الاثنين، 28 يوليو 2008

المهرجانات الموسيقية الجزائرية.. كثرة العدد وفوضى التنظيم!


الجزائر: شبّوب أبو طالب
يصادف زوّار المدن الجزائرية مهرجاناتٍ موسيقية في كلّ مكان، هناك «مهرجان الرّاي» في مدينة وهران، «مهرجان تيمقاد» في مدينة باتنة، «ليالي الكازيف» في العاصمة و«مهرجان الموسيقى الأندلسية» بمدينة تلمسان... مهرجانات لمختلف الأذواق الموسيقية المحلية والدولية، مهرجانات بلا حصر، فما الحكاية؟ وكيف هو واقع المهرجانات الموسيقية الجزائرية؟ وماذا تخفي وراءها؟
للمهرجانات في الجزائر قصّة طويلة جدا، انطلقت بمسعى رسمي عام 1967لإنشاء مهرجان موسيقي ضخم باسم (مهرجان تيمقاد)، تطوّر من الصّبغة الوطنية إلى المتوسّطية إلى العالمية. وبمرور الوقت توالدت الهيئات الجزائرية التي ترعى المهرجانات والحفلات، وأخذت طابع عدم الاستقرار بناءً على التغيير الدّائم الذي شهدته التشريعات المختصّة من جهة،ومن جهة أخرى ذلك الصّراع الأيديولوجي الذي تشتهر به الجزائر بين (المعرّبين) و(المفرنسين)، والذي قاد إلى فقدان البوصلة باستمرار. فمثلاً يحدث أن يأتي (معرّب) لإدارة مهرجان موسيقي، فيكون التّداعي الطّبيعي أن تصبح غالبية المدعوّين من المشرق العربي، وتتلوّن اللّوحات بـ (الدبكة) و(العرضة) وغيرهما، فإذا آلت الإدارة في العام الذي يليه إلى (مفرنس)، فإنّه سيقصي كلّ هؤلاء ويدعو خوليو إيغليسياس وجيمي كليف!
بموازاة هذا عملت الوفرة البترولية على تشجيع مبادرات إقامة مهرجانات موسيقية من مختلف التصنيفات، محلية، وطنية، دولية، باعتبار الخزينة قادرة على السّداد، وتوفّر (مساحات شاغرة) داخل التشريعات المختصة يمكن لها فتح نافذة الربح الشخصي. وبمرور الوقت بدا أن أفضل إنجازات الإدارة الجزائرية هو كمّ ضخم للغاية من المهرجانات الموسيقية وتوابعها، تنظّمها هيئات رسمية وأهلية، دون فائدة ولا نتيجة.
من ترتيب الفوضى إلى الفوضى المرتّبة
* الى ما قبل العام الماضي، لم تكن التشريعات الجزائرية تتضمن شروطاً واضحة ومفصّلة لكيفيات الحصول على (الاعتماد الرّسمي) لإقامة مهرجان موسيقي، إذ كان يكفي استئجار قاعة أو مسرح في الهواء الطّلق لرفع لافتة (المهرجان الوطني....) أو (المهرجان الدّولي..)، والمشكلة أن هذه المهرجانات كثيرًا ما تحفل بما يسيئ إلى اللافتة (الوطنية) المرفوعة، وتحسب بالتّالي على البلد، لا على الهيئة المنظّمة... ويكفي كدليل على ذلك أن (وكالة إعلانية) نظّمت مهرجانًا موسيقيًا دوليًا، رغم أنّ ليس من مهامها فعل ذلك.
لإنهاء هذا الوضع بادرت وزارة الثقافة الجزائرية إلى إقرار تشريعات جديدة، نظّمت من خلالها العملية، وجاءت بالصّيغ القانونية الكفيلة بضمان تنظيم مقبول للمهرجانات الموسيقية، إلاّ أن تشريعاتها الجديدة لم تجد طريقها السريع إلى النّفاذ، بل تمّت مقاومتها بشدّة، إذ وقف ضدّها مسؤولون نافذون في التلفزيون الجزائري ومسؤولون نافذون في أكبر الوكالات الإعلامية الرّسمية، بل وشهد التلفزيون الرّسمي العام الماضي تغطية غير مسبوقة لمهرجان (ليالي البهجة)، الذي شارك فيه كثير من الفنّانين، مثل مصطفى قمر، شيرين وجدي، محمد منير. والغريب أن مسؤولي هذه الهيئة الرّسمية قد فعلوا هذا رغم يقينهم أن المهرجان غير قانوني، بل ودخل أثقل جهاز إعلامي جزائري على خطّ التنظيم والتّمويل أيضًا!
التشريعات الجديدة عانت أيضًا من (تفخيخ) داخلي منعها من النّفاذ، إذ أن مهرجاناً موسيقياً دولياً كـ (مهرجان تيمقاد) لا يمتلك هيئة تسيير مستقلة، بل ولا يعتمد مقاييس الرّبح والخسارة! وتصوّروا انه يعيش على موازنة سنوية من وزارة القطاع لا تُصَبُّ في رصيده إلا في آخر لحظة، قبل أسبوعين من انطلاقه، هكذا فإن القائمين عليه لن يجدوا فرصة التعاقد مع أي اسم محترم نظرًا لضيق الوقت، وسيضطرّون لـ (تمشية الأمور) بأي اسم وجدوه عاطلاً عن العمل!. أكثر من هذا فإن اعتماد المهرجان على موازنة رسمية قاد إلى لا مبالاته بالنّجاح الجماهيري، فحتّى لو غاب الجمهور فلن يتأثّر المهرجان، لأنّه لا يتغذّى على حصيلة بيع التذاكر، بل على الموازنة الرسّمية، وفي أحدى حفلاته لهذه السّنة كان عدد من اقتنى التذاكر هو 24 شخصًا من بين 10.000حضروا الحفل، ومع ذلك فلا احتجاج!
خطوات إلى الأمام
الخطوة التي اتّخذت قبل سنتين، عزّزت هذه السنة بقرارات مجلس الوزراء، الذي اعتمد، تسمية 6 مهرجانات وطنية، وأقرّ إفراد هيئة إدارية مستقلة (محافظة) لأبي المهرجانات الموسيقية الجزائرية ـ مهرجان تيمقاد ـ مع خصّه بميزانية مستقلة.
وجهاز رقابي يؤطّر عمله، وفق المقاييس الاقتصادية، يضاف إلى ذلك تعزيز العملية الرقابية على بقية المهرجانات التي جرى التّأكيد على أن الجهة الوحيدة الكافلة لإصدار (تصاريحها) هي وزارة الثقافة. وهكذا فقط جرى تحييد أصحاب النفوذ الذين عرقلوا طويلا التطوّر التسييري والأدائي لهذه التظاهرات الثقافية، ويبدو أن استحداث محافظات مختصة سيمكّن أيضًا من إنهاء الصّراع المحتدم بين (المعرّبين) و(المفرنسين) على تولي مهام الإدارة وما يرتبط بها من ريوع، إذ إن إخضاع الإدارة لضوابط العملية التسويقية ربحًا وخسارةً، سيقلّص مساحات النّفاذ إلى المال العام بلا حسيب ولا رقيب.
تبدو الجزائر في مرحلة صناعة تقاليد ثقافية محترمة، ويظهر أن أخطاءها السّابقة كانت سلة تجارب يمكن الاستفادة منها في صناعة غدٍ أحسن، وما اختيارها عاصمة لاحتضان (المؤتمر العربي الأوّل لمسيّري المهرجانات الموسيقية) إلّا دليل على تزكية عربية لمجهود يستحق الاحترام... ربما!
الاربعـاء 06 رجـب 1426 هـ 10 اغسطس 2005 العدد 9752

ليست هناك تعليقات: