الخميس، 19 يونيو 2008

الكاتب السعودي يحيى الأمير.. ثقافتنا شوهت ديننا!

الدوحة - شبّوب أبوطالب
يعتقد الكاتب السعودي يحيى الأمير أن لب مشاكل العالم الإسلامي هو التعامل الخاطئ مع الدين بوصفه معطى حياتيا مقدسا تكفلت الثقافة بإنزاله على أرض الواقع، حيث إننا كعرب ومسلمين قد ألبسنا الدين عباءة لا تليق به، ودخلت به ثقافتنا إلى مناطق «كان يفترض أن يُنَزّهَ عنها»!كانت الحلقة الأخيرة من برنامج «إضاءات» للإعلامي تركي الدخيل على موعد مع مواجهة صريحة مع الكاتب السعودي يحيى الأمير، وهذا لمناسبة ظهور كتابه الجديد «أخرجوا الوطن من الجزيرة العربية» الذي يحاول فيه مقاربة وظيفة الدين في المجتمع، والآثار المترتبة عن الخلط بين مفهومي «الدولة العقائدية» و «الدولة القُطْرِية».لخص يحيى الأمير فكرته في نقطة مركزية تتمحور حول الفصل بين دور الدولة الإسلامية، وهنا هي السعودية، الدعوى ودورها السياسي والاقتصادي والاجتماعي تجاه مواطنيها، وفي رأيه فإن هذا فصل هو السبيل الوحيد الذي يتيح للدولة التفرغ لإنجاز مهماتها ويمكِّنها من النجاح في إدارتها وخدمة مواطنيها، وإذا أضيفت له حقيقة أن الدولة القُطْرِية (الوطنية) سوف تتخلى عن الكثير من الأعباء التي يلقيها عليها دور عقائدي مبالغ فيه أو متوهم، فإن النتيجة ستكون مفيدة لصالح الدولة ومواطنيها بآن، ولم يتورع الدكتور عن القول إن مشرعه «هو المملكة العربية السعودية وليس الإسلام» وهي نقطة يمكن أن تثير حفيظة الكثير من المتطرفين ممن يتوقفون كثيرا عند المصطلحات ويدققون فيها بتشدد.أكثر من ذلك قال الأمير إن الدول العقائدية تنتج خطابا وسلوكا تصادميا، يفترض الصواب في ذاته ويقصي عن الآخرين أي حق في الاجتهاد، وأشار المتحدث إلى مشاكل كثيرة يعيشها التعليم في بلده، خصوصا لجهة التعاطي مع المرأة التي قال بأن المناهج الدراسية تصورها ككائن عاجز، ومصمم على إفساد المجتمع ويجب الأخذ بيده كي لا يتسبب في كارثة، وتساءل المعني قائلا «لا أتصور أنه من العدل ولا من الإنصاف أن يعلَّم الطالب في المرحلة الثانوية أن أخته أو والدته إن لم يؤخذ على يدها فسدت وأفسدت!»، وهو أمر يراه المتحدث نتيجة طبيعية لسيطرة الثقافة الشعبية على الدين وليس انعكاسا لتوجيهات الدين نفسه، فالدين بنظره هو النص المقدس المحترم، لكن تنزيل النص على الواقع هو وظيفة العقول البشرية، التي تتأثر في أثناء قيامها بتحويل النص إلى ممارسة بمنشئها وأسلوب حياتها، وبشكل أعم بثقافتها التي تلقتها من المجتمع الذي تخالطه، ونتيجة لذلك فإن ما يتجمع لدينا من ممارسات تتدثر برداء الدين ليس حقيقة الدين، ولكنه التأثير الاجتماعي على الدين أو هو بشكل آخر: الآراء والتقاليد الاجتماعية التي ألبست رداء الدين، وهنا يجب التفريق جيدا بين قداسة الدين ونسبية الآراء التي تتناوله أو تتحدث باسمه، وبما قد يكون مسيئا له في نهاية المطاف، لأنها تجره إلى مناطق «كان يفترض تنزيه النصوص الدينية عنها»!ورد يحيى الأمير حول الكتابات التي تتناوله وتصفه بـ «الخبيث» أو»الظلامي» أو تصنفه ضمن «العملاء» أو تعطيه منصب «مندوب السيستاني والشرعية الأميركية»، أو تشكك بموقفه من المقاومة، فقال إن موقفه من المقاومة في العالم العربي هو موقف المعترف بها وبشرعيتها، وبأنه لا يجادل «أبداً في أحقيتها، لكن يجب أن تدار، لا وفق قيم الشجاعة والفداء والموت، فهذه البلاغيات تمثل جانباً كبيراً جداً من خطاب الجماعات المسلحة والمقاتلة» والتي يرى المتحدث أنها أضرت أكثر مما نفعت، ويضرب مثالا لذلك بما حدث مع سنة العراق قائلا «من الأكثر خسارة الآن في العراق؟ ما الطائفة الأكثر خسارة الآن في العراق؟ تصوري هم السنة... بسبب أنهم أداروا علاقاتهم مع ما حدث من احتلال وغزو وفق قيم بلاغية لا تراعي المصلحة ولا تراعي النظر إلى المستقبل. قاطعوا الحكومة، خسروا الانتخابات، انطلقت شرارة المقاومة، انطلقت شرارة العمليات المذهبية والطائفية في الداخل، انجلى المشهد أو يكاد ينجلي، وأقولها للأسف، بحرقة، والسبب هو الكثير من الأفكار التي أديرت بها المقاومة»، بما يعني أن المطلوب الآن ليس إعادة النظر في المقاومة، بل في الأفكار التي تسيرها والشعارات التي تخوض بها الحروب والذهنيات التي تحكّمها في التعامل مع واقعها.جاءت حلقة «إضاءات» مستكملة لمشروع الحوار مع المفكرين الإشكاليّين، وبدا واضحا للغاية أن يحيى الأمير حتى لو كان يحتكم إلى مشروع فكري تجدر مناقشته، فإن طريقة إيراده لأفكاره لا تتوافق على الإطلاق مع أسلوب «إضاءات» وبأنه كاتب أكثر مما هو متحدث، وهذا الذي لم يخدم فكرته الأساسية والتي تجد لها مناصرين كثيرا حتى داخل الحركات الإسلامية، هؤلاء الذين يدعون دوما لـ «ترشيد» المقاومة وصناعة انتصارها من خلال القطيعة النهائية مع خوض الحروب بالشعارات، والدعوة لخوضها بالمنطق والعقل، ويما يتوافق في النهاية مع المصلحة العامة للمجتمع الإسلامي.

العرب القطرية ـ 2008-06-18

ليست هناك تعليقات: