الأحد، 6 يوليو 2008

خيانات وشواذ وتوابل لبنانية



الدوحة - شبوب أبوطالب

انطلقت أول أمس بمسرح سينما الخليج عروض مسرحية «حاميها حراميها» التي أخرجها محمد الحملي وألّفها أيمن الحبيل، وقد كان الجمهور الحاضر على موعد مع ثلاث ساعات من الضحك المتواصل الذي ضمنه أبطال العمل وفي مقدمتهم الفنان طارق العلي وهيا الشعيبي وخالد البريكي وشهاب الحاجية.تدور قصة المسرحية ـ التي تعرض على مدى أربعة أيام ـ حول شاب يثق بخاله ويسلّمه إدارة أعماله فيما يضمر الخال نية الاستيلاء على مال ابن أخته ويغلّف ذلك بطيبة ظاهرة وحرص متكلّف ودعاوى طويلة عريضة عن الشرف والأمانة، وينجح المخطّط لولا دخول أحد أصدقاء الفتى المغدور على خط حياة الأسرة صدفة، حيث توغل بداخلها واستطاع بحيلته كشف ما يحدث ومحاولة إنقاذ صاحبه.هذا هو التلخيص الأقصر للمسرحية، وهي في خطّها العام تغطّي جزءا من مظاهر التكالب على المال والرغبة في الاستيلاء عليه بغض النظر عن الوسيلة ونوعية القرابة مع الضحية، لكن هذا الخط التقليدي في عموم المسرحيات الاجتماعية قد اندمج تماما مع الإخراج الجديد وتم تنويع مضامينه ليطال مساحة واسعة من المظاهر الجديدة في المجتمع الخليجي، وقد كان الفنان طارق العلي والفنانة هيا الشعيبي القطار الذي حرّك المسرحية واستطاع الارتفاع بها وتوجيه النقد للمجتمع بشكل كوميدي.تتحدث المسرحية مثلا عن الهوس المرضي بالأناقة الذي يجتاح نساء المجتمع الخليجي، والعالم العربي عموما، والذي يتفتّق عن حلول غاية في الغرابة، فبدل أن تقوم سيّدة البيت بالتخفيف من وزنها عبر ممارسة الواجبات المنزلية لأية امرأة، وهي واجبات يمكن أن تَهُدَّ جبلا، فإنها تقوم بالبحث عن مدرب رياضة بدنية يقوم بتدريسها في غرفتها، وهنا يأتي دور طارق العلي الذي جاء للأسرة بغرض التعزية في وفاة قريب فأصبح مدرّبا رياضيا، وهو دور استمتع به جدا.. خصوصا حينما علم أن التدريب يتم مع سيدة المنزل شخصيا! ولم يشأ طارق العلي أن يكون أنانيا في استغلاله للأسرة فاستدعى صديقه ليستمتع هو الآخر بنقود المنزل الذي يحتضن صديقنا، ومع الإشارة للأسلوب غير الطبيعي الذي تعيش فيه أسرٌ شديدة الثراء فإن المخرج محمد الحملي لم يغفل الإشارة إلى نقطة ثانية تضغط بقوة على ضمير المجتمع، أي ظاهرة «الشواذ» التي جسّدها صديق طارق العلي بشكل متقن عبر العديد من «القفشات» التي تشير ولا تصرّح، وتفاعل الجمهور معها خصوصا أن الموضوع الذي يمكن مشاهدة آثاره اجتماعيا ما زال بعيدا عن المواجهة الرسمية الشجاعة في كامل بلدان عالمنا العربي.أما الدور اللبناني في المسرحية فقد تجسّد في دور خادم الأسرة ذي اللهجة البيروتية، والذي تمكن من تجسيد صفات بعض خدم الأسر الكبيرة ممن لا يقومون فقط بمداهنة أرباب عملهم بل بالتحايل عليهم واستغلال مراكزهم، وقد كان الأداء في هذا الدور مقنعا بدرجة كبيرة رغم أنه ليس معتادا أن يشغل لبنانيون منصب الخادم! ولم يغفل الحملي الإشارة إلى الدور المصري هو الآخر فمساعد رب الأسرة مصري يعتصم بشدّة بكلمة «حاضر يا باشا» ومن الطبيعي أن يفخّم رئيسه ويتملّقه ويضفي عليه هالة من العظمة.. وبالمقابل لا ينجز غالبية ما يطلبه منه.تشير المسرحية إلى فكرة «الخدم» التي تجتاح منازلنا بقوة والدور السلبي الذي يمكن أن يلعبه بعضهم على صعيد إفساد الأسر والإضرار بتماسكها، وهذا ما شاهدناه في المسرحية حيث يحكم كل فرد في الأسرة على نفسه ولا يقيم وزنا لآراء الآخرين، ففيما تهيم البنت الصغرى في قصة البحث عن فارس أحلام بمواصفات خاصة، ويركّز الأب على مشروع سرقة قريبه ويضيع مستقبل الابن فإن الأم مواظبة بشكل متصل على ممارسة الرياضة مع مدربها الجديد!وبعيدا عن هذا تحدثت المسرحية عن التجاذب الطبقي عبر مغامرات طارق العلي مع سيارته «لانسر» وأسلوب حياته الذي انطلق من قاع المجتمع ورصد مختلف ظواهره، فالجامعات لم تعد مركزا علميا بل معرضا لآخر صيحات السيارات الفخمة، والشوارع صارت أرض معركة والطبقية تنخر المجتمع وتفكّك تضامنه، والإحساس الأخلاقي نهار تدريجيا، والشباب فقدوا الرجولة والمسؤولية أما البنات ففقدن صلاحية تأسيس البيوت وتفرّغوا لتأسيس الأحلام والأجساد ألعابرة للقارات.حفلت المسرحية بنقد مكثّف ذي لغة شديدة التهذيب وتميّز الفنان طارق العلي والفنانة هيا الشعيبي بقوّة، وحرّكا تفاعل الجمهور معهما بعفويتهما الواضحة، فطارق العلي لم يغفل الإشارة للتشكيل الحكومي الجديد ولم يغفل انتقاد فشل منتخب الكويت في التأهل للدور الثاني من التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم، وتوقف مطولا عند نوادي «السد» و «العربي» و «الريان» وكلما استطال لسانه قليلا عاد لصوابه بمقولة «أنا مع الحكومة» أو «أفضل نادٍ هو المنتخب القطري»!! ولم تنزل هيا الشعيبي عن المستوى الذي يعرفه عنها محبوها، فأدّت دور سيدة البيت ببراعة واضحة واستفادت من شكلها الممتلئ في التعبير عن ضيقها ببدانتها، كما جسّدت هيام المرأة ببيت نزار قباني «قل لي ولو كذبا كلاما ناعما/ قد كاد يقتلني بك التمثال».. فالخادم يناديها «يا غزالة» فتسعد ثم يقول «يا حيوان» فتغضب، ولكنها يصحّح الموقف بالقول «أليست الغزالة حيوانا.. هي أجمل الحيوانات بالطبع وما دمت غزالة فأنت حيوان.. ولكنك أجمل الحيوانات»! ومع ما في هذا المديح من تكلّف فإن سيدة البيت ترضى به!راعى المخرج كثيرا خصوصية عرض المسرحية في قطر، وحرص الممثلون على مجاملة الجمهور بذكاء، فكان إخراج المسرحية ككل شبه جديد قياسا لعروضها السابقة في الكويت والسعودية، وكانت المحصّلة عملا ممتعا يستحق المشاهدة ويضمن المتعة والفائدة.

العرب القطرية - 4-7-2008

ليست هناك تعليقات: