السبت، 14 يونيو 2008

"نساء المنكر" ..حكاية كاتبة لم تقل كل شيء!




تصف الروائية السعودية سمر المقرن، كاتبة هذا العمل، كتابها بأنه محاولة لقول بعض ما يؤرقها..إلا أنها تستدرك بالقول أنها لم تقل كل شيء، و أنها تحفظت عند كثير من التفاصيل...وهي الخلاصة المنطقية الوحيدة التي يمكن أن يخلص لها قارئ الرواية.


الدوحة ـ شبّوب أبوطالب


تعتبر "نساء المنكر" جزءًا تمثيليا بسيطا مما يمكن تسميته "فورة الرواية السعودية" التي ضربت الوسط الثقافي العربي بـ"تسونامي" حقيقي منذ ثلاث سنوات فانفجرت مواهب وكتابات كانت قبل ذلك في مخبأ مكين! والرواية في وصفها العام أقرب لمشروع رواية منها إلى نص روائي مكتمل، إذ يمكن ملاحظة أن أحداثها هي خطوط واضحة لرواية كبيرة الحجم أو لسلسلة روائية متوسطة الحجم، فهي بالتالي مشروع أقرب منه لرواية مكتملة.


تتحدث الرواية عن سعودية متزوجة من رجل يشاركها فراشها ولا يشاركها أي شيء غير ذلك، لا عواطف ولا أحاسيس ولا أفكار ولا مشاعر ولا اهتمام، بل إنه أبعد الناس عنها، ويقود الاغتراب العاطفي الزوجة البائسة للبحث عن العاطفة خارج حدود بيتها، فتتعرف على شاب يصادق إحدى زميلاتها، وتتوطد العلاقة بين الطرفين عبر الهاتف و برامج المحادثة الفورية على شبكة النت، وبتطور العلاقة يصبح كل طرف من طرفي العلاقة بحاجة للقاء الآخر بشكل شخصي ومباشر، خصوصا أن علاقة الشاب بصديقته السابقة تنسحب إلى طي النسيان، أو على الأقل هذا ما يبدو!


ينتقل البطلان إلى انجلترا حيث يعيشان حالة من الجنون، فالمرأة رغم أنها متزوجة لا تستنكف أن تتشارك فراشها مع الشاب الذي جمعتها به النت وأوقات الفراغ الطويلة، و المرأة التي يفترض أنها تعيش منذ فترة طويلة مع زوجها ترغب في أن تعيش حلم الزواج الأول مع المعني الجديد بالأمر، والصديقة التي تعرف حق الصداقة وتعتز بها، لا ترى عيبا في أن تخون صديقتها مع حبيبها السابق عطفا على انخفاض مستوى "التمثيل الدبلوماسي" بين الحبيبين السابقين.


تنطلق البطلة في رحلة انجلترا لتحطم كل القيود السابقة، وتنتقم لنفسها من كل الأوقات التي حرمت فيها مما تشتهي نفسها، فساحة "الهايد بارك" حيث يلتقي المعارضون السعوديون و العشاق الصغار و البط الذي يبحث عن خبز ناشف و المجانين بحرية التعبير..هذه الساحة ستكون على موعد مع تصفية حساب عسيرة للغاية، فالبطلة قد زارتها سابقا مع والديها وكانت تختلس النظرات للعشاق الذين تحسدهم و تتذرع بإطعام البط لمشاهدتهم، أما الآن فإنها تشاهدهم وتشاركهم فرحتهم، و تقول بلسانها كل الذي رغبت به سابقا ولم تستطع حتى التفوه به بينها وبين نفسها، والقادم الجديد لحياتها يبدو مستعدا لتعويضها كل أنواع الحرمان الذي عاشته من قبل، و لأن لكل بداية نهاية فإن علاقتها بالصديق الجديد ستنتهي على أبواب المطار البريطاني، لأن الفتى الذي نال ما تمنى سوف لن يملك الوقت الكافي لـ"تمديد العمل" بـ"شهر العسل " الذي عاشاه في لندن، وبمجرد عودته للسعودية يقلب ظهر المجن لبطلتنا، ما يدعوها لكتابة رسالة خائبة معتزة بنفسها ـ بعد طول بذل ـ ومقررة أن تنهي وجودها العاطفي في حياته" ثق أنك لم تجدني حين يروقك أن تشغّل جوالك وتُسَلِّي (ما سنجرك) فأنا لست محظية وقت فراغك من منتصف الليل، و أنا واثقة بأنك أكثر انشغالا من أن تضيع وقتك معي،احذفني من هامش جدولك المزدحم بالمعجبات، فأنا لن أكون من ضمن القطيع مهما حصل، ولست بعد اليوم أطمح لرجل ينتشلني من وحلي ..اتركني دون أن تبحث عن أدلة براءتك، وشكرا لأنك جعلتني أخيرا..أكرهك!"..و الطريف أن "العودة" عن "خطاب الاستقالة" كانت بذات سرعة كتابته، أما حرارة العودة فكانت بذات درجة حرارة "أكرهك" التي كتبتها بطلتنا آخر الرسالة، إذ قررت المرأة المتزوجة أن تلتقي حبيبها في مطعم عام يقدم وجباته للعائلات، ولم تتورع عن إطعامه بيديها، ورغم "كافة الاحتياطات الأمنية" التي سعى لها البطل الخائف فإن سذاجة المرأة قد أوقعته في يد "هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر" فكان مصيرهما السجن و البهدلة، وهناك في الغرف السوداء تتعرض البطلة لتعذيب وحشي بغرض إقناعها بالاعتراف بقائمة تهم لم ترتكبها، وينداح ستار السجن عن مجموعة صور تفضح بعض الذي يمارس في غيبة الرقابة الرسمية، وهناك يكون الموعد مع قصص عديدة لسجينات بعضهن سُجِنّ بسبب القتل و بعضهن بسبب "خيانة مشروعة" على حدّ عنوان فيلم المخرج الشهير خالد يوسف!


وبين أسوار السجن تتبدى ملامح مجتمع يعاني مصاعب الانتقال من طور لطور وسط ممانعات شتى من قبل فئات تخشى ذهاب نفوذها أو تتمسك بسلطان الأعراف و العادات، كما تتلبّس البطلة رداء المحامية عن سجينات وقعن في الخطأ، أو أوقعهن المجتمع فيه، فهذه انفصلت عن زوجها ثم تعرفت على غيره و استجلبته لبيتها فـ"طبّت" عليهما "الهيئة" وسيقت المرأة للسجن بدعوى ممارستها للدعارة.. وكأن تزويج فتاة ممن لا تحب بضغط المال و الأهل و الحساب الاجتماعي ليس دعارة بعقد رسمي؟ وتلك قتلت زوجها فحكم عليها القضاء و انتصر لها أهلها فالقتل في أوطاننا " من شيم الكرام"..ولا غرابة أن يقف الأهل مع قاتلة وينكرون حق "عاقلة" في الزواج بمن ارتضته...مسرح ضخم ترسمه الكاتبة في سجنها وتعرفنا من خلاله على مجتمعها، ولكن المسرح الحقيقي لم ينطلق بعد، لأن الفتاة التي تدثرت بعارها خرجت إلى الحياة باحثة عن عمل فلم تعثر سوى على منصب "صبابة قهوة" في الأعراس، وتكون فاتحة أعمالها في عرس ...حبيبها السابق!


هكذا تنتهي الرواية، التي تشهد للكاتبة بمقدرة لغوية جيدة و يمكنها أن تتطور بقوة، وتشهد لها بالمقدرة على رسم المشاهد ببراعة، إلا أنه رسم "غير مكتمل الأنفاس" إذ تنتقل الكاتبة أحيانا من "التصوير الفني" إلى البلاغة الخطابية في غير فاصل، و تعود من رواية حكاية مّا إلى "وقت مستقطع" بين حدثين لتلقي كلمة بمناسبة الحديث عن حقوق المرأة!، ويبدو أن هذا ما عنته الكاتبة حينما قالت بأنها "تحفظت بعض الشيء" في روايتها، فالتحفظ ظاهر و التفاصيل محروسة بعناية من "الإفراج التام" .. ومع هذا فالرواية صادمة وتستحق القراءة وصريحة في بعض الأحيان بشكل محيّر، كما في الحديث عن الضغط الذي يمارسه رجال "الهيئة" على خدم المطاعم بغرض "تجنيدهم" في كشف العشاق الذي يرتادونها! أو طرق التحقيق "العلمية للغاية" التي يمارسها بعض محققي سجون بلد الكاتبة على حد روايتها... العمل في عمومه يؤشر لبذرة تستحق العناية ويمكن للقارئ أن ينتظر منها، وتنتظر من نفسها، عملا أكثر عمقا و تفصيلا!

ليست هناك تعليقات: