الأحد، 29 يونيو 2008

الموسم الثقافي في قطر.. أرقام وتعليقات




الدوحة - شبّوب أبوطالب

انتهى الموسم الدراسي والثقافي في قطر قبل أيام قليلة، وبينما لملم الطلاب كراريس العلم والمعرفة مؤقتا وانشغلت المؤسسات التجارية بالإعداد للموسم الجديد، فإن على الثقافة في قطر أن تقدم هي الأخرى للمجتمع جرد حساب بالذي أنجزته خلال سنة. أين تميزت؟ وأين فشلت؟ ما الذي أبدعت فيه وما الذي ضاع منها؟ «العرب» التقت بعض المهتمين بالمشهد الثقافي ونقلت لكم انطباعاتهم.انتظم الموسم المنصرم نوعان من الفعاليات الثقافية، يتجسد النوع الأول في الفعاليات الثابتة التي تفرض نفسها على الأجندة الثقافية، أما النوع الثاني فهو المبادرات التي قامت بها الهيئات الثقافية أو المبدعون، وبمزيد من التفاصيل فإن مهرجان الدوحة الثقافي يعتبر الحدث الأول في المستوى الأول، والذي شهد هذه السنة أكثر من 47 فعالية ثقافية مختلفة، بينها 13 عملا استعراضيا تتنوع بين الاستعراضات الفلكلورية وعروض الأزياء وعروض الحرف التقليدية... إلخ، بالإضافة إلى 4 حفلات موسيقية كبرى لفنانين عرب وأجانب، ناهيك عن 7 فعاليات كبرى للفنون البصرية شملت ندوات نشطها كبار المتخصصين في الفنون الجميلة ومعارض فنية تشمل معارض لكبار الفنانين القطريين وكذا للأطفال بالإضافة إلى معرض خاص بالفن الصحراوي بعنوان «عشق الخلا»، إلى جانب ذلك شهدنا 5 فعاليات شعرية و4 فعاليات مسرحية، وحضورا لأكثر من 40 فريقا إعلاميا من مختلف الدول.في المقام الثاني، كان الصالون الثقافي الحدث الأكثر حضورا واستمرارا وثباتا، إذ حافظ المجلس الوطني على تواجده ودعّمه أمينه العام بالكثير من الإمكانات، وتحت هذا البند يمكن أن ندرج 14 ندوة ثقافية استضافها الصالون خلال سبعة أشهر، وشهدت مشاركة 54 مثقفا بينهم 27 من قطر و6 من مصر و4 من السعودية و3 من البحرين والكويت ومبدعان اثنان لكل من دول: الإمارات، سلطنة عمان، العراق، الجزائر، ومبدع واحد لكل من سوريا واليمن، ودوما ضمن السياق ذاته ضرب الصالون موعدا مع 3 أمسيات شعرية، و4 قصصية، وخصصت باقي الندوات لمناقشة قضايا عامة مست الثقافة أو الحياة الاجتماعية والسياسية العربية، ومن بين أبرز هذه الندوات يمكن ذكر ندوة «الصحافة العربية بين الواقع والطموح» و «رجاء النقاش في ذاكرة الثقافة العربية» و «واقع الأدب العربي» و «المحظور في الرواية» و «الازدواجية بين الرجل والمرأة»، أما مركز الفنون البصرية فقدم أكثر من 14 نشاطا خلال الموسم المنصرم، وقد تنوعت فعالياته بين معارض التشكيل ومعارض التصوير الفوتوغرافي والمشاركات الخارجية، إذ كان حاضرا دوما في الأسابيع الثقافية التي نظمتها قطر خارج حدودها، وشارك في أكثر من فعاليات دولية ممثلا برئيسته السيدة نادية المضيحكي، ولعل أبرز فعالياته كان معرض الصور الذي ضم تاريخ الجزيرة العربية خلال مئة سنة، والمعارض المتنوعة لفناني الغرب كمعرض الإسباني إنريكي كاريور والأميركي توم تيل، أما المشاركات الخارجية فلعل أبرزها المشاركة التي تمت خلال الأسبوع الثقافي القطري في باريس والذي حمل شعار «قطر.. تراث وحداثة».وفي اتجاه آخر، حضرت نادي «الجسرة» الثقافي بمجموعة مميزة من الأنشطة أبرزها معرض الصور الذي نفذته عن الدوحة القديمة، وكذا إحياء اليوم العالمي للشعر ومداومة إنجاز مجلتها الثقافية، وفي سياق آخر ظهرت إدارة الثقافة والفنون في مجموعة ثانية من الفعاليات لعل أبرزها رعايتها لبعض الكتب الجديدة وقيامها بتنشيط أمسيات شعرية شعبية وعدد كبير من السهرات الثقافية التي زينتها فرق عربية وأوروبية، ناهيك عن المشاركة في الأسابيع الثقافية القطرية في الخارج.يبقى السؤال بعد هذه الجردة المختصرة عن آراء الكتاب والمثقفين في الموسم المنصرم.أمينة العمادي: تطور يحتاج إلى رعايةتقول الكاتبة القطرية الدكتورة أمينة العمادي -المديرة العامة للمركز الثقافي العربي للتدريب والاستشارات-: إن سنة قطر الثقافية شهدت «تطورا جيدا، وكانت أحسن من التي سبقتها، لكنها مع ذلك تحتاج إلى رعاية واستكمال لبعض النواحي»، ومع إشادتها بكل الذي تحقق لقطر في الميدان الثقافي فإنها لاحظت بعض النقاط التي رأت أنها تحتاج لعناية خاصة، فـ «الأنشطة الثقافية تفتقر لخاصية الاستمرار، ولا بد لها من مغادرة فكرة الموسمية التي تسيطر حاليا» و «المسرح يعتمد على نشاط جهتين أو ثلاث كمسرح شباب الدوحة ومسرح شباب برزان وبالتالي فالحركة المسرحية ضعيفة، وليس في هذا إنقاص من قيمة الجهد الذي يبذله القائمون على المسرح ولكنه حث لهم ولغيرهم على التواجد الدائم»، أما الصالون الثقافي فإن الكاتبة قد سجلت نقاطا إيجابية لصالحه، ودعت بالمقابل لتكثيف الاعتماد على الأسماء الكبيرة، فـ «قطر قادرة ماديا ومعنويا، وكتابها والمهتمون بعالم الثقافة داخلها يشتاقون لرؤية وسماع ومناقشة بعض الأسماء الكبرى التي يتحدث عنها الإعلام ويتمنى القطريون مجالستها، وبالتالي فإن تكثيف الحضور النوعي في الصالون الثقافي يعتبر ضرورة لتطويره».ولم تتوقف الدكتورة العمادي عند إعطاء رأيها في الموسم الثقافي، بل تحدثت عن الطريقة التي تسيِّر بها مختلف الهيئات الرسمية والأهلية النشاط الثقافي، قائلة إن «الإدارة الثقافية القطرية تحتاج لتجديد كبير ويجب أن تكون الكلمة الأولى فيها للمثقفين، كما يجب استحداث هيئة وظيفتها تقديم النصح والمشورة للفاعلين الثقافيين، إذ يمكن للمثقفين أن يقدموا عونا كبيرا للهيئات المشتغلة في الحقل الثقافي، وما على هؤلاء إلا استشارتهم»، وتضيف العمادي صوتها لقائمة المطالبين بتفعيل جمعية الأدباء القطريين قائلة «نحتاج إلى نقابة تحمينا وتمثلنا وتدافع عن حقوقنا المادية والأدبية، وهذا أهم ما نفتقر إليه في الوقت الراهن».عائشة الكواري: ننتظر الحي الثقافيترى الكاتبة عائشة جاسم الكواري أن أهم ما يميز الثقافة في قطر هو «أننا ما زلنا في انتظار الحي الثقافي القطري، فباعتباره أول بادرة من نوعها على المستويين الخليجي والعربي فإننا ما زلنا نصر على انتظاره بفارغ الصبر، خصوصا أنه يحتوي على مقاهٍ ثقافية دائمة وأنشطة ثقافية متصلة، ما يفتح باب الأمل في مشهد ثقافي أكثر بريقا ونشاطا»، أما أهم الفعاليات التي شدت انتباه الكواري فهي «سيمفونية قطر التي أرى أنها أعطت بعدا جميلا للثقافة القطرية وكانت على أعلى مستوى. يضاف إلى ذلك استحداث جائزة لأدب الطفل والتي أرى أنها محطة يجب التوقف عندها طويلا لأنها جاءت لتعالج نقص اهتمام المثقفين العرب والقطريين بهذا النوع من الأدب»، وفي الناحية المقابلة فقد قالت الأستاذة: «إن المسرح سجل حضورا ضعيفا ومتراجعا، إذ لم نحظ بفرصة مشاهدة أعمال مسرحية قيمة، والذي شاهدناه كان مسرح الطفل وهو مسرح تجاري بالأساس».خالد زيارة: الديمومة والاستقطاب والتنويعيوجز الكاتب خالد زيارة -مدير النشرة الثقافية في الوكالة القطرية للأنباء (قنا)- الموسم الثقافي القطري في كلمة واحدة هي أنه «موسم حافل»، ويقول: «إن المشتغلين بالهم الثقافي لاحظوا أن الموسم السابق قد كان حافلا بالأنشطة التي تحرك الساكن في قطر، كما كانت أنشطته متنوعة وكثيرة وجاذبة للانتباه»، ويقول من جهة أخرى: «إن هناك قصورا مستمرا لدى بعض الهيئات الثقافية التي تواصل الحضور الموسمي»، ويلخص نواقص المشهد القطري في ثلاثية «الديمومة والاستقطاب والتنويع، إذ إنه حري بالمؤسسات الثقافية أن تتخلص نهائيا من فكرة العمل الموسمي، كما يجدر بها تنويع نشاطاتها بحيث لا تستمر على وتيرة واحدة، ويجدر بها -في نطاق ثالث- أن تعمل على استقطاب الأسماء والجماهير». ويقترح الكاتب في هذا الإطار «توسيع مشاركة المؤسسات القطرية في ورشة السياحة الصيفية، إذ إن دورها في هذا الصعيد حاسم للغاية، وكذا يجب أن تتفاعل المؤسسات الرسمية مع الصالون الثقافي وتسهم بقدر أكبر في فعالياته عبر اقتراح أنشطة معينة.. وهي أشياء يمكن أن تضيف للصالون والثقافة الشيء الكثير».زكية مال الله: الصالون أتحفنا!تعتز الشاعرة الدكتورة زكية مال الله بنشاط الصالون الثقافي كثيرا، وتقول إنه كان الحاضر الأجمل في سنة قطر الثقافية المنصرمة، وتشيد بالدعم الذي يقدمه للكتاب والأدباء، تماما كما تشيد بجهود المجلس الوطني للثقافة الذي يواصل عطاءه وتشجيعه للمثقفين القطريين عبر تبني طباعة كتبهم، وتقول في هذا الإطار: «الصالون الثقافي أتحفنا خلال هذه السنة بالكثير من الفعاليات المميزة، والمجلس الوطني للثقافة لم يقصّر في أي موضوع، ومثله سجل نادي الجسرة حضورا جيدا وأسهمت المدارس المستقلة في الكثير من الأنشطة الثقافية، وقد حضرت شخصيا بعض فعالياتها كالندوات التي أقامتها مدارس: البيان، الإيمان، حمزة بن عبدالمطلب... إلخ».وفي الجهة السلبية تسجل الدكتورة مال الله أنها وزملاءها ما زالوا «في انتظار جمعيتنا التي انتظرناها طويلا والتي ستمكننا من العمل ودعم المسيرة الثقافية في قطر».صالح غريب: إدارة الثقافة تراجعتينتقد الزميل صالح غريب -من جريدة «الشرق»-الحياة الثقافية القطرية، قائلا: «الموسم الثقافي كان حافلا، والمجلس الوطني للثقافة سهر على تنظيم عدد كبير من الندوات والمحاضرات والفعاليات، أما إدارة الثقافة فأنا أستغربتراجع نشاطها وفعاليتها وأفتقد حضورها»، كما يقترح غريب على مسيِّري الصالون الثقافي الاهتمام أكثر بالمبدع القطري، وتوسيع دائرة حضوره والاقتراب أكثر من المشاكل الثقافية المحلية.كما يوجه غريب إصبع النقد لما يسميه «المؤسسة الثقافية القطرية» قائلا: «إن المبدع القطري أصبح متواجدا في الخارج أكثر من الداخل» ويدعو للاهتمام به بشدة، ويلاحظ أن «المشاركةالقطرية في الفعاليات الثقافية الخارجية تعتمدفي سياقها الأول على العلاقات الشخصية،ونحن ندعو لعمل خطة منظمة لهذا الموضوع والعناية به بشكل أكبر، مع توفير أقصى ما يمكن من الدعم له».بين المؤسسة والمثقفيبدو المشهد الثقافي القطري في الموسم المنصرم حافلا ولكن غير قادر على إرضاء الكل، وإذا كان التقييم مطلوبا لهذا الموسم فيجب أن تتم الإشارة إلى ثلاث أو أربع نقاط كانت إيجابية للغاية، ولعل أولاها الصالون الثقافي الذي تواصل واستمر في جميع الظروف، ولم يتوقف إلا إبَّان مشاركة قطر في الفعاليات الخارجية، وقد سعى القائمون عليه لتحسينه واختيار موضوعات ذات جاذبية خاصة له.يمكن ثانيا أن يسجَّل للإدارة الثقافية في المجلس الوطني للثقافة، ممثلة بأمينه العام، حضورها الدائم للفعاليات الثقافية ودعمها المتصل للصالون الثقافي، حتى عندما كانت بعض النقاشات تخرج فيه عن الحدود المتعارف عليها.وفي المقام الثالث يمكن التطرق لفكرة «الاستمرارية» التي وعدنا بها في الندوات الصحافية أيام مهرجان الدوحة الثقافي، ولعله من المفيد التذكير بأن مدير الإدارة الثقافية، السيد فالح العجلان الهاجري، كان قد تعهد بفعالية ثقافية مميزة كل أسبوعين، ولم يجد هذا الوعد طريقه للتطبيق حتى اللحظة، وما شاهدناه من فعاليات كان رغم تميزه دون ما تلقيناه من وعود.ورابعا يمكن الاحتفاء ببعض الأنشطة الثقافية المميزة، فندوة رجاء النقاش كانت رسالة غالية ووفية لروح النقاش الذي خدم قطر كما خدم مصر، أما عودة مجلة الدوحة للصدور فإنه حدث مميز وربما سيكون القاطرة التي تجر عربة الثقافة القطرية إلى مربع الاهتمام في المشهد الثقافي العربي.خلافا لذلك، يبقى أن المسرح سجَّل حضورا أقل من المتوقع، وكذا حركة النشر، وضربت إدارة المكتبات في العاصمة صمتا طويلا منذ أيام معرض الكتاب، ومثله التصوير الضوئي الذي يحتاج لغرفة عناية عاجلة قبل أن ينقرض.ويبقى مهرجان الدوحة والحي الثقافي أهم رهانين يمكن الاعتماد عليهما، ولا ريب أن مهرجان الدوحة يتطلب في المقام الأول العناية بالإعلاميين الذين يأتون لقطر، لأن هؤلاء يرسمون صورة قطر في أذهان قرائهم، ومن الواجب أن يتم اختيارهم بشكل دقيق للغاية، إذ إنه لا فائدة من توفير كل ظروف العمل بل وكتابة أحسن المواضيع حول قطر.. إذا كان الصحافي الأجنبي يكتب لصحيفة لا يسمع بها أحد أو موقع إنترنتي غير معروف أو تلفزيون لا يشاهده أصحابه، فمزيد من التدقيق في هذا الموضوع يعتبر ضروريا، ومثله الحي الثقافي الذي ما زال الجميع في انتظاره،إذ إنه سيكون الدليل الحاسم على مستقبلقطر الثقافي ولا ريب أن كل شيء مسموح سوىأن يخيب الآمال، وبالتالي فالحساب في هذه النقطة يجب أن يكون بذات درجة حساباترواد الفضاء.. يقال هذا على سبيل التذكيرطبعا، أما المؤشرات فهي إيجابية خضراء حتى اللحظة.


العرب القطرية ـ 2008-06-29

الأربعاء، 25 يونيو 2008

طالبات جامعة قطر يعرضن إبداعاتهن

الدوحة - شبوب أبوطالب

دشن رئيس الجمعية القطرية للفنون التشكيلية محمد عتيق الدوسري برفقة نخبة من الفنانين والمهتمين أمس الأول معرض الخزف الذي نظمته الجمعية لصالح طالبات «تخصص خزف» بقسم التربية الفنية التابع لكلية التربية بجامعة قطر، وقد ضم المعرض عينات جميلة للغاية من إبداعات الطالبات.تتمحور الإبداعات في محورين كبيرين هما الإبداع في الشكل والإبداع في الزخرفة والديكور، وقد اختارت غالبية الطالبات أشكالا تراثية لترجمة فنهن عبر أوان تقليدية كالجرة والفوانيس وحاملات البخور والصحون والأباريق..إلخ، وقد قامت غالبية الطالبات بإدخال مجموعة مميزة من التطويرات على الأشكال والديكورات لتعكس هوية صانعها وموقفه من الحياة والناس وشعوره حيال المادة الآنية ذاتها، حيث اختارت ميسا بنت عبدالله الزعابي أن يكون وعاء تحضير الحساء ذا أطراف محدبة متطاولة وأن لا يستكمل استدارته فيما يشبه إحالة على التداخل بين الماضي والحاضر والمزيج المدهش الذي يجد إنسان العصر الحالي مضطرا لمجاراته، والتناقضات التي تعتمل في داخله وبين يديه والتشتت الكبير الذي يمزقه، أما الطالبة عائشة السليطي فيبدو انحيازها للتراث متجليا بقوة عبر الاستدارة شبه المطلقة التي ميزت صناعتها لجرة حفظ الماء، والتي اختارت لها لونا رمليا زينه الأزرق والمشهد النسائي التقليدي للغاية والبيت المسقوف بالخشب، وهو المشهد الذي يحمل صاحبه على التعاطي مع لوحة جميلة لقطر القديمة التي توسطت البر والبحر وقابلت جهد البشر بحكمة السماء، وكانت حياة أهلها دليلا كبيرا على أن فقر الأرض –حينها- لا يمكن أن يمنع الحياة عن الإنسان أو يقلل من إمكانية تميزه، وربما هي ذات العواطف التي حملت الطالبة عائشة محمد العبيدلي على تمثيل «القلة» بشكل دقيق الرأس منبسط القاعدة وتزيينها بصورة سيدة قطرية قديمة تجلس في جانب بيتها وبيدها نبات صحراوي، في لفتة وفاء للمرأة القطرية الأصيلة التي تميزت بحدة الذهن ودقة الأهداف -التي تلخصت في الأسرة- وبذات الحين بانبساط الأخلاق وسعة الصدر لدى التفاعل مع حوادث الزمن الغابر ومراسيله التي كانت لا تحمل في الغالب إلا خبرا يدمي القلب كغرق الزوج خلال رحلة الغوص أو مقتل الابن في معارك الدفاع عن القبيلة، أو خيبة الرجاء في التجارة.. أشياء كثيرة لم يكن لها أن تكدر خاطر السيدة القديمة، لأنها تعلمت أن تكون كنبت الأرض، كما ازداد عمق دفنه في باطن الأرض الجافة، زادت فائدته وطالت جذوره وتوسعت مساحة قاعدته، واكتشف كما هو زائف ذلك الجفاف الذي تتزين به الأرض لتخفي ما في داخلها من فوائد وأسرار وثروات.. هكذا كانت المرأة حينها، كلما تقلب بها الزمن على بساط الحزن، تقلبت هي بين بساتين التعب لتريح أولادها وزوجها وتخفف عنهم عبء الحياة.أما الطالبة نورة حمد راشد العذبة فقد اختارت صورة امرأة لتزيين صورة اللوحة المنزلية الصغيرة التي أبدعتها، وجاءت التفاصيل الديكورية حاملة للكثير من الإحالات، فاللآلئ تحيل على تاريخ الغوص في قطر وغطاء الرأس المفضض على عناية القطرية بجمالها والضفائر المجدولة على الجمال البدوي، واستدارة زينة الوجه تحيل على تأمل الوجه ذاته، وغطاء الرأس المفتوح من الجهة الأمامية يحيل على تسامح كريم حفلت به الأسر القديمة تجاه نسائها، أما الإكسسوارات المتعددة فتحيل على الحاسة الجمالية التي حكمت تفاعل المرأة حينها مع ذاتها، فرغم أن قطر كانت حينها صحراء قاحلة ، فإن المرأة وجدت الفرصة لتعيش وتربي وتعتني بنفسها وتنافس نظيراتها في الشرق والغرب، تماما كما فعل الرجل الذي جسدت الطالبة نوف عزيز الشمري الجرة التي يستعملها في سفره، واختارت أن تلونها بالعنابي والأبيض مع غطاء أخضر، وصور تمثل سباق الهجن، وإذا كان تذكر الرجل هنا لا يخلو من امتنان لعهد مضى فإن تفاصيل العمل ذاتها تقول الكثير، فالضفيرة التي تتعلق بها الجرة في سرج الفارس جاءت باللون الأبيض وتم إعدادها بعناية، دلالة على الاهتمام الكبير الذي توليه سيدة البيت -زوجة أو ابنة أو أختا- للمسافر فتحرص كنتيجة لذلك على إضفاء لمسة أنثوية جمالية حتى في وعاء شربه، هكذا ترسل المرأة رسائلها صامتة وموحية ومذكرة المسافر بأن له عائلة وأولادا ينتظرونه بفارغ الصبر.جاءت أعمال الطالبات في جزئها الأكبر جميلة ومبدعة ومتفاعلة مع مهارتهن التي يبدو الفرق بينها واضحا، فرغم التميز الكبير لهن فإن كل طالبة رسمت بمقدار موهبتها وهذا ما يحيل على ضرورة العناية بالطالبات والطلاب الذين يختارون التخصصات التراثية، إذ إن مصير هؤلاء لا يجب أن يكون محصورا في مجموعة من المحلات التقليدية التي تبيع آثارا من الماضي، بل يجدر بالمسؤولين التفكير بأن هؤلاء الطلبة هم الخميرة اللازمة لتنشيط الميدان السياحي، فقد جمعوا الموهبة والتعليم، ويمكن غدا أن يكونوا سفراء التشكيل القطري، ويعرفوا بها عبر الأسابيع الثقافية داخليا وخارجيا، كما يمكنهم أن يكونوا المثال الحي لتقاليد قطر أمام السواح ويتفاعلوا معهم بلغاتهم المتعددة ويقدموا شروحا لا ريب أنها ستحسن صورة قطر أمام زوارها.. هؤلاء ثروة وطنية يجب أن لا تدخل بورصة التجارة، بل تعتلي منبر التعريف بالفن الوطني.
العرب القطرية

2008-06-25

الثلاثاء، 24 يونيو 2008

لغات العالم.. الثروة التي تنقرض بصمت


الدوحة - شبوب أبوطالب
أعلنت اليونسكو منذ فترة أن سنة 2008 ستكون مخصصة للعناية بموضوع لغات العالم، وجاء الإعلان ليدق جرس الإنذار بأن أكثر من 6000 لغة عالمية في طريقها إلى الزوال الحتمي، ولعل ما كتبه الأستاذ جيروم شاهين قد يضع الأمور في نصابها الطبيعي، إذ قال شاهين: «قد يصاب المرء بالذهول عندما يعلم أن لغة في العالم تموت كل أسبوعين، وأن نصف اللغات الحية مهددة بالزوال مع نهاية القرن الـ21، وأن 60 لغة في العالم الآن لا ينطق بها سوى شخص واحد، والعدد في تناقص مستمر، إذ مات اثنان منهم في شهر فبراير الفائت!». ولأن الصورة قد تكون كاريكاتيرية قليلا فإن تدعيمها بشيء من الإحصائيات قد يوضح الموضوع، وفي هذا الإطار يضيف شاهين: «في العالم اليوم 6912 لغة حية معروفة، هناك %5 فقط من تلك اللغات يستخدمها %94 من سكان العالم، بينما %95 من اللغات يستخدمها %6 فقط من السكان»! وإذ ألقينا نظرة على توزيع اللغات في العالم، فإن إحصائية صادرة عن المعهد الفرنسي للغات بعنوان «ما بعد الإثنيات.ط13» تفصل الموضوع بشكل مناسب، فهناك بالضبط 6703 لغات عبر العالم تتوزع بشكل غير متساو، ففي أوروبا هناك 49 دولة وبالمقابل 225 لغة، أي بمعدل 4.5 لغة في كل دولة و4.3 مليون مستعملا لكل لغة، وفي أميركا هناك 46 دولة و1000 لغة، بمعدل 21.7 لغة لكل لبلد و770000 مستعملا لكل لغة، وفي إفريقيا هناك 56 دولة و2011 لغة بمعدل 35.9 لغة لكل بلد، و360517 مستعملا لكل لغة، وفي آسيا هناك 2.5 مليار نسمة و46 بلدا و2165 لغة، أي 47 لغة لكل بلد و1.1 مليون مستعمل لكل لغة، أما في أوقيانوسيا فهناك 30 مليون ساكنا و27 دولة و1302 لغة أي بمعدل 48.2 لغة لكل بلد و23 مستعملا لكل لغة.وبمراجعة الإحصائيات الواردة أعلاه يتضح أن الثقل الأكبر للغات القديمة في العالم يتركز في كل من آسيا ثم إفريقيا ثم أوقيانوسيا، وإن جاز التعبير فهذه المجموعات الجغرافية البشرية الثلاث هي ذاكرة العالم، إذ تركزت الحضارات القديمة في هذه المناطق، وكذلك جرت الحروب وطور الإنسان الزراعة والكتابة وأسس الممالك ورعى الصناعات بمختلف مراحلها التطورية البدائية، فهناك يرتسم سجل العالم الشفوي المحكي والمكتوب، ما يعني أن زوال لغات هذه المناطق يعني بشكل أو بآخر أن العالم سيفقد ذاكرته بشكل شبه رسمي، ذلك أن بعضا من أهم ذكريات ومحفوظات العالم لم يكتبها التاريخ ولم تتم عملية «رقمنتها» أي تحويلها لذاكرة رقمية، بما يعني أن موت مستعمليها أو تخليهم الطوعي عن استعمالها سيهدد جزءا من «دماغ العالم» بالتلاشي، وليس بعيدا أن نجد أنفسنا بعد عقود قليلة في عالم موحد يتكلم لغة مشتركة، وبذات الحين لغة لا ماضي لها ولا تنفع بأي شيء حيال محاولة استرجاع ما حصل في الزمن الأبعد.المشكلة الإضافية هنا هي تحديد اللغات الآيلة للزوال، وإذا اعتمدنا على ذات الدراسة السابقة فإن التصنيف الأقرب للمنطق قد يكون الحكم على مستقبل اللغة من خلال عدد المتكلمين بها، وفي هذا الإطار تقول الدراسة بأن هناك 57 دولة في العالم تعتمد الإنجليزية بشكل رسمي، و37 دولة تعتمد الفرنسية و23 العربية و23 الإسبانية و8 البرتغالية و5 الألمانية، و4 لكل من اللغات المالاوية والهولندية والإيطالية، وثلاث دول للغتين الصينية والصربية، ودولتين للغات: الصينية، والكورية، والتاميلية، والتركية، والسواحلية، والمولدافية، واليونانية، والسويدية، والدانماركية، ولغة الكيريول (لغة هايتي والسيشل)، ويعطي هذا التصنيف انطباعا بأن الإنجليزية في طريقها لاكتساح العالم، رغم مقاومة الفرنسية، لأن التداعي الطبيعي للأشياء أن تفرض لغة العلم والمال نفسها، وما زالت الإنجليزية لغة الجهتين، أما التهديد الحقيقي لها فلن يأتي سوى من اللغتين الصينية والهندية، أولاهما لأن الصين ستغدو مركزا اقتصاديا دوليا متقدما جدا في حال حافظ الاقتصاد الصيني على وتيرة نموه العالية، أما ثانيهما فإن التقدم التكنولوجي الهندي الكبير (خصوصا في ميدان البرمجيات) قد يفضي إلى حذف الإنجليزية أو تضييق حضورها بشكل واسع، وإذا كان الهنود لحد الآن غير مصرين على استعمال لغتهم في برامجهم، فليس بعيدا أن يلتقطوا الفطرة ويرغموا العالم كله على مفاوضتهم من موقع المهزوم.أما مصير اللغة العربية فلعلنا نقرؤه في إحصائية صادرة عن هيئة اليونسكو، وبالضبط «فريق بحث اللغات المهددة» الذي عكف طيلة سنتين (من 2001 إلى 2003) على إعداد بحث علمي جدير بالقراءة والتمعن يتناول الأسس الموضوعية التي ينبغي أن تبنى عليها النظرة تجاه مستقبل اللغات في العالم، ودق أجراس الخطر باكرا محذرا «التعددية اللغوية العالمية مهددة»، إذ إن %50 من لغات العالم تفقد قراءها بصورة تدريجية متسارعة، و%90 من مفردات اللغات القديمة هي في طريقها للاستبدال بمفردات غريبة عن جسم اللغة الأم، ناهيك من العجز الكبير الذي تظهره منظومات التعليم وفشلها المتلاحق في إدارة العملية التعليمية بما يكفل تواصل الطفل مع لغته الأم.وتضع الإحصائية أكثر من مقياس لوضعية أي لغة، فالمقياس العمري يعتمد على الهرم العمري للناطقين باللغة، فكلما اقترب الهرم من المربع كان الوضع جيدا، وكلما كانت الفئات العمرية التي تتحدث اللغة المعنية محصورة في فترة محددة فنحن أمام خطر داهم يهدد اللغة، أما المقياس السكاني فهو يتحدث عن نسبة الناطقين باللغة إلى مجموع السكان، فكلما زادت نسبة المتحدثين باللغة الأصلية في بلد ما فذلك دليل على صحتها وإمكان استمرارها، وكلما نقصت كانت الخطورة أشد، وهنا يمكن استحضار الحالة القطرية، فغالبية السكان لا تتحدث العربية، وحتى الذين يحاولون الحديث بها لا يحتكمون إلى لغة موحدة، كما أن جزءهم الأكبر نحت من لغته الأصلية (الجنوب-آسيوية عادة)، ومن العربية لغة هجينة لا تفيد ولا تنفع، بما يعني أن الوضع اللغوي في قطر يعاني كارثة غير مسبوقة يمكن إضافتها إلى «بدعة» الإنجليزية التي يمكن لها أن تفتك بالجيل القطري المقبل مستريحة البال مطمئنة الخاطر.. مقاييس كثيرة أخرى تضعها الدراسة، وبينها مقياس الاستعمال الوظيفي، ومقياس التفاعل مع وسائل التطور الإعلامي والعلمي، ومقياس الارتباط الاجتماعي باللغة.. إلخ.وفي المحصلة، فإن لغة كاللغة العربية التي ينحصر متكلموها أحيانا (في نيجيريا مثلا) وتنحصر هي في أفواه متكلميها أحيانا أخرى (الدول العربية بأسرها) على موعد مع اندثار صامت وهادئ، لكنه سيقضي على ذاكرة الأجيال المقبلة وينشئ مجموعة كائنات مشوهة الشخصي عديمة الانتماء، بما يفرض تحركا عاجلا وعميقا وعمليا للحفاظ على وجودنا في العالم الذي سيكون «وحيد قرن» لغويا في غضون عقود قليلة!
العرب القطرية
2008-06-24

الاثنين، 23 يونيو 2008

عبدالملك: قضية جمعية الكتاب أعقد من قضية الشرق الأوسط




الدوحة - شبّوب أبوطالب

كشف الدكتور أحمد عبدالملك عن أنه سيتنازل عن رئاسة الاجتماع التأسيسي لجمعية الأدباء والكتاب القطريين إذا ثبت أنه سبب التأخير، مفندا أن يكون قد حصل أي خلاف بين أعضاء الجمعية، ومصرا على أن سبب التأخير مجهول ومستغربا كيف أن قطر قد جمعت الفرقاء لكن كتابها ظلوا عاجزين عن إشهار جمعية تلمهم!قال الدكتور أحمد عبدالملك، رئيس الاجتماع التأسيسي للجمعية القطرية للأدباء والكتاب: إن قضية الجمعية «أصبحت أكثر تعقيداً من قضية الشرق الأوسط!»، مستغربا: «نحن إذ تبوأت بلادنا مكانتها الرائعة في جمع الفرقاء وتوحيد كلمتهم والحفاظ على كيانهم، بفضل السياسة الحكيمة لحضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى، إلا أننا ما زلنا عاجزين عن إشهار جمعية للأدباء والكتاب، ونحن الدولة الوحيدة في مجلس التعاون ليس لديها مثل هذه الجمعية!».وبشيء من التفصيل قال الدكتور: «في يوم 15/12/2005 تم عقد الاجتماع الأول لتأسيس الجمعية بعد أن تم جمع 33 توقيعاً من الكتاب والأدباء الذين تنطبق عليهم شروط الجمعية، وفي يوم 12/1/2006 عقدت اللجنة التأسيسية اجتماعها الثاني وكلفت لجنة مصغرة لمواصلة الإجراءات مع الجهات المختصة، وكذلك النظام الداخلي للجمعية وشروط العضوية، وغيرها من المواضيع المهمة، وفي منتصف شهر مارس من العام ذاته تم التقدم بطلب إشهار الجمعية لإدارة الجمعيات بوزارة شؤون الخدمة المدنية والإسكان، وتمت المراجعات بين هذه الإدارة والشؤون القانونية في الوزارة لمدة تزيد على عام كامل، حيث تم إلزامنا بقبول القانون الموحد للجمعيات رقم 12 لسنة 2004. وبعد ذلك صدر قرار وزير شؤون الخدمة المدنية والإسكان رقم 2 لسنة 2005، وقمنا بالتعديل المطلوب، وأعدنا الطلب إلى الجهة المختصة»، وقد وصف المتحدث تجاوب إدارة الجمعيات مع جهود اللجنة التأسيسية بالقول: «بصراحة.. لقد أحرَجتهم بكثرة الاتصالات منذ العام 2006، وقمت بزيارة لمديرة الإدارة، كما قابلت بعض الموظفين في مقرهم بالمنتزه. ولم تثمر الجهود عن أية بارقة أمل في أن ترى الجمعية النور.. إلا أنني دأبتُ على الاتصال كل شهرين تقريباً! ولما يئستُ من ذلك قصدتُ مكتب سعادة وزير شؤون الخدمة المدنية والإسكان الذي استقبلني بكل ترحاب رغم مشاغله الكثيرة، وعرضت عليه القضية (الشائكة)، فاستغرب سعادته من الأمر، وأمرَ بالاتصال بمديرة إدارة الجمعيات، ولم أعلم ماذا حدث بعد ذلك!».أما عن آخر تفاصيل القضية فقال الدكتور: «لقد قمت بآخر الاتصالات قبل أسبوعين مع مديرة إدارة الجمعيات على الرقم العام، فحولتني موظفة البدالة على رقمين بدا كلاهما على الفاكس! وبعد محاولة مع مكتب المساعدة قال لي أحدهم: لا نستطيع مساعدتك! الموضوع ليس لدينا، فقمت بالاتصال بمكتب سعادة الوزير! فقيل لي: عُد إلى إدارة الجمعيات، ومن ثَمَّ اتصلت بمكتب آخر في الوزارة فقيل لي أن أتصل بموظفة مسؤولة عن المتابعة، فاتصلت بها فطلبت الاتصال لها بعد يوم، لتبلغني لاحقا «الموضوع لدى اللجنة الدائمة للشؤون التشريعية بمجلس الوزراء الموقر»، فاتصلت بالأمانة العامة لشؤون مجلس الوزراء، فقيل لي إن الموضوع في الشؤون القانونية بمكتب سمو الأمير، اتصلت بالرقم، فجاءني الجواب بأن الموضوع في قسم المتابعة! وكان الموضوع لدى شخص تم انتدابه للعمل في مكان آخر».هكذا باختصار قصة الجمعية القطرية للأدباء والكتاب حسب الدكتور الذي أضاف فصلا غير منشور حولها بالقول: «على صعيد آخر لقد داومنا منذ عامين على الاتصال بمؤسسة الحي الثقافي التي أبدت -مشكورة- حماساً وتشجيعاً منقطع النظير، وقد تم الانتهاء من التعديلات المطلوبة على المقر المخصَّص للجمعية، وقبل أسبوعين تم عقد اجتماع مع المكتب المسؤول عن الديكور والتصميم. والمراسلات مستمرة معهم لعمل التصاميم الداخلية واختيار الأثاث الملائم».ولدى سؤالنا عن التأخر والتقاعس اللذين يبديهما الكتاب في المطالبة بجمعيتهم فقد رد الدكتور «لا يجوز إطلاق الأحكام الجزافية من دون الرجوع إلى الحقائق، ولا يجوز الخوض في أمر غير مُدرَك! لقد فوَضَتنا اللجنة التأسيسية بمتابعة إجراءات إشهار الجمعية، والحقائق المذكورة أعلاه تبين مدى الجهد الذي قمنا به، تصور أن تتصل ولا تجد رداً، أو تتصل والهاتف موضوع على الفاكس، أو يقال لك (بكرة)، ويأتي (بكرة) وتسافر أو تنشغل بأمر آخر! ثم يضيع من يدك الخيط: أين تكون المعاملة؟! لا أحد يقول لك بوضوح ما الذي أخّرَ إشهار الجمعية، وكأنها حزب سياسي محظور! نحن نحظر اجتماعات اتحاد الكتاب العرب، ويلوموننا بأنه لا توجد جمعية للأدباء في قطر! لقد وُجد مركز حرية الإعلام ومؤسسة الديمقراطية على أرض قطر، وكلاهما يعمل على المستوى الدولي، أليس جديراً بنا وجود جمعية للأدباء والكتاب، كي نفاخر بأنه توجد لدينا مؤسسات مجتمع مدني؟! أنا أستغرب من هذا التأجيل، رغم أننا ألغينا جُهدَ عام كامل -عكفنا فيه على وضع النظام الأساس- ولقد أتينا بالأنظمة الأساسية لجمعيات في ثلاث دول خليجية واستخلصنا منها ما يلائم جمعيتنا، وحينما قيل لنا الأفضل أن توقعوا نموذج الجمعيات لتسريع الإشهار! قلنا لهم: سمعاً وطاعة!».ونفى الدكتور أن يكون هنالك أي خلاف بين الكتاب بشأن تسيير الجمعية، مؤكدا «نحن اجتمعنا مرتين ولم تحدث أية خلافات، وهذا كلام غير دقيق، لقد فوّضَ الاجتماعُ التأسيسي الثاني أربعة من الأعضاء بحمل المسؤولية ومتابعة الموضوع! والقصة وضَّحتها أعلاه، فلا توجد خلافات ولا تقاعس ولا تأخير من جانب اللجنة، والزميل الدكتور حسن رشيد مُطلعٌ معي على كل الخطوات التي قمت بها، ونحن نرفض ما يُكتب حول الاختلاف على رئاسة الجمعية، حيث إن ما حدث هو انتخاب ديمقراطي بحضور أغلب الأعضاء الموقعين على طلب الإشهار، كما أن اللجنة الحالية هي مؤقتة ولسوف تسلّم الأمرَ إلى الجمعية العمومية التي تضم كلَ الأدباء والكتاب الذين تنطبق عليهم شروط العضوية ليختاروا من يريدون!»، مضيفا: «إن ترويج دعاوى الاختلافات حول رئاسة الجمعية -في الإنترنت- كلام غير دقيق، وحريٌ بالكتاب الذين يتناولون أمرَ الجمعية أن يتريثوا قبل أن يُبدو آراء بعيدة عن الصواب، ويُشغلوا الرأي العام عن (حقيقة) التأخير في إشهار الجمعية والمُتسببين فيه! كما أن بعض المتحدثين في الصحافة عن أمر الجمعية لم يحضروا أي اجتماع لها ولا يدركون مدى الجهد الذي بُذل في سبيل تذليل عقبات إشهار الجمعية!».أما عن كونه شخصيا سبب التأخير بحجة التحفظات التي يثيرها فرد الدكتور «أنا لستُ مجرماً حتى يُتخذ مني موقف، إن إقصائي عن عملي ووظيفتي الرسمية -بأسلوب مفاجئ وغريب- لا يعني سحبَ مواطنتي أو تجريدي من حقوق المواطنة، وما زلت أكتب مثل غيري، وأنشر كتبي في بلدي، ويعالجني مستشفى حمد العام، وأسافر وأعود لبلدي، وما زال الدستور يحميني!» مضيفا «نحن حساسون جداً فيما يتعلق بإضفاء هالات التشكيك والريبة حول الأشخاص! ولقد عملت 3 سنوات متواصلة من أجل إشهار الجمعية».ولم يفوّت الدكتور الفرصة ليطرح مفاجأة من العيار الثقيل بالقول «إذا كنتُ سبباً في تأخير الإشهار، فمن هذا المنبر أُعلنُ تنازلي عن رئاسة الاجتماع التأسيسي، وليأتِ أيُ زميل لمواصلة الطريق. إن العمل في مؤسسات المجتمع المدني عمل تطوعي لا أجر عليه، وأنا سأبقى أعمل من أجل تحقيق حلم الأدباء والكتاب سواء أكنت مسؤولاً عن الجمعية أم عضواً فيها. كما أن رئاسة الجمعية لن تضيف لتاريخي الثقافي والأدبي شيئاً!»، وأصر الدكتور على القول: «إننا في بلد يمارس الديمقراطية، فإن تكوين الجمعيات أمرٌ لا تتدخل فيه الحكومة -من ناحية تكوين مجلس الإدارة والنظام الداخلي للجمعية- طالما التزمت الجمعية بالنظام الذي يحدد عملها، فالجمعية العمومية ـ في مثل هذه المؤسسات- هي المسؤولة عن سير عمل الجمعية وإدارتها بشكل يضمن تحقيق الأهداف المرجوة منها، والتي تتمثل فيما خص جمعيتنا بخمس نقاط هي: الارتقاء بالمستوى الثقافي للأدباء والكتاب، والعمل على حماية حقوق الأعضاء ومصالحهم الأدبية والمادية، ورعاية المواهب الأدبية والعمل على صقل قدراتها وتطويرها، وتوثيق العلاقات مع المؤسسات العربية والكتاب والأدباء العرب والعالميين، وتوطيد العلاقات بين الكتاب والأدباء الأعضاء وتنسيق جهودهم في المجال الثقافي».وتمنى الدكتور، أخيرا، أن «يُصار إلى إشهار الجمعية في أقرب وقت مُمكن كي تكون حاضنة لآمال الكتاب، وملاذاً لأفكارهم وإبداعاتهم، ورافداً إيجابياً لمؤسسة الحي الثقافي التي نعتز بجهود كل القائمين عليها ومتابعتهم المتواصلة كي تكون هذه المؤسسة مَلمحاً حضارياً وثقافياً في بلدنا العزيز» مشيرا إلى أن «وجود جمعية للأدباء والكتاب أمرٌ ضروري ليس لتحقيق الأهداف الموضحة أعلاه، بل لأن بلدنا العزيز يحتاج إلى مثل هذه الجمعية، حيث إنها ملمحٌ حضاري لا يقل أهمية عن الملامح الحضارية التي حققها بلدُنا في المجالات المختلفة».

العرب القطرية ـ 2008-06-23

الأحد، 22 يونيو 2008

فضفضة نسائية ساخنة في الصالون الثقافي




الدوحة - شبّوب أبوطالب ختم الصالون الثقافي التابع للمجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث أعماله نهاية الأسبوع الفارط بجلسة خُصصت لمناقشة قضية «ازدواجية المرأة- الرجل في البلدان العربية»، واستضافت كلا من الفنان السوري بسام كوسا، والدكتورة جيهان أبو زيد والدكتور عويد المشعان من الكويت، فيما أدارت الندوة مذيعة قناة الجزيرة خديجة بن قنة.انطلقت الندوة بمداخلة ساخنة لبسام كوسا لخص فيها رأيه في الموضوع في ثلاث نقاط رئيسة، أولاها ضرورة الاعتراف بأننا كعرب «أمة متخلفة»، وثانيتها ضرورة الاعتراف بأنه لا يمكن أن يتقدم رجال العالم العربي وتتخلف نساؤه، وثالثتها فإننا إن ارتضينا استقبال نواتج الحضارة الأوروبية فيجب أن نقبلها كليا، ضمن حدود معقولة، لا أن نقبل ما يتعلق بالماديات ونرفض الباقي الخاص بالتعليم واحترام المرأة.أما الدكتورة جيهان أبو زيد فلفتت النظر إلى حقيقة أن الكائن المزدوج الأول في العالم العربي هو المرأة، وأن الكائن الذي يضطهد المرأة هو قبل كل شيء المرأة ذاتها، ضاربة مثلا بقضية «الختان» التي أثبتت الدراسات العلمية أن النساء رغم أنهن المتضرر الأول منها فهن الحريص الأول عليها! لتنتقل بعد ذلك للقول بأن سؤال ازدواجية المرأة يجب أن يطرح عليها نفسها ويجب أن تتحمل هي -كأم- ضريبته وتكون مستعدة لتعليم بناتٍ يمكن أن يقلن «لا» لأبيهن.ولم يبتعد الدكتور عويد المشعان عن قناعاته كثيرا ولا قليلا، إذ صارح الجميع بالقول إن وضع المرأة العربية ليس بالسوء الذي يصورونه، وإنها في طريق التطور التدريجي لتنال جميع حقوقها بالشكل المناسب، وعلى هذا الأساس فلا يجب عليها الاستعجال، كما أن ما قد يحدث من انتقاص لبعض حقوقها يمكن حله بشكل منهجي عبر واسطة التعاطي مع مشكلاتنا المجتمعية الكبرى كمشكلة الهوية والتناقض بين الحداثة والتقليد، وهي مشكلات يحلها المجتمع برمته وتعود فوائدها على كل فئاته.ولم تشأ خديجة بن قنة أن تبقى بعيدة عن جو النقاش فانخرطت فيه اتكالا على تقرير التنمية البشرية الصادر أخيرا عن الأمم المتحدة، والذي قال إن المرأة العربية هي المرأة الأقل إنتاجا في العالم، وهي ملاحظة أطلقت جوا نقاشيا ساخنا، إذ استغلها بسام كوسا ليواصل عزفه المنفرد بالقول إنه علينا كعرب أن نتقبل الأفكار الحديثة حول المرأة ودورها في المجتمع، وأن نأخذ بما قدمه الفكر الحديث في هذا السياق، وعلى الأخص فكرة القانون الوضعي وفكرة فصل الدين عن الدولة، مادام القانون المدني قادرا على حل مشاكل الناس بأكثر كفاءة من القانون الشرعي، ومادام المسجد مفتوحا لمن يرغب في ارتياده! وهي ملاحظات أغضبت الكثيرين من رواد الصالون الذين ردوا على بسام كوسا بأن عملية إصلاح أي مجتمع لا تعني انفصاله عن جذوره، وأن فصل الدين عن الدولة إن صلح في الغرب بفعل استبداد الكنيسة وجهلها فلن يصلح عندنا على أية حال، وفي الاتجاه المعاكس أيد الكاتب القطري حسن الجفيري فكرة بسام كوسا وذهب بعيدا في ذلك، داعيا لعدم التقيد بمبدأ عدم الاختلاط بين الفتيان والفتيات في الصفوف الدراسية باعتبارها فكرة تجلب العقد النفسية والجنسية لأطفالنا، بينما ردّ الدكتور عويد المشعان على مجمل ما طرحته الدكتورة جيهان أبو زيد والفنان كوسا بالإصرار على أصالة مجتمعاتنا وضرورة تصور دور المرأة ضمن الحدود المرسومة والمقبولة من المجتمع، وهي فكرة أكدها الدكتور للدرجة التي نسي فيها نفسه فقال بانفعال «وهل الدين أن تعمل المرأة ما يحلو لها أم أن تخدم زوجها؟».. فسجل بذلك هدفا قاتلا على نفسه، إذ وجدت القاعة نفسها تستمع لصوت القبيلة في لهجة الدكتور ولا تستمع لرأي الدكتوراه التي يحملها!مضت ندوة الأربعاء المنصرم بشكل يجعلها أقرب للفضفضة منها إلى النقاش المنهجي، فبسام كوسا يبدو أنه نسي نفسه وتلبّس طربوش قاسم أمين ومضى يصادم الناس بكلام غير منهجي ولا علمي ولا دقيق، فكل الناس يعلمون أن اليابان -مثلا- التي استوردت نموذج أوروبا التنموي كاملا قد وضعت «فرامل» كثيرة أمام نموذج أوروبا الاجتماعي، ومثلها أميركا التي تبقي المجتمع الغربي الأكثر تدينا، والشيء نفسه مع إنجلترا، وفرنسا التي تعرف نفسها بـ «ابنة المسيحية الأولى» وهكذا، وبالتالي فإن فصل الدين عن الدولة كان محض أكذوبة كبرى، ناهيك عن مقلب ثانٍ وقع فيه الفنان القدير، فالحامل لأفكار تنويرية يجب عليه إجادة عرض تفكيره تماما كإجادة التفكير، والطريقة التي صدم بها الحاضرين بدت تمثيلية أكثر منها واقعا، لقد بدا الفنان القدير كأب يريد إعادة تربية أولاده المنفلتين! ثم ما معنى فصل الدين عن الدولة؟ أليس هذا هو المبدأ البعثي؟ فإلى أين وصلت الدول البعثية وبينها سوريا ذاتها؟أما الدكتورة جيهان أبو زايد فقد تحدثت براحتها ولعلها كانت الأقرب لصوت العقل، مع قليل من الشطط، فالأسر العربية تعرف كثيرا من البنات اللاتي يستطعن مناقشة آبائهن دونما عقدة والرجل العربي ليس وحشا، وتعميم نموذج معين لا يصح من دون اختبار علمي، تماما كما لا يصح أن يقول الدكتور عويد المشعان إن المرأة قد وُجدت لخدمة زوجها، وهو أمر لا يقوله الدين بل القبيلة فالزواج في تعريفه الشرعي عبارة عن عقد يُحِلُّ استمتاع الرجل والمرأة ببعضهما، وليس فيه بند للخدمة، بل إن للنساء أن يشترطن ألا يعملن عملا من شؤون البيت ويُكتب ذلك في العقد.. وهذا الخلط المنهجي هو الذي أضعف موقف الدكتور، تماما كما كان ضعيفا موقف المذيعة خديجة بن قنة وهي تتحدث وكأن مشاكل العالم العربي قد حُلت نهائيا ولم يبق سوى مشكلة المرأة، ناهيك عن الخلط بين إدارة ندوة والمشاركة في أشغالها!كانت الندوة الأخيرة للصالون موفقة لجهة إثارة النقاش، لكن المنهجية قد غابت عن جزء منها، وقد كان ممكنا أن يستمع الحضور بهدوء ويستفيدوا لو فرّق الأستاذ بسام كوسا بين الحديث عن المرض وإهانة المريض الذي هو نحن جميعا! فإذا كان حضرته غير راضٍ عن الوضع العربي والخليجي ويراه متخلفا فليبقَ حيث التقدم!

العرب القطرية

2008-06-22

الخميس، 19 يونيو 2008

الكاتب السعودي يحيى الأمير.. ثقافتنا شوهت ديننا!

الدوحة - شبّوب أبوطالب
يعتقد الكاتب السعودي يحيى الأمير أن لب مشاكل العالم الإسلامي هو التعامل الخاطئ مع الدين بوصفه معطى حياتيا مقدسا تكفلت الثقافة بإنزاله على أرض الواقع، حيث إننا كعرب ومسلمين قد ألبسنا الدين عباءة لا تليق به، ودخلت به ثقافتنا إلى مناطق «كان يفترض أن يُنَزّهَ عنها»!كانت الحلقة الأخيرة من برنامج «إضاءات» للإعلامي تركي الدخيل على موعد مع مواجهة صريحة مع الكاتب السعودي يحيى الأمير، وهذا لمناسبة ظهور كتابه الجديد «أخرجوا الوطن من الجزيرة العربية» الذي يحاول فيه مقاربة وظيفة الدين في المجتمع، والآثار المترتبة عن الخلط بين مفهومي «الدولة العقائدية» و «الدولة القُطْرِية».لخص يحيى الأمير فكرته في نقطة مركزية تتمحور حول الفصل بين دور الدولة الإسلامية، وهنا هي السعودية، الدعوى ودورها السياسي والاقتصادي والاجتماعي تجاه مواطنيها، وفي رأيه فإن هذا فصل هو السبيل الوحيد الذي يتيح للدولة التفرغ لإنجاز مهماتها ويمكِّنها من النجاح في إدارتها وخدمة مواطنيها، وإذا أضيفت له حقيقة أن الدولة القُطْرِية (الوطنية) سوف تتخلى عن الكثير من الأعباء التي يلقيها عليها دور عقائدي مبالغ فيه أو متوهم، فإن النتيجة ستكون مفيدة لصالح الدولة ومواطنيها بآن، ولم يتورع الدكتور عن القول إن مشرعه «هو المملكة العربية السعودية وليس الإسلام» وهي نقطة يمكن أن تثير حفيظة الكثير من المتطرفين ممن يتوقفون كثيرا عند المصطلحات ويدققون فيها بتشدد.أكثر من ذلك قال الأمير إن الدول العقائدية تنتج خطابا وسلوكا تصادميا، يفترض الصواب في ذاته ويقصي عن الآخرين أي حق في الاجتهاد، وأشار المتحدث إلى مشاكل كثيرة يعيشها التعليم في بلده، خصوصا لجهة التعاطي مع المرأة التي قال بأن المناهج الدراسية تصورها ككائن عاجز، ومصمم على إفساد المجتمع ويجب الأخذ بيده كي لا يتسبب في كارثة، وتساءل المعني قائلا «لا أتصور أنه من العدل ولا من الإنصاف أن يعلَّم الطالب في المرحلة الثانوية أن أخته أو والدته إن لم يؤخذ على يدها فسدت وأفسدت!»، وهو أمر يراه المتحدث نتيجة طبيعية لسيطرة الثقافة الشعبية على الدين وليس انعكاسا لتوجيهات الدين نفسه، فالدين بنظره هو النص المقدس المحترم، لكن تنزيل النص على الواقع هو وظيفة العقول البشرية، التي تتأثر في أثناء قيامها بتحويل النص إلى ممارسة بمنشئها وأسلوب حياتها، وبشكل أعم بثقافتها التي تلقتها من المجتمع الذي تخالطه، ونتيجة لذلك فإن ما يتجمع لدينا من ممارسات تتدثر برداء الدين ليس حقيقة الدين، ولكنه التأثير الاجتماعي على الدين أو هو بشكل آخر: الآراء والتقاليد الاجتماعية التي ألبست رداء الدين، وهنا يجب التفريق جيدا بين قداسة الدين ونسبية الآراء التي تتناوله أو تتحدث باسمه، وبما قد يكون مسيئا له في نهاية المطاف، لأنها تجره إلى مناطق «كان يفترض تنزيه النصوص الدينية عنها»!ورد يحيى الأمير حول الكتابات التي تتناوله وتصفه بـ «الخبيث» أو»الظلامي» أو تصنفه ضمن «العملاء» أو تعطيه منصب «مندوب السيستاني والشرعية الأميركية»، أو تشكك بموقفه من المقاومة، فقال إن موقفه من المقاومة في العالم العربي هو موقف المعترف بها وبشرعيتها، وبأنه لا يجادل «أبداً في أحقيتها، لكن يجب أن تدار، لا وفق قيم الشجاعة والفداء والموت، فهذه البلاغيات تمثل جانباً كبيراً جداً من خطاب الجماعات المسلحة والمقاتلة» والتي يرى المتحدث أنها أضرت أكثر مما نفعت، ويضرب مثالا لذلك بما حدث مع سنة العراق قائلا «من الأكثر خسارة الآن في العراق؟ ما الطائفة الأكثر خسارة الآن في العراق؟ تصوري هم السنة... بسبب أنهم أداروا علاقاتهم مع ما حدث من احتلال وغزو وفق قيم بلاغية لا تراعي المصلحة ولا تراعي النظر إلى المستقبل. قاطعوا الحكومة، خسروا الانتخابات، انطلقت شرارة المقاومة، انطلقت شرارة العمليات المذهبية والطائفية في الداخل، انجلى المشهد أو يكاد ينجلي، وأقولها للأسف، بحرقة، والسبب هو الكثير من الأفكار التي أديرت بها المقاومة»، بما يعني أن المطلوب الآن ليس إعادة النظر في المقاومة، بل في الأفكار التي تسيرها والشعارات التي تخوض بها الحروب والذهنيات التي تحكّمها في التعامل مع واقعها.جاءت حلقة «إضاءات» مستكملة لمشروع الحوار مع المفكرين الإشكاليّين، وبدا واضحا للغاية أن يحيى الأمير حتى لو كان يحتكم إلى مشروع فكري تجدر مناقشته، فإن طريقة إيراده لأفكاره لا تتوافق على الإطلاق مع أسلوب «إضاءات» وبأنه كاتب أكثر مما هو متحدث، وهذا الذي لم يخدم فكرته الأساسية والتي تجد لها مناصرين كثيرا حتى داخل الحركات الإسلامية، هؤلاء الذين يدعون دوما لـ «ترشيد» المقاومة وصناعة انتصارها من خلال القطيعة النهائية مع خوض الحروب بالشعارات، والدعوة لخوضها بالمنطق والعقل، ويما يتوافق في النهاية مع المصلحة العامة للمجتمع الإسلامي.

العرب القطرية ـ 2008-06-18

الثلاثاء، 17 يونيو 2008

كتاب قطر يتساءلون عن سر تأخير اعتماد جمعيتهم




الدوحة - شبّوب أبوطالب يتساءل العديد من الكتاب القطريين عن سر التأخر المسجل في اعتماد جمعيتهم، رغم أنهم قاموا بكل الواجبات القانونية اللازمة لتحصيل الاعتماد، وفيما يرى بعضهم أن الأمر طبيعي وأن الجهات المعنية على أهبة اعتماد الجمعية وقد قدمت المساعدة المطلوبة وزيادة، فإن مجموعة من الكتاب تعتقد بأن هنالك تحفظات شتى على الموضوع وعلى بعض الكتاب أنفسهم!تعود فكرة إنشاء جمعية للأدباء والكتاب القطريين لفترة قصيرة نسبيا، إذ إن المنظومة الجديدة للتشريعات التي سنتها دولة قطر قد حملت ضمن ما حملت فكرة السماح بتأسيس جمعيات، وأوعزت التنظيمات الجديدة للعديد من الفئات المهنية والإبداعية بضرورة التوحد في جمعيات تأخذ على عاتقها تفعيل المشهد المدني في قطر، وتعبر عن تطلعات وأفكار الكثير من فئات المجتمع القادرة على الإبداع وخدمة المجتمع بأفكارها ومهاراتها المهنية.التنظيمات التي انطلقت سنة 2004 شجعت الأدباء القطريين على محاولة إنشاء جمعية تختص بهم، وكان لهم أن استثمروا الوقت والجهد في تنظيم أنفسهم واجتمعوا مرارا في «بيت السليطي» لينتهوا قبل سنتين بالتقريب إلى صياغة مقترح جمعية للأدباء والكتاب، وكلّفت لجنة مصغرة برئاسة الدكتور أحمد عبدالملك برفع الأمر لجهات الاختصاص ومتابعته، إلا أن الزمن طال ولم يتحصل الكتاب على المبتغى، وهذا الذي حدا بهم لإعادة الكرة ثانية مع الدكتور حسن رشيد، الذي أسهم بقوة في المحاولة الأولى، عسى أن يتحصلوا على الاعتماد، وفي هذا الإطار فإن الدكتور يأمل أن يتحقق حلمه وحلم الكتاب في خلال فترة لا تزيد عن الأشهر الستة، أي مع إطلاق الحي الثقافي، وهو أمل يعتصم به بشدّة ويرى إمكانيات عالية جدا لتحقيقه، فيما يتحفظ بعض الكتاب على الأمر... «العرب» تابعت القضية ورصدت بعض آراء الكتاب في هذا الشأن.بشرى ناصر: ربما نحن مخيفونتقول الكاتبة الصحافية بشرى ناصر أن التأخر في اعتماد الجمعية يعود إلى الجهات المعنية ذاتها، والتي لم توقع على الاعتماد رغم استكمال كافة الشروط اللازمة لتحصيله، مضيفة أنها وزملاءها الكتاب قد اجتمعوا قبل سنتين بالدكتور أحمد عبدالملك وفوضوه لمتابعة موضوع الجمعية إلا أن السلطات لم تبد التجاوب المنتظر، وحتى عندما أراد الكتاب إعادة بعث الفكرة مع الدكتور حسن رشيد قبل أربعة أشهر فإنها شخصيا لم تسمع بأي تطور حصل .و تعلّق الكاتبة بأنه من غير المفهوم لها أن يظل التأخير حاضرا، والأسباب غير حاضرة، بما يشي -ربما- بأن الكاتب ككائن مشاغب قد يكون مخيفا وقد يكون التجمع الجديد للكتاب مدعاة للحذر منهم، فهذا هو السبب الرئيس الذي قد يفسر بنظرها التأخر غير المفهوم، خصوصا أن شخصيات وازنة في المجتمع القطري قد وقفت خلف الفكرة كالأستاذ عبدالعزيز الكواري، وزير الثقافة السابق، بما يعني أن الفكرة جادة وأصحابها يريدون خدمة البلد بالفعل.حسن رشيد: أبشروا فالجمعية قادمةوفي الاتجاه المعاكس لرأي بشرى ناصر، يعتقد الدكتور حسن رشيد أن الموضوع على أهبة الانتهاء وأن ظهور الجمعية للنور هو قضية وقت لا أكثر، ويقول لـ «العرب» إنه كان مطلوبا من كتاب قطر أن يلتئموا ويقدموا أسماء تنهض بعبء تأسيس الجمعية، وهذا الذي حصل، إذ تجمع الكتاب وفوضوا لجنة مصغرة لمتابعة القضية مع جهات الاختصاص، وهي تتابع عملها بنشاط، ويصف حسن رشيد موقف السلطات بـ «الإيجابي للغاية»، إذ إن الترحاب كان جاهزا، والعون كان متوفرا، وأكثر من هذا فقد تم انتقاء مقر للجمعية بـ «الحي الثقافي»، واستجابت الجهات المعنية لطلبات تجهيز مقر جمعية الكتاب، ولم يبق بالتالي سوى تدشين المقر وإعلان الجمعية، وهذا الذي سيحصل مع افتتاح الحي الثقافي، وبلغة الأرقام يقدر الدكتور المدة الزمنية اللازمة لذلك بستة أشهر ويقول «انتظرنا سنوات، فلا ضير من أن ننتظر ستة أشهر»، والدليل الذي يقدمه الدكتور على صحة موقفه هو أن قطر مقبلة على استضافة فعاليات «عاصمة الثقافة العربية» سنة 2010 بما يعني أنها لا بد أن تمتلك صرحا ثقافيا يقدم أدبها للزوار العرب، ويضيف الدكتور بأن تحضيرات ميلاد الجمعية متقدمة للغاية حيث وضع المؤسسون شروطا للانتساب بينها أن يكون للمرشح مؤلف مكتوب ومنشور، مع فتح باب الانتساب للكتاب العرب المقيمين في قطر... لتكون محصلة رأي الدكتور أن الوضع ليس سيئا، إن الأشهر المقبلة ستشهد ميلاد الجمعية المنتظرة بكل تأكيد. نورة آل سعد: إذا كنتم تعترضون علينا فسننسحبمن جهتها، تتحدث الكاتبة نورة آل سعد بمرارة حول هذا الموضوع، وتقول في ردها على سؤال تأخير الجمعية «لا تسألوني! اسألوا السلطات، فقد قمنا بكل الذي نستطيعه لإبراز جمعيتنا ولكن الرد غائب!» وتضيف أنها محتارة أمام عدم اعتماد جمعية للأدباء خصوصا أن المنطق غائب تماما عن القضية، وتتساءل «هل يعقل أن هناك جمعيات قد استصدرت اعتمادها بينما لا تملك حتى مقرا، كجمعية الأطباء والمهندسين، بينما نحن نملك مقرا ولا نملك اعتمادا؟!»، وتعلن أن الموضوع يذكرها «بما حصل مع جمعية الصحافيين القطريين، حيث تداعينا لتشكيلها فور صدور التشريعات الجديدة الخاصة بالجمعيات، سنة 2004، وكان بيننا رموز محترمة في الصحافة القطرية كالأستاذ ناصر العثمان والأستاذ خالد الجابر، وتحمسنا لموضوع الجمعية لدرجة أننا أنشأنا موقعا لها على شبكة الإنترنت، وكنا نتصور أن الموضوع سينتهي بشكل سريع، لكن لم ينته الأمر ولم تظهر الجمعية! وتكرر الموضوع ذاته مع قضية جمعية الأدباء والكتاب، فقد أنجزنا كل ما كان مطلوبا منا وزيادة، ولكن الاعتماد لم يصدر!»وبصراحة متناهية تقول آل السعد «أنا أتساءل: هل هناك اعتراض على شخصيات بعينها في الجمعية، مثلي أو مثل الدكتور أحمد عبدالملك، وهل المطلوب أن تتصدر شخصيات بعينها للقضية حتى نحصل على الاعتماد؟» وفي جوابها على السؤال المطروح تقول المتحدثة «إذا كان مطلوبا أن ننسحب فسننسحب غير آسفين، لأننا لا يمكن أن نقبل بتعطيل الجمعية بسببنا، فالمهم أن ترى الجمعية النور ولو كان الثمن غيابنا عنها».أحمد عبدالملك: أنجزنا المطلوب وزيادةأما رئيس اللجنة المكلفة بمتابعة الملف الدكتور أحمد عبدالملك، فقد صرّح في أكثر من لقاء لـ «العرب» بأنه وزملاءه أنهوا كل ما كان مطلوبا منهم وزيادة، وكلفوا لجنة منهم بمتابعة الموضوع، وقد قامت اللجنة، التي يرأسها الدكتور، بوضع كافة المستندات المطلوبة أمام جهات الاختصاص منذ حوالي السنتين، إلا أنه لا جديد على صعيد الجمعية، وهو أمر لا يعرف له الدكتور سببا، حيث إن الكتاب قد قاموا بكل الخطوات القانونية المطلوبة، بل وكانوا جادّين لأبعد حدّ، وتكفلوا بما يلزمهم من وثائق، ولكن السلطات المعنية لم تقدم لهم الاعتماد، وهو أمر منافٍ للمنطق.جمعية كتاب قطر.. إلى أين؟تبقى قضية جمعية الأدباء القطريين واحدة من العلامات غير الإيجابية التي تحسب على المشهد الثقافي القطري، لأن كل دول العالم تفتح الباب أمام جمعيات أدبية ينتظم فيها الكتاب ويقدموا من خلالها خدمات عدة للمجتمع، لا لجهة رعاية المواهب الأدبية وتطويرها، بل لإغناء الحياة الثقافية بقدر غير محدود من الأنشطة التي ترفع اسم البلد عاليا.وبينما يبقى التساؤل مشروعا حول أسباب تأخر الجمعية، خصوصا أن مقرها موجود، فإنه من الواجب الإشارة إلى الموعد الكبير الذي ينتظر قطر، أي فعاليات «قطر عاصمة الثقافة العربية» فبدون جمعية للأدباء ستخسر قطر الكثير، ولن يمكنها ترجمة حضورها الأدبي في المشهد العربي، ولعله من المؤسف أن لا يكون لقطر، بكل زخمها السياسي والاقتصادي والثقافي، مقعد في اتحاد الكتاب والأدباء العرب، فغيابها عن هذه الهيئة يسهم بقوة في جعل مشهدها الثقافي غائبا تماما عن الوجدان العربي، كما يمنع عنها فرصة التوغل في هيئات ثقافية دولية تتيح لها ممارسة دور يليق بها.


العرب القطرية/17/6/2008

«سيكولوجية المال».. كتاب للمرضى لا للبخلاء!





الدوحة - شبّوب أبوطالب يأتي هذا الكتاب في وقت يعصف فيه حكم المال بالعالم أجمعه، ويصوغ العقائد الاجتماعية والعسكرية ويدمر دولا وينشئ أخرى هلامية لا رباط بين مكوناتها سوى الاستفادات المالية ولا مشروع مجتمع لها سوى المزيد من النهب... يحدث هذا في جميع أنحاء العالم من دارفور إلى حكومة المنطقة الخضراء في بغداد التي يقول وزراؤها أنفسهم إنها تشهد حالات غير مسبوقة من الفساد المالي.يبحث الكتاب في الدوافع النفسية التي تحرك الأنماط المتعددة لسلوك الإنسان تجاه المال، والطرق المختلفة التي يسلكها البشر في تعاطيهم مع هذه القضية الجوهرية، وحسب المؤلف فإن سيجموند فرويد كان النفساني الأول الذي انتبه لمحاولة تحليل السلوك المالي بشكل نفساني، وربط ذلك بفترة التنشئة الأولى للطفل، إذ ربط فرويد بين فكرة التحكم بالمال وفكرة التحكم بـ «البراز»، إذ يأتي التعزيز الإيجابي للطفل الذي يتحكم بنفسه من طرف الوالدين علامة على قدرته على تحمل المسؤولية وسعادتهم به، بينما يأتي التعزيز السلبي دلالة على خيبة الوالدين في طفلهما، وهنا فإن فكرة «التحكم» و «الضبط» تنشأ لدى الطفل، وتتجلى حقا في تصرفاته المالية، إذ يكون تصرف الطفل المتحكم معتدلا تجاه المال، وفي المقابل يعاني الطفل غير المتحكم مَرَضِياً تجاه المال.يحلل الكتاب أنماطا عديدة من المتعاملين بالمال من البخلاء إلى المستغلين إلى المحتالين، وبعض الفقرات التي يخطها طريفة للغاية، وتصف بشكل دقيق الأفكار التي تجول في خاطر بعض هذه النوعيات من البشر، إذ يصف من يسميه «المدخّر القهري» بالقول «هو الفرد المدفوع إجباريا من دون طواعية إلى اكتناز المال، فترى الواحد منهم يملك المال الكثير والكثير لكنه يقاسي ويعاني شتى ضروب الحرمان.. لكن قوة قهرية تحثه دائما أبداً على عدم التفريط في أقل القليل من ماله.. ينظرون للمال على أنه المصدر الوحيد للشعور بالأمن»، وهذا وصف جيد للغاية للمرضى باكتناز المال، وهؤلاء ليسوا طينة من المدخرين العاديين ولا من البخلاء ولا حتى من بخلاء الجاحظ ولكنهم صنف آخر من البشر يمكن الالتقاء به في كل مكان، وهؤلاء «يعانون» أيما معاناة لو تحتم عليهم أن ينفقوا فلسا.ويقدم الكاتب تفسيرا جميلا للرشوة، إذ يقول إن دافعها لا ينحصر فقط في الحاجة إلى المال، ولا في صعوبة الحصول عليه، ولا في تدني الأجر الذي تقدمه الشركات لموظفيها، وكلها تبريرات قوية، ولكن المنشأ الثاني للرشوة هو عدم الإحساس بأخلاقيات العمل، وفي هذا السياق يشير الكاتب إلى أن معظم المرتشين هم شخصيات أثبتت الدراسات أنهم يمكن أن يحوزوا المقادير التي حصلوا عليها من الرشوة بطرق مشروعة وبقليل من العمل، لكنهم لا يفعلون ذلك ويفضلون بدلا من العمل الحصول على المال مقابل إنجاز خدمات غير مشروعة.من النماذج التي يشير إليها الكاتب، بتحليل ممتع، ما يسميه «مشتري الحب» وهؤلاء طينة من البشر تحسب أنها يمكن أن تشتري احترام الناس لها بالمال، ويقرن في هذا السياق بين «البغاء» و «الصدقة» في لفتة نادرة، فزبائن البضاعة اللاأخلاقية يبحثون في بعض نواحي سلوكهم عن مقادير معينة من الحب الأنثوي، ونظرا لعجزهم عن تحصيله بالطريقة الطبيعية فإنهم يتجهون نحو شرائه بالمال، على طريقة نزار قباني « بدراهمي.../لا بالحديث الناعم/حطمت عزتك المنيعة كلها بدراهمي/ وبما حملت من النفائس والحرير الحالم/ فأطعتني/ وتبعتني/ كالقطة العمياء، مؤمنة بكل مزاعمي»! والغريب أن الكاتب يضع ضمن هذا الإطار فكرة «الصدقة» ولعل هذا الطرح قد يبدو غريبا للوهلة الأولى، لكننا في حال تذكرنا النماذج العديدة التي يتحدث عنها الإعلام من طائلي الثراء الذين يقدمون بعضا من المال، قلّ أو كثُرَ، لبعض من الفقراء ولكنهم لا يفعلون ذلك دون أن يكونوا مدججين بأساطيل جبارة من الكاميرات ووسائل الإعلام، وهو نموذج سائد وقد تحدث عنه القرآن الكريم في قوله تعالى «لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ « (الآية 188. آل عمران)... وهنا قد تصبح «الصدقة» باعتبارها فعلا إنسانيا نبيلا في مثل وقاحة فعل البغاء. وللكاتب من هذه الوجهة ألف دليل على صوابية رؤيته.ويذكر الكاتب ضمن النماذج التي اختارها نموذجا جيدا للإنسان المحتال، وهو وصف - للطرافة - يصدق على أنواع عديدة من المحتالين بالمال أو بغيره، فيقول الكاتب «والمحتال إذ يعيش حالة من التضخيم لذاته، فما ذلك إلا لكي يهرب من الشعور بالقلق والإحساس بالنقص والدونية، فكثير من المحتالين لا ينتظرون من الآخرين سوى التمجيد والنفاق والرياء، وربما يدرك بعضهم أن الآخرين يقولون عنهم ما ليس فيهم، لكنهم - مع ذلك - يشعرون بالسعادة ويرتاحون إلى المداهنة ويستعذبون النفاق، لأن ذواتهم تعيش بالنفاق وتعتمد بشدة على آراء الآخرين فيهم».. الطريف أن القارئ لهذا المقطع سوف يتذكر آلافا من النماذج التي مرت بها من سياسيين ورجال أعمال وحكام مستبدين أو حتى من ناس عاديين يتسمون بهذه الخصال جميعها، فكأن الكاتب لم يعرف محتالي المال بل محتالي العمل والحب والأخوة وغيرها من المشاعر النبيلة.يتحدث الكتاب بشكل أقرب للوصفية، ويختتم صفحاته بنموذج اختباري قد يجد فيه الطفل أو الإنسان الراشد «زمرته المالية»، وإن كان من نقطة قد تسجل عليه فهي ميله لطرح القضية المالية في شكلها الاجتماعي وعدم التعمق في تحليلها بشكل قد يقود لأعمق النوازع البشرية التي تجعل السلوك المالي مؤشرا عمليا على الصحة النفسية للشخص، وحاكما في تحديد خياراته الاجتماعية.. تبقى فقط الإشارة إلى أن الكتاب في صيغته الحالية قد يكون جيدا للغاية لفئة المرضى بالمال، وليس البخلاء، فإن كان البخل ممارسة قد تنشأ من خلال محصلة عوامل اجتماعية ونفسية متداخلة فإن مرض المال ليس إلا فيروسا يصعب جدا الفكاك منه، ولعل قراءة التوصيفات اللطيفة التي يوردها الكتاب قد تكون نوعا من العلاج الموضعي على الأقل!
نشر في العرب القطرية/16/6/2008

السبت، 14 يونيو 2008

"نساء المنكر" ..حكاية كاتبة لم تقل كل شيء!




تصف الروائية السعودية سمر المقرن، كاتبة هذا العمل، كتابها بأنه محاولة لقول بعض ما يؤرقها..إلا أنها تستدرك بالقول أنها لم تقل كل شيء، و أنها تحفظت عند كثير من التفاصيل...وهي الخلاصة المنطقية الوحيدة التي يمكن أن يخلص لها قارئ الرواية.


الدوحة ـ شبّوب أبوطالب


تعتبر "نساء المنكر" جزءًا تمثيليا بسيطا مما يمكن تسميته "فورة الرواية السعودية" التي ضربت الوسط الثقافي العربي بـ"تسونامي" حقيقي منذ ثلاث سنوات فانفجرت مواهب وكتابات كانت قبل ذلك في مخبأ مكين! والرواية في وصفها العام أقرب لمشروع رواية منها إلى نص روائي مكتمل، إذ يمكن ملاحظة أن أحداثها هي خطوط واضحة لرواية كبيرة الحجم أو لسلسلة روائية متوسطة الحجم، فهي بالتالي مشروع أقرب منه لرواية مكتملة.


تتحدث الرواية عن سعودية متزوجة من رجل يشاركها فراشها ولا يشاركها أي شيء غير ذلك، لا عواطف ولا أحاسيس ولا أفكار ولا مشاعر ولا اهتمام، بل إنه أبعد الناس عنها، ويقود الاغتراب العاطفي الزوجة البائسة للبحث عن العاطفة خارج حدود بيتها، فتتعرف على شاب يصادق إحدى زميلاتها، وتتوطد العلاقة بين الطرفين عبر الهاتف و برامج المحادثة الفورية على شبكة النت، وبتطور العلاقة يصبح كل طرف من طرفي العلاقة بحاجة للقاء الآخر بشكل شخصي ومباشر، خصوصا أن علاقة الشاب بصديقته السابقة تنسحب إلى طي النسيان، أو على الأقل هذا ما يبدو!


ينتقل البطلان إلى انجلترا حيث يعيشان حالة من الجنون، فالمرأة رغم أنها متزوجة لا تستنكف أن تتشارك فراشها مع الشاب الذي جمعتها به النت وأوقات الفراغ الطويلة، و المرأة التي يفترض أنها تعيش منذ فترة طويلة مع زوجها ترغب في أن تعيش حلم الزواج الأول مع المعني الجديد بالأمر، والصديقة التي تعرف حق الصداقة وتعتز بها، لا ترى عيبا في أن تخون صديقتها مع حبيبها السابق عطفا على انخفاض مستوى "التمثيل الدبلوماسي" بين الحبيبين السابقين.


تنطلق البطلة في رحلة انجلترا لتحطم كل القيود السابقة، وتنتقم لنفسها من كل الأوقات التي حرمت فيها مما تشتهي نفسها، فساحة "الهايد بارك" حيث يلتقي المعارضون السعوديون و العشاق الصغار و البط الذي يبحث عن خبز ناشف و المجانين بحرية التعبير..هذه الساحة ستكون على موعد مع تصفية حساب عسيرة للغاية، فالبطلة قد زارتها سابقا مع والديها وكانت تختلس النظرات للعشاق الذين تحسدهم و تتذرع بإطعام البط لمشاهدتهم، أما الآن فإنها تشاهدهم وتشاركهم فرحتهم، و تقول بلسانها كل الذي رغبت به سابقا ولم تستطع حتى التفوه به بينها وبين نفسها، والقادم الجديد لحياتها يبدو مستعدا لتعويضها كل أنواع الحرمان الذي عاشته من قبل، و لأن لكل بداية نهاية فإن علاقتها بالصديق الجديد ستنتهي على أبواب المطار البريطاني، لأن الفتى الذي نال ما تمنى سوف لن يملك الوقت الكافي لـ"تمديد العمل" بـ"شهر العسل " الذي عاشاه في لندن، وبمجرد عودته للسعودية يقلب ظهر المجن لبطلتنا، ما يدعوها لكتابة رسالة خائبة معتزة بنفسها ـ بعد طول بذل ـ ومقررة أن تنهي وجودها العاطفي في حياته" ثق أنك لم تجدني حين يروقك أن تشغّل جوالك وتُسَلِّي (ما سنجرك) فأنا لست محظية وقت فراغك من منتصف الليل، و أنا واثقة بأنك أكثر انشغالا من أن تضيع وقتك معي،احذفني من هامش جدولك المزدحم بالمعجبات، فأنا لن أكون من ضمن القطيع مهما حصل، ولست بعد اليوم أطمح لرجل ينتشلني من وحلي ..اتركني دون أن تبحث عن أدلة براءتك، وشكرا لأنك جعلتني أخيرا..أكرهك!"..و الطريف أن "العودة" عن "خطاب الاستقالة" كانت بذات سرعة كتابته، أما حرارة العودة فكانت بذات درجة حرارة "أكرهك" التي كتبتها بطلتنا آخر الرسالة، إذ قررت المرأة المتزوجة أن تلتقي حبيبها في مطعم عام يقدم وجباته للعائلات، ولم تتورع عن إطعامه بيديها، ورغم "كافة الاحتياطات الأمنية" التي سعى لها البطل الخائف فإن سذاجة المرأة قد أوقعته في يد "هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر" فكان مصيرهما السجن و البهدلة، وهناك في الغرف السوداء تتعرض البطلة لتعذيب وحشي بغرض إقناعها بالاعتراف بقائمة تهم لم ترتكبها، وينداح ستار السجن عن مجموعة صور تفضح بعض الذي يمارس في غيبة الرقابة الرسمية، وهناك يكون الموعد مع قصص عديدة لسجينات بعضهن سُجِنّ بسبب القتل و بعضهن بسبب "خيانة مشروعة" على حدّ عنوان فيلم المخرج الشهير خالد يوسف!


وبين أسوار السجن تتبدى ملامح مجتمع يعاني مصاعب الانتقال من طور لطور وسط ممانعات شتى من قبل فئات تخشى ذهاب نفوذها أو تتمسك بسلطان الأعراف و العادات، كما تتلبّس البطلة رداء المحامية عن سجينات وقعن في الخطأ، أو أوقعهن المجتمع فيه، فهذه انفصلت عن زوجها ثم تعرفت على غيره و استجلبته لبيتها فـ"طبّت" عليهما "الهيئة" وسيقت المرأة للسجن بدعوى ممارستها للدعارة.. وكأن تزويج فتاة ممن لا تحب بضغط المال و الأهل و الحساب الاجتماعي ليس دعارة بعقد رسمي؟ وتلك قتلت زوجها فحكم عليها القضاء و انتصر لها أهلها فالقتل في أوطاننا " من شيم الكرام"..ولا غرابة أن يقف الأهل مع قاتلة وينكرون حق "عاقلة" في الزواج بمن ارتضته...مسرح ضخم ترسمه الكاتبة في سجنها وتعرفنا من خلاله على مجتمعها، ولكن المسرح الحقيقي لم ينطلق بعد، لأن الفتاة التي تدثرت بعارها خرجت إلى الحياة باحثة عن عمل فلم تعثر سوى على منصب "صبابة قهوة" في الأعراس، وتكون فاتحة أعمالها في عرس ...حبيبها السابق!


هكذا تنتهي الرواية، التي تشهد للكاتبة بمقدرة لغوية جيدة و يمكنها أن تتطور بقوة، وتشهد لها بالمقدرة على رسم المشاهد ببراعة، إلا أنه رسم "غير مكتمل الأنفاس" إذ تنتقل الكاتبة أحيانا من "التصوير الفني" إلى البلاغة الخطابية في غير فاصل، و تعود من رواية حكاية مّا إلى "وقت مستقطع" بين حدثين لتلقي كلمة بمناسبة الحديث عن حقوق المرأة!، ويبدو أن هذا ما عنته الكاتبة حينما قالت بأنها "تحفظت بعض الشيء" في روايتها، فالتحفظ ظاهر و التفاصيل محروسة بعناية من "الإفراج التام" .. ومع هذا فالرواية صادمة وتستحق القراءة وصريحة في بعض الأحيان بشكل محيّر، كما في الحديث عن الضغط الذي يمارسه رجال "الهيئة" على خدم المطاعم بغرض "تجنيدهم" في كشف العشاق الذي يرتادونها! أو طرق التحقيق "العلمية للغاية" التي يمارسها بعض محققي سجون بلد الكاتبة على حد روايتها... العمل في عمومه يؤشر لبذرة تستحق العناية ويمكن للقارئ أن ينتظر منها، وتنتظر من نفسها، عملا أكثر عمقا و تفصيلا!

قليل من الحسد الصباحي المفيد!




إذا كنت عربيا، وتريد أن تستمتع بصباح شهي فما عليك إلا أن تفتح الصفحات الثقافية لموقعي "الواشنطن بوست" و"النيويورك تايمز" حيث بإمكانك أن تحظى بجولة تحرك ما بقي حيا من خلايا الحسد في ذاتك، و ربما تفتح لك أفقا لم يكن ليخطر ببالك من قبل.
الدوحة ـ شبّوب أبوطالب
إنه يوم 12/6/2008 و الصباح يَعُدُّ ساعاته الأول، وبدل أن ننشغل بأخبار الحروب المتطايرة في كل مكان من غزة إلى الصومال، فلنقم جولة لقراءة للصفحات الثقافية لجريدتين عالميتين، ولنبدأ بالجريدة الجميلة "نيو يورك تايمز" وملحقها الرائع الخاص بالكتاب، والذي يعتبر المرور منه شهادة تعلق على صدر أي كاتب، وتكفل لكتابه صعودا صاروخيا،كما تدون على غلافه أبد الآبدين..أولى الملاحظات التي يمكن قراءتها في صفحة الكتب هي اللقاء ببعض "الوجوه المألوفة" لنا كعرب ومسلمين، فسلمان رشدي يحظى بموضوع رئيسي نقدي حول عمله "المملكة السحرية"...كم كان هذا الكاتب ليبدو مغمورا و ربما هامشيا لو لم يتكفل غباؤنا الجماعي بجعله كاتبا معروفا، لقد صعدنا به من أسفل سافلين إلى أعلى "النيويورك تايمز" ولا ريب أن المصير نفسه ينتظر كل الذين يقدمون على مس "مقدساتنا" التي قد نقتل ونحرق و نرغي ونزبد ونهدد بالويل و الثبور لأجلها ولكننا لا نفعل أي شيء آخر في سبيلها!
تعد الصفحة الثقافية لجريدتنا العزيزة ما تسميه "كتب النيويورك تايمز" وهي المختارات التي يرى محررها الثقافي أنها مهمة، وتستحق التنويه و الإشادة، و أولها كتاب " التقشف البريطاني بين 1945-1951" للكاتب دافيد كيناستون وهو كتاب يتناول جزءًا من السياسة الاقتصادية و العامة لبريطانيا في السنوات التالية للحرب الكونية الثانية، أما الكتاب الثاني فهو "صور السفر" وهو ديوان شعري مترجم للشاعر الرومانسي الألماني هاينريش هاين، ويبدو هذا الكتاب المخطوط في العصور الوسطى دليلا كافيا على أن العواطف لا تبلى ما دام في الإنسان عرق ينبض، و أنها محرك الكائن البشري في كل العصور، و إلا فكيف يمكن لشعر خط في العصور الوسطى أن يجد قراء ومتابعين و إشادة في العصر النووي..إنه كتاب قد يصلح أيضا تذكارا و "منفضة دموع" لكل الحكايات العاطفية التي مرت بالقارئ خلال شهور الشتاء الطويلة.
في الصفحة أيضا موضوع لطيف عن السيد جون زينسر الذي توفي في السابع و العشرين من الشهر المنصرم، وهو المحرر الثقافي الذي أشرف على صفحة الكتب لـ"النيويورك تايمز" في الفترة بين 1951 و 1987 قام خلالها بتلخيص أكثر من 800 كتاب بطريقة شعبية قريبة للقارئ، فاستحق بعد وفاته لفتة وفاء جميلة..طبعا سيفكر المحررون الثقافيون العرب من قرؤوا المقال الأميركي بِكّمِّ الكلام الجميل الذي سيكتب عنهم بعد رحيلهم للقاء "عزرائيل"، و الذي سيتراوح على الأغلب بين "ارتحنا منه" و " يا جماعة..اذكروا محاسن مواتكم "!
وضمن الكتب التي تقترحها الصفحة على قرائها يمكن أن نجد كتاب "الحياة غير المجرّبة" و "إرهابي في متجر اللحوم" و "قل ما لا يقال"..الخ، أما إن خطر ببالك أن تجري بحثا حول أكثر الكتب مبيعا، فإن الجريدة الفاضلة تقترح عليك ما تشتهيه النفس، إذ يمكنك تصنيف الكتب حسب نوعيتها ومن ثم مطالعة الكتب الأكثر مبيعا في كل صنف، فمن أدب الخيال العلمي إلى الكتب التجارية التسويقية، والقائمة ثرية جدا بالعناوين، إذ يمكن لنا أن نقرأ في باب أدب الخيال العلمي قائمة بأحسن 35 كتابا لهذا الأسبوع، كـ"دم أسود" للوريل هاميلتون و "المضيف" لستيفاني ماير و "ساعات ونَيَِف" ..الخ، أما إن كنت من رافضي القوائم المطولة فإن الخيار الأفضل يتمثل بقراءة "القائمة العامة" للكتب والتي تعطيك وصفا شاملا عما يحدث في سوق الكتاب الأميركي، ويمكن أن تطمئن بعد كتابتها أن كتاب "ماذا حدث: دهاليز البيت الأبيض وثقافة الخداع" الذي كتبه الناطق السابق باسم البيت الأبيض مازال على القمة، بالرغم من قول ديك تشيني و صديقه الكاتب ـ و السيناتور أيضا ـ بوب دول أن مؤلفه سكوت ماكليلان مجرد "مخلوق بائس"..الجميل في كتاب "ماذا حدث؟" أن صاحبه استفاد من ريوع آل بوش أيام عِزِّهم، كما استفاد من بيع فضائحهم مع اقتراب نهاية عهدتهم، تماما على طريقة "المنشار العربي" الشهير!
وبعيدا عن "النيويورك تايمز" ستكون "الواشنطن بوست" المحطة الثانية في الرحلة الثقافية الصباحية، ومعها ستكون "الوجوه المألوفة" حاضرة دوما، فـ"الواشنطن بوست" لازالت تفرد اهتماما كبيرا للدكتور نايف المطوع، الباحث النفساني الكويتي الذي اخترع "بوكيمونا إسلاميا"، فعبر مقال ممتع تتحدث عن فكرته التي أراد من خلالها إعطاء الصبغة الإسلامية لأفلام "البوكيمون" الكرتونية، والتي اختار أن يحمل كل منها اسما موافقا لصفة من صفات الله الحسنى، وهي خطوة جميلة يمكن أن تعطي صورة مشرقة عن الدين الإسلامي، ولعل غرابتها هي التي حدت بالصحيفة للتمعن بها مطولا، تماما كما تمعنت في كتاب "مقتدى الصدر" لباتريك كوكبورن الذي قدمه الكاتب العراقي ولي نصر، صاحب كتاب "انتقام الشيعة"، وتحدث عن الواقع الشيعي الجديد في العراق.
روائيا، نقرأ تقديما لرواية "الألغاز" لدينيس درابل المعتمدة على الخيال العجائبي، و"قصة إدغار سواتل" لدافيد ولبوسكي، كما تكتب إليزابيث وارد بعنوان "عناوين منعشة ليوم حار" مقترحة على القراء الصغار قائمة بأحسن الكتب التي يمكن أن يطالعوها في يومهم الصيفي الشاق، وتضيف الصفحة قائمة بالكتب التي تراها مفيدة للقراء، و أخرى بالكتب الأحسن مبيعا والتي تتقاطع شيئا ما مع قائمة الـ"نيويورك تايمز".
مالذي تخرج به من الجولة الصباحية في الجريدتين؟ شي غير قليل من الحسد لمجتمع أتقن التواصل بين صحفه ودور نشره، ويسّر التفاعل بينهما، وصحافة أتقنت بناء تقاليد مهنية غاية في الجاذبية والجمال، وقراءٍ حريصين على التعاطي العاشق للثقافة...وشيء غير قليل من الحزن على واقعنا العربي الذي يتحرك بسرعة السلحفاة نحو مصيره المحتوم..فحتى الانتحار لدينا يأتي بالتقسيط!


نشرت في صحيفة العرب القطرية - 14/6/2008

الدكتور محمد عبد الرحيم كافود:



يعتقد الدكتور محمد عبد الرحيم كافود، الناقد و الرئيس السابق للمجلس الوطني للثقافة و الفنون و التراث، أن عدم وجود جمعية للأدباء القطريين هو نقطة تحسب عليهم و أن التأخر الحاصل في خروجها للنور يتحمل الأدباء حصرا مسؤوليته، كما يقول أن لا وجود لأي "ناشر" أدبي في قطر، ويضيف أن الأدب القطري تخلف عن مواكبة التطور العمراني والاقتصادي الذي تشهده الدولة.
حاوره : شبّوب أبوطالب



· تحدثتم في كتابكم "الأدب القطري الحديث" عن مشكل توثيق الأدب القطري في فترة ما قبل الخمسينات، كيف تنظرون للأمر؟
· بالطبع، هي مشكلة قائمة بالنسبة للأدب القطري و للأدب العربي عموما، فالأدب العربي القديم مشكوك فيه لأن العرب لم يبدؤوا التدوين قبل نهاية العصر الأموي وبداية العباسي، وقبل ذلك كان الحفظ شفويا ويتم توريثه من الآباء للأبناء، و بالنسبة للمجتمع الخليجي فإن التعليم لم يظهر حتى أربعينات القرن المنصرم وفي دول بعينها، ومعه بدأت حركة التوثيق، أما سابقا فلم يكن هنالك إلا الروايات الشفوية التي اعتُمِدَ عليها لحفظ الأدب و حتى تواريخ ميلاد بعض الناس، فيما كانت الأمية سائدة و اقتصر التعليم وقتها على حفظ القرءان وبعض قواعد اللغة العربية، و التعاطي مع بعض الكتب القديمة.
· هل يعني ذلك انعدام التوثيق نهائيا؟
· لا، فقد أشرت في كتابي إلى وجود بعض الأعمال المدونة، ولو بصورة يدوية، كأشعار أحمد بن يوسف الجابر، وعبد الجليل الطباطبائي وماجد بن صالح الخليفي ...فهؤلاء وجدت أعمالهم مدونة، فأحمد بن يوسف الجابر له أعمال مدونة منذ العشرينات بصورة يدوية على شكل قصاصات متفرقة وقد قمت بجمعها، أما الشاعر ماجد بن صالح الخليفي فإن له أعمالا مدونة منذ عشرينات القرن المنصرم...
· (مقاطعة) لقد فصل كتابك بين وجود الشعراء و الأدباء عموما كأفراد، وبين وجود حركة ثقافية حقيقية، وفي هذا الإطار قارنت بين قطر والبحرين والكويت؟
· بالطبع، و قد تحدثت عن الثقافة بمفهومها العام، و الذي لا يعني وجود أدباء أو شعراء، بل وجود أندية أو ممارسة العديد من الأنشطة الاجتماعية، وهو ميدان كان للبحرين و الكويت السبق فيه، بفضل الانطلاقة التعليمية التي سبقت مثيلتها في قطر، ناهيك عن الموقع الذي يضع تأثيره لجهة القرب من العراق بثقله الأدبي ـ بالنسبة للكويت ـ و للحركة التجارية النشطة ـ بالنسبة للبحرين ـ وفي هذا الإطار لا يمكن أن نستثني الحركة الأدبية الرائدة في السعودية هي الأخرى، فقد وصلتُ ـ في دراسة نشرتها مؤخرا ـ إلى أن منطقة "الحجاز" أيام حكم آل الرشيد و كذا الهاشميين شهدت حركة فكرية ونقدية نشطة يمكن مقارنتها بمثيلتها المصرية، وحصل مثل ذلك في جريدة "البحرين" ..تصور أن ذلك حدث في أوائل عشرينات القرن المنصرم.
· إذن فقد تأخرت قطر عن نظيراتها؟
· حلّت قطر في المرتبة الثالثة، وبعدها الإمارات ثم عُمان التي تملك تراثا كبيرا رغم أنه يرتكز في قسمه الأساسي على اللغة و العلوم الدينية.
· ماذا عن المرحلة الثانية من تاريخ الأدب القطري..مرحلة ما بعد الخمسينات؟
· إنها مرحلة بدأت مع شيوع التعليم الحديث، و وفود الإخوة العرب لممارسته، لكن رغم هذه النهضة فإن الوجود الأدبي ظل محدودا، بسبب غياب الصحافة، وهي حاجة لم يتم سدّها إلا في السبعينات، فالأدب محتاج دوما لوسيلة تساعده على الانتشار سواءً أكانت صحافة مكتوبة أو تلفزيونا أو إذاعة..الخ، يضاف إلى ذلك غياب دور النشر، ما جعل الأدب القطري يتأخر بعض الشيء، لكن مع ظهور الصحافة القطرية مع "مجلة العروبة" و"جريدة العرب" ثم "العهد" ثم "مجلة الدوحة"، فقد ظهرت بعض ثمار الأدب القطري في مجالات القصة و الشعر و الرواية و المسرح.
· يعني من هنا كانت الانطلاقة القوية للأدب القطري؟
· يمكن القول أن وتيرة التطور حتى الثمانينات كانت بطيئة، ولكن بعد منتصف التسعينات كانت القفزة الثقافية التي توازت مع حركة النهضة السياسية و الاقتصادية الشاملة، حيث برزت القصيدة العمودية و النثرية و القصة القصيرة و حتى الرواية احتلت لنفسها مكانا بارزا، وكلها فنون شرعت في أخذ طريقها لمحاكاة الأدب العربي إن لم نقل العالمي.
· وكيف تقيّم المشهد الثقافي القطري حاليا؟
· دعني أقول بأن الأدب غير مواكب لحركة التغيير السريعة التي تشهدها قطر، وهي ظاهرة عادية بالمناسبة، ذلك أن الجانب المادي يتغير دوما بشكل أسرع و أسهر من تغير الجانب الأدبي و الفني، رغم أن الأديب و المثقف يفترض به أن يكون رائد لمجتمعه.
· ألا يمكن تفسير ذلك بأن التطور في الخليج تم بشكل مقلوب، فعوض أن تقوده حركة الشعوب قادته المؤسسة الرسمية؟
· إلى حدّ ما، فإذا كانت فرنسا قد تحركت بدفع من كبار مفكريها، و البحرين و الكويت شهدتا بروز مفكرين و أدباء أثروا في حركة المجتمع نحو الأمام، فإن القيادة السياسية في قطر و الإمارات هما اللتان تدفعان باتجاه التغيير وتقودان حركته، و إن كان ذلك لا يعني نكران دور المثقف في مجتمعه، و إنما يعني الاعتراف بأن بعض مواقف القيادة السياسية لها أثر كبير في التغيير الفكري والاجتماعي.
· الشيء الملاحظة بقوة في قطر هو غياب "سلسلة النشر" وغياب ثقافة الترويج للكتاب، سواءً لجهة الكاتب أو لجهة دار النشر؟
· صحيح، و أنا أحد الذين لا يروجون لكتبهم بالشكل المناسب! فقد طبعت كتابي الأخير (المسرح في قطر) ولكني لم أوزعه بالشكل المناسب، ولم أقدمه سوى لأصدقائي، و السبب أن دور النشر لدينا لا تكاد تكون دور نشر بالمعنى الحقيقي، وقد طبعت أكثر من كتاب في قطر فكان التوزيع غير مُرضٍ بالمرة، أما الناشر هنا فإذا كان شاطراً فسوف يضع كتابك في مكتبته! أما الترويج له في الخارج و المساهمة به في المؤتمرات فهو ضئيل جدا، و لأمر خاضع دوما لحسابات الربح و الخسارة المادية البحتة، أما فكرة النشر الثقافي وترويج ثقافة الدولة فهو غائب تماما عن ذهن الناشر القطري..إن وُجِدَ.
· هل تقول بأنه لا وجود لناشر حقيقي في قطر؟
· نعم! وأنا لا أدعو لاستبعاد الربح المادي من ذهن الناشر القطري ولكن النشر الثقافي له رسالة ينبغي أن تدخل في حساب الناشر، فليس كل المبدعين سواسية، فإذا كنت أنا قادرا على نشر كتاب معين وتحمل تكاليف طباعته، فليس كل المبدعين بقادرين على تحمل الكلفة المادية للنشر ومن ثَمَّ مشاهدتها مرمية في دور النشر بدون عناية ولا توزيع، وبالتالي فإذا كان للناشر الحق في طرح الحساب المادي فإنه بذات الحين مطالبا بوضع حساب البلد في ذهنه، وحساب التعاون في التعريف بأدب الدولة، و الأخذ بيد المبدعين.
· يعني أن قطر محتاجة لناشر يفهم رسالته؟
· نعم، وهي محتاجة أيضا لمؤسسات غير رسمية تفهم ضرورة دعم الثقافة، و التعاون مع ممثليها.
· لماذا لا نقول بأن واجب السلطات الرسمية أن تدعم الناشرين في محاولتهم التعريف بالأدب القطري..أليس من واجبهم دعم مشاركاتهم الخارجية و أنشطتهم الداخلية؟
· يفترض أن يكون الأمر كذلك، وهو كذلك إلى حدّ مّا، و المهمة مناطة بالمجلس الوطني للثقافة و الفنون والتراث، ولا اعتقد أن هناك أي عائق سوى الجهد التنظيمي، و أنا شخصيا عندما كنت رئيسا للمجلس الوطني للثقافة قمت بتشكيل لجنة خاصة بهذه المهمة حصرا، حيث تقوم اللجنة باختيار الكتب التي تستحق الدعم و الشراء و المبدعين الذين يجب الوقوف معهم، ومن ثم تقدم لهم ما يناسبهم، فإن كان العمل جيدا فإن المجلس يتبنى طبعه ودفع مكافأة صاحبه، و إن كان دون ذلك يُطْلَبُ من صاحبه أن ينشره على نفقته ليقوم المجلس لاحقا بدفع تكاليف الطبع، وقد قمت شخصيا بخطّ هذا الأسلوب آمل أن يستمر العمل به.
· يعني أن النشر حاليا أسوأ مما كان؟
· لا بالعكس، هو أحسن كثيرا من السابق، وعلى المستوى الأدبي فإني اعتقد بأن التغييرات الاجتماعية و السياسية التي يمر بها المجتمع القطري ستكون رافدا مهما للإبداع بكل أنواعه، فكل منعطف تجديدي يطرح على المجتمع تحدي الاستجابة للجديد أو الاحتفاظ بالتراث ويولّد ذلك مجالا رحبا للممارسة الإبداعية، و المجتمع القطري الآن هو ساحة غنية وثرية وخصبة وصالحة جدا ومتوفرة على "المادة الأولية" للإبداع.
· ألا تعتقد بأن المشكل الإضافي هو عدم وجود جهة تبحث عن المبدعين وتأخذ بيدهم؟
· أولا، قد لا يكون مجديا أن نوجد جهة لتدق الأبواب على الناس قائلة: "في بيتكم مبدع"، فالدولة تتوفر على أكثر من متنفس ثقافي سواءً على مستوى المدارس أو الجامعات أو الجمعيات المختلفة أو المجلس الوطني للثقافة، ويفترض بهذه الجهات جميعا أن تكون فضاءً لاجتذاب المبدعين، فهناك جمعية للفن التشكيلي ونحن ننتظر ميلاد جمعية للأدباء و الكتاب لتكون رافدا للوسط الثقافي بالعديد من المواهب. كما أن الصحافة موجودة وأبوابها مفتوحة للأدباء و الكتاب الذين يفترض بهم استغلال الفرس المتاحة أمامهم.
· صحيح أن المدرسة و الجامعة يتيحان المجال للمبدع، ولكنهما ليستا جهة نشر، و السؤال المطروح هو عن نوعية الرباط الموجود بينها وبين جهات النشر وجهات رعاية الأدباء؟
· صحيح، هنا يجب على المدرسة أن تعرف حدود دورها و واجباتها في توصيل المبدع للجهة التي تتكفل بتنمية موهبته.
· أشرت إلى جمعية الكتاب و الأدباء القطريين، مالسبب في تأخر ميلادها؟
· الذي نعرفه أن شروط تكوين الجمعيات واضحة للجميع، كما نعرف أن هنالك ملفا موضوعا لدى الهيئات المعنية منذ فترة، ولا ريب أن هناك إجراءات تنتظر الاستكمال لتبرز إلى الوجود جمعية الأدباء و الكتاب القطريين، وربما كان وجود أكثر من جهة ذات صلة بالموضوع هو الذي أخره قليلا.
· قيل لنا أن أعلى السلطات في البلد مهتمة جدا بالموضوع، ولكن الكتاب تأخروا وتنازعوا فتأجل الموضوع؟
· لا أدري، أعرف أن هناك قائمة موضوعة لدى الجهات المعنية..
· (مقاطعة) تتحدث عن القائمة الأولى أو الثانية..فهناك أكثر من واحدة؟
· لا أدري، ولكني أتحدث عن القائمة التي أمضيتها ضمن مجموعة من الزملاء قبل سنة أو يزيد قليلا و أتوقع أن نقصا في المتابعة من طرف مقدميها هو الذي أخّرها.
· أليس هنالك تنازعا على رئاسة الجمعية؟
· لا، فلا يمكن التنازع على رئاسة هيئة لم تظهر للوجود بعد.
· ألا يعتبر عدم وجود جمعية للأدباء نقطة تحسب على كتاب و أدباء قطر؟
· طبعا، فوجود جمعية لهم سيخدم الزخم الإبداعي ويزيد التفاعل بين المثقفين و الأدباء و الكتاب.
نشرت في صحيفة العرب القطرية

ميرال الطحاوي:



تقول الروائية المصرية ميرال الطحاوي أن المرأة قد استطاعت قبر قورن طويلة التعبير عن مشاعرها بصور شتّى أتقنت تهريبها عن عين الرقيب، وتضيف أنها كانت من الإخوان المسلمين مفضلة إياهم على غيرهم كونهم لم يستغلوا جسدها كما حصل مع زميلاتها اليساريات! وتعلن بثقة بأن المجتمع المصري غير مُسَيّس وهَمُّه أن يعيش و السلام!



· تحدثت في الصالون الثقافي عن فكرة "المحظور" في الرواية العربية..هل تتصورين بالفعل أن هناك محظورا في عصر الانترنيت؟
· سأغتنم هذه الفرصة لأقول أشياء كثيرة لم يتسع الظرف لقولها في الصالون الثقافي، فالمحظور بالنسبة لي "وهم"، هو محظور بالنسبة لمن؟ أيضا فالموضوع شديد التخصص و الأكاديمية، وربما تناولناه في جلستنا بشيء من التسطيح...المحظور موجود تاريخيا في كل المجتمعات، وهو يتعلق بالجانب الاجتماعي، فرغم وجود البغاء و الخيانة الزوجية فإن المجتمعات ترفض الكتابة عنها، لكن هذا الأمر محدود زمنيا، فالمجتمعات تتطور، فالرواية التي حوكمت في القرن 19 بسبب حديثها عن الخيانة الزوجية، تقابلها اليوم روايات تتحدث عن الشذوذ بنوعيه، بل وتقابلها جوائز عالمية للكتابة في هذا الموضوع.
· تتحدثين على المستوى العالمي، ماذا عن الشق العربي في الموضوع؟
· المجتمع العربي هو أيضا مرّ بنفس الطفرات، ففي البداية كان الرفض لأعمال تتخللها كلمة "يا حبيبي" أو "أنا أحبك"، فكان هنالك رفض لتصريح المرأة بمشاعرها، بل و تصنيفها كـ"مبتذلة" و "مغوية"، وهو ما راح ينزاح بمرور الوقت.
· تحدثت عن الشعر الشعبي النسائي أو "العلم" كما يقال في مصر
· طبعا، ففي حين كانت ترفض كتابات النساء المحتوية على عبارات "يا حبيبي" كان هنالك شعر شعبي نسائي يقل ما هو أكثر من "يا حبيبي" ولكن بطريقتها الملمِّحَةِ الموَارِبة، بل إن بعض القصائد تحوي إشارة لأعضاء الجسد.
· طيب، كيف سمح المجتمع بهكذا أشعار؟
· لوجود عنصر المواربة، ففي كل الأقطار العربية كان هنالك هذا العنصر الحاضر، عنصر التلميح و عدم الإفصاح، ولذلك ذهبت "الفصاحة" في اتجاه الرجل، فالرجل "مفصح" أو "مبين" بمعنى قدرته على الكلام المباشر و التعبير الصريح، بينما تفتقد المرأة هذه الخاصية بفعل ما جبلها المجتمع عليه، أو ما أسميه شخصيا بـ"ثقافة الغلالة" أي أن المرأة مضطرة للتعبير بشكل تغلّف فيه مشاعرها بغلاف وهمي يستر اللغة قليلا ولكنه يسمح للمرأة بالقول و التعبير.
· يعني أن المرأة طورت طريقة دفاع معينة تجاه الحظر المفروض عليها؟
· طبعا، فهناك ما يشبه القاعدة في الشعر الشعبي العربي، وتنصّ على الاحتفاظ بشخصية "القائلة" في طي الكتمان، فكل شعر فيه "تَعَشُّق" ترويه نساء القبيلة ولكنهن لا يبحن أبدا باسم قائلته، وكأنه نوع من الاتفاق الجماعي، بحيث يمكن للمرأة أن تتحدّث بشكل مفرط الصراحة أحيانا ولكن لا واحدة تصرّح باسم قائلة الأشعار، وينسب الشعر بالتالي لـ"الذات الجماعية" ويصبح "فضيحة مشاعية".
· (مقاطعا)..طبعا لأن تبني هذه الأشعار يساوي مشكلة؟
· ورغم هذا كانت هنالك حالات بوح ولكن ضمن النطاق المشاعي، وهذا نوع من التواطؤ الاجتماعي، إذ يتم ستر الأغاني التي تلقى في الأعراس وتتضمن مفردات جنسية، وهكذا أمكن للمرأة التعبير في ظل وجود تعاهد نسائي جماعي على حمايتها.
· أنت منشغلة جدا بهذا الموضوع؟
· طبعا، ولكنه انشغال جمالي لا اجتماعي، إذ أفكر دوما فيما إذا كانت هذه القيود قد فرضت على المرأة أن تنحو بتعبيرها بعيدا عن الطريقة المباشرة؟ وفيما إذا كانت لتعبيرها الجديد طابع جمالي مّا؟ ونوعية الرموز و"الشيفرات" التي تستعملها داخل النص، ومقارنة الأمر من ثَمَّ بما يحدث حاليا من توجه النساء إلى التعبير المباشر، دون أن تفكرن بأن أمهاتهن و جَدَّاتِهِنَّ قد وجدن طرقا بديلة للتعبير، طرقا شديدة الجمال وبعيدة عن الفجاجة.
· هل تعتبرين توجه بنات جنسك للتعبير المباشر ظاهرة صحية؟
· هو ظاهرة صحية حينما يناقش قضايا اجتماعية بطريقة جريئة، و يأتي في ذات الحين على خصوصية الفرد، لأن المشكلة التي نعاني منها أن النص الإصلاحي ليس أدبيا بالضرورة، فقليلة جدا هي النصوص التي احتفظت بخصوصية ورؤية جمالية رغم تناولها لهم اجتماعي، ومنها نصوص ماركيز التي تناقش فكرة الديكتاتور، أو نصوص بورخيس، أو النصوص التي تحاور فكرة الوجودية أو فكرة الرب وبنفس الوقت هي نصوص رائدة على المستوى الإبداعي، وفي الأدب العربي يمكننا ملاحظة بعض نصوص طه حسين التي تشهد له بأنه كان مفكرا إصلاحيا كبيرا، و أنه أحدث دورا انقلابيا داخل الثقافة العربية..ومع هذا فهو ليس روائيا كبيرا، بل هو نموذج للخطاب الإبداعي الذي يتلبّس الطابع الإصلاحي.
· ابتعدنا قليلا عن موضوعنا، هل يمكن لك أن تقولي بأن المحظور موجود بشكل فاعل في زمننا "الانترنيتي"؟
· ما هو المحظور؟ إنه مرتبط بالدائرة الصغيرة للكاتب، و إذا جاز لنا التعبير فإن أول محظور هو : كيف تصير كاتبا؟ فالضمير الاجتماعي الذي تحدثنا عنه يصم الكاتبة بأنها امرأة مبتذلة ومنحلة وبالضرورة هي مطلّقة و عاشقة لفلان وعلّان..باختصار هي "المرأة الفضيحة"، ولذا فإن رهان جلينا كان أن نثبت بأننا نساء متمردات ولكن ليس بالشكل الذي يعتقده المجتمع، بل أن نكون أكاديميات وباحثات و"فاضلات" بالمعنى الاجتماعي..هي محاولة للإثبات.
· (مقاطعا) إثبات ماذا؟
· إثبات "الفحولة" بمعنى من المعاني، الفحولة التي تعني أن بمقدرتنا كتابة نص بنفس فن الرجل، و الانتهاء من فكرة الكتابة الاجتماعية إن جاز التعبير، ذلك أن هذا النمط من الكتابة إيديولوجي انفعالي بالضرورة، كما يتحرك ضد الرجل و المجتمع ولا يحمل من النضج بقدر ما يحمل من عنفوان التحرر.
· إذن فهذا هو رهانكم؟
· بالطبع، لأن المساحات التي أتيحت أمامنا تعني أن نبرهن على نضجنا من خلال كتابات مليئة بالأسئلة، فكون المساحات متسعة يعني أننا في مأزق "الوعي" و "الجودة" وعلينا التعامل مع الأمر كي لا يوصم الأدب النسائي بالضحالة و التركيز على الجنس أو اكتساب أهميته من كونه "كتابة بنات" على حدّ رأي إدوارد الخراط، فكنا نريد أن نبرهن على أن كتاباتنا ليست كتابة مراهقة و إنما هي كتابة ناضجة، و واعية جماليا.
· أي أن المطلوب هو كتابة جميلة لا كتابة جنس؟
· هذه هي الفكرة من أول المطاف، لأن الاعتناء بالجانب الاجتماعي هو قضية الصحافة و وسائل الإعلام بشكل عام، لا قضية الكاتب، إلا إذا ورد الأمر في سياقه فعندما كتب محمد شكري "الخبر الحافي" جاءت القضية الاجتماعية في سياقها الإنساني الفردي الذي يمكن أن تأخذ منه الصحافة لا العكس.
· جميل للغاية، هذا بالضبط ما يقوله الإسلاميون من أن المشكل ليس في تناول الجنس بل في طريقة التناول، أليس كذلك؟
· هذا الأمر بديهي، فالقارئ في حالة تساؤل دائم "لماذا يصدمني الكاتب بهذه العبارة؟ ألم يكن بإمكانه أن يستعمل نوعية ثانية من العبارات؟".. فما هي الكتابة؟ هل هي تجميع قصاصات الجرائم و الحوادث والانتهاكات التي تطلع في الصحف ثم رَصْفُهَا في عمل أدبي أم هي ان تكتب شيئا يفجّر أسئلة أعمق من أسئلة الصحافة؟ هذه هي المشكلة فالهامس بين التحقيق الصحفي و الكتابة الروائية أصبح هامشا ضئيلا ففقد النص الروائي خصوصيته، ويمكننا القول أن "الحالة الصحافية" هي التي تواجه الهاجس الجمالي.
· مالذي تذكرينه من "مرحلة الإخوان المسلمين" التي عشتها ذات يوم؟
· هي إحدى مراحل الحياة، حيث كنت في المرحلة الجامعية أنا ومجموع الطلاب منتمين لـ"الإخوان المسلمين"، خصوصية هذه المرحلة أنني بدأت الكتابة خلالها، حيث كنت أكتب قصصا قصيرة ويقوم بعض "الإخوة" بنشر كتاباتي ضمن "مجلة الجامعة" التي كانوا يديرونها، وكذا إرسالها إلى بعض المجلات الإسلامية كـ"الدعوة" و "لواء الإسلام" و "المختار" ومن هنا التصقت باسمي فكرة "الالتزام" حسبما كانوا يصنفونني في ذلك الحين، مع أني لم أكن اكتب سوى مجموعة قصص أو نصوصا نثرية لكنهم كانوا يعتبرونها أدبا ملتزما.
· ومن هنا جاء أول كتبتك؟
· تصور أني لم أعرف شيئا عن هذا الكتاب، حيث جمعة المرحومة زينب الغزالي ما كتبته ونشرته في كتاب معتبرة إياه دليلا على الأدب الإسلامي الرفيع، والغريب أنني لما قررت أن أكتب الرواية اعتبروا ذلك مروقا على الدور الذي تصوروا أني سأقوم به أي دور الكاتبة الملتزمة التي تنشر الأدب الإسلامي..وهذا ما لم يكن واردا في ذهني على الإطلاق.
· كيف رأيك بالتجربة؟
· لقد كتبت عنها في "الباذنجانة الزرقاء" برهافة شديدة، فقد أحببت هؤلاء الناس بكل صراحة.
· مالذي أحببته فيهم؟
· انه لم يحصل أي نوع من الخداع السياسي، فقد رأيت كيف استغلت زميلاتي اللائي كُنَّ في اليسار جسديا، وتوريطهم في "علاقات" سبّبت لهم تَفَتُّتاً نفسيا كبيرا، وهذا ما لم يحدث معي في جماعة "الإخوان المسلمين" فهي جماعة أقرب إلى صيغة القبيلة، وإلى صيغة الاحتماء القبلي عبر فكرة "الأخ" و "الأخت" وهذا ما كنت احتاجه في ذلك الحين، إذ كنت بنتا خارجة من عالم القبيلة إلى عالم الجامعة و الكتابة بأضوائهما، بما يعنيه ذلك من احتياجي للوصاية الأبوية..ناهيك عن الفائدة الأخرى لجماعة "الإخوان المسلمين" وهي فكرة القراءة، حيث قرأت بشكل كبير.
· مالذي تأخذينه عليهم؟
· فكرة "القالب" أي محاولة وضع منتسبيهم جميعا في قالب واحد، بينما أنا مليئة بأسئلة الحيرة و التفكير ، ولدي الجرأة لأُغَيِّرَ و أتغير و أعدل طريقة لباسي، بينما هم يظلون في شكل قوالب يقينية تؤمن بامتلاك الحقيقة المطلقة.
· ماذا لو حاولتِ تقييم فكرهم؟
· لا استطيع ذلك لأسباب كثيرة، بينها حاجة المجتمعات العربية لليقين الديني، لأنه فكر ينبع من صميم ثقافتهم، ثانيا: التطورات التي طرأت على فكر الجماعة سواءاً في الاتجاه المريح أو في الاتجاه المعاكس، لا اعتقد أن "الإخوان المسلمين" هم تجربة، بل هم حاجة اجتماعية، لأن المجتمع برمته كان في فترة من الفترات بحاجة لليقين الديني طالما انتفى اليقين السياسي.
· هل تعتبرين أن حاجة المجتمع لهم قد انتفت في الوقت الحالي؟
· نعم، إذ ينحو المجتمع الآن منحا فرديا تعدديا، فنحن عندما دخلنا الجامعة كنا نبحث عن أسرة أو نادٍ رياضي أو فريق أو فكرة سياسية بينما الحاصل حاليا هو وجود طاقات فردية وبحث عن النجاح الفردي، و نتج عن الوضع الحالي للمجتمع الاتجاه إما إلى اليمين أو "السلفية" حيث الانكفاء أو إلى الاكتفاء بالبحث عن معايشة هموم اليوم، و البحث عن عمل يجلب لهم رزقا إضافيا..نحن نعايش حالتي التطرف الشديد، إما الانفتاح الصارخ أو التدين المغرق في التزمت.
· أي مصير لمصر في ظل هذه الظروف؟
· يبدو أنه لا فكاك لمصر، فهناك السلطة (الحزب الوطني) وهناك السلطة المضادة (الإخوان المسلمون)، وليس هناك من بديل غيرهما، فهناك سلطة سياسية و أخرى اجتماعية دينية، ولا شيء غيرهما غير العويل و الصراخ الذي نراه في الصحف و الذي أتصور أن الدولة قد سمحت به لخلق ديمقراطية محددة المعالم
· يعني، أن المجتمع المصري سيسجن طويلا في حالة "ستاتيكو"؟
· ليس هذا ما أتنبأ به، بل إن المنطق يفترض حدوث العكس، إنه سؤال يطرحه المثقفون المصريون من أولهم ، محمد حسنين هيكل، إلى آخرهم، وتلخصه عبارة "متى سيحدث الانفجار الكبير؟".
· هل يعود تأخر "الانفجار" لطبيعة الشعب المصري ذي القابلية العالية للتسلط كما يقال؟
· لا، بل إلى كونه يعيش يومه وهمومه، ويفكر اجتماعيا لا سياسيا، بل هو غير مُسَيَسٍ مثل نظرائه في فلسطين و لبنان، ومادام أن هنالك "فسحة عيش" فسيعيش المجتمع و السلام! ويضاف إلى هذا حالة الخوف التي تكبّل الناس، و حالات اختفاء المعارضين وتواطؤًا من السياسية الأميركية مع ما تقوم به السلطة المصرية، وعدم قيام المثقفين بواجبهم.
نشر في صحيفة العرب القطرية