الأحد، 29 يونيو 2008

الموسم الثقافي في قطر.. أرقام وتعليقات




الدوحة - شبّوب أبوطالب

انتهى الموسم الدراسي والثقافي في قطر قبل أيام قليلة، وبينما لملم الطلاب كراريس العلم والمعرفة مؤقتا وانشغلت المؤسسات التجارية بالإعداد للموسم الجديد، فإن على الثقافة في قطر أن تقدم هي الأخرى للمجتمع جرد حساب بالذي أنجزته خلال سنة. أين تميزت؟ وأين فشلت؟ ما الذي أبدعت فيه وما الذي ضاع منها؟ «العرب» التقت بعض المهتمين بالمشهد الثقافي ونقلت لكم انطباعاتهم.انتظم الموسم المنصرم نوعان من الفعاليات الثقافية، يتجسد النوع الأول في الفعاليات الثابتة التي تفرض نفسها على الأجندة الثقافية، أما النوع الثاني فهو المبادرات التي قامت بها الهيئات الثقافية أو المبدعون، وبمزيد من التفاصيل فإن مهرجان الدوحة الثقافي يعتبر الحدث الأول في المستوى الأول، والذي شهد هذه السنة أكثر من 47 فعالية ثقافية مختلفة، بينها 13 عملا استعراضيا تتنوع بين الاستعراضات الفلكلورية وعروض الأزياء وعروض الحرف التقليدية... إلخ، بالإضافة إلى 4 حفلات موسيقية كبرى لفنانين عرب وأجانب، ناهيك عن 7 فعاليات كبرى للفنون البصرية شملت ندوات نشطها كبار المتخصصين في الفنون الجميلة ومعارض فنية تشمل معارض لكبار الفنانين القطريين وكذا للأطفال بالإضافة إلى معرض خاص بالفن الصحراوي بعنوان «عشق الخلا»، إلى جانب ذلك شهدنا 5 فعاليات شعرية و4 فعاليات مسرحية، وحضورا لأكثر من 40 فريقا إعلاميا من مختلف الدول.في المقام الثاني، كان الصالون الثقافي الحدث الأكثر حضورا واستمرارا وثباتا، إذ حافظ المجلس الوطني على تواجده ودعّمه أمينه العام بالكثير من الإمكانات، وتحت هذا البند يمكن أن ندرج 14 ندوة ثقافية استضافها الصالون خلال سبعة أشهر، وشهدت مشاركة 54 مثقفا بينهم 27 من قطر و6 من مصر و4 من السعودية و3 من البحرين والكويت ومبدعان اثنان لكل من دول: الإمارات، سلطنة عمان، العراق، الجزائر، ومبدع واحد لكل من سوريا واليمن، ودوما ضمن السياق ذاته ضرب الصالون موعدا مع 3 أمسيات شعرية، و4 قصصية، وخصصت باقي الندوات لمناقشة قضايا عامة مست الثقافة أو الحياة الاجتماعية والسياسية العربية، ومن بين أبرز هذه الندوات يمكن ذكر ندوة «الصحافة العربية بين الواقع والطموح» و «رجاء النقاش في ذاكرة الثقافة العربية» و «واقع الأدب العربي» و «المحظور في الرواية» و «الازدواجية بين الرجل والمرأة»، أما مركز الفنون البصرية فقدم أكثر من 14 نشاطا خلال الموسم المنصرم، وقد تنوعت فعالياته بين معارض التشكيل ومعارض التصوير الفوتوغرافي والمشاركات الخارجية، إذ كان حاضرا دوما في الأسابيع الثقافية التي نظمتها قطر خارج حدودها، وشارك في أكثر من فعاليات دولية ممثلا برئيسته السيدة نادية المضيحكي، ولعل أبرز فعالياته كان معرض الصور الذي ضم تاريخ الجزيرة العربية خلال مئة سنة، والمعارض المتنوعة لفناني الغرب كمعرض الإسباني إنريكي كاريور والأميركي توم تيل، أما المشاركات الخارجية فلعل أبرزها المشاركة التي تمت خلال الأسبوع الثقافي القطري في باريس والذي حمل شعار «قطر.. تراث وحداثة».وفي اتجاه آخر، حضرت نادي «الجسرة» الثقافي بمجموعة مميزة من الأنشطة أبرزها معرض الصور الذي نفذته عن الدوحة القديمة، وكذا إحياء اليوم العالمي للشعر ومداومة إنجاز مجلتها الثقافية، وفي سياق آخر ظهرت إدارة الثقافة والفنون في مجموعة ثانية من الفعاليات لعل أبرزها رعايتها لبعض الكتب الجديدة وقيامها بتنشيط أمسيات شعرية شعبية وعدد كبير من السهرات الثقافية التي زينتها فرق عربية وأوروبية، ناهيك عن المشاركة في الأسابيع الثقافية القطرية في الخارج.يبقى السؤال بعد هذه الجردة المختصرة عن آراء الكتاب والمثقفين في الموسم المنصرم.أمينة العمادي: تطور يحتاج إلى رعايةتقول الكاتبة القطرية الدكتورة أمينة العمادي -المديرة العامة للمركز الثقافي العربي للتدريب والاستشارات-: إن سنة قطر الثقافية شهدت «تطورا جيدا، وكانت أحسن من التي سبقتها، لكنها مع ذلك تحتاج إلى رعاية واستكمال لبعض النواحي»، ومع إشادتها بكل الذي تحقق لقطر في الميدان الثقافي فإنها لاحظت بعض النقاط التي رأت أنها تحتاج لعناية خاصة، فـ «الأنشطة الثقافية تفتقر لخاصية الاستمرار، ولا بد لها من مغادرة فكرة الموسمية التي تسيطر حاليا» و «المسرح يعتمد على نشاط جهتين أو ثلاث كمسرح شباب الدوحة ومسرح شباب برزان وبالتالي فالحركة المسرحية ضعيفة، وليس في هذا إنقاص من قيمة الجهد الذي يبذله القائمون على المسرح ولكنه حث لهم ولغيرهم على التواجد الدائم»، أما الصالون الثقافي فإن الكاتبة قد سجلت نقاطا إيجابية لصالحه، ودعت بالمقابل لتكثيف الاعتماد على الأسماء الكبيرة، فـ «قطر قادرة ماديا ومعنويا، وكتابها والمهتمون بعالم الثقافة داخلها يشتاقون لرؤية وسماع ومناقشة بعض الأسماء الكبرى التي يتحدث عنها الإعلام ويتمنى القطريون مجالستها، وبالتالي فإن تكثيف الحضور النوعي في الصالون الثقافي يعتبر ضرورة لتطويره».ولم تتوقف الدكتورة العمادي عند إعطاء رأيها في الموسم الثقافي، بل تحدثت عن الطريقة التي تسيِّر بها مختلف الهيئات الرسمية والأهلية النشاط الثقافي، قائلة إن «الإدارة الثقافية القطرية تحتاج لتجديد كبير ويجب أن تكون الكلمة الأولى فيها للمثقفين، كما يجب استحداث هيئة وظيفتها تقديم النصح والمشورة للفاعلين الثقافيين، إذ يمكن للمثقفين أن يقدموا عونا كبيرا للهيئات المشتغلة في الحقل الثقافي، وما على هؤلاء إلا استشارتهم»، وتضيف العمادي صوتها لقائمة المطالبين بتفعيل جمعية الأدباء القطريين قائلة «نحتاج إلى نقابة تحمينا وتمثلنا وتدافع عن حقوقنا المادية والأدبية، وهذا أهم ما نفتقر إليه في الوقت الراهن».عائشة الكواري: ننتظر الحي الثقافيترى الكاتبة عائشة جاسم الكواري أن أهم ما يميز الثقافة في قطر هو «أننا ما زلنا في انتظار الحي الثقافي القطري، فباعتباره أول بادرة من نوعها على المستويين الخليجي والعربي فإننا ما زلنا نصر على انتظاره بفارغ الصبر، خصوصا أنه يحتوي على مقاهٍ ثقافية دائمة وأنشطة ثقافية متصلة، ما يفتح باب الأمل في مشهد ثقافي أكثر بريقا ونشاطا»، أما أهم الفعاليات التي شدت انتباه الكواري فهي «سيمفونية قطر التي أرى أنها أعطت بعدا جميلا للثقافة القطرية وكانت على أعلى مستوى. يضاف إلى ذلك استحداث جائزة لأدب الطفل والتي أرى أنها محطة يجب التوقف عندها طويلا لأنها جاءت لتعالج نقص اهتمام المثقفين العرب والقطريين بهذا النوع من الأدب»، وفي الناحية المقابلة فقد قالت الأستاذة: «إن المسرح سجل حضورا ضعيفا ومتراجعا، إذ لم نحظ بفرصة مشاهدة أعمال مسرحية قيمة، والذي شاهدناه كان مسرح الطفل وهو مسرح تجاري بالأساس».خالد زيارة: الديمومة والاستقطاب والتنويعيوجز الكاتب خالد زيارة -مدير النشرة الثقافية في الوكالة القطرية للأنباء (قنا)- الموسم الثقافي القطري في كلمة واحدة هي أنه «موسم حافل»، ويقول: «إن المشتغلين بالهم الثقافي لاحظوا أن الموسم السابق قد كان حافلا بالأنشطة التي تحرك الساكن في قطر، كما كانت أنشطته متنوعة وكثيرة وجاذبة للانتباه»، ويقول من جهة أخرى: «إن هناك قصورا مستمرا لدى بعض الهيئات الثقافية التي تواصل الحضور الموسمي»، ويلخص نواقص المشهد القطري في ثلاثية «الديمومة والاستقطاب والتنويع، إذ إنه حري بالمؤسسات الثقافية أن تتخلص نهائيا من فكرة العمل الموسمي، كما يجدر بها تنويع نشاطاتها بحيث لا تستمر على وتيرة واحدة، ويجدر بها -في نطاق ثالث- أن تعمل على استقطاب الأسماء والجماهير». ويقترح الكاتب في هذا الإطار «توسيع مشاركة المؤسسات القطرية في ورشة السياحة الصيفية، إذ إن دورها في هذا الصعيد حاسم للغاية، وكذا يجب أن تتفاعل المؤسسات الرسمية مع الصالون الثقافي وتسهم بقدر أكبر في فعالياته عبر اقتراح أنشطة معينة.. وهي أشياء يمكن أن تضيف للصالون والثقافة الشيء الكثير».زكية مال الله: الصالون أتحفنا!تعتز الشاعرة الدكتورة زكية مال الله بنشاط الصالون الثقافي كثيرا، وتقول إنه كان الحاضر الأجمل في سنة قطر الثقافية المنصرمة، وتشيد بالدعم الذي يقدمه للكتاب والأدباء، تماما كما تشيد بجهود المجلس الوطني للثقافة الذي يواصل عطاءه وتشجيعه للمثقفين القطريين عبر تبني طباعة كتبهم، وتقول في هذا الإطار: «الصالون الثقافي أتحفنا خلال هذه السنة بالكثير من الفعاليات المميزة، والمجلس الوطني للثقافة لم يقصّر في أي موضوع، ومثله سجل نادي الجسرة حضورا جيدا وأسهمت المدارس المستقلة في الكثير من الأنشطة الثقافية، وقد حضرت شخصيا بعض فعالياتها كالندوات التي أقامتها مدارس: البيان، الإيمان، حمزة بن عبدالمطلب... إلخ».وفي الجهة السلبية تسجل الدكتورة مال الله أنها وزملاءها ما زالوا «في انتظار جمعيتنا التي انتظرناها طويلا والتي ستمكننا من العمل ودعم المسيرة الثقافية في قطر».صالح غريب: إدارة الثقافة تراجعتينتقد الزميل صالح غريب -من جريدة «الشرق»-الحياة الثقافية القطرية، قائلا: «الموسم الثقافي كان حافلا، والمجلس الوطني للثقافة سهر على تنظيم عدد كبير من الندوات والمحاضرات والفعاليات، أما إدارة الثقافة فأنا أستغربتراجع نشاطها وفعاليتها وأفتقد حضورها»، كما يقترح غريب على مسيِّري الصالون الثقافي الاهتمام أكثر بالمبدع القطري، وتوسيع دائرة حضوره والاقتراب أكثر من المشاكل الثقافية المحلية.كما يوجه غريب إصبع النقد لما يسميه «المؤسسة الثقافية القطرية» قائلا: «إن المبدع القطري أصبح متواجدا في الخارج أكثر من الداخل» ويدعو للاهتمام به بشدة، ويلاحظ أن «المشاركةالقطرية في الفعاليات الثقافية الخارجية تعتمدفي سياقها الأول على العلاقات الشخصية،ونحن ندعو لعمل خطة منظمة لهذا الموضوع والعناية به بشكل أكبر، مع توفير أقصى ما يمكن من الدعم له».بين المؤسسة والمثقفيبدو المشهد الثقافي القطري في الموسم المنصرم حافلا ولكن غير قادر على إرضاء الكل، وإذا كان التقييم مطلوبا لهذا الموسم فيجب أن تتم الإشارة إلى ثلاث أو أربع نقاط كانت إيجابية للغاية، ولعل أولاها الصالون الثقافي الذي تواصل واستمر في جميع الظروف، ولم يتوقف إلا إبَّان مشاركة قطر في الفعاليات الخارجية، وقد سعى القائمون عليه لتحسينه واختيار موضوعات ذات جاذبية خاصة له.يمكن ثانيا أن يسجَّل للإدارة الثقافية في المجلس الوطني للثقافة، ممثلة بأمينه العام، حضورها الدائم للفعاليات الثقافية ودعمها المتصل للصالون الثقافي، حتى عندما كانت بعض النقاشات تخرج فيه عن الحدود المتعارف عليها.وفي المقام الثالث يمكن التطرق لفكرة «الاستمرارية» التي وعدنا بها في الندوات الصحافية أيام مهرجان الدوحة الثقافي، ولعله من المفيد التذكير بأن مدير الإدارة الثقافية، السيد فالح العجلان الهاجري، كان قد تعهد بفعالية ثقافية مميزة كل أسبوعين، ولم يجد هذا الوعد طريقه للتطبيق حتى اللحظة، وما شاهدناه من فعاليات كان رغم تميزه دون ما تلقيناه من وعود.ورابعا يمكن الاحتفاء ببعض الأنشطة الثقافية المميزة، فندوة رجاء النقاش كانت رسالة غالية ووفية لروح النقاش الذي خدم قطر كما خدم مصر، أما عودة مجلة الدوحة للصدور فإنه حدث مميز وربما سيكون القاطرة التي تجر عربة الثقافة القطرية إلى مربع الاهتمام في المشهد الثقافي العربي.خلافا لذلك، يبقى أن المسرح سجَّل حضورا أقل من المتوقع، وكذا حركة النشر، وضربت إدارة المكتبات في العاصمة صمتا طويلا منذ أيام معرض الكتاب، ومثله التصوير الضوئي الذي يحتاج لغرفة عناية عاجلة قبل أن ينقرض.ويبقى مهرجان الدوحة والحي الثقافي أهم رهانين يمكن الاعتماد عليهما، ولا ريب أن مهرجان الدوحة يتطلب في المقام الأول العناية بالإعلاميين الذين يأتون لقطر، لأن هؤلاء يرسمون صورة قطر في أذهان قرائهم، ومن الواجب أن يتم اختيارهم بشكل دقيق للغاية، إذ إنه لا فائدة من توفير كل ظروف العمل بل وكتابة أحسن المواضيع حول قطر.. إذا كان الصحافي الأجنبي يكتب لصحيفة لا يسمع بها أحد أو موقع إنترنتي غير معروف أو تلفزيون لا يشاهده أصحابه، فمزيد من التدقيق في هذا الموضوع يعتبر ضروريا، ومثله الحي الثقافي الذي ما زال الجميع في انتظاره،إذ إنه سيكون الدليل الحاسم على مستقبلقطر الثقافي ولا ريب أن كل شيء مسموح سوىأن يخيب الآمال، وبالتالي فالحساب في هذه النقطة يجب أن يكون بذات درجة حساباترواد الفضاء.. يقال هذا على سبيل التذكيرطبعا، أما المؤشرات فهي إيجابية خضراء حتى اللحظة.


العرب القطرية ـ 2008-06-29

ليست هناك تعليقات: