السبت، 14 يونيو 2008

ميرال الطحاوي:



تقول الروائية المصرية ميرال الطحاوي أن المرأة قد استطاعت قبر قورن طويلة التعبير عن مشاعرها بصور شتّى أتقنت تهريبها عن عين الرقيب، وتضيف أنها كانت من الإخوان المسلمين مفضلة إياهم على غيرهم كونهم لم يستغلوا جسدها كما حصل مع زميلاتها اليساريات! وتعلن بثقة بأن المجتمع المصري غير مُسَيّس وهَمُّه أن يعيش و السلام!



· تحدثت في الصالون الثقافي عن فكرة "المحظور" في الرواية العربية..هل تتصورين بالفعل أن هناك محظورا في عصر الانترنيت؟
· سأغتنم هذه الفرصة لأقول أشياء كثيرة لم يتسع الظرف لقولها في الصالون الثقافي، فالمحظور بالنسبة لي "وهم"، هو محظور بالنسبة لمن؟ أيضا فالموضوع شديد التخصص و الأكاديمية، وربما تناولناه في جلستنا بشيء من التسطيح...المحظور موجود تاريخيا في كل المجتمعات، وهو يتعلق بالجانب الاجتماعي، فرغم وجود البغاء و الخيانة الزوجية فإن المجتمعات ترفض الكتابة عنها، لكن هذا الأمر محدود زمنيا، فالمجتمعات تتطور، فالرواية التي حوكمت في القرن 19 بسبب حديثها عن الخيانة الزوجية، تقابلها اليوم روايات تتحدث عن الشذوذ بنوعيه، بل وتقابلها جوائز عالمية للكتابة في هذا الموضوع.
· تتحدثين على المستوى العالمي، ماذا عن الشق العربي في الموضوع؟
· المجتمع العربي هو أيضا مرّ بنفس الطفرات، ففي البداية كان الرفض لأعمال تتخللها كلمة "يا حبيبي" أو "أنا أحبك"، فكان هنالك رفض لتصريح المرأة بمشاعرها، بل و تصنيفها كـ"مبتذلة" و "مغوية"، وهو ما راح ينزاح بمرور الوقت.
· تحدثت عن الشعر الشعبي النسائي أو "العلم" كما يقال في مصر
· طبعا، ففي حين كانت ترفض كتابات النساء المحتوية على عبارات "يا حبيبي" كان هنالك شعر شعبي نسائي يقل ما هو أكثر من "يا حبيبي" ولكن بطريقتها الملمِّحَةِ الموَارِبة، بل إن بعض القصائد تحوي إشارة لأعضاء الجسد.
· طيب، كيف سمح المجتمع بهكذا أشعار؟
· لوجود عنصر المواربة، ففي كل الأقطار العربية كان هنالك هذا العنصر الحاضر، عنصر التلميح و عدم الإفصاح، ولذلك ذهبت "الفصاحة" في اتجاه الرجل، فالرجل "مفصح" أو "مبين" بمعنى قدرته على الكلام المباشر و التعبير الصريح، بينما تفتقد المرأة هذه الخاصية بفعل ما جبلها المجتمع عليه، أو ما أسميه شخصيا بـ"ثقافة الغلالة" أي أن المرأة مضطرة للتعبير بشكل تغلّف فيه مشاعرها بغلاف وهمي يستر اللغة قليلا ولكنه يسمح للمرأة بالقول و التعبير.
· يعني أن المرأة طورت طريقة دفاع معينة تجاه الحظر المفروض عليها؟
· طبعا، فهناك ما يشبه القاعدة في الشعر الشعبي العربي، وتنصّ على الاحتفاظ بشخصية "القائلة" في طي الكتمان، فكل شعر فيه "تَعَشُّق" ترويه نساء القبيلة ولكنهن لا يبحن أبدا باسم قائلته، وكأنه نوع من الاتفاق الجماعي، بحيث يمكن للمرأة أن تتحدّث بشكل مفرط الصراحة أحيانا ولكن لا واحدة تصرّح باسم قائلة الأشعار، وينسب الشعر بالتالي لـ"الذات الجماعية" ويصبح "فضيحة مشاعية".
· (مقاطعا)..طبعا لأن تبني هذه الأشعار يساوي مشكلة؟
· ورغم هذا كانت هنالك حالات بوح ولكن ضمن النطاق المشاعي، وهذا نوع من التواطؤ الاجتماعي، إذ يتم ستر الأغاني التي تلقى في الأعراس وتتضمن مفردات جنسية، وهكذا أمكن للمرأة التعبير في ظل وجود تعاهد نسائي جماعي على حمايتها.
· أنت منشغلة جدا بهذا الموضوع؟
· طبعا، ولكنه انشغال جمالي لا اجتماعي، إذ أفكر دوما فيما إذا كانت هذه القيود قد فرضت على المرأة أن تنحو بتعبيرها بعيدا عن الطريقة المباشرة؟ وفيما إذا كانت لتعبيرها الجديد طابع جمالي مّا؟ ونوعية الرموز و"الشيفرات" التي تستعملها داخل النص، ومقارنة الأمر من ثَمَّ بما يحدث حاليا من توجه النساء إلى التعبير المباشر، دون أن تفكرن بأن أمهاتهن و جَدَّاتِهِنَّ قد وجدن طرقا بديلة للتعبير، طرقا شديدة الجمال وبعيدة عن الفجاجة.
· هل تعتبرين توجه بنات جنسك للتعبير المباشر ظاهرة صحية؟
· هو ظاهرة صحية حينما يناقش قضايا اجتماعية بطريقة جريئة، و يأتي في ذات الحين على خصوصية الفرد، لأن المشكلة التي نعاني منها أن النص الإصلاحي ليس أدبيا بالضرورة، فقليلة جدا هي النصوص التي احتفظت بخصوصية ورؤية جمالية رغم تناولها لهم اجتماعي، ومنها نصوص ماركيز التي تناقش فكرة الديكتاتور، أو نصوص بورخيس، أو النصوص التي تحاور فكرة الوجودية أو فكرة الرب وبنفس الوقت هي نصوص رائدة على المستوى الإبداعي، وفي الأدب العربي يمكننا ملاحظة بعض نصوص طه حسين التي تشهد له بأنه كان مفكرا إصلاحيا كبيرا، و أنه أحدث دورا انقلابيا داخل الثقافة العربية..ومع هذا فهو ليس روائيا كبيرا، بل هو نموذج للخطاب الإبداعي الذي يتلبّس الطابع الإصلاحي.
· ابتعدنا قليلا عن موضوعنا، هل يمكن لك أن تقولي بأن المحظور موجود بشكل فاعل في زمننا "الانترنيتي"؟
· ما هو المحظور؟ إنه مرتبط بالدائرة الصغيرة للكاتب، و إذا جاز لنا التعبير فإن أول محظور هو : كيف تصير كاتبا؟ فالضمير الاجتماعي الذي تحدثنا عنه يصم الكاتبة بأنها امرأة مبتذلة ومنحلة وبالضرورة هي مطلّقة و عاشقة لفلان وعلّان..باختصار هي "المرأة الفضيحة"، ولذا فإن رهان جلينا كان أن نثبت بأننا نساء متمردات ولكن ليس بالشكل الذي يعتقده المجتمع، بل أن نكون أكاديميات وباحثات و"فاضلات" بالمعنى الاجتماعي..هي محاولة للإثبات.
· (مقاطعا) إثبات ماذا؟
· إثبات "الفحولة" بمعنى من المعاني، الفحولة التي تعني أن بمقدرتنا كتابة نص بنفس فن الرجل، و الانتهاء من فكرة الكتابة الاجتماعية إن جاز التعبير، ذلك أن هذا النمط من الكتابة إيديولوجي انفعالي بالضرورة، كما يتحرك ضد الرجل و المجتمع ولا يحمل من النضج بقدر ما يحمل من عنفوان التحرر.
· إذن فهذا هو رهانكم؟
· بالطبع، لأن المساحات التي أتيحت أمامنا تعني أن نبرهن على نضجنا من خلال كتابات مليئة بالأسئلة، فكون المساحات متسعة يعني أننا في مأزق "الوعي" و "الجودة" وعلينا التعامل مع الأمر كي لا يوصم الأدب النسائي بالضحالة و التركيز على الجنس أو اكتساب أهميته من كونه "كتابة بنات" على حدّ رأي إدوارد الخراط، فكنا نريد أن نبرهن على أن كتاباتنا ليست كتابة مراهقة و إنما هي كتابة ناضجة، و واعية جماليا.
· أي أن المطلوب هو كتابة جميلة لا كتابة جنس؟
· هذه هي الفكرة من أول المطاف، لأن الاعتناء بالجانب الاجتماعي هو قضية الصحافة و وسائل الإعلام بشكل عام، لا قضية الكاتب، إلا إذا ورد الأمر في سياقه فعندما كتب محمد شكري "الخبر الحافي" جاءت القضية الاجتماعية في سياقها الإنساني الفردي الذي يمكن أن تأخذ منه الصحافة لا العكس.
· جميل للغاية، هذا بالضبط ما يقوله الإسلاميون من أن المشكل ليس في تناول الجنس بل في طريقة التناول، أليس كذلك؟
· هذا الأمر بديهي، فالقارئ في حالة تساؤل دائم "لماذا يصدمني الكاتب بهذه العبارة؟ ألم يكن بإمكانه أن يستعمل نوعية ثانية من العبارات؟".. فما هي الكتابة؟ هل هي تجميع قصاصات الجرائم و الحوادث والانتهاكات التي تطلع في الصحف ثم رَصْفُهَا في عمل أدبي أم هي ان تكتب شيئا يفجّر أسئلة أعمق من أسئلة الصحافة؟ هذه هي المشكلة فالهامس بين التحقيق الصحفي و الكتابة الروائية أصبح هامشا ضئيلا ففقد النص الروائي خصوصيته، ويمكننا القول أن "الحالة الصحافية" هي التي تواجه الهاجس الجمالي.
· مالذي تذكرينه من "مرحلة الإخوان المسلمين" التي عشتها ذات يوم؟
· هي إحدى مراحل الحياة، حيث كنت في المرحلة الجامعية أنا ومجموع الطلاب منتمين لـ"الإخوان المسلمين"، خصوصية هذه المرحلة أنني بدأت الكتابة خلالها، حيث كنت أكتب قصصا قصيرة ويقوم بعض "الإخوة" بنشر كتاباتي ضمن "مجلة الجامعة" التي كانوا يديرونها، وكذا إرسالها إلى بعض المجلات الإسلامية كـ"الدعوة" و "لواء الإسلام" و "المختار" ومن هنا التصقت باسمي فكرة "الالتزام" حسبما كانوا يصنفونني في ذلك الحين، مع أني لم أكن اكتب سوى مجموعة قصص أو نصوصا نثرية لكنهم كانوا يعتبرونها أدبا ملتزما.
· ومن هنا جاء أول كتبتك؟
· تصور أني لم أعرف شيئا عن هذا الكتاب، حيث جمعة المرحومة زينب الغزالي ما كتبته ونشرته في كتاب معتبرة إياه دليلا على الأدب الإسلامي الرفيع، والغريب أنني لما قررت أن أكتب الرواية اعتبروا ذلك مروقا على الدور الذي تصوروا أني سأقوم به أي دور الكاتبة الملتزمة التي تنشر الأدب الإسلامي..وهذا ما لم يكن واردا في ذهني على الإطلاق.
· كيف رأيك بالتجربة؟
· لقد كتبت عنها في "الباذنجانة الزرقاء" برهافة شديدة، فقد أحببت هؤلاء الناس بكل صراحة.
· مالذي أحببته فيهم؟
· انه لم يحصل أي نوع من الخداع السياسي، فقد رأيت كيف استغلت زميلاتي اللائي كُنَّ في اليسار جسديا، وتوريطهم في "علاقات" سبّبت لهم تَفَتُّتاً نفسيا كبيرا، وهذا ما لم يحدث معي في جماعة "الإخوان المسلمين" فهي جماعة أقرب إلى صيغة القبيلة، وإلى صيغة الاحتماء القبلي عبر فكرة "الأخ" و "الأخت" وهذا ما كنت احتاجه في ذلك الحين، إذ كنت بنتا خارجة من عالم القبيلة إلى عالم الجامعة و الكتابة بأضوائهما، بما يعنيه ذلك من احتياجي للوصاية الأبوية..ناهيك عن الفائدة الأخرى لجماعة "الإخوان المسلمين" وهي فكرة القراءة، حيث قرأت بشكل كبير.
· مالذي تأخذينه عليهم؟
· فكرة "القالب" أي محاولة وضع منتسبيهم جميعا في قالب واحد، بينما أنا مليئة بأسئلة الحيرة و التفكير ، ولدي الجرأة لأُغَيِّرَ و أتغير و أعدل طريقة لباسي، بينما هم يظلون في شكل قوالب يقينية تؤمن بامتلاك الحقيقة المطلقة.
· ماذا لو حاولتِ تقييم فكرهم؟
· لا استطيع ذلك لأسباب كثيرة، بينها حاجة المجتمعات العربية لليقين الديني، لأنه فكر ينبع من صميم ثقافتهم، ثانيا: التطورات التي طرأت على فكر الجماعة سواءاً في الاتجاه المريح أو في الاتجاه المعاكس، لا اعتقد أن "الإخوان المسلمين" هم تجربة، بل هم حاجة اجتماعية، لأن المجتمع برمته كان في فترة من الفترات بحاجة لليقين الديني طالما انتفى اليقين السياسي.
· هل تعتبرين أن حاجة المجتمع لهم قد انتفت في الوقت الحالي؟
· نعم، إذ ينحو المجتمع الآن منحا فرديا تعدديا، فنحن عندما دخلنا الجامعة كنا نبحث عن أسرة أو نادٍ رياضي أو فريق أو فكرة سياسية بينما الحاصل حاليا هو وجود طاقات فردية وبحث عن النجاح الفردي، و نتج عن الوضع الحالي للمجتمع الاتجاه إما إلى اليمين أو "السلفية" حيث الانكفاء أو إلى الاكتفاء بالبحث عن معايشة هموم اليوم، و البحث عن عمل يجلب لهم رزقا إضافيا..نحن نعايش حالتي التطرف الشديد، إما الانفتاح الصارخ أو التدين المغرق في التزمت.
· أي مصير لمصر في ظل هذه الظروف؟
· يبدو أنه لا فكاك لمصر، فهناك السلطة (الحزب الوطني) وهناك السلطة المضادة (الإخوان المسلمون)، وليس هناك من بديل غيرهما، فهناك سلطة سياسية و أخرى اجتماعية دينية، ولا شيء غيرهما غير العويل و الصراخ الذي نراه في الصحف و الذي أتصور أن الدولة قد سمحت به لخلق ديمقراطية محددة المعالم
· يعني، أن المجتمع المصري سيسجن طويلا في حالة "ستاتيكو"؟
· ليس هذا ما أتنبأ به، بل إن المنطق يفترض حدوث العكس، إنه سؤال يطرحه المثقفون المصريون من أولهم ، محمد حسنين هيكل، إلى آخرهم، وتلخصه عبارة "متى سيحدث الانفجار الكبير؟".
· هل يعود تأخر "الانفجار" لطبيعة الشعب المصري ذي القابلية العالية للتسلط كما يقال؟
· لا، بل إلى كونه يعيش يومه وهمومه، ويفكر اجتماعيا لا سياسيا، بل هو غير مُسَيَسٍ مثل نظرائه في فلسطين و لبنان، ومادام أن هنالك "فسحة عيش" فسيعيش المجتمع و السلام! ويضاف إلى هذا حالة الخوف التي تكبّل الناس، و حالات اختفاء المعارضين وتواطؤًا من السياسية الأميركية مع ما تقوم به السلطة المصرية، وعدم قيام المثقفين بواجبهم.
نشر في صحيفة العرب القطرية

ليست هناك تعليقات: