الأحد، 22 يونيو 2008

فضفضة نسائية ساخنة في الصالون الثقافي




الدوحة - شبّوب أبوطالب ختم الصالون الثقافي التابع للمجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث أعماله نهاية الأسبوع الفارط بجلسة خُصصت لمناقشة قضية «ازدواجية المرأة- الرجل في البلدان العربية»، واستضافت كلا من الفنان السوري بسام كوسا، والدكتورة جيهان أبو زيد والدكتور عويد المشعان من الكويت، فيما أدارت الندوة مذيعة قناة الجزيرة خديجة بن قنة.انطلقت الندوة بمداخلة ساخنة لبسام كوسا لخص فيها رأيه في الموضوع في ثلاث نقاط رئيسة، أولاها ضرورة الاعتراف بأننا كعرب «أمة متخلفة»، وثانيتها ضرورة الاعتراف بأنه لا يمكن أن يتقدم رجال العالم العربي وتتخلف نساؤه، وثالثتها فإننا إن ارتضينا استقبال نواتج الحضارة الأوروبية فيجب أن نقبلها كليا، ضمن حدود معقولة، لا أن نقبل ما يتعلق بالماديات ونرفض الباقي الخاص بالتعليم واحترام المرأة.أما الدكتورة جيهان أبو زيد فلفتت النظر إلى حقيقة أن الكائن المزدوج الأول في العالم العربي هو المرأة، وأن الكائن الذي يضطهد المرأة هو قبل كل شيء المرأة ذاتها، ضاربة مثلا بقضية «الختان» التي أثبتت الدراسات العلمية أن النساء رغم أنهن المتضرر الأول منها فهن الحريص الأول عليها! لتنتقل بعد ذلك للقول بأن سؤال ازدواجية المرأة يجب أن يطرح عليها نفسها ويجب أن تتحمل هي -كأم- ضريبته وتكون مستعدة لتعليم بناتٍ يمكن أن يقلن «لا» لأبيهن.ولم يبتعد الدكتور عويد المشعان عن قناعاته كثيرا ولا قليلا، إذ صارح الجميع بالقول إن وضع المرأة العربية ليس بالسوء الذي يصورونه، وإنها في طريق التطور التدريجي لتنال جميع حقوقها بالشكل المناسب، وعلى هذا الأساس فلا يجب عليها الاستعجال، كما أن ما قد يحدث من انتقاص لبعض حقوقها يمكن حله بشكل منهجي عبر واسطة التعاطي مع مشكلاتنا المجتمعية الكبرى كمشكلة الهوية والتناقض بين الحداثة والتقليد، وهي مشكلات يحلها المجتمع برمته وتعود فوائدها على كل فئاته.ولم تشأ خديجة بن قنة أن تبقى بعيدة عن جو النقاش فانخرطت فيه اتكالا على تقرير التنمية البشرية الصادر أخيرا عن الأمم المتحدة، والذي قال إن المرأة العربية هي المرأة الأقل إنتاجا في العالم، وهي ملاحظة أطلقت جوا نقاشيا ساخنا، إذ استغلها بسام كوسا ليواصل عزفه المنفرد بالقول إنه علينا كعرب أن نتقبل الأفكار الحديثة حول المرأة ودورها في المجتمع، وأن نأخذ بما قدمه الفكر الحديث في هذا السياق، وعلى الأخص فكرة القانون الوضعي وفكرة فصل الدين عن الدولة، مادام القانون المدني قادرا على حل مشاكل الناس بأكثر كفاءة من القانون الشرعي، ومادام المسجد مفتوحا لمن يرغب في ارتياده! وهي ملاحظات أغضبت الكثيرين من رواد الصالون الذين ردوا على بسام كوسا بأن عملية إصلاح أي مجتمع لا تعني انفصاله عن جذوره، وأن فصل الدين عن الدولة إن صلح في الغرب بفعل استبداد الكنيسة وجهلها فلن يصلح عندنا على أية حال، وفي الاتجاه المعاكس أيد الكاتب القطري حسن الجفيري فكرة بسام كوسا وذهب بعيدا في ذلك، داعيا لعدم التقيد بمبدأ عدم الاختلاط بين الفتيان والفتيات في الصفوف الدراسية باعتبارها فكرة تجلب العقد النفسية والجنسية لأطفالنا، بينما ردّ الدكتور عويد المشعان على مجمل ما طرحته الدكتورة جيهان أبو زيد والفنان كوسا بالإصرار على أصالة مجتمعاتنا وضرورة تصور دور المرأة ضمن الحدود المرسومة والمقبولة من المجتمع، وهي فكرة أكدها الدكتور للدرجة التي نسي فيها نفسه فقال بانفعال «وهل الدين أن تعمل المرأة ما يحلو لها أم أن تخدم زوجها؟».. فسجل بذلك هدفا قاتلا على نفسه، إذ وجدت القاعة نفسها تستمع لصوت القبيلة في لهجة الدكتور ولا تستمع لرأي الدكتوراه التي يحملها!مضت ندوة الأربعاء المنصرم بشكل يجعلها أقرب للفضفضة منها إلى النقاش المنهجي، فبسام كوسا يبدو أنه نسي نفسه وتلبّس طربوش قاسم أمين ومضى يصادم الناس بكلام غير منهجي ولا علمي ولا دقيق، فكل الناس يعلمون أن اليابان -مثلا- التي استوردت نموذج أوروبا التنموي كاملا قد وضعت «فرامل» كثيرة أمام نموذج أوروبا الاجتماعي، ومثلها أميركا التي تبقي المجتمع الغربي الأكثر تدينا، والشيء نفسه مع إنجلترا، وفرنسا التي تعرف نفسها بـ «ابنة المسيحية الأولى» وهكذا، وبالتالي فإن فصل الدين عن الدولة كان محض أكذوبة كبرى، ناهيك عن مقلب ثانٍ وقع فيه الفنان القدير، فالحامل لأفكار تنويرية يجب عليه إجادة عرض تفكيره تماما كإجادة التفكير، والطريقة التي صدم بها الحاضرين بدت تمثيلية أكثر منها واقعا، لقد بدا الفنان القدير كأب يريد إعادة تربية أولاده المنفلتين! ثم ما معنى فصل الدين عن الدولة؟ أليس هذا هو المبدأ البعثي؟ فإلى أين وصلت الدول البعثية وبينها سوريا ذاتها؟أما الدكتورة جيهان أبو زايد فقد تحدثت براحتها ولعلها كانت الأقرب لصوت العقل، مع قليل من الشطط، فالأسر العربية تعرف كثيرا من البنات اللاتي يستطعن مناقشة آبائهن دونما عقدة والرجل العربي ليس وحشا، وتعميم نموذج معين لا يصح من دون اختبار علمي، تماما كما لا يصح أن يقول الدكتور عويد المشعان إن المرأة قد وُجدت لخدمة زوجها، وهو أمر لا يقوله الدين بل القبيلة فالزواج في تعريفه الشرعي عبارة عن عقد يُحِلُّ استمتاع الرجل والمرأة ببعضهما، وليس فيه بند للخدمة، بل إن للنساء أن يشترطن ألا يعملن عملا من شؤون البيت ويُكتب ذلك في العقد.. وهذا الخلط المنهجي هو الذي أضعف موقف الدكتور، تماما كما كان ضعيفا موقف المذيعة خديجة بن قنة وهي تتحدث وكأن مشاكل العالم العربي قد حُلت نهائيا ولم يبق سوى مشكلة المرأة، ناهيك عن الخلط بين إدارة ندوة والمشاركة في أشغالها!كانت الندوة الأخيرة للصالون موفقة لجهة إثارة النقاش، لكن المنهجية قد غابت عن جزء منها، وقد كان ممكنا أن يستمع الحضور بهدوء ويستفيدوا لو فرّق الأستاذ بسام كوسا بين الحديث عن المرض وإهانة المريض الذي هو نحن جميعا! فإذا كان حضرته غير راضٍ عن الوضع العربي والخليجي ويراه متخلفا فليبقَ حيث التقدم!

العرب القطرية

2008-06-22

ليست هناك تعليقات: