الاثنين، 7 يوليو 2008

عزمي بشارة يخطف «نشيد الأنشاد» من الصهاينة





الدوحة - شبّوب أبوطالب

يستعيد الناشط السياسي والفلسفي الدكتور عزمي بشارة في هذا الكتاب كامل تفاصيل «نشيد الأنشاد» ولكنه يضمنها روحا فلسطينية، وإذا كان «نشيد الأنشاد» الأصلي منسوبا، وفق النظرة التوراتية، لسيدنا سليمان، وقد كتبه بين القرنين الخامس والثالث قبل الميلاد، وتحدث فيه عن «شولا ميت» التي يقال إنه طمع بالزواج منها فرفضت متمسكة بعريسها، إذا كان هذا هو «نشيد الأنشاد» وفق نظرة التوراة فإن عزمي بشارة يحاول من خلال كتابه الجديد استعادة حقوق الملكية العربية لهذا السفر التوراتي.يتحدث «نشيد» عزمي بشارة وفق ذات منحى الكتاب الأول، فهو حكاية حب واعترافات تدونها امرأة تنتظر عريسها الغائب، لكنه في الآن ذاته شهادة على العصر ورسالة وطنية ويوميات بنت شرقية.. «كوكتيل» من الأغراض والأهداف يمكن أن يتصل به القارئ لدى قراءته لكتاب بشارة.يمكن أن نجد في الكتاب ما يصح أن يطلق عليه اسم «دستور الفتاة الشرقية» والتي تقول عن نفسها «أنا في صيفنا القائظ/نسمة عليلة/تعثر لوالدي كل يوم/ على سبب للعيش/لا تعدم وسيلة أو حيلة. ص23»، فهذه هي الفتاة التي تربى لدينا على طاعة والدها وتهوين معاناة اليوم عنه، كما يطلب منها أن تكون الوجهة الضاحكة التي يولي شطرها حينما تدهسه نشرات الأخبار بما يسد الرغبة في الحياة «أنا استغفاره/من هذا الزمان/بعد نشرة الأخبار. ص23»، هي حياة بناتنا حين الطفولة وبعض الشباب، فإذا داهمتهن العواطف كان «نشيد الأنشاد» شاهدا على تفاصيل أخرى «نحن تقليعة قديمة/مثل أهلنا الذين/وقعوا في الحب/ من بداية الزيارة/وتبادلوا الرسائل/ واختاروا لبعضهم أشعارا/ ورافقتهم صبية العائلة/في نزهة الخطّاب. ص28»، ولكن هذه العواطف الوادعة، التي تتجلى في سلوك الرجل والمرأة المشرقيين، لن تترك في حال سبيلها، إذ إن فتاة فلسطين قد غَرَّبَهَا الاحتلال في بلدها وحرمها أبسط حقوقها باسم وهم إقامة دولة ديمقراطية «عبثا قلبنا كل حجر/فما عثرنا على/حب على الشرفة/إذ وطنت في البيت/فور السطو/وحلت محل أهلنا/ الحضارة!! ص29»، وبدلا من عدّ رسائل الخطيب فإن بطلتنا تعد خسائر قومها «القَفْرُ للقادمين الوافدين/وما بين القرى لهم أيضا/ لم تنج بقعة للاعتزال والتوحد/ ولا للاكتئاب/لا وحدة أو عزلة إلا صودرت/ أو خصوصية إلا أممت. ص29».هكذا يتحول «نشيد الأنشاد» إلى الغرض الثاني الذي تم الافتراض بأنه كتب لأجله، حيث قيل إنه كناية عن علاقة الله عز وجل بشعبه المختار! كناية عن منزلة هذا الشعب لدى البارئ الأعظم، تعالى عن ذلك علواً عظيما، كما قيل إنه كناية عن علاقة السيد المسيح عليه السلام بالكنيسة، وطبعا فإن عزمي بشارة يصوغ محبته لوطنه في شكل خطاب الغزل الذي يكتبه العريس لعروسه «كم تشبهين أمك؟/التي وضعتك من حلمها في حلم!/لا أشبّهك بحسناء/ لا أشبهك بنجمة في أفلام الرجال... وأنت حلمي الذي صنعني/ما أجملك دون مواصفات أو معايير/ ما أحسنك دون لغو المقادير. ص33»، وطبعا فإن «لغو المقادير» الذي يتحدث عنه بشارة هو الذي خرب وطنه بوساطة من أعداء نابهين وأصدقاء كثر مغفلين، لتكون النتيجة النهائية «منذ أن صودر الفضاء /وامتنع عن التنقل بين الأماكن/ تجول بين الفصول واستقر في الشتاء.. الماضي/ تجنب الخروج إلى الشوارع صيفا/إذ خلد إلى النوم والقراءة/هرب من صيف الساحل/ إذ أصبح مرتعا للسياح والمستوطنين/ ولجأ إلى قمم الجبال/ وإلى ما تبقى من المزارع والكروم. ص41»، هذه هي حكاية الحب بين الكاتب الجديد لـ «نشيد الأنشاد» وبلده، وهي قصة كل مغترب ومنفي «عاد من تجواله/ بين المواسم والبلاد/والأقاليم والفصول/عاد من البعاد إلى البعاد/من مكان صودر زمانه/إلى زمن احتل مكانه! ص47»، ولأن الزمان غدار فإن بلد التين والزيتون قد تحول بعد عقود من الإذلال إلى بلد «يبيح القتل والسطو/ثم يتيح شجبهما/ماذا تَوَقَّعُ في زمان/ يبكي القاتل فيه القاتل كلما/ قتل وينتحب/مرتين يشكو ضحيته/ مرة لأنها صنعته/وأخرى لأنها صادرت/ للحظة، هي لحظة القتل/منه/ دور الضحية. ص55»، أليس هذا هو التعبير الأبلغ عما يحدث في فلسطين؟!، أوليست فلسطين، لو تكلمت، بقائلة لنا «أجلس على عرش جمالٍ فَقَدَهُ/ وحوالي رجال فارغون/إلا من رجولة فارغة... يمتشقون الثروة/يستعرضون الخيل والليل والغنى.. تنويعات/ وتقاسيم على فحولة فارهة وأنوثة ممتلئة من ذاتها/في طقوس إغراء/ وفي مراسيم عبادة الاستهلاك/ واستهلاك العبادة. ص61»، وقبل ذلك وبعده أليس مشروع زعمائنا الوحيد «يريدون التوسط / لا بين القاتل والقتيل فحسب/بل بين فكرة القتل وقناعة المقتول/ليس بين السارق والضحية فقط/ بل بين شرعية السطو/ونفس المسطوِّ عليه/تستحضر روح القتيل ليعترف بعد الوفاة/ بشرعية القتل!. ص62».تنطلق نصوص عزمي بشارة لا لتتحدث عن قصة الحب القديمة فحسب بل لتؤرخ لوطنه وتصطاد من زمننا الرمادي لحظة هاربة تضعها في سجل الخلود لتكون للأجيال المقبلة تذكارا من زمن عشناه فأنكرناه وأنكرنا، فكأننا جئنا «على غير ميعاد»، وكأنما الدنيا تروي لنفسها حين تلقانا «أسأله/ عما يبحث هنا في بلاد/ لم تنجب غير الأنبياء وجاحديهم/وشهادة الزور/ والاستشهاد. ص73».. طبعا ففلسطين التي احتضنت غالبية أنبياء الله وامتلأت أخيرا بجاحدي نبوتهم ليس لديها أي شك في هدف حياتنا.. شهادة الزور عليها وعلى أنفسنا، أما أوطاننا فقد فقدت كل رونق ولم يبق لها إلا أن تتحدث عن زمان الرجولة الماضي «كنت في زمانه أميرة وجدانه/ملكة جماله/سيدة خياله/عدت في لا زمني هذا/ أتواجد وأتجمل/ولا أتخيل! ص100»، وإذا أفصحت أوطاننا قليلا فلا ريب أنها ستقول «هو/فقد طعم كل شيء/وعدت أنا وردا/ كثير الألوان شحيح الرائحة/في هذا الصيف مثلا/ جمعت من أرض أحواض مغطاة بـ «البلاستيك»/ ودفيئات فراولة/ سمينة المظهر ضامرة الطعم/وفي الصيف الماضي/تم استيرادي لأن الاستيراد/ كان أرخص من الإنتاج محليا. ص121».يورد عزمي بشارة هنا نصوصا جميلة للغاية، ولعل فكرته الأساسية التي قضت باسترداد «نشيد الأنشاد» ممن استولوا عليه وصاغوه لصالح الفكر الصهيوني قد جعلته يغامر بكل الذي يملك من طاقات ليكتب صياغته الذاتية الوطنية لهذا السفر الديني المثير للجدل، ولا ريب أن ما كتبه قد كان مليئا بالوطنية والجمال، وأكثر من هذا حاملا لصفة التصقت بعزمي بشارة دوما، فهو الرجل الذي إذا سمعته تحس أنه يحاول قول كلمة فاصلة ويجاهد نفسه لإخراجها من داخله بمشقة ولكن الزمن الذي جاء فيه غير الزمن الذي يعيشه في داخله، وهكذا تكشف النصوص عن ميل قوي جدا للأدب وموهبة يمكن أن تبدع إذا وجد لها صاحبها مساحة مستقطعة من وقته.. وليس من حرج إذا قال بعضهم إن «نشيد الأنشاد» مختلق، وهو أمر واقعي وثابت، فحتى لو كان كذلك فمن حق بشارة أن يأخذ لنفسه ذات المساحة التي أخذها كاتبه الخفي، خصوصا أن بشارة كتب الوفاء للوطن وقصة الزمن الخائن والبيت المهجور أو على حدّ تعبيره «كان بيتنا/حافظنا على الحلم/بعدما صار بيتنا دما وطينا/ وجدرانا ومعسكرات مسيّجة/ محاطة بأبراج حراسة/ وطاقة فتحتها له في هذا الفضاء/ لكي يسترق النظر إلى / حسرته الأبدية!! ص123».هذه هي نصوص عزمي بشارة الأخيرة.. هروب باتجاه الوطن بنصوص هرّبت من الحقيقة سابقا!


العرب القطرية

2008-07-07

ليست هناك تعليقات: