السبت، 14 يونيو 2008

الدكتور محمد عبد الرحيم كافود:



يعتقد الدكتور محمد عبد الرحيم كافود، الناقد و الرئيس السابق للمجلس الوطني للثقافة و الفنون و التراث، أن عدم وجود جمعية للأدباء القطريين هو نقطة تحسب عليهم و أن التأخر الحاصل في خروجها للنور يتحمل الأدباء حصرا مسؤوليته، كما يقول أن لا وجود لأي "ناشر" أدبي في قطر، ويضيف أن الأدب القطري تخلف عن مواكبة التطور العمراني والاقتصادي الذي تشهده الدولة.
حاوره : شبّوب أبوطالب



· تحدثتم في كتابكم "الأدب القطري الحديث" عن مشكل توثيق الأدب القطري في فترة ما قبل الخمسينات، كيف تنظرون للأمر؟
· بالطبع، هي مشكلة قائمة بالنسبة للأدب القطري و للأدب العربي عموما، فالأدب العربي القديم مشكوك فيه لأن العرب لم يبدؤوا التدوين قبل نهاية العصر الأموي وبداية العباسي، وقبل ذلك كان الحفظ شفويا ويتم توريثه من الآباء للأبناء، و بالنسبة للمجتمع الخليجي فإن التعليم لم يظهر حتى أربعينات القرن المنصرم وفي دول بعينها، ومعه بدأت حركة التوثيق، أما سابقا فلم يكن هنالك إلا الروايات الشفوية التي اعتُمِدَ عليها لحفظ الأدب و حتى تواريخ ميلاد بعض الناس، فيما كانت الأمية سائدة و اقتصر التعليم وقتها على حفظ القرءان وبعض قواعد اللغة العربية، و التعاطي مع بعض الكتب القديمة.
· هل يعني ذلك انعدام التوثيق نهائيا؟
· لا، فقد أشرت في كتابي إلى وجود بعض الأعمال المدونة، ولو بصورة يدوية، كأشعار أحمد بن يوسف الجابر، وعبد الجليل الطباطبائي وماجد بن صالح الخليفي ...فهؤلاء وجدت أعمالهم مدونة، فأحمد بن يوسف الجابر له أعمال مدونة منذ العشرينات بصورة يدوية على شكل قصاصات متفرقة وقد قمت بجمعها، أما الشاعر ماجد بن صالح الخليفي فإن له أعمالا مدونة منذ عشرينات القرن المنصرم...
· (مقاطعة) لقد فصل كتابك بين وجود الشعراء و الأدباء عموما كأفراد، وبين وجود حركة ثقافية حقيقية، وفي هذا الإطار قارنت بين قطر والبحرين والكويت؟
· بالطبع، و قد تحدثت عن الثقافة بمفهومها العام، و الذي لا يعني وجود أدباء أو شعراء، بل وجود أندية أو ممارسة العديد من الأنشطة الاجتماعية، وهو ميدان كان للبحرين و الكويت السبق فيه، بفضل الانطلاقة التعليمية التي سبقت مثيلتها في قطر، ناهيك عن الموقع الذي يضع تأثيره لجهة القرب من العراق بثقله الأدبي ـ بالنسبة للكويت ـ و للحركة التجارية النشطة ـ بالنسبة للبحرين ـ وفي هذا الإطار لا يمكن أن نستثني الحركة الأدبية الرائدة في السعودية هي الأخرى، فقد وصلتُ ـ في دراسة نشرتها مؤخرا ـ إلى أن منطقة "الحجاز" أيام حكم آل الرشيد و كذا الهاشميين شهدت حركة فكرية ونقدية نشطة يمكن مقارنتها بمثيلتها المصرية، وحصل مثل ذلك في جريدة "البحرين" ..تصور أن ذلك حدث في أوائل عشرينات القرن المنصرم.
· إذن فقد تأخرت قطر عن نظيراتها؟
· حلّت قطر في المرتبة الثالثة، وبعدها الإمارات ثم عُمان التي تملك تراثا كبيرا رغم أنه يرتكز في قسمه الأساسي على اللغة و العلوم الدينية.
· ماذا عن المرحلة الثانية من تاريخ الأدب القطري..مرحلة ما بعد الخمسينات؟
· إنها مرحلة بدأت مع شيوع التعليم الحديث، و وفود الإخوة العرب لممارسته، لكن رغم هذه النهضة فإن الوجود الأدبي ظل محدودا، بسبب غياب الصحافة، وهي حاجة لم يتم سدّها إلا في السبعينات، فالأدب محتاج دوما لوسيلة تساعده على الانتشار سواءً أكانت صحافة مكتوبة أو تلفزيونا أو إذاعة..الخ، يضاف إلى ذلك غياب دور النشر، ما جعل الأدب القطري يتأخر بعض الشيء، لكن مع ظهور الصحافة القطرية مع "مجلة العروبة" و"جريدة العرب" ثم "العهد" ثم "مجلة الدوحة"، فقد ظهرت بعض ثمار الأدب القطري في مجالات القصة و الشعر و الرواية و المسرح.
· يعني من هنا كانت الانطلاقة القوية للأدب القطري؟
· يمكن القول أن وتيرة التطور حتى الثمانينات كانت بطيئة، ولكن بعد منتصف التسعينات كانت القفزة الثقافية التي توازت مع حركة النهضة السياسية و الاقتصادية الشاملة، حيث برزت القصيدة العمودية و النثرية و القصة القصيرة و حتى الرواية احتلت لنفسها مكانا بارزا، وكلها فنون شرعت في أخذ طريقها لمحاكاة الأدب العربي إن لم نقل العالمي.
· وكيف تقيّم المشهد الثقافي القطري حاليا؟
· دعني أقول بأن الأدب غير مواكب لحركة التغيير السريعة التي تشهدها قطر، وهي ظاهرة عادية بالمناسبة، ذلك أن الجانب المادي يتغير دوما بشكل أسرع و أسهر من تغير الجانب الأدبي و الفني، رغم أن الأديب و المثقف يفترض به أن يكون رائد لمجتمعه.
· ألا يمكن تفسير ذلك بأن التطور في الخليج تم بشكل مقلوب، فعوض أن تقوده حركة الشعوب قادته المؤسسة الرسمية؟
· إلى حدّ ما، فإذا كانت فرنسا قد تحركت بدفع من كبار مفكريها، و البحرين و الكويت شهدتا بروز مفكرين و أدباء أثروا في حركة المجتمع نحو الأمام، فإن القيادة السياسية في قطر و الإمارات هما اللتان تدفعان باتجاه التغيير وتقودان حركته، و إن كان ذلك لا يعني نكران دور المثقف في مجتمعه، و إنما يعني الاعتراف بأن بعض مواقف القيادة السياسية لها أثر كبير في التغيير الفكري والاجتماعي.
· الشيء الملاحظة بقوة في قطر هو غياب "سلسلة النشر" وغياب ثقافة الترويج للكتاب، سواءً لجهة الكاتب أو لجهة دار النشر؟
· صحيح، و أنا أحد الذين لا يروجون لكتبهم بالشكل المناسب! فقد طبعت كتابي الأخير (المسرح في قطر) ولكني لم أوزعه بالشكل المناسب، ولم أقدمه سوى لأصدقائي، و السبب أن دور النشر لدينا لا تكاد تكون دور نشر بالمعنى الحقيقي، وقد طبعت أكثر من كتاب في قطر فكان التوزيع غير مُرضٍ بالمرة، أما الناشر هنا فإذا كان شاطراً فسوف يضع كتابك في مكتبته! أما الترويج له في الخارج و المساهمة به في المؤتمرات فهو ضئيل جدا، و لأمر خاضع دوما لحسابات الربح و الخسارة المادية البحتة، أما فكرة النشر الثقافي وترويج ثقافة الدولة فهو غائب تماما عن ذهن الناشر القطري..إن وُجِدَ.
· هل تقول بأنه لا وجود لناشر حقيقي في قطر؟
· نعم! وأنا لا أدعو لاستبعاد الربح المادي من ذهن الناشر القطري ولكن النشر الثقافي له رسالة ينبغي أن تدخل في حساب الناشر، فليس كل المبدعين سواسية، فإذا كنت أنا قادرا على نشر كتاب معين وتحمل تكاليف طباعته، فليس كل المبدعين بقادرين على تحمل الكلفة المادية للنشر ومن ثَمَّ مشاهدتها مرمية في دور النشر بدون عناية ولا توزيع، وبالتالي فإذا كان للناشر الحق في طرح الحساب المادي فإنه بذات الحين مطالبا بوضع حساب البلد في ذهنه، وحساب التعاون في التعريف بأدب الدولة، و الأخذ بيد المبدعين.
· يعني أن قطر محتاجة لناشر يفهم رسالته؟
· نعم، وهي محتاجة أيضا لمؤسسات غير رسمية تفهم ضرورة دعم الثقافة، و التعاون مع ممثليها.
· لماذا لا نقول بأن واجب السلطات الرسمية أن تدعم الناشرين في محاولتهم التعريف بالأدب القطري..أليس من واجبهم دعم مشاركاتهم الخارجية و أنشطتهم الداخلية؟
· يفترض أن يكون الأمر كذلك، وهو كذلك إلى حدّ مّا، و المهمة مناطة بالمجلس الوطني للثقافة و الفنون والتراث، ولا اعتقد أن هناك أي عائق سوى الجهد التنظيمي، و أنا شخصيا عندما كنت رئيسا للمجلس الوطني للثقافة قمت بتشكيل لجنة خاصة بهذه المهمة حصرا، حيث تقوم اللجنة باختيار الكتب التي تستحق الدعم و الشراء و المبدعين الذين يجب الوقوف معهم، ومن ثم تقدم لهم ما يناسبهم، فإن كان العمل جيدا فإن المجلس يتبنى طبعه ودفع مكافأة صاحبه، و إن كان دون ذلك يُطْلَبُ من صاحبه أن ينشره على نفقته ليقوم المجلس لاحقا بدفع تكاليف الطبع، وقد قمت شخصيا بخطّ هذا الأسلوب آمل أن يستمر العمل به.
· يعني أن النشر حاليا أسوأ مما كان؟
· لا بالعكس، هو أحسن كثيرا من السابق، وعلى المستوى الأدبي فإني اعتقد بأن التغييرات الاجتماعية و السياسية التي يمر بها المجتمع القطري ستكون رافدا مهما للإبداع بكل أنواعه، فكل منعطف تجديدي يطرح على المجتمع تحدي الاستجابة للجديد أو الاحتفاظ بالتراث ويولّد ذلك مجالا رحبا للممارسة الإبداعية، و المجتمع القطري الآن هو ساحة غنية وثرية وخصبة وصالحة جدا ومتوفرة على "المادة الأولية" للإبداع.
· ألا تعتقد بأن المشكل الإضافي هو عدم وجود جهة تبحث عن المبدعين وتأخذ بيدهم؟
· أولا، قد لا يكون مجديا أن نوجد جهة لتدق الأبواب على الناس قائلة: "في بيتكم مبدع"، فالدولة تتوفر على أكثر من متنفس ثقافي سواءً على مستوى المدارس أو الجامعات أو الجمعيات المختلفة أو المجلس الوطني للثقافة، ويفترض بهذه الجهات جميعا أن تكون فضاءً لاجتذاب المبدعين، فهناك جمعية للفن التشكيلي ونحن ننتظر ميلاد جمعية للأدباء و الكتاب لتكون رافدا للوسط الثقافي بالعديد من المواهب. كما أن الصحافة موجودة وأبوابها مفتوحة للأدباء و الكتاب الذين يفترض بهم استغلال الفرس المتاحة أمامهم.
· صحيح أن المدرسة و الجامعة يتيحان المجال للمبدع، ولكنهما ليستا جهة نشر، و السؤال المطروح هو عن نوعية الرباط الموجود بينها وبين جهات النشر وجهات رعاية الأدباء؟
· صحيح، هنا يجب على المدرسة أن تعرف حدود دورها و واجباتها في توصيل المبدع للجهة التي تتكفل بتنمية موهبته.
· أشرت إلى جمعية الكتاب و الأدباء القطريين، مالسبب في تأخر ميلادها؟
· الذي نعرفه أن شروط تكوين الجمعيات واضحة للجميع، كما نعرف أن هنالك ملفا موضوعا لدى الهيئات المعنية منذ فترة، ولا ريب أن هناك إجراءات تنتظر الاستكمال لتبرز إلى الوجود جمعية الأدباء و الكتاب القطريين، وربما كان وجود أكثر من جهة ذات صلة بالموضوع هو الذي أخره قليلا.
· قيل لنا أن أعلى السلطات في البلد مهتمة جدا بالموضوع، ولكن الكتاب تأخروا وتنازعوا فتأجل الموضوع؟
· لا أدري، أعرف أن هناك قائمة موضوعة لدى الجهات المعنية..
· (مقاطعة) تتحدث عن القائمة الأولى أو الثانية..فهناك أكثر من واحدة؟
· لا أدري، ولكني أتحدث عن القائمة التي أمضيتها ضمن مجموعة من الزملاء قبل سنة أو يزيد قليلا و أتوقع أن نقصا في المتابعة من طرف مقدميها هو الذي أخّرها.
· أليس هنالك تنازعا على رئاسة الجمعية؟
· لا، فلا يمكن التنازع على رئاسة هيئة لم تظهر للوجود بعد.
· ألا يعتبر عدم وجود جمعية للأدباء نقطة تحسب على كتاب و أدباء قطر؟
· طبعا، فوجود جمعية لهم سيخدم الزخم الإبداعي ويزيد التفاعل بين المثقفين و الأدباء و الكتاب.
نشرت في صحيفة العرب القطرية

ليست هناك تعليقات: