السبت، 19 يوليو 2008

رسالة اليونسكو تتحدث عن جديد قائمة التراث العالمي!

خصّصت رسالة "اليونسكو" عددها الجديد للحديث عن بعض مواقع التراثية العالمية، والتفتت على الخصوص للإضافات الجديدة على القائمة الدولية.

الدوحة ـ شبّوب أبوطالب

توقف العدد الجديد من "رسالة اليونسكو" عند جبل المورن التاريخي الواقع غرب موريشيوس، وتذكر كيف أن الجبل البركاني كان منذ القرن 17 حتى إلغاء الاتجار بالرقيق العام 1835، وقد حاول هؤلاء دوما الفرار باتجاه الجبل الذي يوفّر ملاذا آمنا من المطاردة، وبرغم النهاية المأساوية لبعض محاولات الفرار فإن حوالي الـ2000 عبدا ظلوا معتصمين بالجبل وتحولوا إلى جزء من النسيج السكاني المحلّي.

كما تناول العدد مواقع الكنيسة الأرمنية بأذربيجان، وخص بالذكر دِيراً يرجع تاريخه إلى القرن الثاني عشر، و يتألف من موقعين كنسيين متجاورين، إحداهما تدعى "السوداء" يرجّح أنها بنيت في العام 1329 و الثانية تسمى"البيضاء" وتم بناؤها بين عامي 1810 و1830، وتعد الكنيستان إرثا تاريخيا مهما، لجهة القيمة الدينية وكذا المعمارية، ذلك أنها تعكسان فن القرون الوسطى و"عصور الأنوار" التي هلّت على أوروبا مطلع القرن السادس عشر، وتوثّقان الاتجاهات المعمارية في تلك الفترة.

وتوقف العدد أيضا عند مدينة كاماغواي، مسقط رأس شاعر كوبا القومي، نيكولاس غيين، ورصد مبانيها المزينة بالقرميد الأحمر، و العادات المعمارية الخاصة بأهلها كالبراميل الكبيرة التي كان "الماغوايين" يصنعونها ويضعونها في الأفنية و الحدائق بغرض تخزين الماء والاستفادة منه، وحفظه بعيدا عن الأوبئة و الجراثيم.

وعلى ذات النسق كتبت رسالة اليونسكو عن مستنقعات كوك الواقعة في غينيا و التي اتضح أنها المهد الأول للزراعة في العام، و جزيرة سورتسي (آيسلندا)، التي تعد أعجوبة حقيقية، إذ أنها كانت مطمورة تحت أعماق المحيط ثم طفت إلى السطح عام 1963، ومن يومها أصبحت مقصد علميا كبيرا يدمن عليه خبراء التنوع البيولوجي و الراغبون في استكشاف أنواع غير معروفة من النباتات و الحشرات التي لا تتوفر في أي بيئة أخرى.

وكانت اليونسكو قد أعلنت في الأسبوع الأول من الشهر الجاري أن "لجنة التراث العالمي" التي عقدت دورتها الثانية والثلاثين في منطقة الكيبيك بكندا، قد وافقت بشكل نهائي على إضافة 4 مواقع جديدة لقائمة الحماية الدولية، وتشمل المواقع الجديدة كلا من جبل المورن بجزر مويس، ومنازل واقعة بمحافظة فيجان الصينية و موقع "مدائن صالح" الواقع بالمملكة العربية السعودية، ومنطقة الكنائس الأرمينية بأذربيجان، وقد جاءت هذه الاختيارات عطفا على الطلبات التي تقدمت بها 41 دولة موقِّعة على اتفاقية التراث العالمي وشملت 13 موقعا طبيعيا و 34 موقعا ثقافيا اقترحت الدول الموقِّعة شملها بحماية قائمة التراث العالمي وتوفير الحماية القانونية اللازمة لها، إلا أن اليونسكو لم تضف سوى أربع مواقع.

ومثل تصرف اليونسكو الأخير نصرا كبيرا للعرب، لأن إضافة موقع عربي إلى القائمة يمثّل تخليا عن السلوك الرسمي العربي الذي طالما رفض التعاون مع اليونسكو لسبب أو لآخر فبعض الدول العربية رأت أنها تملك من الإمكانات المالية و القانونية ما يجعلها في غنى تام عن أي تعاون مع اليونسكو وينسحب هذا الوصف على بعض دول الخليج العربي، أما بعض الدول الأخرى فإن مصالحها التراثية لا تلقي بالا لأهمية الموضوع أصلا، فيما تحتكم دول ثالثة على نظرة يشوبها الشك في دوافع اليونسكو كالجزائر التي رفضت تركيز اليونسكو على رعاية الآثار الرومانية ورفضها حماية الآثار الإسلامية ما قاد وزيرة ثقافتها إلى اتهام خبراء اليونسكو علنا بأنهم "جواسيس لا علماء"!، ويبدو أن المحاولة السعودية الأخيرة تمثل خروجا من نفق الشك والكسل الذي دخلته دولنا العربي برمتها.

وتنبع أهمية التعاون مع اليونسكو من بديهية قانونية تتفرع عنها الكثير من المزايا الحمائية والمالية و السياحية، وتفترض البديهية أن لا دول بإمكانها أن تفتخر بتراثها الضارب في العراقة و تسعى لجعله مقصدا عالميا دون أن تعرّف به، أو تسعى لتصنيفه كأثر ذي صبغة عالمية وإنسانية، ويتفرع عن هذا التصنيف، الذي يقدم في شكل طلب من طرف سلطات البلد، إضافة الأثر المعني إلى قائمة "التراث العالمي" بعد مداولات تستشار خلالها هيئتا "المجلس الدولي للمعالم والمواقع الأثرية" و"الاتحاد العالمي لصون الطبيعة"و تشترك فيها الدول الـ 21 الأعضاء في لجنة التراث العالمي ليتم التصويت بالأغلبية، وتمثّل مرحلة التصويت مرحلة جدّ هامة إذ أنه على الدولة المعنية بإضافة تراثها أن تقود حملة دعائية داخل لجنة التراث العالمي لتضمن وصولها إلى قائمة الترشيحات النهائية وهي قائمة معقّدة للغاية، ويمكن أن نأخذ مثلا ما حدث هذه السنة فمن بين 43 طلبا لم توافق اليونسكو سوى على إضافة 4 مواقع! و لذا تتصارع الدول أيضا على عضوية لجنة التراث العالمي التي تمثل الجهة التي تفصل في الطلبات ومن المؤسف أن عددا قليلا من الدول العربية أبدت سعيها لعضوية اللجنة وهي مصر وتونس و الجزائر..بينما زهدت فيها بقية الدول.

ويترتب على إضافة أي موقع إلى قائمة التراث العالمي إصدار تعميم عالمي بحمايته والمحافظة عليه، بحيث يصبح تحت بصر اليونسكو، ومن خلفها الأمم المتحدة، ويحرّم المساس به أو تشويهه، كما يمكن للدولة التي تحتضنه أن تقدم طلبات للحصول على اعتمادات مالية لرعايته وتطويره، وهي الميزة التي لا تستعملها غالبية دولنا العربية رغم أن جزءًا كبيرا منها يدفع اشتراكاتها لهيئات اليونسكو المختصة، بما يعني أننا نموّل مشاريع صيانة تراث العالم وتراثنا مرمي مهمل! كما يعني أننا نضحي سنويا بمبلغ 4 ملايين دولار يصرفها "صندوق التراث العالمي" للدول التي تقدم طلبات "ترميم طارئ" لمواقعها المسجلة ضمن قائمة التراث العالمي.

وإضافة إلى المزايا الحمائية القانونية و المالية التي تترتب على إضافة موقع مّا إلى القائمة الدولية فإن هناك مزية سياحية تنشأ من خلال الإشهار العالمي المجاني الذي يحصل عليه الموقع و الاهتمام الكبير الذي يلقاه من طرف وسائل الإعلام، وهو اهتمام يمكن استخدامه لاستجلاب السواح بسهولة خصوصا أن عبارة "موقع مصنف ضمن قائمة التراث الإنساني" تفعل فعلها في السائح العالمي و الأوروبي خصوصا.

كما يتقدم اليونسكو تدريبا مهنيا عاليا ومجانيا لكوادر هيئات صيانة الآثار في الدول التي تحتوي مواقع ذات تنصيف دولي، و التي تشمل 141 دولة، والحال في هذه كما في سابقاتها إذ أن قلة من الدول العربية من تستعمل هذه الخاصية، فيما تبادر إلى التعاون مع هيئات التنقيب الآثاري الدولية، كما يحدث هنا في قطر حيث أن آخر اكتشاف أثري قطري قد جرى بأيدٍ دانماركية بينما لو تم التعاون مع اليونسكو لكان ممكنا أن يتم بأيدٍ وطنية تجعل الفرحة فرحتين.

يذكر أن قائمة التراث العالمي تشمل 851 موقعا ذات "قيمة عالمية استثنائية"، تنقسم إلى 166 موقعا طبيعيا، و 25 موقعا مختلطا، و660 موقعا ثقافيا.

العرب -18-7-2008

ليست هناك تعليقات: