الاثنين، 28 يوليو 2008

أصغر رؤساء التحرير في الجزائر: فرضت نفسي بالمهنية والأخلاق والاحترام


أبو طالب شبّوب

إبراهيم قارعلي صحافي أصبح رئيس تحرير عندما كان عمره 24 سنة فقط، وحافظ على منصبه في كل الصحف التي تنقّل بينها، حاليا يبلغ 38 عاما ويشغل منصب نائب رئيس تحرير في ثاني اكبر صحف الجزائر (الشروق اليومي وتوزع 250 ألف نسخة يوميا)، وعلى الرغم من ابتعاده عن المسؤولية المباشرة إلا انه يبقى مشغولا حيث قال ان لا وقت لديه لجلسة حوار، فما كان من حلّ أمامنا سوى ملاحقته بين قاعات التحرير. نطرح أسئلتنا ويطلق أجوبته. السؤال الأبرز هو: كيف وصل الى اعلى منصب في الصحافة في عمر مبكر للغاية؟، وكيف تعامل الناس معه؟، وكيف كانت ردة فعله، اضافة الى ذلك، فإبراهيم خبير في حال الصحافة في الجزائر فكان لا بد من سؤاله عن ذلك أيضا، وفي ما يلي نص الحوار الذي جرى في الجزائر: > لا بد من سؤالك، كيف تعاملت مع من نظر اليك في هذا المنصب نظرة سلبية لكونك صغيرا في السن نسبيا؟ ـ أن تكون رئيس تحرير اصعب من ان تكون رئيس جمهورية خصوصا في سن مبكرة، فستوضع نتيجة لذلك في العديد من المواقف الصعبة وهذا الذي حصل معي مرارا، لكني تعلمت ان الاسلوب الوحيد لفرض نفسي هو ان اكون شخصا محترما ومهنيا واخلاقيا لأبعد الحدود. فبهذا الشكل وحده يمكن ان تحول الاستصغار والدونية الى نظرة احترام وتبجيل. ولن أخجل من البوح لكم بأنني كنت اتفادى الكثير من القراء الذين يأتون للبحث عني في الجريدة، لأنهم يفاجأون برؤيتي وتصطدم صورتي في اذهانهم بشكلي في الواقع، حيث يعدني بعضهم من كبار اعمدة الصحافة الجزائرية ويتخيلون انني شيخ اشيب او كهل اصلع، وهذه الصورة تسقط لمجرد رؤيتي واخشى ان يؤثر شكلي فيهم. > كيف وصلتم رئاسة التحرير في تلك السن الصغيرة؟
ـ لقد مارست منصب رئيس التحرير لأكثر من عشر سنوات، وفي جرائد كثيرة، وبالنسبة إلى الجرائد اليومية، فقد كنت أصغر رئيس تحرير في أكبر جريدة يومية في وقتها. وقد لا يهمني ذلك فالمفارقة أن الصحافيين يختمون مسارهم المهني برئاسة التحرير، ولكنّي أكاد أمثل حالة استثنائية في الصحافة الجزائرية فقد بدأت مسيرتي الصحافية برئاسة التحرير.
إنني لا أتكلم بنوع من النرجسية، لكنها ملاحظة أساتذة كلية الإعلام في الجزائر، حتى أن أحد هؤلاء الأساتذة الذين تعلمت على أيديهم فنيات الكتابة الصحافية قد قال عني إن منصب رئيس التحرير بالنسبة إليّ هو وظيفة أصلية لا ترقية! > لكن كيف وصلت الى هذا المنصب؟ ـ لقد وصلت الى رئاسة التحرير لا بالانقلاب ولا بالانتخاب وإنما اوصلني قلمي لهذه المسؤولية وتعلمت ان احافظ على هذا القلم لكي يدوم احترام الناس لي حتى وان زالت المسؤولية. > هل من السهل أن تكون رئيس تحرير في الجزائر؟
ـ كان من الصعب في بداية التجربة الإعلامية الحرة أن تكون رئيس تحرير في الجزائر لأن الأمر كان يتعلق بالمهنية وبالاحتراف، لكن بعدما انتكست الصحافة الجزائرية قد أصبح من السهل جدا أن تصبح رئيس تحرير، ربما لأجل ذلك أصبحت أصف رئيس التحرير برجل المهمات القذرة، وربما لأجل ذلك قد آن لي أن أستريح من هذه المهمة القذرة! > تحدثت عن صحافيين برتبة جنرالات ومواطنين بدرجة رؤساء، هل هنالك صحف تستطيع إقالة الرؤساء في الجزائر؟
ـ حدث أن غُرّر بالصحافيين في أحد الانتخابات الرئاسية، واعتقد الصحافيون أو توهموا بأنهم يستطيعون إيصال هذا المترشح إلى القصر الرئاسي، هم في الحقيقة وضعوا أنفسهم مكان المواطنين وانتخبوا بدلا عنهم! هكذا انحرف هؤلاء الصحافيون عن رسالتهم الإعلامية المقدسة.
لو كانت الصحافة الجزائرية هي التي تصنع الرؤساء، حقا لكانت تستطيع أن تقيلهم. فإذا كانت السلطة هي نفسها قد خلقت هذه الصحافة، فكيف بهذه الصحافة تتحول إلى آلهة تُجلس فوق عرش السلطة من تشاء! > مارست الصحافة بشاعرية، والشعر بـ «تصحيف» هل من تناقض بينهما؟
ـ أبدا، لا أرى هنالك أي تناقض، كثير من مقالاتي الصحافية تشبه قصائدي الشعرية، ربما أكون قد حاولت ذات مرة أن أكتب شعرا فتمخضت القصيدة عن مقالة صحافية، وقد يحدث لي عكس ذلك، فأكون صحافيا مع القصيدة مثلما أكون شاعرا مع المقالة الصحافية.
> كيف ترى مستقبل الصحف الجزائرية؟
ـ إن المستقبل يتحدد على ضوء الحاضر الذي هو نتاج الماضي وحين نعرف من أين جاءت هذه الصحف نستطيع أن نعرف إلى أين تتجه ومع ذلك فإنني اتطلع إلى غد مشرق للصحافة الجزائرية، حيث لا يبقى في الساحة الإعلامية غير الجرائد المهنية، وهنا أراهن على الصحافيين أنفسهم لا على غيرهم.
إن الصحافة التي جاءت مع الريح، لا بد أن تذهب معها، وتتناثر أوراقها مثل أوراق الخريف الذي كان يعصف بالجزائر أول مرة! > باعتباركم واحدا من أصغر رؤساء التحرير في الجزائر، كيف تقدمون الصحافة الجزائرية للقارئ العربي؟
ـ الصحافة الجزائرية ظهرت خلال فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر الذي أخذ طابعا استيطانيا، فكانت هناك جرائد للمستوطنين الفرنسيين وجرائد أخرى للأهالي الذين هم الجزائريون، بل إن كلمة الجزائريين لم تكن في ذلك الوقت تطلق على الجزائريين سكان الأرض الحقيقيين ولكنها كانت تطلق على الفرنسيين الذين يحتلون الجزائر ويسكنون فوق أراضيها المحتلة! وللأسف الشديد أن الجرائد التي ظهرت خلال الاحتلال لم تعد إلى الصدور، مع الاستقلال وكأنها ذهبت مع الاحتلال إلى غير رجعة، حيث احتكرت الدولة المستقلة إصدار المطبوعات، فكانت الصحف إما تابعة للحكومة أو للحزب الحاكم، ومع ذلك بقي الصحافيون يناضلون من أجل حرية إصدار الجرائد، وهو ما حدث بالفعل غداة أحداث أكتوبر، حيث أقرت السلطة حرية إصدار الجرائد وحرية تأسيس الأحزاب، ومع الانفتاح الإعلامي والسياسي ازدهرت الصحافة الجزائرية في بدايتها خاصة أن الذين خاضوا التجربة هم صحافيون مهنيون وليسوا دخلاء على الحقل الإعلامي، ولكن حدثت الانتكاسة مع إلغاء المسار الانتخابي والديمقراطي. ومع اندلاع أحداث العنف في الجزائر حصل تراجع في جودة الصحافة. ما يؤسفني أننا في الجزائر نمتلك صحافة ولا نمتلك مؤسسات إعلامية، ولذلك فقد اصبح كل من هب ودب يمتلك جريدة وهو لا علاقة له بالإعلام، وذلك ما جعل الصحافة الجزائرية تتقهقر إلى الوراء، فيما يفضل الصحافيون الجزائريون الهجرة بأقلامهم إلى المؤسسات الإعلامية الكبرى في العالم العربي. فإذا كنا أثناء أحداث العنف نخاف أن نقول إننا صحافيون، فإننا بعد ذلك ومن الناحية الاجتماعية قد أصبحنا نستحي أن نقول إننا صحافيونّّ! > ما هو موقفك من صحافيين يسجنون بتهم غير إعلامية؟
ـ إن الصحافي قبل كل شيء هو مواطن، بل إنه لا يستحق أن يكون صحافيا حين يعتقد بأنه مواطن من الدرجة الأولى. ومن الطبيعي أن يدخل الصحافي السجن باعتبار أنه مواطن حكمت عليه العدالة في قضايا تتعلق بالحق العام، ما هو غير مقبول هو أن يتوهم الصحافي بأنه فوق قوانين البلاد وفوق العباد، فيتجند الصحافيون والحلفاء السياسيون من أجل تضليل الرأي العام حين يربطون سجن الصحافي بحرية التعبير، بينما هو يكون قد دخل السجن لسبب آخر! > بعد سنوات من العمل الصحافي، ما هو الشعور الذي تحملونه كنتيجة لتراكم كل هذه السنوات؟
ـ صعب جدا أن اختصر سنوات من العمر في لحظة عاطفية، ولكن شعوري الوحيد الذي لا يفارقني أبدا، هو أنني ما زلت تلميذا في مدرسة الصحافة، ففي كل يوم أتعلم شيئا جديدا، بل إنني أحفظ درسا جديدا.
لست أبالغ في الأمر، إذا قلت إن أساتذتي الحقيقيين هم هؤلاء القراء الذين أكتب لهم! > فيما تختلف الصحف الجزائرية عن نظيراتها المشرقية والدولية؟
ـ توجد في الجزائر حرية ولا توجد صحافة، بل إن الصحافة الحرة غير موجود ما دام أنه لا توجد مؤسسات إعلامية بمعنى الكلمة، فالصحافة قبل كل شيء مؤسسة، حقا يوجد في الجزائر صحافيون يناضلون باستمرار من أجل تأسيس صحافة حقيقية وليس مزيفة.
وقد تغدو، صورة واقع الصحافة كاريكاتورية في بعض البلدان العربية، التي توجد بها مؤسسات صحافية ولكنها لا تتمتع بالحرية، قياساً بالحرية التي يتمتع بها الصحافيون الجزائريون الذين يفتقرون إلى مؤسسات صحافية. > أين تقف الأحزاب من لعبة الصحافة في الجزائر؟
ـ حزب جبهة التحرير الوطني هو الحزب الوحيد الذي استطاع أن يخلق صحيفة يومية بعد اقرار التعددية الإعلامية والحزبية ولم تكتف السلطة بمصادرة الجرائد التي ورثها، بل عمدت إلى توقيف الصحيفة التي أنشأها أول مرة، ولكن بقية الأحزاب تريد أن تختفي وراء الصحف، ومن الغرابة أن يصل حزب إلى الحكم وهو لا يمتلك أية صحيفة.
صحيح، الصحافة لا توصل المرشحين إلى السلطة، ولكن من العيب أن لا تكون للأحزاب السياسية جرائد يومية أو أسبوعية.
* سيرة ذاتية
* إبراهيم قارعلي
* من مواليد 13 أكتوبر من عام 1968 يعمل حاليا نائبا لرئيس تحرير «الشروق اليومي». وهو حاصل على شهادة البكالوريا شعبة آداب وشهادة الليسانس في الإعلام والاتصال وشهادة الماجستير في التاريخ فرع تاريخ الثورة.
اقتحم عالم الصحافة من بوابة استقلاليتها فكان من الجيل الأول الذي خاض تجربة الصحافة المستقلة في الجزائر. اشتغل صحافيا في العديد من الجرائد اليومية والأسبوعية وتقلد رئاسة التحرير في الكثير منها. مثل الجزائر اليوم والحوار والعالم السياسي وصوت الأحرار والمحقق والسفير والأخبار.
شارك في دورة تدريبية حول الصحافة الاستقصائية في بيروت لبنان وحصل على شهادة من مركز إنترنيوز الأميركي.

الشرق الأوسط اللندنية

الاحـد 18 ذو الحجـة 1427 هـ 7 يناير 2007 العدد 10267

"بركات".. سينما تترحم على الاستعمار

أبوطالب شبوب
فيلم "بركات" غير عادي.. هذا هو الوصف اللائق جدًّا بآخر إنتاجات السينما الفرنسية. غير عادي؛ لأنه يروي مقاربة فرنسية غريبة لسنوات الدماء في الجزائر، فبدلاً من تصوير الصراع الدموي بين السلطات والمسلحين الإسلاميين؛ فإن الفيلم يرى أن الذين مارسوا المذابح الجماعية هم مناضلو حرب التحرير الجزائرية.. وهم أنفسهم أباطرة المال واللصوصية وسدنة احتقار المرأة وظلمها.
"بركات" الذي شهدت قاعة "الموقار" بوسط العاصمة الجزائرية عرضه الشرفي، هو باكورة إنتاجات المخرجة "جميلة صحراوي" وهي من مواليد 1950، وقد تقاسمت بطولته كل من "رشيدة براكني" و"فطومة بوعماري"، فيما توزع السيناريو بين المخرجة "جميلة صحراوي" والسيناريست الفرنسي "سيسيل فير غافتي".
الإرهاب والمفاجأة
تبدأ الأحداث سنة 1990، باختطاف زوج البطلة أمال (رشيدة براكني) من طرف جماعة مسلحة؛ بسبب انتقاداته اللاذعة للعمليات الإرهابية التي شهدتها الجزائر في الفترة بين 1990 - 1999، فتقرر البطلة أن تبحث عنه، ولتفادي المشاكل واختصار الوقت فإنها تصطحب صديقتها الممرضة خديجة (فطومة بوعماري) في رحلة إلى معاقل الإرهابيين بأعالي الجبال.وبالفعل تنجح وصاحبتها في استنقاذ الزوج المختطف، ولكن على وقع مفاجأتين رهيبتين، تتمثل الأولى بكون قائد المجموعة الإرهابية مستثمرًا كبيرًا ومناضلاً سابقًا في حرب التحرير الجزائرية، أما المفاجأة الثانية فلا تقل إيلامًا ودراماتيكية، ذلك أن الذي نفذ عملية الاختطاف هو والد أحد الأطفال الذين أنقذت البطلة أمال حياتهم بحكم اشتغالها طبيبة.
هذه هي قصة الدم في الجزائر كما ترويها عدسة جميلة صحراوي، مناضلون وطنيون يحررون بلدهم، ثم يتفرغون لقتل أبنائه وسرقته بدلاً من تعميره.
هذا عن الجيل الأول والأكبر في جزائر الاستقلال، أما الجيل الثاني فيمثله شباب يتخلى عن أسرته؛ ليقتل من يقوم بتطبيبها (أمال) وزيادة وعيها (زوجها الصحافي)؛ لتكون المحصلة فشلاً مستمرًّا لمجتمع فقد أي رغبة بالحياة,
نظرة الفيلم للمأساة الجزائرية غريبة جدًّا، ذلك أنها تجرِّم مناضلي جيش التحرير الذين طردوا فرنسا بعد استعمار دام 132 سنة، وتلقي عليهم تبعة فشل مشروع المجتمع الجديد، كما تجرِّم الجيل الجديد من الجزائريين وتصمهم بالعنف والدموية، فيما توحد الجيلين تحت بند اضطهاد المرأة ومحاربتها باسم تقاليد بالية. وغني عن القول إن هذه النظرة لا تثمر سوى تمجيد المستعمر الفرنسي الذي وفّر "السلم الاجتماعي" أيام "عدله" توزيع الظلم لكافة شرائح المجتمع الجزائري.
التناقض
بدا سيناريو الفيلم غير مقنع بالمرة، ذلك أنه يعاني من أزمة مشاهد؛ إذ لا يمكن لرؤية واحدة أن تقنع الضحية "المشاهد الجزائري" والجلاد "المشاهد الفرنسي" معًا.
وعطفًا على ذلك سارت الأحداث باستخدام "قفزة الضفدعة" في عدة اتجاهات مختلفة لا رابط بينها ولا منطق؛ إذ فيما تُصرّ "خديجة" في أحد المشاهد على ارتداء "الحايك" -وهو لباس محلي يغطِّي المرأة تمامًا- ورفض "الحجاب" في شكله القادم من المشرق العربي؛ بحجة الحفاظ على التقاليد الوطنية، فإنها في مشهد آخر تظهر إصرارًا أكبر على ارتداء زينتها كاملة قبل خروجها من بيتها وتدخين سيجارتها بلذَّة غريبة. مشهد لا علاقة له بصورة "الحفاظ على التقاليد" التي تحاول المخرجة إلباسها لـ"خديجة".
وهو تناقض يتناسخ بطول الفيلم مع البطلتين ويُضعف تركيبتهما التي سعت المخرجة؛ لجعلها واضحة وصريحة في مقابل شخصيات بقية أفراد المجتمع المتسمة بالتردد والحيرة.أداء البطلتين كان متوسطًا مع أفضلية رشيدة براكني، وهي من مواليد 1977، والفائزة قبل ذلك بجائزة أفضل ممثلة عن "بينالي السينما العربية" الذي احتضنه معهد العالم العربي بباريس (دورة 2006)، وظهر تصوير كاتل ديجيان وصوتيات أوليف سكووب في مستوى جيد للغاية، في محاولة لتفادي عثرات النص وهشاشته، أما الموسيقى التصويرية التي أعدَّها عازف العود الجزائري المعروف بـ"علَّة" فقد اصطدمت مرارًا بسيناريو الفيلم للحد الذي يعتقد معه المشاهد أنها "أقحمت" إقحامًا فيه، ولم يجرِ الاتفاق بشأنها مسبقًا.
الفيلم الذي جاء كعمل مشترك فرنسي - جزائري، أوضح بجلاء أن الرؤية الحاكمة في أعمال كهذه هي رؤية الطرف المموّل، حتى إن كانت منقضة للواقع وللحقيقة أيضًا.

*الشرق الأوسط بتاريخ 24 نوفمبر 2006.

الأحد، 27 يوليو 2008

سيمبوزيوم الديار يدخل مراحله النهائية

الدوحة - شبّوب أبوطالب
كانت نهاية الأسبوع الماضي موعدا مع إتمام غالبية المتنافسين في «سمبوزيوم الديار» التشكيلي لأعمالهم، وفيما لم تبقَ إلا بعض التدقيقات والرتوش الطفيفة فإن أعضاء لجنة التحكيم قد بدؤوا التفكير باكرا في النتيجة النهائية التي لن يكون حسمها سهلا.وتكشف جولة داخل كواليس المسابقة عن الصراع الصامت الذي يدور رحاه بين المتنافسين، كلٌّ على طريقته، فقد اختار الرسامان العراقيان الأسلوب الذي أعلناه من قبل، حيث جسّد الفنان سالم مذكور صورة لشيخ يتكئ على أحد جدران سوق واقف، بينما تكشف ملامحه ونوعية الجدار عن الشيء الكثير من ماضي قطر وتاريخها، وقد أبدع مذكور بشكل كبير في التعامل مع موضوعه وإن كان اللون السماوي الذي اختاره ليس لونا كثير الاستعمال في قطر، وهو اختيار سيضع التزام مذكور بالواقعية الفنية على المحك برغم وفائه لتمثيل صورة الرجل الذي «يعيش في غير زمنه»، حيث بدا الشيخ المرسوم خارجا لتوّه من عهد غابر، ومسافر بآلة زمن توقّفت دقائقها وثوانيها على موجات القرن الماضي. أما الفنان إسماعيل عزام فقد جسّد لوحة فنية من الخمسينيات تقريبا، وتمثل صورة لوسط سوق واقف وقد تناثرت على جنباتها المحلات بأسمائها الشعبية الشائعة حينذاك من «متجر الجوهرة» إلى «المعرض الوطني» وقد اختار أن يمثل صورة ذلك العهد بشكل يبدو أقرب للحَرفية منه للابتكار، وهو موضوع سبق أن رأيناه في أعمال سابقة لعزام وغيره من الفنانين المقيمين بقطر، ما يطرح سؤال التجديد لحظة الحكم على اللوحة حتى ولو دخل في الاعتبار التزام الفنان منذ البداية بإنجاز عمل واقعي لا فلسفة فيه.من ناحية ثانية، يظهر أن المنافسة ستكون حامية للغاية بين الفنانين: السعودي زمان جاسم والعُماني أنور سونيا على صعيد المقاربة الفنية وعلى صعيد العمل أيضا، فقد اختار الفنانان كلاهما المدرسة التجريدية واشتغلا على التناغم اللوني بشكل مدهش، وبدا لمن راقبهما أنهما الفرسان الأسودان في صراع الظفر بذهب «سمبوزيوم الديار»، حيث عمل زمان بشكل متقن للغاية وتوقّف مطوّلا عند كل تفصيل في لوحته، وصبر طوال الأيام الماضية على التعامل الهادئ مع لوحته فيما كان زملاؤه قد قاربوا النهاية، ولعله قد جسّد حقيقة مقولته إنه لا يرسم ما يخطّط له ولا يخطّط ما يرسمه وإنما يدع اللوحة لتنمو من تلقاء ذاتها، وفي الاتجاه المقابل فقد كان الفنان أنور سونيا على موعد مع حيازة جزء كبير من إعجاب الحاضرين، خصوصا أن من أجمل المشاهد التي قدمها السمبوزيوم للزائرين: اللوحة التي صنعها أنور سونيا بنفسه، فقد قضى يوم نهاية الأسبوع برمّته عاكفا على لوحة واحدة وتفصيلات دقيقة ولم يتحرّك ولو مترا بعيدا عن لوحته، وقد ظهر مشهد هذا الفنان المخضرم وهو يتوقّف عند أبسط التدقيقات مذهلا للغاية، خصوصا أن للجسد قوانينه التي يفرضها مرور الزمن، والتي يبدو أنور سونيا في حل من تطبيقها، أما على صعيد الاشتغال الفني فإن التجريدية هي الأخرى تطل برأسها من لوحة سونيا وتفرض سياقها على عمله، والاختيارات اللونية تُظهر المهنية العالية التي يتمتّع بها.من ناحية ثانية، ركّز بعض الفنانين على إنجاز أعمالهم بكفاءة وسرعة، فالفنان علي عزام أنهى أربع لوحات بدلا من اثنتين، وقال لـ «العرب» إنه قد جاء لـ «السمبوزيوم» مستعدا بشكل جيّد للغاية، ولذا لم يضيِّع وقته وانطلق في مشروعه مبكرا وتحولت ابتسامته غير محددة المعالم في اليوم الأول إلى أربع لوحات جميلة مزجت الواقعية بالتجريدية التعبيرية، وأظهرت مدى اشتغاله على اللون والاختيار الفني.نسويا، يبدو أن الصراع سيكون بطعم «الفلفل الأحمر» بين لوحتي الفنانتين: العراقية صبا حمزة والقطرية وضحى السليطي، حيث اختارت كلتاهما المدرسة التجريدية وفيما استوحت صبا حمزة فكرة الجدار لتصنع منها لوحة فإن وضحى السليطي قد استوحت الملابس، وبالتالي بدا الفرق واضحا في درجات الدفء اللوني بين صبا التي جاءت لوحتها خليطا بين البياض والزرقة والدفء الرمادي وبين السليطي التي كانت ألوان لوحتها دافئة للغاية، وسيكون من الصعب على أيٍّ منهما أن تحسم اللقب، كما سيكون من الصعب على لجنة التحكيم الفرز بين عملين يتشابهان في الذهنية والتنقية ويختلفان في اختيار موضوع التصميم. في اتجاه آخر يستمر الفنان إسلام كامل في استيحاء لوحاته بذات طريقة عمله في السودان، حيث يُعرف كامل لدى المطلعين على فنه بقدراته على امتصاص المضامين الثقافية الإفريقية، أو ما يُعرف بثقافة «السكان الأصليّين» وهو المذهب ذاته الذي يسير عليه في رحلته القطرية، حيث يلتقط صوره من أشكال أواني الطبخ وأدوات الاستعمال اليومي لكنه يقدّم كل ذلك بشكل تجريدي يلعب فيه اللون البنّي دوراً مهماً.وأمام هذا الكمّ من اللوحات المنتهية تقريبا فإن لجنة التحكيم ستكون «مهمومة» للغاية لدى اجتماعها المرتقَب للفصل في النتيجة النهائية، فمن جهة فرض بعض الفنانين «ريتما» عاليا على المسابقة كزمان جاسم وأنور سونيا، إذ يبدو صعبا أن يزيح أنور سونيا فنانٌ آخر غير زمان جاسم والعكس صحيح، بينما تبدو فرص البقية في منازعتها بعيدة، نظرا للمستوى العالي للغاية الذي فرضاه، أما بقية الفنانين فسوف تكون لجنة التحكيم مجبرة على التفاعل بإيجابية مع جهودهم، فعلي عزام الذي رسم بأكثر مما فعل أي فنان غيره، وأبدع في فنّه من غير المرجّح أن يخرج مبكّراً من السباق، ومثله السودانيان إسلام كامل ونور الهادي، أما الجانب النسوي من السباق، فيبدو من شبه المؤكد أن تظفر إحدى ممثلاته بجائزة ولو على سبيل حفظ الحق التمثيلي لـ «نون النسوة» في السباق، ولن يكون سهلا الفصل بين المتنافسات، خصوصا أنهن اعتمدن النوعية الفنية ذاتها، التجريد، وإن تنوّعت مصادر الاستيحاء لدى كل فنانة، كما يبدو ظاهر أن صبا حمزة ووضحى السليطي، إحداهما أو كلتاهما، ستحجز مقعدا ضمن كوكبة الأوائل.وبين هذا وذاك فإن لجنة التحكيم تباشر عملها بهدوء شديد وتلحظ تطوّر السباق دقيقة بدقيقة، فيما يبرمج الجمهور أنفاسه على توقيت المراحل النهائية التي ستكون نتيجتها الأخيرة جاهزة خلال 72 ساعة هي كل ما تبقّى من عمر أول «سمبوزيوم» تشكيلي في تاريخ قطر.

العرب القطرية
2008-07-27

الثلاثاء، 22 يوليو 2008

«سوق واقف» يؤجج المنافسة بين فناني «سمبوزيوم» الدوحة


الدوحة - شبّوب أبوطالب أطلق الفنانون العرب والقطريون المشاركون في فعاليات «سمبوزيوم الديار» مرحلة تصميم اللوحات المتنافسة على جوائزه، وكانت الساعات الأولى للانطلاقة شاهدة على تفرّد كل فنان بطريقته الخاصة، ورؤيته للأسلوب الذي يحقّق أفضل النتائج في التعاطي مع موضوع وحيد هو «سوق واقف» التي تم اختيارها كـ «تيمة» جماعية للسمبوزيوم.وقد بدا التباين واضحا بين الفنانين، فالفنان العراقي إسماعيل عزام اختار أن يكون عمله «بسيطا»، وبرأيه فإن «تيمة السوق نفسها تفرض موضوعا بسيطا، فنحن أبعد ما نكون عن موضوع يحتمل الفلسفة أو التأويل، أو ينقاد للتخريجات المعقّدة، لدينا سوق وناس يبيعون أو يشترون، وبالتالي فلا مجال للتطويل»، وعليه فإن اختياره كان أن يرسم «صورة قديمة وأخرى حديثة لسوق واقف، حيث تمثّل الصورة القديمة نظرة القطري لسوق واقف التي يعرفها المواطن القطري منذ الأيام الأولى لتأسيسها، وبالتالي فصورتها مرتبطة في الذهن بقضاء المصالح وإنجاز المعاملات، أما الصورة الحديثة فتمثّل رؤية الزائر للسوق، حيث تبدو حاليا كمكان تراثي أكثر منه مكانا تجاريا، وبالتالي فإن التركيز على رسم البناء والناس يعتبر أفضل فكرة للتعاطي مع موضوع رسمنا من وجهة نظري» كما يقول الفنان، وعلى عكس عزام فإن الفنان السعودي زمان جاسم يصرّ على أنه لم يحدّد موضوعا معيّنا للرسم، ويقول: «أرسم لأني بحاجة للاكتشاف، وأعتقد أن الرسم رحلة استكشافية في المقام الأول، وبالتالي فأنا أرسم وليس في ذهني شكل معيّن للوحة»، أما حول اهتماماته كرسام والنقاط التي يستوحيها في عمله فإنه يقول: «يستهويني اللون، خصوصا لون الأرض والأقمشة والأزياء النسائية القديمة، وأحاول أن أرسم لوحة تكون فيها رائحة الأرض ولونها وعمقها وتراثها وروحها، بحيث إذا رسمت جلسة قهوة تقليدية فإن هدفي أن أجعل المشاهد يشمّ رائحة القهوة حينما يواجه لوحتي، فهذا هو المستوى الذي أحاول الرسم لبلوغه من خلال طريقتي التي تُزَاوِجُ بين التجريد والزخرفة».ممثلتا مصر كانتا على طرفي نقيض، فالفنانة نادية معجبة تركّز على رسم الجدار باعتباره مرآة حقيقية للسوق، وتستعمل في سبيل ذلك تقنية تستلزم مهارة كبيرة، أي التعامل مع نشارة الخشب واستعمال القماش داخل جسم اللوحة، وهما مادتان تفرضان حذرا كبيرا في التعاطي معهما، بحيث إن أبسط خطأ يمكن أن يؤذي المنظر العام للوحة، نقطة يبدو أن فنانتنا منتبهة لها تماما، حيث تشتغل بهدوء شديد وبينما تعدّ موادّ رسمها فإنها تستوحي حركة الناس وألوان الأقمشة والبهارات وطريقة البناء لتصنع منها خلاصة جمالية، وفي المقابل فقد بدت مواطنتها هيام عبدالباقي منشغلة بتأمّل لوحات بيضاء! ولدى سؤال «العرب» عن سبب هذا السلوك قالت الفنانة: «أنا أستوحي لوحتي من حركة الناس داخل السوق، وحيث إنني زرتها في الصباح فقط حيث كانت الحركة التجارية منخفضة، فإنني أبعد ما أكون عن الرسم إلى أن يحل المساء وأتمكّن من مشاهدة غُدُوِّ ورواح المواطنين والزوار بداخله، وطريقة تعاملهم مع باعته ومع بعضهم وأسلوب تسويق الباعة وحينها فقط يمكنني البدء بالرسم» لتضيف لاحقا «السوق ليست البناء وحسب بل هي الناس أيضا، وبقدر أهمية البناء فإن شاغليها هم الجزء الأهم في الموضوع، خصوصا بالنسبة لي حيث أزاوج بين الأسلوبين: الانطباعي التجريدي والانطباعي التعبيري»، وكان لافتا أن الفنانة قد شغلت نفسها بالبحث عن كتب تتحدث عن تاريخ السوق أو صور قديمة لها، بما يعني أنها تود تثبيت صورة معينة عن السوق داخل ذهنها أو استكمال صورة غير مكتملة حتى اللحظة.في اتجاه آخر كان الفنان العراقي سالم مذكور منتشيا تماما، ومستعدا للإدلاء بتصريحات صحافية مستفيضة، فالرجل يشتغل على الرسم الزيتي، ما يعني أن لوحته تستلزم مرحلة صبر طويل في انتظار جهوزيتها، فترة قضاها في التعرف على نظرائه ومبادلتهم المزاح، وفي الأثناء قال لـ «العرب» إنه اختار شكل لوحته مبكرا، حيث سيرسم «صور شخصيات معيّنة مأخوذة من سوق واقف وتمثّل التناقض الكبير الذي يمثلّه العالم، فرجال مثل سائقي العربات أو باعة الخبز هم جزء لا يتجزّأ من ماضي السوق وحاضرها، إلا أن حقيقتهم ماضية وحضورهم الحالي أشبه بحضور مواد منتهية الصلاحية، هم موجودون ولكن صوريا فقط، غرباء في زمن غريب ومضطرون للتعامل مع ظروف وتكنولوجيات لم يكونوا يعتقدون يوما أنهم سيتعاملون معها، وبالتالي فإن اختيار هؤلاء كثيمة يساوي العثور على موضوع إشكالي حقيقي»، وبدا مذكور سعيدا جدا ومتحمّسا للرسم قائلا إن بإمكانه «رسم أكثر من لوحتين، فالأفكار جاهزة في ذهني، ولكن ما دام المطلوب لوحتين فقط فسأرسم لوحتين وأجتهد فيهما بالقدر الذي أستطيع.. فهذا أول عرض عامٍّ لي»!أما الفنان السوداني إسلام كامل فقد كان مشغولا على طريقته بالهم السوداني ولدى سؤاله عن موقفه من الاتهامات الموجَّهة لرئيس دولته بارتكاب جرائم حرب، ردّ قائلا «وجودي هنا نوع من الاحتجاج ورسمي نوع من الاحتجاج والذي سأرسمه نوع ثالث من الاحتجاج، فكل الذي سأفعله يمثّل موقفا»، ويبدو أن لكامل تقنية خاصة جدا في الرسم، فبينما تستكمل لوحاته الجفاف يقوم هو برسم لوحة ثالثة مصغّرة، ويقول في تبرير سلوكه «ما أفعله هو نوع من الإحماء والتسخين لذهني ويدي، فبهذه الطريقة أختصر جزءا كبيرا من وقت الرسم كما أكون في حالة نفسية وجسدية مستعدة تماما للتعامل مع اللوحة الحقيقية»، أما حول المدرسة التي سيلجأ إليها خلال فعاليات السمبوزيوم فقال «أفضّل الانطباعية التجريدية، وأركّز على فكرة الزمن كمساحة ترسم المكان وتهيّئه للتحول إلى لوحة، كما تجذبني الزخارف وديكورات الأبواب بشكل خاص، ومن هذه الثيمات جميعها أصوغ لوحتي الشخصية».وبينما يستمر الفنانون في الاشتغال فقد أبى المشرف على السمبوزيوم، الفنان محمد العتيق، إلا أن يرسم هو الآخر وليس معروفا ما إذا كان ينوي الدخول في المسابقة أم مجرّد ممارسة هوايته المفضّلة، أما الفنانة القطرية وضحى السليطي فتواصل التعاطي المرح مع نظرائها ويستمر الفنان علي عزّام في التجول صامتا راسما ابتسامة غير محدّدة الهوية على تقاسيمه البريئة.. وبين هذا وذاك تستمر المسابقة على قدم وساق، وستعود لاحقا لاستكمال الجولة بين أروقة أول سمبوزيوم تشكيلي في تاريخ قطر.
العرب القطرية
2008-07-22

الاثنين، 21 يوليو 2008

افتتاح شرس لـ"سمبوزيوم الديار" التشكيلي!


افتتح أمس "سمبوزيوم الديار" بـ"مركز وقف للفنون "، وقد أكمل الفنانون المشاركون استعداداتهم لجولة منافسة حامية، وكشّر كل منهم عن أنياب ريشته.
الدوحة ـ شبّوب أبوطالب
أعلن رئيس الجمعية القطرية للفنون التشكيلية، محمد العتيق، أمس عن الافتتاح الرسمي لفعاليات "سمبوزيزم الديار" التشكيلي، بمقر "مركز واقف للفنون"، وأكد أنها "المرة الأولى التي تحتضن فيها قطر مشروعا كهذا" ما يعني "أن على المشاركين مسؤولية كبيرة للغاية لتشريف أنفسهم و إعطاء صورة مشرقة و انطلاقة واعدة لمثل هذه التظاهرات التشكيلية"، وقال العتيق أن المشروع يعتمد على مسارين، أولهما المسار النقاشي العلمي حيث سينشّط الحاضرون فعاليات ندوة تسائِلُ قضية التراث و الحداثة، وتستشرف مستقبل التشكيل العربي في عالم متغير، أما المسار الثاني فهو مسار التسابق، حيث وقّع الفنانون عقدا مع جهات التنظيم و الرعاية، وزارة السياحة تحديدا، تلزمهم بالانتهاء من عملين فنيين خلال عشرة أيام هي مدة "السمبوزيم"، وقد أوضح العتيق أنه ضمن بنود العقد "أن يكون العمل المعني متعلّقًا بسوق واقف وليس هنالك أي مجال لعمل ثانٍ"، وفي ذات الحين "فإنه لا حدود على طريقة التناول التي يفضّلها أي فنّان، أو المقاربة التي يعتمدها، أو التقنية الفنية التي يستعملها، و إنما الأساس أن يتعلّق العمل بسوق واقف، ولكلٍ الحرية في التعامل مع موضوعه بالشكل الذي يريحه"، وحال الانتهاء من الأعمال تتسلم لجنة تحكيم كافة الأعمال وتجري تقييما نهائيا عليها، بحيث ينال ثلاث مشاركين جوائز خاصة وينال ثلاثة آخرون جوائز تقديرية.
من جهتهم كان المشاركون المبدعون متحفّزين لبدء المنافسة، حيث قال الفنان نور الهادي، من السودان، أنها "فرصة طيبة للالتقاء و التنافس مع نخبة مميزة من المبدعين العرب" واعدا بأنها سيبذل "قصارى الجهد" لتشريف نفسه وبلده، أما الفنان المخضرم أنور سونيا من سلطنة عمان فأبدى ارتياحا كبيرا "لفكرة الفعالية بحدّ ذاتها، ناهيك عن التنافس الجميل مع الزملاء من مختلف أنحاء العالم العربي، بما يضيفه ذلك إلى رصيد التجربة و الخبرة"، وهو ذات المنطق الذي تحدّث به الفنان زمان جاسم من السعودية، و الذي أبلغ الحاضرين تحيات جميع فناني التشكيل السعودي، خصوصا فناني المنطقة الشرقية، مبديا سرورا كبيرا بالمجيء إلى قطر و الدخول إلى حلبة المنافسة مع أسماء لها وقعها ورنينها في عالم التشكيل العربي.
من جهتهم تحدّث الفنانون القطريون بكثير من الثقة، حيث قالت الفنانة وضحى السليطي أنها تشعر "بالرهبة لوجود أسماء محترمة للغاية ودخولها على خطّ المنافسة" ولكنها أبدت تفاؤلا كبيرا ووعدت بـ"بذل كل الجهد الممكن للعمل على إنجاز أعمال مميزة تنال ثقة الجمهور و الحكام"، وقالت الفنانة سعاد السالم أن "التنافس سيكون جميلان كما أن الجو المتوفر يوحي بتمضية فترات عامرة بالاستفادة العلمية و الفنية"، وقال الفنان عد الرحمان المطاوعة أن تواجده في المنافسة يستهدف في المقام الأول "الاستفادة من تجارب جميع زملائنا الحاضرين، وبذات الحين العمل على تقديم مستوى مشرّف" وقد وعد هو الآخر باستخراج كامل مقدراته الفنية للتعامل مع المسابقة المفتوحة.
عمليا، نشّط مدير "السمبوزيوم" جلسة تعارف خفيفة، حيث قدّم كل فنان نفسه لزملائه بشكل موجز، ثم قاد المشاركين في جولة استكشافية بسوق واقف، وذلك لتحصيل انطباع أوّلي يفيد على مستوى استيحاء خصوصيات السوق و التعرف على معالمه، وقد رافق العتيق المشاركين بشروح وافية عن تاريخ السوق الذي يمتد إلى الأربعينات، أيام كانت منطقته عبارة عن مجرى وادٍ صغير تصب فيه أنهار"مشيرب" قبل توجهها إلى البحر، فيما ينتصب الباعة على طرفي الوادي ليقدّموا للمواطنين القطريّين ما تجود به الأرض من خيرات، ولذا فقد اشتق اسم السوق من وضعية الوقوف التي كان الباعة يمارسون بها عملهم، و بعد ذلك توسّع السوق و كثرت محلّاته، وبرغم فرص العمل الكبيرة التي وفّرها التوسع فإنه تم بشكل غير منسّق و أقرب للفوضوية، ما دعا سمو أمير البلاد، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، إلى إطلاق مشروع إعادة بناء السوق بشكله التراثي مع الحفاظ على خاصيته التجارية، وهو ما تحقق انطلاقا من سنة 2004.
وقد أبدى المشاركون لهفة كبيرة لمشاهدة أنحاء السوق والتعرف إلى قيمته التاريخية و التراثية، كما سعدوا جدًّا بالمبادرة التي قام بها مسؤول "السبموزيوم" و التي شملت تعريفهم على مجموعة من الفنانين التشكيليّين الشباب، وكذا التجوال في بعض المناطق ذات الخصوصية التراثية و التشكيلية في قطر، و تلهّفوا خصوصا لزيارة المتحف الإسلامي ومتحف المستشرقين.
يذكر أن فعاليات المسابقة انطلقت أمسية الأمس مباشرة بعد الانتهاء من إتمام الإجراءات الإدارية و التجول الخفيف في سوق واقف، وستوافيكم "العرب" بتطورات التسابق أوّلًا بأول.
العرب القطرية
21/7/2008