الأربعاء، 25 يونيو 2008

طالبات جامعة قطر يعرضن إبداعاتهن

الدوحة - شبوب أبوطالب

دشن رئيس الجمعية القطرية للفنون التشكيلية محمد عتيق الدوسري برفقة نخبة من الفنانين والمهتمين أمس الأول معرض الخزف الذي نظمته الجمعية لصالح طالبات «تخصص خزف» بقسم التربية الفنية التابع لكلية التربية بجامعة قطر، وقد ضم المعرض عينات جميلة للغاية من إبداعات الطالبات.تتمحور الإبداعات في محورين كبيرين هما الإبداع في الشكل والإبداع في الزخرفة والديكور، وقد اختارت غالبية الطالبات أشكالا تراثية لترجمة فنهن عبر أوان تقليدية كالجرة والفوانيس وحاملات البخور والصحون والأباريق..إلخ، وقد قامت غالبية الطالبات بإدخال مجموعة مميزة من التطويرات على الأشكال والديكورات لتعكس هوية صانعها وموقفه من الحياة والناس وشعوره حيال المادة الآنية ذاتها، حيث اختارت ميسا بنت عبدالله الزعابي أن يكون وعاء تحضير الحساء ذا أطراف محدبة متطاولة وأن لا يستكمل استدارته فيما يشبه إحالة على التداخل بين الماضي والحاضر والمزيج المدهش الذي يجد إنسان العصر الحالي مضطرا لمجاراته، والتناقضات التي تعتمل في داخله وبين يديه والتشتت الكبير الذي يمزقه، أما الطالبة عائشة السليطي فيبدو انحيازها للتراث متجليا بقوة عبر الاستدارة شبه المطلقة التي ميزت صناعتها لجرة حفظ الماء، والتي اختارت لها لونا رمليا زينه الأزرق والمشهد النسائي التقليدي للغاية والبيت المسقوف بالخشب، وهو المشهد الذي يحمل صاحبه على التعاطي مع لوحة جميلة لقطر القديمة التي توسطت البر والبحر وقابلت جهد البشر بحكمة السماء، وكانت حياة أهلها دليلا كبيرا على أن فقر الأرض –حينها- لا يمكن أن يمنع الحياة عن الإنسان أو يقلل من إمكانية تميزه، وربما هي ذات العواطف التي حملت الطالبة عائشة محمد العبيدلي على تمثيل «القلة» بشكل دقيق الرأس منبسط القاعدة وتزيينها بصورة سيدة قطرية قديمة تجلس في جانب بيتها وبيدها نبات صحراوي، في لفتة وفاء للمرأة القطرية الأصيلة التي تميزت بحدة الذهن ودقة الأهداف -التي تلخصت في الأسرة- وبذات الحين بانبساط الأخلاق وسعة الصدر لدى التفاعل مع حوادث الزمن الغابر ومراسيله التي كانت لا تحمل في الغالب إلا خبرا يدمي القلب كغرق الزوج خلال رحلة الغوص أو مقتل الابن في معارك الدفاع عن القبيلة، أو خيبة الرجاء في التجارة.. أشياء كثيرة لم يكن لها أن تكدر خاطر السيدة القديمة، لأنها تعلمت أن تكون كنبت الأرض، كما ازداد عمق دفنه في باطن الأرض الجافة، زادت فائدته وطالت جذوره وتوسعت مساحة قاعدته، واكتشف كما هو زائف ذلك الجفاف الذي تتزين به الأرض لتخفي ما في داخلها من فوائد وأسرار وثروات.. هكذا كانت المرأة حينها، كلما تقلب بها الزمن على بساط الحزن، تقلبت هي بين بساتين التعب لتريح أولادها وزوجها وتخفف عنهم عبء الحياة.أما الطالبة نورة حمد راشد العذبة فقد اختارت صورة امرأة لتزيين صورة اللوحة المنزلية الصغيرة التي أبدعتها، وجاءت التفاصيل الديكورية حاملة للكثير من الإحالات، فاللآلئ تحيل على تاريخ الغوص في قطر وغطاء الرأس المفضض على عناية القطرية بجمالها والضفائر المجدولة على الجمال البدوي، واستدارة زينة الوجه تحيل على تأمل الوجه ذاته، وغطاء الرأس المفتوح من الجهة الأمامية يحيل على تسامح كريم حفلت به الأسر القديمة تجاه نسائها، أما الإكسسوارات المتعددة فتحيل على الحاسة الجمالية التي حكمت تفاعل المرأة حينها مع ذاتها، فرغم أن قطر كانت حينها صحراء قاحلة ، فإن المرأة وجدت الفرصة لتعيش وتربي وتعتني بنفسها وتنافس نظيراتها في الشرق والغرب، تماما كما فعل الرجل الذي جسدت الطالبة نوف عزيز الشمري الجرة التي يستعملها في سفره، واختارت أن تلونها بالعنابي والأبيض مع غطاء أخضر، وصور تمثل سباق الهجن، وإذا كان تذكر الرجل هنا لا يخلو من امتنان لعهد مضى فإن تفاصيل العمل ذاتها تقول الكثير، فالضفيرة التي تتعلق بها الجرة في سرج الفارس جاءت باللون الأبيض وتم إعدادها بعناية، دلالة على الاهتمام الكبير الذي توليه سيدة البيت -زوجة أو ابنة أو أختا- للمسافر فتحرص كنتيجة لذلك على إضفاء لمسة أنثوية جمالية حتى في وعاء شربه، هكذا ترسل المرأة رسائلها صامتة وموحية ومذكرة المسافر بأن له عائلة وأولادا ينتظرونه بفارغ الصبر.جاءت أعمال الطالبات في جزئها الأكبر جميلة ومبدعة ومتفاعلة مع مهارتهن التي يبدو الفرق بينها واضحا، فرغم التميز الكبير لهن فإن كل طالبة رسمت بمقدار موهبتها وهذا ما يحيل على ضرورة العناية بالطالبات والطلاب الذين يختارون التخصصات التراثية، إذ إن مصير هؤلاء لا يجب أن يكون محصورا في مجموعة من المحلات التقليدية التي تبيع آثارا من الماضي، بل يجدر بالمسؤولين التفكير بأن هؤلاء الطلبة هم الخميرة اللازمة لتنشيط الميدان السياحي، فقد جمعوا الموهبة والتعليم، ويمكن غدا أن يكونوا سفراء التشكيل القطري، ويعرفوا بها عبر الأسابيع الثقافية داخليا وخارجيا، كما يمكنهم أن يكونوا المثال الحي لتقاليد قطر أمام السواح ويتفاعلوا معهم بلغاتهم المتعددة ويقدموا شروحا لا ريب أنها ستحسن صورة قطر أمام زوارها.. هؤلاء ثروة وطنية يجب أن لا تدخل بورصة التجارة، بل تعتلي منبر التعريف بالفن الوطني.
العرب القطرية

2008-06-25

ليست هناك تعليقات: