الدوحة - شبّوب أبوطالب
الأحد، 29 يونيو 2008
الموسم الثقافي في قطر.. أرقام وتعليقات
الدوحة - شبّوب أبوطالب
الأربعاء، 25 يونيو 2008
طالبات جامعة قطر يعرضن إبداعاتهن
العرب القطرية
الثلاثاء، 24 يونيو 2008
لغات العالم.. الثروة التي تنقرض بصمت
الدوحة - شبوب أبوطالب
الاثنين، 23 يونيو 2008
عبدالملك: قضية جمعية الكتاب أعقد من قضية الشرق الأوسط
الدوحة - شبّوب أبوطالب
الأحد، 22 يونيو 2008
فضفضة نسائية ساخنة في الصالون الثقافي
الدوحة - شبّوب أبوطالب ختم الصالون الثقافي التابع للمجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث أعماله نهاية الأسبوع الفارط بجلسة خُصصت لمناقشة قضية «ازدواجية المرأة- الرجل في البلدان العربية»، واستضافت كلا من الفنان السوري بسام كوسا، والدكتورة جيهان أبو زيد والدكتور عويد المشعان من الكويت، فيما أدارت الندوة مذيعة قناة الجزيرة خديجة بن قنة.انطلقت الندوة بمداخلة ساخنة لبسام كوسا لخص فيها رأيه في الموضوع في ثلاث نقاط رئيسة، أولاها ضرورة الاعتراف بأننا كعرب «أمة متخلفة»، وثانيتها ضرورة الاعتراف بأنه لا يمكن أن يتقدم رجال العالم العربي وتتخلف نساؤه، وثالثتها فإننا إن ارتضينا استقبال نواتج الحضارة الأوروبية فيجب أن نقبلها كليا، ضمن حدود معقولة، لا أن نقبل ما يتعلق بالماديات ونرفض الباقي الخاص بالتعليم واحترام المرأة.أما الدكتورة جيهان أبو زيد فلفتت النظر إلى حقيقة أن الكائن المزدوج الأول في العالم العربي هو المرأة، وأن الكائن الذي يضطهد المرأة هو قبل كل شيء المرأة ذاتها، ضاربة مثلا بقضية «الختان» التي أثبتت الدراسات العلمية أن النساء رغم أنهن المتضرر الأول منها فهن الحريص الأول عليها! لتنتقل بعد ذلك للقول بأن سؤال ازدواجية المرأة يجب أن يطرح عليها نفسها ويجب أن تتحمل هي -كأم- ضريبته وتكون مستعدة لتعليم بناتٍ يمكن أن يقلن «لا» لأبيهن.ولم يبتعد الدكتور عويد المشعان عن قناعاته كثيرا ولا قليلا، إذ صارح الجميع بالقول إن وضع المرأة العربية ليس بالسوء الذي يصورونه، وإنها في طريق التطور التدريجي لتنال جميع حقوقها بالشكل المناسب، وعلى هذا الأساس فلا يجب عليها الاستعجال، كما أن ما قد يحدث من انتقاص لبعض حقوقها يمكن حله بشكل منهجي عبر واسطة التعاطي مع مشكلاتنا المجتمعية الكبرى كمشكلة الهوية والتناقض بين الحداثة والتقليد، وهي مشكلات يحلها المجتمع برمته وتعود فوائدها على كل فئاته.ولم تشأ خديجة بن قنة أن تبقى بعيدة عن جو النقاش فانخرطت فيه اتكالا على تقرير التنمية البشرية الصادر أخيرا عن الأمم المتحدة، والذي قال إن المرأة العربية هي المرأة الأقل إنتاجا في العالم، وهي ملاحظة أطلقت جوا نقاشيا ساخنا، إذ استغلها بسام كوسا ليواصل عزفه المنفرد بالقول إنه علينا كعرب أن نتقبل الأفكار الحديثة حول المرأة ودورها في المجتمع، وأن نأخذ بما قدمه الفكر الحديث في هذا السياق، وعلى الأخص فكرة القانون الوضعي وفكرة فصل الدين عن الدولة، مادام القانون المدني قادرا على حل مشاكل الناس بأكثر كفاءة من القانون الشرعي، ومادام المسجد مفتوحا لمن يرغب في ارتياده! وهي ملاحظات أغضبت الكثيرين من رواد الصالون الذين ردوا على بسام كوسا بأن عملية إصلاح أي مجتمع لا تعني انفصاله عن جذوره، وأن فصل الدين عن الدولة إن صلح في الغرب بفعل استبداد الكنيسة وجهلها فلن يصلح عندنا على أية حال، وفي الاتجاه المعاكس أيد الكاتب القطري حسن الجفيري فكرة بسام كوسا وذهب بعيدا في ذلك، داعيا لعدم التقيد بمبدأ عدم الاختلاط بين الفتيان والفتيات في الصفوف الدراسية باعتبارها فكرة تجلب العقد النفسية والجنسية لأطفالنا، بينما ردّ الدكتور عويد المشعان على مجمل ما طرحته الدكتورة جيهان أبو زيد والفنان كوسا بالإصرار على أصالة مجتمعاتنا وضرورة تصور دور المرأة ضمن الحدود المرسومة والمقبولة من المجتمع، وهي فكرة أكدها الدكتور للدرجة التي نسي فيها نفسه فقال بانفعال «وهل الدين أن تعمل المرأة ما يحلو لها أم أن تخدم زوجها؟».. فسجل بذلك هدفا قاتلا على نفسه، إذ وجدت القاعة نفسها تستمع لصوت القبيلة في لهجة الدكتور ولا تستمع لرأي الدكتوراه التي يحملها!مضت ندوة الأربعاء المنصرم بشكل يجعلها أقرب للفضفضة منها إلى النقاش المنهجي، فبسام كوسا يبدو أنه نسي نفسه وتلبّس طربوش قاسم أمين ومضى يصادم الناس بكلام غير منهجي ولا علمي ولا دقيق، فكل الناس يعلمون أن اليابان -مثلا- التي استوردت نموذج أوروبا التنموي كاملا قد وضعت «فرامل» كثيرة أمام نموذج أوروبا الاجتماعي، ومثلها أميركا التي تبقي المجتمع الغربي الأكثر تدينا، والشيء نفسه مع إنجلترا، وفرنسا التي تعرف نفسها بـ «ابنة المسيحية الأولى» وهكذا، وبالتالي فإن فصل الدين عن الدولة كان محض أكذوبة كبرى، ناهيك عن مقلب ثانٍ وقع فيه الفنان القدير، فالحامل لأفكار تنويرية يجب عليه إجادة عرض تفكيره تماما كإجادة التفكير، والطريقة التي صدم بها الحاضرين بدت تمثيلية أكثر منها واقعا، لقد بدا الفنان القدير كأب يريد إعادة تربية أولاده المنفلتين! ثم ما معنى فصل الدين عن الدولة؟ أليس هذا هو المبدأ البعثي؟ فإلى أين وصلت الدول البعثية وبينها سوريا ذاتها؟أما الدكتورة جيهان أبو زايد فقد تحدثت براحتها ولعلها كانت الأقرب لصوت العقل، مع قليل من الشطط، فالأسر العربية تعرف كثيرا من البنات اللاتي يستطعن مناقشة آبائهن دونما عقدة والرجل العربي ليس وحشا، وتعميم نموذج معين لا يصح من دون اختبار علمي، تماما كما لا يصح أن يقول الدكتور عويد المشعان إن المرأة قد وُجدت لخدمة زوجها، وهو أمر لا يقوله الدين بل القبيلة فالزواج في تعريفه الشرعي عبارة عن عقد يُحِلُّ استمتاع الرجل والمرأة ببعضهما، وليس فيه بند للخدمة، بل إن للنساء أن يشترطن ألا يعملن عملا من شؤون البيت ويُكتب ذلك في العقد.. وهذا الخلط المنهجي هو الذي أضعف موقف الدكتور، تماما كما كان ضعيفا موقف المذيعة خديجة بن قنة وهي تتحدث وكأن مشاكل العالم العربي قد حُلت نهائيا ولم يبق سوى مشكلة المرأة، ناهيك عن الخلط بين إدارة ندوة والمشاركة في أشغالها!كانت الندوة الأخيرة للصالون موفقة لجهة إثارة النقاش، لكن المنهجية قد غابت عن جزء منها، وقد كان ممكنا أن يستمع الحضور بهدوء ويستفيدوا لو فرّق الأستاذ بسام كوسا بين الحديث عن المرض وإهانة المريض الذي هو نحن جميعا! فإذا كان حضرته غير راضٍ عن الوضع العربي والخليجي ويراه متخلفا فليبقَ حيث التقدم!
الخميس، 19 يونيو 2008
الكاتب السعودي يحيى الأمير.. ثقافتنا شوهت ديننا!
يعتقد الكاتب السعودي يحيى الأمير أن لب مشاكل العالم الإسلامي هو التعامل الخاطئ مع الدين بوصفه معطى حياتيا مقدسا تكفلت الثقافة بإنزاله على أرض الواقع، حيث إننا كعرب ومسلمين قد ألبسنا الدين عباءة لا تليق به، ودخلت به ثقافتنا إلى مناطق «كان يفترض أن يُنَزّهَ عنها»!كانت الحلقة الأخيرة من برنامج «إضاءات» للإعلامي تركي الدخيل على موعد مع مواجهة صريحة مع الكاتب السعودي يحيى الأمير، وهذا لمناسبة ظهور كتابه الجديد «أخرجوا الوطن من الجزيرة العربية» الذي يحاول فيه مقاربة وظيفة الدين في المجتمع، والآثار المترتبة عن الخلط بين مفهومي «الدولة العقائدية» و «الدولة القُطْرِية».لخص يحيى الأمير فكرته في نقطة مركزية تتمحور حول الفصل بين دور الدولة الإسلامية، وهنا هي السعودية، الدعوى ودورها السياسي والاقتصادي والاجتماعي تجاه مواطنيها، وفي رأيه فإن هذا فصل هو السبيل الوحيد الذي يتيح للدولة التفرغ لإنجاز مهماتها ويمكِّنها من النجاح في إدارتها وخدمة مواطنيها، وإذا أضيفت له حقيقة أن الدولة القُطْرِية (الوطنية) سوف تتخلى عن الكثير من الأعباء التي يلقيها عليها دور عقائدي مبالغ فيه أو متوهم، فإن النتيجة ستكون مفيدة لصالح الدولة ومواطنيها بآن، ولم يتورع الدكتور عن القول إن مشرعه «هو المملكة العربية السعودية وليس الإسلام» وهي نقطة يمكن أن تثير حفيظة الكثير من المتطرفين ممن يتوقفون كثيرا عند المصطلحات ويدققون فيها بتشدد.أكثر من ذلك قال الأمير إن الدول العقائدية تنتج خطابا وسلوكا تصادميا، يفترض الصواب في ذاته ويقصي عن الآخرين أي حق في الاجتهاد، وأشار المتحدث إلى مشاكل كثيرة يعيشها التعليم في بلده، خصوصا لجهة التعاطي مع المرأة التي قال بأن المناهج الدراسية تصورها ككائن عاجز، ومصمم على إفساد المجتمع ويجب الأخذ بيده كي لا يتسبب في كارثة، وتساءل المعني قائلا «لا أتصور أنه من العدل ولا من الإنصاف أن يعلَّم الطالب في المرحلة الثانوية أن أخته أو والدته إن لم يؤخذ على يدها فسدت وأفسدت!»، وهو أمر يراه المتحدث نتيجة طبيعية لسيطرة الثقافة الشعبية على الدين وليس انعكاسا لتوجيهات الدين نفسه، فالدين بنظره هو النص المقدس المحترم، لكن تنزيل النص على الواقع هو وظيفة العقول البشرية، التي تتأثر في أثناء قيامها بتحويل النص إلى ممارسة بمنشئها وأسلوب حياتها، وبشكل أعم بثقافتها التي تلقتها من المجتمع الذي تخالطه، ونتيجة لذلك فإن ما يتجمع لدينا من ممارسات تتدثر برداء الدين ليس حقيقة الدين، ولكنه التأثير الاجتماعي على الدين أو هو بشكل آخر: الآراء والتقاليد الاجتماعية التي ألبست رداء الدين، وهنا يجب التفريق جيدا بين قداسة الدين ونسبية الآراء التي تتناوله أو تتحدث باسمه، وبما قد يكون مسيئا له في نهاية المطاف، لأنها تجره إلى مناطق «كان يفترض تنزيه النصوص الدينية عنها»!ورد يحيى الأمير حول الكتابات التي تتناوله وتصفه بـ «الخبيث» أو»الظلامي» أو تصنفه ضمن «العملاء» أو تعطيه منصب «مندوب السيستاني والشرعية الأميركية»، أو تشكك بموقفه من المقاومة، فقال إن موقفه من المقاومة في العالم العربي هو موقف المعترف بها وبشرعيتها، وبأنه لا يجادل «أبداً في أحقيتها، لكن يجب أن تدار، لا وفق قيم الشجاعة والفداء والموت، فهذه البلاغيات تمثل جانباً كبيراً جداً من خطاب الجماعات المسلحة والمقاتلة» والتي يرى المتحدث أنها أضرت أكثر مما نفعت، ويضرب مثالا لذلك بما حدث مع سنة العراق قائلا «من الأكثر خسارة الآن في العراق؟ ما الطائفة الأكثر خسارة الآن في العراق؟ تصوري هم السنة... بسبب أنهم أداروا علاقاتهم مع ما حدث من احتلال وغزو وفق قيم بلاغية لا تراعي المصلحة ولا تراعي النظر إلى المستقبل. قاطعوا الحكومة، خسروا الانتخابات، انطلقت شرارة المقاومة، انطلقت شرارة العمليات المذهبية والطائفية في الداخل، انجلى المشهد أو يكاد ينجلي، وأقولها للأسف، بحرقة، والسبب هو الكثير من الأفكار التي أديرت بها المقاومة»، بما يعني أن المطلوب الآن ليس إعادة النظر في المقاومة، بل في الأفكار التي تسيرها والشعارات التي تخوض بها الحروب والذهنيات التي تحكّمها في التعامل مع واقعها.جاءت حلقة «إضاءات» مستكملة لمشروع الحوار مع المفكرين الإشكاليّين، وبدا واضحا للغاية أن يحيى الأمير حتى لو كان يحتكم إلى مشروع فكري تجدر مناقشته، فإن طريقة إيراده لأفكاره لا تتوافق على الإطلاق مع أسلوب «إضاءات» وبأنه كاتب أكثر مما هو متحدث، وهذا الذي لم يخدم فكرته الأساسية والتي تجد لها مناصرين كثيرا حتى داخل الحركات الإسلامية، هؤلاء الذين يدعون دوما لـ «ترشيد» المقاومة وصناعة انتصارها من خلال القطيعة النهائية مع خوض الحروب بالشعارات، والدعوة لخوضها بالمنطق والعقل، ويما يتوافق في النهاية مع المصلحة العامة للمجتمع الإسلامي.
الثلاثاء، 17 يونيو 2008
كتاب قطر يتساءلون عن سر تأخير اعتماد جمعيتهم
«سيكولوجية المال».. كتاب للمرضى لا للبخلاء!
نشر في العرب القطرية/16/6/2008
السبت، 14 يونيو 2008
"نساء المنكر" ..حكاية كاتبة لم تقل كل شيء!
تصف الروائية السعودية سمر المقرن، كاتبة هذا العمل، كتابها بأنه محاولة لقول بعض ما يؤرقها..إلا أنها تستدرك بالقول أنها لم تقل كل شيء، و أنها تحفظت عند كثير من التفاصيل...وهي الخلاصة المنطقية الوحيدة التي يمكن أن يخلص لها قارئ الرواية.
الدوحة ـ شبّوب أبوطالب
تعتبر "نساء المنكر" جزءًا تمثيليا بسيطا مما يمكن تسميته "فورة الرواية السعودية" التي ضربت الوسط الثقافي العربي بـ"تسونامي" حقيقي منذ ثلاث سنوات فانفجرت مواهب وكتابات كانت قبل ذلك في مخبأ مكين! والرواية في وصفها العام أقرب لمشروع رواية منها إلى نص روائي مكتمل، إذ يمكن ملاحظة أن أحداثها هي خطوط واضحة لرواية كبيرة الحجم أو لسلسلة روائية متوسطة الحجم، فهي بالتالي مشروع أقرب منه لرواية مكتملة.
تتحدث الرواية عن سعودية متزوجة من رجل يشاركها فراشها ولا يشاركها أي شيء غير ذلك، لا عواطف ولا أحاسيس ولا أفكار ولا مشاعر ولا اهتمام، بل إنه أبعد الناس عنها، ويقود الاغتراب العاطفي الزوجة البائسة للبحث عن العاطفة خارج حدود بيتها، فتتعرف على شاب يصادق إحدى زميلاتها، وتتوطد العلاقة بين الطرفين عبر الهاتف و برامج المحادثة الفورية على شبكة النت، وبتطور العلاقة يصبح كل طرف من طرفي العلاقة بحاجة للقاء الآخر بشكل شخصي ومباشر، خصوصا أن علاقة الشاب بصديقته السابقة تنسحب إلى طي النسيان، أو على الأقل هذا ما يبدو!
ينتقل البطلان إلى انجلترا حيث يعيشان حالة من الجنون، فالمرأة رغم أنها متزوجة لا تستنكف أن تتشارك فراشها مع الشاب الذي جمعتها به النت وأوقات الفراغ الطويلة، و المرأة التي يفترض أنها تعيش منذ فترة طويلة مع زوجها ترغب في أن تعيش حلم الزواج الأول مع المعني الجديد بالأمر، والصديقة التي تعرف حق الصداقة وتعتز بها، لا ترى عيبا في أن تخون صديقتها مع حبيبها السابق عطفا على انخفاض مستوى "التمثيل الدبلوماسي" بين الحبيبين السابقين.
تنطلق البطلة في رحلة انجلترا لتحطم كل القيود السابقة، وتنتقم لنفسها من كل الأوقات التي حرمت فيها مما تشتهي نفسها، فساحة "الهايد بارك" حيث يلتقي المعارضون السعوديون و العشاق الصغار و البط الذي يبحث عن خبز ناشف و المجانين بحرية التعبير..هذه الساحة ستكون على موعد مع تصفية حساب عسيرة للغاية، فالبطلة قد زارتها سابقا مع والديها وكانت تختلس النظرات للعشاق الذين تحسدهم و تتذرع بإطعام البط لمشاهدتهم، أما الآن فإنها تشاهدهم وتشاركهم فرحتهم، و تقول بلسانها كل الذي رغبت به سابقا ولم تستطع حتى التفوه به بينها وبين نفسها، والقادم الجديد لحياتها يبدو مستعدا لتعويضها كل أنواع الحرمان الذي عاشته من قبل، و لأن لكل بداية نهاية فإن علاقتها بالصديق الجديد ستنتهي على أبواب المطار البريطاني، لأن الفتى الذي نال ما تمنى سوف لن يملك الوقت الكافي لـ"تمديد العمل" بـ"شهر العسل " الذي عاشاه في لندن، وبمجرد عودته للسعودية يقلب ظهر المجن لبطلتنا، ما يدعوها لكتابة رسالة خائبة معتزة بنفسها ـ بعد طول بذل ـ ومقررة أن تنهي وجودها العاطفي في حياته" ثق أنك لم تجدني حين يروقك أن تشغّل جوالك وتُسَلِّي (ما سنجرك) فأنا لست محظية وقت فراغك من منتصف الليل، و أنا واثقة بأنك أكثر انشغالا من أن تضيع وقتك معي،احذفني من هامش جدولك المزدحم بالمعجبات، فأنا لن أكون من ضمن القطيع مهما حصل، ولست بعد اليوم أطمح لرجل ينتشلني من وحلي ..اتركني دون أن تبحث عن أدلة براءتك، وشكرا لأنك جعلتني أخيرا..أكرهك!"..و الطريف أن "العودة" عن "خطاب الاستقالة" كانت بذات سرعة كتابته، أما حرارة العودة فكانت بذات درجة حرارة "أكرهك" التي كتبتها بطلتنا آخر الرسالة، إذ قررت المرأة المتزوجة أن تلتقي حبيبها في مطعم عام يقدم وجباته للعائلات، ولم تتورع عن إطعامه بيديها، ورغم "كافة الاحتياطات الأمنية" التي سعى لها البطل الخائف فإن سذاجة المرأة قد أوقعته في يد "هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر" فكان مصيرهما السجن و البهدلة، وهناك في الغرف السوداء تتعرض البطلة لتعذيب وحشي بغرض إقناعها بالاعتراف بقائمة تهم لم ترتكبها، وينداح ستار السجن عن مجموعة صور تفضح بعض الذي يمارس في غيبة الرقابة الرسمية، وهناك يكون الموعد مع قصص عديدة لسجينات بعضهن سُجِنّ بسبب القتل و بعضهن بسبب "خيانة مشروعة" على حدّ عنوان فيلم المخرج الشهير خالد يوسف!
وبين أسوار السجن تتبدى ملامح مجتمع يعاني مصاعب الانتقال من طور لطور وسط ممانعات شتى من قبل فئات تخشى ذهاب نفوذها أو تتمسك بسلطان الأعراف و العادات، كما تتلبّس البطلة رداء المحامية عن سجينات وقعن في الخطأ، أو أوقعهن المجتمع فيه، فهذه انفصلت عن زوجها ثم تعرفت على غيره و استجلبته لبيتها فـ"طبّت" عليهما "الهيئة" وسيقت المرأة للسجن بدعوى ممارستها للدعارة.. وكأن تزويج فتاة ممن لا تحب بضغط المال و الأهل و الحساب الاجتماعي ليس دعارة بعقد رسمي؟ وتلك قتلت زوجها فحكم عليها القضاء و انتصر لها أهلها فالقتل في أوطاننا " من شيم الكرام"..ولا غرابة أن يقف الأهل مع قاتلة وينكرون حق "عاقلة" في الزواج بمن ارتضته...مسرح ضخم ترسمه الكاتبة في سجنها وتعرفنا من خلاله على مجتمعها، ولكن المسرح الحقيقي لم ينطلق بعد، لأن الفتاة التي تدثرت بعارها خرجت إلى الحياة باحثة عن عمل فلم تعثر سوى على منصب "صبابة قهوة" في الأعراس، وتكون فاتحة أعمالها في عرس ...حبيبها السابق!
هكذا تنتهي الرواية، التي تشهد للكاتبة بمقدرة لغوية جيدة و يمكنها أن تتطور بقوة، وتشهد لها بالمقدرة على رسم المشاهد ببراعة، إلا أنه رسم "غير مكتمل الأنفاس" إذ تنتقل الكاتبة أحيانا من "التصوير الفني" إلى البلاغة الخطابية في غير فاصل، و تعود من رواية حكاية مّا إلى "وقت مستقطع" بين حدثين لتلقي كلمة بمناسبة الحديث عن حقوق المرأة!، ويبدو أن هذا ما عنته الكاتبة حينما قالت بأنها "تحفظت بعض الشيء" في روايتها، فالتحفظ ظاهر و التفاصيل محروسة بعناية من "الإفراج التام" .. ومع هذا فالرواية صادمة وتستحق القراءة وصريحة في بعض الأحيان بشكل محيّر، كما في الحديث عن الضغط الذي يمارسه رجال "الهيئة" على خدم المطاعم بغرض "تجنيدهم" في كشف العشاق الذي يرتادونها! أو طرق التحقيق "العلمية للغاية" التي يمارسها بعض محققي سجون بلد الكاتبة على حد روايتها... العمل في عمومه يؤشر لبذرة تستحق العناية ويمكن للقارئ أن ينتظر منها، وتنتظر من نفسها، عملا أكثر عمقا و تفصيلا!
قليل من الحسد الصباحي المفيد!
إذا كنت عربيا، وتريد أن تستمتع بصباح شهي فما عليك إلا أن تفتح الصفحات الثقافية لموقعي "الواشنطن بوست" و"النيويورك تايمز" حيث بإمكانك أن تحظى بجولة تحرك ما بقي حيا من خلايا الحسد في ذاتك، و ربما تفتح لك أفقا لم يكن ليخطر ببالك من قبل.
الدوحة ـ شبّوب أبوطالب
إنه يوم 12/6/2008 و الصباح يَعُدُّ ساعاته الأول، وبدل أن ننشغل بأخبار الحروب المتطايرة في كل مكان من غزة إلى الصومال، فلنقم جولة لقراءة للصفحات الثقافية لجريدتين عالميتين، ولنبدأ بالجريدة الجميلة "نيو يورك تايمز" وملحقها الرائع الخاص بالكتاب، والذي يعتبر المرور منه شهادة تعلق على صدر أي كاتب، وتكفل لكتابه صعودا صاروخيا،كما تدون على غلافه أبد الآبدين..أولى الملاحظات التي يمكن قراءتها في صفحة الكتب هي اللقاء ببعض "الوجوه المألوفة" لنا كعرب ومسلمين، فسلمان رشدي يحظى بموضوع رئيسي نقدي حول عمله "المملكة السحرية"...كم كان هذا الكاتب ليبدو مغمورا و ربما هامشيا لو لم يتكفل غباؤنا الجماعي بجعله كاتبا معروفا، لقد صعدنا به من أسفل سافلين إلى أعلى "النيويورك تايمز" ولا ريب أن المصير نفسه ينتظر كل الذين يقدمون على مس "مقدساتنا" التي قد نقتل ونحرق و نرغي ونزبد ونهدد بالويل و الثبور لأجلها ولكننا لا نفعل أي شيء آخر في سبيلها!
تعد الصفحة الثقافية لجريدتنا العزيزة ما تسميه "كتب النيويورك تايمز" وهي المختارات التي يرى محررها الثقافي أنها مهمة، وتستحق التنويه و الإشادة، و أولها كتاب " التقشف البريطاني بين 1945-1951" للكاتب دافيد كيناستون وهو كتاب يتناول جزءًا من السياسة الاقتصادية و العامة لبريطانيا في السنوات التالية للحرب الكونية الثانية، أما الكتاب الثاني فهو "صور السفر" وهو ديوان شعري مترجم للشاعر الرومانسي الألماني هاينريش هاين، ويبدو هذا الكتاب المخطوط في العصور الوسطى دليلا كافيا على أن العواطف لا تبلى ما دام في الإنسان عرق ينبض، و أنها محرك الكائن البشري في كل العصور، و إلا فكيف يمكن لشعر خط في العصور الوسطى أن يجد قراء ومتابعين و إشادة في العصر النووي..إنه كتاب قد يصلح أيضا تذكارا و "منفضة دموع" لكل الحكايات العاطفية التي مرت بالقارئ خلال شهور الشتاء الطويلة.
في الصفحة أيضا موضوع لطيف عن السيد جون زينسر الذي توفي في السابع و العشرين من الشهر المنصرم، وهو المحرر الثقافي الذي أشرف على صفحة الكتب لـ"النيويورك تايمز" في الفترة بين 1951 و 1987 قام خلالها بتلخيص أكثر من 800 كتاب بطريقة شعبية قريبة للقارئ، فاستحق بعد وفاته لفتة وفاء جميلة..طبعا سيفكر المحررون الثقافيون العرب من قرؤوا المقال الأميركي بِكّمِّ الكلام الجميل الذي سيكتب عنهم بعد رحيلهم للقاء "عزرائيل"، و الذي سيتراوح على الأغلب بين "ارتحنا منه" و " يا جماعة..اذكروا محاسن مواتكم "!
وضمن الكتب التي تقترحها الصفحة على قرائها يمكن أن نجد كتاب "الحياة غير المجرّبة" و "إرهابي في متجر اللحوم" و "قل ما لا يقال"..الخ، أما إن خطر ببالك أن تجري بحثا حول أكثر الكتب مبيعا، فإن الجريدة الفاضلة تقترح عليك ما تشتهيه النفس، إذ يمكنك تصنيف الكتب حسب نوعيتها ومن ثم مطالعة الكتب الأكثر مبيعا في كل صنف، فمن أدب الخيال العلمي إلى الكتب التجارية التسويقية، والقائمة ثرية جدا بالعناوين، إذ يمكن لنا أن نقرأ في باب أدب الخيال العلمي قائمة بأحسن 35 كتابا لهذا الأسبوع، كـ"دم أسود" للوريل هاميلتون و "المضيف" لستيفاني ماير و "ساعات ونَيَِف" ..الخ، أما إن كنت من رافضي القوائم المطولة فإن الخيار الأفضل يتمثل بقراءة "القائمة العامة" للكتب والتي تعطيك وصفا شاملا عما يحدث في سوق الكتاب الأميركي، ويمكن أن تطمئن بعد كتابتها أن كتاب "ماذا حدث: دهاليز البيت الأبيض وثقافة الخداع" الذي كتبه الناطق السابق باسم البيت الأبيض مازال على القمة، بالرغم من قول ديك تشيني و صديقه الكاتب ـ و السيناتور أيضا ـ بوب دول أن مؤلفه سكوت ماكليلان مجرد "مخلوق بائس"..الجميل في كتاب "ماذا حدث؟" أن صاحبه استفاد من ريوع آل بوش أيام عِزِّهم، كما استفاد من بيع فضائحهم مع اقتراب نهاية عهدتهم، تماما على طريقة "المنشار العربي" الشهير!
وبعيدا عن "النيويورك تايمز" ستكون "الواشنطن بوست" المحطة الثانية في الرحلة الثقافية الصباحية، ومعها ستكون "الوجوه المألوفة" حاضرة دوما، فـ"الواشنطن بوست" لازالت تفرد اهتماما كبيرا للدكتور نايف المطوع، الباحث النفساني الكويتي الذي اخترع "بوكيمونا إسلاميا"، فعبر مقال ممتع تتحدث عن فكرته التي أراد من خلالها إعطاء الصبغة الإسلامية لأفلام "البوكيمون" الكرتونية، والتي اختار أن يحمل كل منها اسما موافقا لصفة من صفات الله الحسنى، وهي خطوة جميلة يمكن أن تعطي صورة مشرقة عن الدين الإسلامي، ولعل غرابتها هي التي حدت بالصحيفة للتمعن بها مطولا، تماما كما تمعنت في كتاب "مقتدى الصدر" لباتريك كوكبورن الذي قدمه الكاتب العراقي ولي نصر، صاحب كتاب "انتقام الشيعة"، وتحدث عن الواقع الشيعي الجديد في العراق.
روائيا، نقرأ تقديما لرواية "الألغاز" لدينيس درابل المعتمدة على الخيال العجائبي، و"قصة إدغار سواتل" لدافيد ولبوسكي، كما تكتب إليزابيث وارد بعنوان "عناوين منعشة ليوم حار" مقترحة على القراء الصغار قائمة بأحسن الكتب التي يمكن أن يطالعوها في يومهم الصيفي الشاق، وتضيف الصفحة قائمة بالكتب التي تراها مفيدة للقراء، و أخرى بالكتب الأحسن مبيعا والتي تتقاطع شيئا ما مع قائمة الـ"نيويورك تايمز".
مالذي تخرج به من الجولة الصباحية في الجريدتين؟ شي غير قليل من الحسد لمجتمع أتقن التواصل بين صحفه ودور نشره، ويسّر التفاعل بينهما، وصحافة أتقنت بناء تقاليد مهنية غاية في الجاذبية والجمال، وقراءٍ حريصين على التعاطي العاشق للثقافة...وشيء غير قليل من الحزن على واقعنا العربي الذي يتحرك بسرعة السلحفاة نحو مصيره المحتوم..فحتى الانتحار لدينا يأتي بالتقسيط!
الدكتور محمد عبد الرحيم كافود:
يعتقد الدكتور محمد عبد الرحيم كافود، الناقد و الرئيس السابق للمجلس الوطني للثقافة و الفنون و التراث، أن عدم وجود جمعية للأدباء القطريين هو نقطة تحسب عليهم و أن التأخر الحاصل في خروجها للنور يتحمل الأدباء حصرا مسؤوليته، كما يقول أن لا وجود لأي "ناشر" أدبي في قطر، ويضيف أن الأدب القطري تخلف عن مواكبة التطور العمراني والاقتصادي الذي تشهده الدولة.
حاوره : شبّوب أبوطالب
· تحدثتم في كتابكم "الأدب القطري الحديث" عن مشكل توثيق الأدب القطري في فترة ما قبل الخمسينات، كيف تنظرون للأمر؟
· بالطبع، هي مشكلة قائمة بالنسبة للأدب القطري و للأدب العربي عموما، فالأدب العربي القديم مشكوك فيه لأن العرب لم يبدؤوا التدوين قبل نهاية العصر الأموي وبداية العباسي، وقبل ذلك كان الحفظ شفويا ويتم توريثه من الآباء للأبناء، و بالنسبة للمجتمع الخليجي فإن التعليم لم يظهر حتى أربعينات القرن المنصرم وفي دول بعينها، ومعه بدأت حركة التوثيق، أما سابقا فلم يكن هنالك إلا الروايات الشفوية التي اعتُمِدَ عليها لحفظ الأدب و حتى تواريخ ميلاد بعض الناس، فيما كانت الأمية سائدة و اقتصر التعليم وقتها على حفظ القرءان وبعض قواعد اللغة العربية، و التعاطي مع بعض الكتب القديمة.
· هل يعني ذلك انعدام التوثيق نهائيا؟
· لا، فقد أشرت في كتابي إلى وجود بعض الأعمال المدونة، ولو بصورة يدوية، كأشعار أحمد بن يوسف الجابر، وعبد الجليل الطباطبائي وماجد بن صالح الخليفي ...فهؤلاء وجدت أعمالهم مدونة، فأحمد بن يوسف الجابر له أعمال مدونة منذ العشرينات بصورة يدوية على شكل قصاصات متفرقة وقد قمت بجمعها، أما الشاعر ماجد بن صالح الخليفي فإن له أعمالا مدونة منذ عشرينات القرن المنصرم...
· (مقاطعة) لقد فصل كتابك بين وجود الشعراء و الأدباء عموما كأفراد، وبين وجود حركة ثقافية حقيقية، وفي هذا الإطار قارنت بين قطر والبحرين والكويت؟
· بالطبع، و قد تحدثت عن الثقافة بمفهومها العام، و الذي لا يعني وجود أدباء أو شعراء، بل وجود أندية أو ممارسة العديد من الأنشطة الاجتماعية، وهو ميدان كان للبحرين و الكويت السبق فيه، بفضل الانطلاقة التعليمية التي سبقت مثيلتها في قطر، ناهيك عن الموقع الذي يضع تأثيره لجهة القرب من العراق بثقله الأدبي ـ بالنسبة للكويت ـ و للحركة التجارية النشطة ـ بالنسبة للبحرين ـ وفي هذا الإطار لا يمكن أن نستثني الحركة الأدبية الرائدة في السعودية هي الأخرى، فقد وصلتُ ـ في دراسة نشرتها مؤخرا ـ إلى أن منطقة "الحجاز" أيام حكم آل الرشيد و كذا الهاشميين شهدت حركة فكرية ونقدية نشطة يمكن مقارنتها بمثيلتها المصرية، وحصل مثل ذلك في جريدة "البحرين" ..تصور أن ذلك حدث في أوائل عشرينات القرن المنصرم.
· إذن فقد تأخرت قطر عن نظيراتها؟
· حلّت قطر في المرتبة الثالثة، وبعدها الإمارات ثم عُمان التي تملك تراثا كبيرا رغم أنه يرتكز في قسمه الأساسي على اللغة و العلوم الدينية.
· ماذا عن المرحلة الثانية من تاريخ الأدب القطري..مرحلة ما بعد الخمسينات؟
· إنها مرحلة بدأت مع شيوع التعليم الحديث، و وفود الإخوة العرب لممارسته، لكن رغم هذه النهضة فإن الوجود الأدبي ظل محدودا، بسبب غياب الصحافة، وهي حاجة لم يتم سدّها إلا في السبعينات، فالأدب محتاج دوما لوسيلة تساعده على الانتشار سواءً أكانت صحافة مكتوبة أو تلفزيونا أو إذاعة..الخ، يضاف إلى ذلك غياب دور النشر، ما جعل الأدب القطري يتأخر بعض الشيء، لكن مع ظهور الصحافة القطرية مع "مجلة العروبة" و"جريدة العرب" ثم "العهد" ثم "مجلة الدوحة"، فقد ظهرت بعض ثمار الأدب القطري في مجالات القصة و الشعر و الرواية و المسرح.
· يعني من هنا كانت الانطلاقة القوية للأدب القطري؟
· يمكن القول أن وتيرة التطور حتى الثمانينات كانت بطيئة، ولكن بعد منتصف التسعينات كانت القفزة الثقافية التي توازت مع حركة النهضة السياسية و الاقتصادية الشاملة، حيث برزت القصيدة العمودية و النثرية و القصة القصيرة و حتى الرواية احتلت لنفسها مكانا بارزا، وكلها فنون شرعت في أخذ طريقها لمحاكاة الأدب العربي إن لم نقل العالمي.
· وكيف تقيّم المشهد الثقافي القطري حاليا؟
· دعني أقول بأن الأدب غير مواكب لحركة التغيير السريعة التي تشهدها قطر، وهي ظاهرة عادية بالمناسبة، ذلك أن الجانب المادي يتغير دوما بشكل أسرع و أسهر من تغير الجانب الأدبي و الفني، رغم أن الأديب و المثقف يفترض به أن يكون رائد لمجتمعه.
· ألا يمكن تفسير ذلك بأن التطور في الخليج تم بشكل مقلوب، فعوض أن تقوده حركة الشعوب قادته المؤسسة الرسمية؟
· إلى حدّ ما، فإذا كانت فرنسا قد تحركت بدفع من كبار مفكريها، و البحرين و الكويت شهدتا بروز مفكرين و أدباء أثروا في حركة المجتمع نحو الأمام، فإن القيادة السياسية في قطر و الإمارات هما اللتان تدفعان باتجاه التغيير وتقودان حركته، و إن كان ذلك لا يعني نكران دور المثقف في مجتمعه، و إنما يعني الاعتراف بأن بعض مواقف القيادة السياسية لها أثر كبير في التغيير الفكري والاجتماعي.
· الشيء الملاحظة بقوة في قطر هو غياب "سلسلة النشر" وغياب ثقافة الترويج للكتاب، سواءً لجهة الكاتب أو لجهة دار النشر؟
· صحيح، و أنا أحد الذين لا يروجون لكتبهم بالشكل المناسب! فقد طبعت كتابي الأخير (المسرح في قطر) ولكني لم أوزعه بالشكل المناسب، ولم أقدمه سوى لأصدقائي، و السبب أن دور النشر لدينا لا تكاد تكون دور نشر بالمعنى الحقيقي، وقد طبعت أكثر من كتاب في قطر فكان التوزيع غير مُرضٍ بالمرة، أما الناشر هنا فإذا كان شاطراً فسوف يضع كتابك في مكتبته! أما الترويج له في الخارج و المساهمة به في المؤتمرات فهو ضئيل جدا، و لأمر خاضع دوما لحسابات الربح و الخسارة المادية البحتة، أما فكرة النشر الثقافي وترويج ثقافة الدولة فهو غائب تماما عن ذهن الناشر القطري..إن وُجِدَ.
· هل تقول بأنه لا وجود لناشر حقيقي في قطر؟
· نعم! وأنا لا أدعو لاستبعاد الربح المادي من ذهن الناشر القطري ولكن النشر الثقافي له رسالة ينبغي أن تدخل في حساب الناشر، فليس كل المبدعين سواسية، فإذا كنت أنا قادرا على نشر كتاب معين وتحمل تكاليف طباعته، فليس كل المبدعين بقادرين على تحمل الكلفة المادية للنشر ومن ثَمَّ مشاهدتها مرمية في دور النشر بدون عناية ولا توزيع، وبالتالي فإذا كان للناشر الحق في طرح الحساب المادي فإنه بذات الحين مطالبا بوضع حساب البلد في ذهنه، وحساب التعاون في التعريف بأدب الدولة، و الأخذ بيد المبدعين.
· يعني أن قطر محتاجة لناشر يفهم رسالته؟
· نعم، وهي محتاجة أيضا لمؤسسات غير رسمية تفهم ضرورة دعم الثقافة، و التعاون مع ممثليها.
· لماذا لا نقول بأن واجب السلطات الرسمية أن تدعم الناشرين في محاولتهم التعريف بالأدب القطري..أليس من واجبهم دعم مشاركاتهم الخارجية و أنشطتهم الداخلية؟
· يفترض أن يكون الأمر كذلك، وهو كذلك إلى حدّ مّا، و المهمة مناطة بالمجلس الوطني للثقافة و الفنون والتراث، ولا اعتقد أن هناك أي عائق سوى الجهد التنظيمي، و أنا شخصيا عندما كنت رئيسا للمجلس الوطني للثقافة قمت بتشكيل لجنة خاصة بهذه المهمة حصرا، حيث تقوم اللجنة باختيار الكتب التي تستحق الدعم و الشراء و المبدعين الذين يجب الوقوف معهم، ومن ثم تقدم لهم ما يناسبهم، فإن كان العمل جيدا فإن المجلس يتبنى طبعه ودفع مكافأة صاحبه، و إن كان دون ذلك يُطْلَبُ من صاحبه أن ينشره على نفقته ليقوم المجلس لاحقا بدفع تكاليف الطبع، وقد قمت شخصيا بخطّ هذا الأسلوب آمل أن يستمر العمل به.
· يعني أن النشر حاليا أسوأ مما كان؟
· لا بالعكس، هو أحسن كثيرا من السابق، وعلى المستوى الأدبي فإني اعتقد بأن التغييرات الاجتماعية و السياسية التي يمر بها المجتمع القطري ستكون رافدا مهما للإبداع بكل أنواعه، فكل منعطف تجديدي يطرح على المجتمع تحدي الاستجابة للجديد أو الاحتفاظ بالتراث ويولّد ذلك مجالا رحبا للممارسة الإبداعية، و المجتمع القطري الآن هو ساحة غنية وثرية وخصبة وصالحة جدا ومتوفرة على "المادة الأولية" للإبداع.
· ألا تعتقد بأن المشكل الإضافي هو عدم وجود جهة تبحث عن المبدعين وتأخذ بيدهم؟
· أولا، قد لا يكون مجديا أن نوجد جهة لتدق الأبواب على الناس قائلة: "في بيتكم مبدع"، فالدولة تتوفر على أكثر من متنفس ثقافي سواءً على مستوى المدارس أو الجامعات أو الجمعيات المختلفة أو المجلس الوطني للثقافة، ويفترض بهذه الجهات جميعا أن تكون فضاءً لاجتذاب المبدعين، فهناك جمعية للفن التشكيلي ونحن ننتظر ميلاد جمعية للأدباء و الكتاب لتكون رافدا للوسط الثقافي بالعديد من المواهب. كما أن الصحافة موجودة وأبوابها مفتوحة للأدباء و الكتاب الذين يفترض بهم استغلال الفرس المتاحة أمامهم.
· صحيح أن المدرسة و الجامعة يتيحان المجال للمبدع، ولكنهما ليستا جهة نشر، و السؤال المطروح هو عن نوعية الرباط الموجود بينها وبين جهات النشر وجهات رعاية الأدباء؟
· صحيح، هنا يجب على المدرسة أن تعرف حدود دورها و واجباتها في توصيل المبدع للجهة التي تتكفل بتنمية موهبته.
· أشرت إلى جمعية الكتاب و الأدباء القطريين، مالسبب في تأخر ميلادها؟
· الذي نعرفه أن شروط تكوين الجمعيات واضحة للجميع، كما نعرف أن هنالك ملفا موضوعا لدى الهيئات المعنية منذ فترة، ولا ريب أن هناك إجراءات تنتظر الاستكمال لتبرز إلى الوجود جمعية الأدباء و الكتاب القطريين، وربما كان وجود أكثر من جهة ذات صلة بالموضوع هو الذي أخره قليلا.
· قيل لنا أن أعلى السلطات في البلد مهتمة جدا بالموضوع، ولكن الكتاب تأخروا وتنازعوا فتأجل الموضوع؟
· لا أدري، أعرف أن هناك قائمة موضوعة لدى الجهات المعنية..
· (مقاطعة) تتحدث عن القائمة الأولى أو الثانية..فهناك أكثر من واحدة؟
· لا أدري، ولكني أتحدث عن القائمة التي أمضيتها ضمن مجموعة من الزملاء قبل سنة أو يزيد قليلا و أتوقع أن نقصا في المتابعة من طرف مقدميها هو الذي أخّرها.
· أليس هنالك تنازعا على رئاسة الجمعية؟
· لا، فلا يمكن التنازع على رئاسة هيئة لم تظهر للوجود بعد.
· ألا يعتبر عدم وجود جمعية للأدباء نقطة تحسب على كتاب و أدباء قطر؟
· طبعا، فوجود جمعية لهم سيخدم الزخم الإبداعي ويزيد التفاعل بين المثقفين و الأدباء و الكتاب.
ميرال الطحاوي:
تقول الروائية المصرية ميرال الطحاوي أن المرأة قد استطاعت قبر قورن طويلة التعبير عن مشاعرها بصور شتّى أتقنت تهريبها عن عين الرقيب، وتضيف أنها كانت من الإخوان المسلمين مفضلة إياهم على غيرهم كونهم لم يستغلوا جسدها كما حصل مع زميلاتها اليساريات! وتعلن بثقة بأن المجتمع المصري غير مُسَيّس وهَمُّه أن يعيش و السلام!
· تحدثت في الصالون الثقافي عن فكرة "المحظور" في الرواية العربية..هل تتصورين بالفعل أن هناك محظورا في عصر الانترنيت؟
· سأغتنم هذه الفرصة لأقول أشياء كثيرة لم يتسع الظرف لقولها في الصالون الثقافي، فالمحظور بالنسبة لي "وهم"، هو محظور بالنسبة لمن؟ أيضا فالموضوع شديد التخصص و الأكاديمية، وربما تناولناه في جلستنا بشيء من التسطيح...المحظور موجود تاريخيا في كل المجتمعات، وهو يتعلق بالجانب الاجتماعي، فرغم وجود البغاء و الخيانة الزوجية فإن المجتمعات ترفض الكتابة عنها، لكن هذا الأمر محدود زمنيا، فالمجتمعات تتطور، فالرواية التي حوكمت في القرن 19 بسبب حديثها عن الخيانة الزوجية، تقابلها اليوم روايات تتحدث عن الشذوذ بنوعيه، بل وتقابلها جوائز عالمية للكتابة في هذا الموضوع.
· تتحدثين على المستوى العالمي، ماذا عن الشق العربي في الموضوع؟
· المجتمع العربي هو أيضا مرّ بنفس الطفرات، ففي البداية كان الرفض لأعمال تتخللها كلمة "يا حبيبي" أو "أنا أحبك"، فكان هنالك رفض لتصريح المرأة بمشاعرها، بل و تصنيفها كـ"مبتذلة" و "مغوية"، وهو ما راح ينزاح بمرور الوقت.
· تحدثت عن الشعر الشعبي النسائي أو "العلم" كما يقال في مصر
· طبعا، ففي حين كانت ترفض كتابات النساء المحتوية على عبارات "يا حبيبي" كان هنالك شعر شعبي نسائي يقل ما هو أكثر من "يا حبيبي" ولكن بطريقتها الملمِّحَةِ الموَارِبة، بل إن بعض القصائد تحوي إشارة لأعضاء الجسد.
· طيب، كيف سمح المجتمع بهكذا أشعار؟
· لوجود عنصر المواربة، ففي كل الأقطار العربية كان هنالك هذا العنصر الحاضر، عنصر التلميح و عدم الإفصاح، ولذلك ذهبت "الفصاحة" في اتجاه الرجل، فالرجل "مفصح" أو "مبين" بمعنى قدرته على الكلام المباشر و التعبير الصريح، بينما تفتقد المرأة هذه الخاصية بفعل ما جبلها المجتمع عليه، أو ما أسميه شخصيا بـ"ثقافة الغلالة" أي أن المرأة مضطرة للتعبير بشكل تغلّف فيه مشاعرها بغلاف وهمي يستر اللغة قليلا ولكنه يسمح للمرأة بالقول و التعبير.
· يعني أن المرأة طورت طريقة دفاع معينة تجاه الحظر المفروض عليها؟
· طبعا، فهناك ما يشبه القاعدة في الشعر الشعبي العربي، وتنصّ على الاحتفاظ بشخصية "القائلة" في طي الكتمان، فكل شعر فيه "تَعَشُّق" ترويه نساء القبيلة ولكنهن لا يبحن أبدا باسم قائلته، وكأنه نوع من الاتفاق الجماعي، بحيث يمكن للمرأة أن تتحدّث بشكل مفرط الصراحة أحيانا ولكن لا واحدة تصرّح باسم قائلة الأشعار، وينسب الشعر بالتالي لـ"الذات الجماعية" ويصبح "فضيحة مشاعية".
· (مقاطعا)..طبعا لأن تبني هذه الأشعار يساوي مشكلة؟
· ورغم هذا كانت هنالك حالات بوح ولكن ضمن النطاق المشاعي، وهذا نوع من التواطؤ الاجتماعي، إذ يتم ستر الأغاني التي تلقى في الأعراس وتتضمن مفردات جنسية، وهكذا أمكن للمرأة التعبير في ظل وجود تعاهد نسائي جماعي على حمايتها.
· أنت منشغلة جدا بهذا الموضوع؟
· طبعا، ولكنه انشغال جمالي لا اجتماعي، إذ أفكر دوما فيما إذا كانت هذه القيود قد فرضت على المرأة أن تنحو بتعبيرها بعيدا عن الطريقة المباشرة؟ وفيما إذا كانت لتعبيرها الجديد طابع جمالي مّا؟ ونوعية الرموز و"الشيفرات" التي تستعملها داخل النص، ومقارنة الأمر من ثَمَّ بما يحدث حاليا من توجه النساء إلى التعبير المباشر، دون أن تفكرن بأن أمهاتهن و جَدَّاتِهِنَّ قد وجدن طرقا بديلة للتعبير، طرقا شديدة الجمال وبعيدة عن الفجاجة.
· هل تعتبرين توجه بنات جنسك للتعبير المباشر ظاهرة صحية؟
· هو ظاهرة صحية حينما يناقش قضايا اجتماعية بطريقة جريئة، و يأتي في ذات الحين على خصوصية الفرد، لأن المشكلة التي نعاني منها أن النص الإصلاحي ليس أدبيا بالضرورة، فقليلة جدا هي النصوص التي احتفظت بخصوصية ورؤية جمالية رغم تناولها لهم اجتماعي، ومنها نصوص ماركيز التي تناقش فكرة الديكتاتور، أو نصوص بورخيس، أو النصوص التي تحاور فكرة الوجودية أو فكرة الرب وبنفس الوقت هي نصوص رائدة على المستوى الإبداعي، وفي الأدب العربي يمكننا ملاحظة بعض نصوص طه حسين التي تشهد له بأنه كان مفكرا إصلاحيا كبيرا، و أنه أحدث دورا انقلابيا داخل الثقافة العربية..ومع هذا فهو ليس روائيا كبيرا، بل هو نموذج للخطاب الإبداعي الذي يتلبّس الطابع الإصلاحي.
· ابتعدنا قليلا عن موضوعنا، هل يمكن لك أن تقولي بأن المحظور موجود بشكل فاعل في زمننا "الانترنيتي"؟
· ما هو المحظور؟ إنه مرتبط بالدائرة الصغيرة للكاتب، و إذا جاز لنا التعبير فإن أول محظور هو : كيف تصير كاتبا؟ فالضمير الاجتماعي الذي تحدثنا عنه يصم الكاتبة بأنها امرأة مبتذلة ومنحلة وبالضرورة هي مطلّقة و عاشقة لفلان وعلّان..باختصار هي "المرأة الفضيحة"، ولذا فإن رهان جلينا كان أن نثبت بأننا نساء متمردات ولكن ليس بالشكل الذي يعتقده المجتمع، بل أن نكون أكاديميات وباحثات و"فاضلات" بالمعنى الاجتماعي..هي محاولة للإثبات.
· (مقاطعا) إثبات ماذا؟
· إثبات "الفحولة" بمعنى من المعاني، الفحولة التي تعني أن بمقدرتنا كتابة نص بنفس فن الرجل، و الانتهاء من فكرة الكتابة الاجتماعية إن جاز التعبير، ذلك أن هذا النمط من الكتابة إيديولوجي انفعالي بالضرورة، كما يتحرك ضد الرجل و المجتمع ولا يحمل من النضج بقدر ما يحمل من عنفوان التحرر.
· إذن فهذا هو رهانكم؟
· بالطبع، لأن المساحات التي أتيحت أمامنا تعني أن نبرهن على نضجنا من خلال كتابات مليئة بالأسئلة، فكون المساحات متسعة يعني أننا في مأزق "الوعي" و "الجودة" وعلينا التعامل مع الأمر كي لا يوصم الأدب النسائي بالضحالة و التركيز على الجنس أو اكتساب أهميته من كونه "كتابة بنات" على حدّ رأي إدوارد الخراط، فكنا نريد أن نبرهن على أن كتاباتنا ليست كتابة مراهقة و إنما هي كتابة ناضجة، و واعية جماليا.
· أي أن المطلوب هو كتابة جميلة لا كتابة جنس؟
· هذه هي الفكرة من أول المطاف، لأن الاعتناء بالجانب الاجتماعي هو قضية الصحافة و وسائل الإعلام بشكل عام، لا قضية الكاتب، إلا إذا ورد الأمر في سياقه فعندما كتب محمد شكري "الخبر الحافي" جاءت القضية الاجتماعية في سياقها الإنساني الفردي الذي يمكن أن تأخذ منه الصحافة لا العكس.
· جميل للغاية، هذا بالضبط ما يقوله الإسلاميون من أن المشكل ليس في تناول الجنس بل في طريقة التناول، أليس كذلك؟
· هذا الأمر بديهي، فالقارئ في حالة تساؤل دائم "لماذا يصدمني الكاتب بهذه العبارة؟ ألم يكن بإمكانه أن يستعمل نوعية ثانية من العبارات؟".. فما هي الكتابة؟ هل هي تجميع قصاصات الجرائم و الحوادث والانتهاكات التي تطلع في الصحف ثم رَصْفُهَا في عمل أدبي أم هي ان تكتب شيئا يفجّر أسئلة أعمق من أسئلة الصحافة؟ هذه هي المشكلة فالهامس بين التحقيق الصحفي و الكتابة الروائية أصبح هامشا ضئيلا ففقد النص الروائي خصوصيته، ويمكننا القول أن "الحالة الصحافية" هي التي تواجه الهاجس الجمالي.
· مالذي تذكرينه من "مرحلة الإخوان المسلمين" التي عشتها ذات يوم؟
· هي إحدى مراحل الحياة، حيث كنت في المرحلة الجامعية أنا ومجموع الطلاب منتمين لـ"الإخوان المسلمين"، خصوصية هذه المرحلة أنني بدأت الكتابة خلالها، حيث كنت أكتب قصصا قصيرة ويقوم بعض "الإخوة" بنشر كتاباتي ضمن "مجلة الجامعة" التي كانوا يديرونها، وكذا إرسالها إلى بعض المجلات الإسلامية كـ"الدعوة" و "لواء الإسلام" و "المختار" ومن هنا التصقت باسمي فكرة "الالتزام" حسبما كانوا يصنفونني في ذلك الحين، مع أني لم أكن اكتب سوى مجموعة قصص أو نصوصا نثرية لكنهم كانوا يعتبرونها أدبا ملتزما.
· ومن هنا جاء أول كتبتك؟
· تصور أني لم أعرف شيئا عن هذا الكتاب، حيث جمعة المرحومة زينب الغزالي ما كتبته ونشرته في كتاب معتبرة إياه دليلا على الأدب الإسلامي الرفيع، والغريب أنني لما قررت أن أكتب الرواية اعتبروا ذلك مروقا على الدور الذي تصوروا أني سأقوم به أي دور الكاتبة الملتزمة التي تنشر الأدب الإسلامي..وهذا ما لم يكن واردا في ذهني على الإطلاق.
· كيف رأيك بالتجربة؟
· لقد كتبت عنها في "الباذنجانة الزرقاء" برهافة شديدة، فقد أحببت هؤلاء الناس بكل صراحة.
· مالذي أحببته فيهم؟
· انه لم يحصل أي نوع من الخداع السياسي، فقد رأيت كيف استغلت زميلاتي اللائي كُنَّ في اليسار جسديا، وتوريطهم في "علاقات" سبّبت لهم تَفَتُّتاً نفسيا كبيرا، وهذا ما لم يحدث معي في جماعة "الإخوان المسلمين" فهي جماعة أقرب إلى صيغة القبيلة، وإلى صيغة الاحتماء القبلي عبر فكرة "الأخ" و "الأخت" وهذا ما كنت احتاجه في ذلك الحين، إذ كنت بنتا خارجة من عالم القبيلة إلى عالم الجامعة و الكتابة بأضوائهما، بما يعنيه ذلك من احتياجي للوصاية الأبوية..ناهيك عن الفائدة الأخرى لجماعة "الإخوان المسلمين" وهي فكرة القراءة، حيث قرأت بشكل كبير.
· مالذي تأخذينه عليهم؟
· فكرة "القالب" أي محاولة وضع منتسبيهم جميعا في قالب واحد، بينما أنا مليئة بأسئلة الحيرة و التفكير ، ولدي الجرأة لأُغَيِّرَ و أتغير و أعدل طريقة لباسي، بينما هم يظلون في شكل قوالب يقينية تؤمن بامتلاك الحقيقة المطلقة.
· ماذا لو حاولتِ تقييم فكرهم؟
· لا استطيع ذلك لأسباب كثيرة، بينها حاجة المجتمعات العربية لليقين الديني، لأنه فكر ينبع من صميم ثقافتهم، ثانيا: التطورات التي طرأت على فكر الجماعة سواءاً في الاتجاه المريح أو في الاتجاه المعاكس، لا اعتقد أن "الإخوان المسلمين" هم تجربة، بل هم حاجة اجتماعية، لأن المجتمع برمته كان في فترة من الفترات بحاجة لليقين الديني طالما انتفى اليقين السياسي.
· هل تعتبرين أن حاجة المجتمع لهم قد انتفت في الوقت الحالي؟
· نعم، إذ ينحو المجتمع الآن منحا فرديا تعدديا، فنحن عندما دخلنا الجامعة كنا نبحث عن أسرة أو نادٍ رياضي أو فريق أو فكرة سياسية بينما الحاصل حاليا هو وجود طاقات فردية وبحث عن النجاح الفردي، و نتج عن الوضع الحالي للمجتمع الاتجاه إما إلى اليمين أو "السلفية" حيث الانكفاء أو إلى الاكتفاء بالبحث عن معايشة هموم اليوم، و البحث عن عمل يجلب لهم رزقا إضافيا..نحن نعايش حالتي التطرف الشديد، إما الانفتاح الصارخ أو التدين المغرق في التزمت.
· أي مصير لمصر في ظل هذه الظروف؟
· يبدو أنه لا فكاك لمصر، فهناك السلطة (الحزب الوطني) وهناك السلطة المضادة (الإخوان المسلمون)، وليس هناك من بديل غيرهما، فهناك سلطة سياسية و أخرى اجتماعية دينية، ولا شيء غيرهما غير العويل و الصراخ الذي نراه في الصحف و الذي أتصور أن الدولة قد سمحت به لخلق ديمقراطية محددة المعالم
· يعني، أن المجتمع المصري سيسجن طويلا في حالة "ستاتيكو"؟
· ليس هذا ما أتنبأ به، بل إن المنطق يفترض حدوث العكس، إنه سؤال يطرحه المثقفون المصريون من أولهم ، محمد حسنين هيكل، إلى آخرهم، وتلخصه عبارة "متى سيحدث الانفجار الكبير؟".
· هل يعود تأخر "الانفجار" لطبيعة الشعب المصري ذي القابلية العالية للتسلط كما يقال؟
· لا، بل إلى كونه يعيش يومه وهمومه، ويفكر اجتماعيا لا سياسيا، بل هو غير مُسَيَسٍ مثل نظرائه في فلسطين و لبنان، ومادام أن هنالك "فسحة عيش" فسيعيش المجتمع و السلام! ويضاف إلى هذا حالة الخوف التي تكبّل الناس، و حالات اختفاء المعارضين وتواطؤًا من السياسية الأميركية مع ما تقوم به السلطة المصرية، وعدم قيام المثقفين بواجبهم.