السبت، 14 يونيو 2008

قليل من الحسد الصباحي المفيد!




إذا كنت عربيا، وتريد أن تستمتع بصباح شهي فما عليك إلا أن تفتح الصفحات الثقافية لموقعي "الواشنطن بوست" و"النيويورك تايمز" حيث بإمكانك أن تحظى بجولة تحرك ما بقي حيا من خلايا الحسد في ذاتك، و ربما تفتح لك أفقا لم يكن ليخطر ببالك من قبل.
الدوحة ـ شبّوب أبوطالب
إنه يوم 12/6/2008 و الصباح يَعُدُّ ساعاته الأول، وبدل أن ننشغل بأخبار الحروب المتطايرة في كل مكان من غزة إلى الصومال، فلنقم جولة لقراءة للصفحات الثقافية لجريدتين عالميتين، ولنبدأ بالجريدة الجميلة "نيو يورك تايمز" وملحقها الرائع الخاص بالكتاب، والذي يعتبر المرور منه شهادة تعلق على صدر أي كاتب، وتكفل لكتابه صعودا صاروخيا،كما تدون على غلافه أبد الآبدين..أولى الملاحظات التي يمكن قراءتها في صفحة الكتب هي اللقاء ببعض "الوجوه المألوفة" لنا كعرب ومسلمين، فسلمان رشدي يحظى بموضوع رئيسي نقدي حول عمله "المملكة السحرية"...كم كان هذا الكاتب ليبدو مغمورا و ربما هامشيا لو لم يتكفل غباؤنا الجماعي بجعله كاتبا معروفا، لقد صعدنا به من أسفل سافلين إلى أعلى "النيويورك تايمز" ولا ريب أن المصير نفسه ينتظر كل الذين يقدمون على مس "مقدساتنا" التي قد نقتل ونحرق و نرغي ونزبد ونهدد بالويل و الثبور لأجلها ولكننا لا نفعل أي شيء آخر في سبيلها!
تعد الصفحة الثقافية لجريدتنا العزيزة ما تسميه "كتب النيويورك تايمز" وهي المختارات التي يرى محررها الثقافي أنها مهمة، وتستحق التنويه و الإشادة، و أولها كتاب " التقشف البريطاني بين 1945-1951" للكاتب دافيد كيناستون وهو كتاب يتناول جزءًا من السياسة الاقتصادية و العامة لبريطانيا في السنوات التالية للحرب الكونية الثانية، أما الكتاب الثاني فهو "صور السفر" وهو ديوان شعري مترجم للشاعر الرومانسي الألماني هاينريش هاين، ويبدو هذا الكتاب المخطوط في العصور الوسطى دليلا كافيا على أن العواطف لا تبلى ما دام في الإنسان عرق ينبض، و أنها محرك الكائن البشري في كل العصور، و إلا فكيف يمكن لشعر خط في العصور الوسطى أن يجد قراء ومتابعين و إشادة في العصر النووي..إنه كتاب قد يصلح أيضا تذكارا و "منفضة دموع" لكل الحكايات العاطفية التي مرت بالقارئ خلال شهور الشتاء الطويلة.
في الصفحة أيضا موضوع لطيف عن السيد جون زينسر الذي توفي في السابع و العشرين من الشهر المنصرم، وهو المحرر الثقافي الذي أشرف على صفحة الكتب لـ"النيويورك تايمز" في الفترة بين 1951 و 1987 قام خلالها بتلخيص أكثر من 800 كتاب بطريقة شعبية قريبة للقارئ، فاستحق بعد وفاته لفتة وفاء جميلة..طبعا سيفكر المحررون الثقافيون العرب من قرؤوا المقال الأميركي بِكّمِّ الكلام الجميل الذي سيكتب عنهم بعد رحيلهم للقاء "عزرائيل"، و الذي سيتراوح على الأغلب بين "ارتحنا منه" و " يا جماعة..اذكروا محاسن مواتكم "!
وضمن الكتب التي تقترحها الصفحة على قرائها يمكن أن نجد كتاب "الحياة غير المجرّبة" و "إرهابي في متجر اللحوم" و "قل ما لا يقال"..الخ، أما إن خطر ببالك أن تجري بحثا حول أكثر الكتب مبيعا، فإن الجريدة الفاضلة تقترح عليك ما تشتهيه النفس، إذ يمكنك تصنيف الكتب حسب نوعيتها ومن ثم مطالعة الكتب الأكثر مبيعا في كل صنف، فمن أدب الخيال العلمي إلى الكتب التجارية التسويقية، والقائمة ثرية جدا بالعناوين، إذ يمكن لنا أن نقرأ في باب أدب الخيال العلمي قائمة بأحسن 35 كتابا لهذا الأسبوع، كـ"دم أسود" للوريل هاميلتون و "المضيف" لستيفاني ماير و "ساعات ونَيَِف" ..الخ، أما إن كنت من رافضي القوائم المطولة فإن الخيار الأفضل يتمثل بقراءة "القائمة العامة" للكتب والتي تعطيك وصفا شاملا عما يحدث في سوق الكتاب الأميركي، ويمكن أن تطمئن بعد كتابتها أن كتاب "ماذا حدث: دهاليز البيت الأبيض وثقافة الخداع" الذي كتبه الناطق السابق باسم البيت الأبيض مازال على القمة، بالرغم من قول ديك تشيني و صديقه الكاتب ـ و السيناتور أيضا ـ بوب دول أن مؤلفه سكوت ماكليلان مجرد "مخلوق بائس"..الجميل في كتاب "ماذا حدث؟" أن صاحبه استفاد من ريوع آل بوش أيام عِزِّهم، كما استفاد من بيع فضائحهم مع اقتراب نهاية عهدتهم، تماما على طريقة "المنشار العربي" الشهير!
وبعيدا عن "النيويورك تايمز" ستكون "الواشنطن بوست" المحطة الثانية في الرحلة الثقافية الصباحية، ومعها ستكون "الوجوه المألوفة" حاضرة دوما، فـ"الواشنطن بوست" لازالت تفرد اهتماما كبيرا للدكتور نايف المطوع، الباحث النفساني الكويتي الذي اخترع "بوكيمونا إسلاميا"، فعبر مقال ممتع تتحدث عن فكرته التي أراد من خلالها إعطاء الصبغة الإسلامية لأفلام "البوكيمون" الكرتونية، والتي اختار أن يحمل كل منها اسما موافقا لصفة من صفات الله الحسنى، وهي خطوة جميلة يمكن أن تعطي صورة مشرقة عن الدين الإسلامي، ولعل غرابتها هي التي حدت بالصحيفة للتمعن بها مطولا، تماما كما تمعنت في كتاب "مقتدى الصدر" لباتريك كوكبورن الذي قدمه الكاتب العراقي ولي نصر، صاحب كتاب "انتقام الشيعة"، وتحدث عن الواقع الشيعي الجديد في العراق.
روائيا، نقرأ تقديما لرواية "الألغاز" لدينيس درابل المعتمدة على الخيال العجائبي، و"قصة إدغار سواتل" لدافيد ولبوسكي، كما تكتب إليزابيث وارد بعنوان "عناوين منعشة ليوم حار" مقترحة على القراء الصغار قائمة بأحسن الكتب التي يمكن أن يطالعوها في يومهم الصيفي الشاق، وتضيف الصفحة قائمة بالكتب التي تراها مفيدة للقراء، و أخرى بالكتب الأحسن مبيعا والتي تتقاطع شيئا ما مع قائمة الـ"نيويورك تايمز".
مالذي تخرج به من الجولة الصباحية في الجريدتين؟ شي غير قليل من الحسد لمجتمع أتقن التواصل بين صحفه ودور نشره، ويسّر التفاعل بينهما، وصحافة أتقنت بناء تقاليد مهنية غاية في الجاذبية والجمال، وقراءٍ حريصين على التعاطي العاشق للثقافة...وشيء غير قليل من الحزن على واقعنا العربي الذي يتحرك بسرعة السلحفاة نحو مصيره المحتوم..فحتى الانتحار لدينا يأتي بالتقسيط!


نشرت في صحيفة العرب القطرية - 14/6/2008

ليست هناك تعليقات: