية التي تحكم وجوده، وهي قواعد ثقافية وشرعية ووطنية».وتحدث بعد ذلك عن المحيميد قائلاً: «لذا فإنني أعتبر أن حضور أحدهم في مؤتمر ثقافي، ينظمه سلمان رشدي في الولايات المتحدة الأمريكية، تحت رعاية مؤسسة (قلم) التي يرأسها؛ لم يكن مقبولاً بحال...أنت لا تمثل نفسك؛ فأنت عضو في مجتمع سعودي، وانتماء عربي، ونسيج إسلامي، والرجل الذي تقابله وتحاوره هو من الاستثناءات التي يجب عزلها، وليس تقوقعاً أن ترفضه؛ كما رفضه العالم الإسلامي كله. مُرتدّ يسخر بالله ودينه وآياته ونبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -، ويصوّر بيت النبوة على أنه وكر للرذيلة، ويزدري أمهات المؤمنين، وأصحاب النبي الكريم، ويتوقّح في تصوير جنسي لمقام النبوة، ووصمٍ بالشذوذ، في رواية يقول النقّاد عنها: إنها تفتقد الحسّ الأدبي، وإن انتشارها هو بسبب انتهاكها للمقدس، واستفزازها لمليار وثلاثمائة مليون مسلم، ربّما لم يحسن بعضهم التعاطي معها كما يجب، فأشهرها بدلاً من أن يتجاهلها؛ لتموت بالصمت والإعراض».ودعا العودة الروائي المحميمد للبحث عن مياه جديدة يسبح فيها بعيداً عن مستنقعات سلمان رشدي، وخاطبه بالقول: «ثَمَّتَ فرص عالمية للمشاركة، وتمثيل الإبداع الأدبي والفني، وأنت تملك روح الإبداع، والتوفّز للنجاح، وتحقيق الطّموح الإنساني، بيد أنّ يَدَك إن صافحت يداً ملوثة بالوقيعة في أعراض الأنبياء والمرسلين، وقادة الموكب الإنساني الطهور، ورجالات خَيرِ جيل، وأمهات المؤمنين المشمولات بالرضوان والرحمة؛ فإنها سوف تعثر عن مواصلة طريقها الواعد، إلا أن تستعيد جدارتها بماء الوضوء، وتتنصل من سابقتها، وتحاول الرِّيادة لتقول: جئتكم من عند هذا السبيل الذي لا بِرّ فيه ولا خير، وقد كفيتكم أمره؛ فدعوه»!أما المحيميد وبعد أن تحفّظ طويلاً حول سؤال ما إذا كان قد قابل سلمان رشدي في المؤتمر أو لا، فإنه قد نفىفي برنامج»إضاءات» التلفزيوني أنه قد قابله قائلاً: إن «رشدي لم ينظم المؤتمر، وإنما كان اسماً شرفياً فيه فقط»، ويمثل هذا التصريح تناقضاً مع تصريحه السابق الذي قال فيه: «نحن في جلسات تضم كل المشاركين بمن فيهم سلمان رشدي وكتاباً عالميين آخرين، ودعوتي لهذا المهرجان هي دعوة لصوت من العالم العربي لا أكثر»وأضاف : «رغم تقديري للشيخ العودة الذي تحول من صاحب موقف متشدد إلى موقف أكثر تسامحاً وانفتاحاً، إلا أن رسالته أقرب إلى الوصاية على تحركاتي، وهي وصاية أرفضها، وأرفض أن يحدد لي ما يجب أن أحضر أو لا أحضر».كما يمثل محاولة للتبرؤ من لقاء رشدي ومن المهرجان برمّته بعد أن دافع عنه سابقاً بالقول: «أعتقد أن سلمان رشدي يعمل في وظيفة ضمن هذا المهرجان، وهي وظيفة يمكن أن يشغلها أي شخص، وقد تنتقل من شخص لآخر، وحضوري يمثلني ويمثل ثقافتي وإبداعي، وليس بالضرورة أن أتفق مع سلمان رشدي، والكثيرين من الحضور، ولكن أنا ككاتب وأديب أقدم أدبي، بصرف النظر عن هذه الأمور، ولا يعني هذا أن أتقوقع وأجلس في البيت..المؤتمر لا يمثل سلمان رشدي، واسمه (أصوات عالمية)، ويهتم بالثقافة العالمية تحديداً، وكون رشدي أحد هؤلاء المنظمين لا يعني ذلك أن أرفض أن أشارك ضمن هذه الأصوات العالمية..هذه ليست دعوة منه إلى منزله، وحتى لو كان هذا الشخص قد تحدث بشكل سيئ عن وطني وديني فوجودي وحواري معه قد يكشف لي أشياء كانت غائبة».ما قام به المحيميد لا يمكن تصنيفه إلا في خانة شجاعة «الواحدة ونص»، فإذا كان مقتنعاً بالذهاب للمؤتمر ولقاء رشدي فلَِمَ يناقض نفسه، فمرة يوحي بأنه التقاه وثانية ينفي ذلك، ومرة يدافع عن المؤتمر وكأنه هو راعيه، وثانية يقول إنه مناسبة ثقافية عادية، ومرّة يقول إن رشدي كان حاضراً حضوراً شرفياً، وثانية يقول إنه هو المنظّم!... وهذا التخبط في الرأي، وعدم القدرة على الاستناد على أساس صلب لا يمثل استثناءً ولا «إنجازاً شخصياً» لصالح المحيميد، بل هو الصفة الغالبة على كثير من المثقفين العرب، وبالأخص السعوديين حيث لم يتم الحسم حتى هذه اللحظة في الأسلوب الأمثل للتعاطي مع ملف الثقافة، ففي وقت سابق كانت مشاركة المحيميد ستجرّ عليه ويلات التكفير وربما القتل، أما الآن فالمملكة في مرحلة وسطى تتحرّك فيها، ولكن بخطى غير متوازية على كلّ الأصعدة، وهو ما يعني أن لا شيء محسوم، والكتاب غيرُ قادرين على اتخاذ خطوات جذرية، طالما أن الدولة بهياكلها الرسمية لم تنخرط في مسيرة التحديث، ولازالت تقف حائرة أمام قضية بسيطة كقيادة المرأة للسيارة!يذكر أن المحيميد من مواليد الرياض 1964م، وقد مارس الرسم والتصوير في صغره، ونشر أربع روايات حققت له شهرة معقولة في العالمين العربي و الغربي، وهي: «نزهة الدلافين» و«لغط الموتى» و«فخاخ الرائحة» و«القارورة».
العرب القطرية ـ 2008-07-19

ليست هناك تعليقات: