
الدوحة - شبّوب أبوطالب
ليست هذه مدونة بالمعنى المتعارف عليه و إنما هي الوسيلة التي أمكنني العثور عليها لحفظ بعض الأرشيف

تمين أمس الأول معرض الخزف الذي نظمته الجمعية لصالح طالبات «تخصص خزف» بقسم التربية الفنية التابع لكلية التربية بجامعة قطر، وقد ضم المعرض عينات جميلة للغاية من إبداعات الطالبات.تتمحور الإبداعات في محورين كبيرين هما الإبداع في الشكل والإبداع في الزخرفة والديكور، وقد اختارت غالبية الطالبات أشكالا تراثية لترجمة فنهن عبر أوان تقليدية كالجرة والفوانيس وحاملات البخور والصحون والأباريق..إلخ، وقد قامت غالبية الطالبات بإدخال مجموعة مميزة من التطويرات على الأشكال والديكورات لتعكس هوية صانعها وموقفه من الحياة والناس وشعوره حيال المادة الآنية ذاتها، حيث اختارت ميسا بنت عبدالله الزعابي أن يكون وعاء تحضير الحساء ذا أطراف محدبة متطاولة وأن لا يستكمل استدارته فيما يشبه إحالة على التداخل بين الماضي والحاضر والمزيج المدهش الذي يجد إنسان العصر الحالي مضطرا لمجاراته، والتناقضات التي تعتمل في داخله وبين يديه والتشتت الكبير الذي يمزقه، أما الطالبة عائشة السليطي فيبدو انحيازها للتراث متجليا بقوة عبر الاستدارة شبه المطلقة التي ميزت صناعتها لجرة حفظ الماء، والتي اختارت لها لونا رمليا زينه الأزرق والمشهد النسائي التقليدي للغاية والبيت المسقوف بالخشب، وهو المشهد الذي يحمل صاحبه على التعاطي مع لوحة جميلة لقطر القديمة التي توسطت البر والبحر وقابلت جهد البشر بحكمة السماء، وكانت حياة أهلها دليلا كبيرا على أن فقر الأرض –حينها- لا يمكن أن يمنع الحياة عن الإنسان أو يقلل من إمكانية تميزه، وربما هي ذات العواطف التي حملت الطالبة عائشة محمد العبيدلي على تمثيل «القلة» بشكل دقيق الرأس منبسط القاعدة وتزيينها بصورة سيدة قطرية قديمة تجلس في جانب بيتها وبيدها نبات صحراوي، في لفتة وفاء للمرأة القطرية الأصيلة التي تميزت بحدة الذهن ودقة الأهداف -التي تلخصت في الأسرة- وبذات الحين بانبساط الأخلاق وسعة الصدر لدى التفاعل مع حوادث الزمن الغابر ومراسيله التي كانت لا تحمل في الغالب إلا خبرا يدمي القلب كغرق الزوج خلال رحلة الغوص أو مقتل الابن في معارك الدفاع عن القبيلة، أو خيبة الرجاء في التجارة.. أشياء كثيرة لم يكن لها أن تكدر خاطر السيدة القديمة، لأنها تعلمت أن تكون كنبت الأرض، كما ازداد عمق دفنه في باطن الأرض الجافة، زادت فائدته وطالت جذوره وتوسعت مساحة قاعدته، واكتشف كما هو زائف ذلك الجفاف الذي تتزين به الأرض لتخفي ما في داخلها من فوائد وأسرار وثروات.. هكذا كانت المرأة حينها، كلما تقلب بها الزمن على بساط الحزن، تقلبت هي بين بساتين التعب لتريح أولادها وزوجها وتخفف عنهم عبء الحياة.أما الطالبة نورة حمد راشد العذبة فقد اختارت صورة امرأة لتزيين صورة اللوحة المنزلية الصغيرة التي أبدعتها، وجاءت التفاصيل الديكورية حاملة للكثير من الإحالات، فاللآلئ تحيل على تاريخ الغوص في قطر وغطاء الرأس المفضض على عناية القطرية بجمالها والضفائر المجدولة على الجمال البدوي، واستدارة زينة الوجه تحيل على تأمل الوجه ذاته، وغطاء الرأس المفتوح من الجهة الأمامية يحيل على تسامح كريم حفلت به الأسر القديمة تجاه نسائها، أما الإكسسوارات المتعددة فتحيل على الحاسة الجمالية التي حكمت تفاعل المرأة حينها مع ذاتها، فرغم أن قطر كانت حينها صحراء قاحلة ، فإن المرأة وجدت الفرصة لتعيش وتربي وتعتني بنفسها وتنافس نظيراتها في الشرق والغرب، تماما كما فعل الرجل الذي جسدت الطالبة نوف عزيز الشمري الجرة التي يستعملها في سفره، واختارت أن تلونها بالعنابي والأبيض مع غطاء أخضر، وصور تمثل سباق الهجن، وإذا كان تذكر الرجل هنا لا يخلو من امتنان لعهد مضى فإن تفاصيل العمل ذاتها تقول الكثير، فالضفيرة التي تتعلق بها الجرة في سرج الفارس جاءت باللون الأبيض وتم إعدادها بعناية، دلالة على الاهتمام الكبير الذي توليه سيدة البيت -زوجة أو ابنة أو أختا- للمسافر فتحرص كنتيجة لذلك على إضفاء لمسة أنثوية جمالية حتى في وعاء شربه، هكذا ترسل المرأة رسائلها صامتة وموحية ومذكرة المسافر بأن له عائلة وأولادا ينتظرونه بفارغ الصبر.جاءت أعمال الطالبات في جزئها الأكبر جميلة ومبدعة ومتفاعلة مع مهارتهن التي يبدو الفرق بينها واضحا، فرغم التميز الكبير لهن فإن كل طالبة رسمت بمقدار موهبتها وهذا ما يحيل على ضرورة العناية بالطالبات والطلاب الذين يختارون التخصصات التراثية، إذ إن مصير هؤلاء لا يجب أن يكون محصورا في مجموعة من المحلات التقليدية التي تبيع آثارا من الماضي، بل يجدر بالمسؤولين التفكير بأن هؤلاء الطلبة هم الخميرة اللازمة لتنشيط الميدان السياحي، فقد جمعوا الموهبة والتعليم، ويمكن غدا أن يكونوا سفراء التشكيل القطري، ويعرفوا بها عبر الأسابيع الثقافية داخليا وخارجيا، كما يمكنهم أن يكونوا المثال الحي لتقاليد قطر أمام السواح ويتفاعلوا معهم بلغاتهم المتعددة ويقدموا شروحا لا ريب أنها ستحسن صورة قطر أمام زوارها.. هؤلاء ثروة وطنية يجب أن لا تدخل بورصة التجارة، بل تعتلي منبر التعريف بالفن الوطني.

الدوحة - شبّوب أبوطالب

كها البشر في تعاطيهم مع هذه القضية الجوهرية، وحسب المؤلف فإن سيجموند فرويد كان النفساني الأول الذي انتبه لمحاولة تحليل السلوك المالي بشكل نفساني، وربط ذلك بفترة التنشئة الأولى للطفل، إذ ربط فرويد بين فكرة التحكم بالمال وفكرة التحكم بـ «البراز»، إذ يأتي التعزيز الإيجابي للطفل الذي يتحكم بنفسه من طرف الوالدين علامة على قدرته على تحمل المسؤولية وسعادتهم به، بينما يأتي التعزيز السلبي دلالة على خيبة الوالدين في طفلهما، وهنا فإن فكرة «التحكم» و «الضبط» تنشأ لدى الطفل، وتتجلى حقا في تصرفاته المالية، إذ يكون تصرف الطفل المتحكم معتدلا تجاه المال، وفي المقابل يعاني الطفل غير المتحكم مَرَضِياً تجاه المال.يحلل الكتاب أنماطا عديدة من المتعاملين بالمال من البخلاء إلى المستغلين إلى المحتالين، وبعض الفقرات التي يخطها طريفة للغاية، وتصف بشكل دقيق الأفكار التي تجول في خاطر بعض هذه النوعيات من البشر، إذ يصف من يسميه «المدخّر القهري» بالقول «هو الفرد المدفوع إجباريا من دون طواعية إلى اكتناز المال، فترى الواحد منهم يملك المال الكثير والكثير لكنه يقاسي ويعاني شتى ضروب الحرمان.. لكن قوة قهرية تحثه دائما أبداً على عدم التفريط في أقل القليل من ماله.. ينظرون للمال على أنه المصدر الوحيد للشعور بالأمن»، وهذا وصف جيد للغاية للمرضى باكتناز المال، وهؤلاء ليسوا طينة من المدخرين العاديين ولا من البخلاء ولا حتى من بخلاء الجاحظ ولكنهم صنف آخر من البشر يمكن الالتقاء به في كل مكان، وهؤلاء «يعانون» أيما معاناة لو تحتم عليهم أن ينفقوا فلسا.ويقدم الكاتب تفسيرا جميلا للرشوة، إذ يقول إن دافعها لا ينحصر فقط في الحاجة إلى المال، ولا في صعوبة الحصول عليه، ولا في تدني الأجر الذي تقدمه الشركات لموظفيها، وكلها تبريرات قوية، ولكن المنشأ الثاني للرشوة هو عدم الإحساس بأخلاقيات العمل، وفي هذا السياق يشير الكاتب إلى أن معظم المرتشين هم شخصيات أثبتت الدراسات أنهم يمكن أن يحوزوا المقادير التي حصلوا عليها من الرشوة بطرق مشروعة وبقليل من العمل، لكنهم لا يفعلون ذلك ويفضلون بدلا من العمل الحصول على المال مقابل إنجاز خدمات غير مشروعة.من النماذج التي يشير إليها الكاتب، بتحليل ممتع، ما يسميه «مشتري الحب» وهؤلاء طينة من البشر تحسب أنها يمكن أن تشتري احترام الناس لها بالمال، ويقرن في هذا السياق بين «البغاء» و «الصدقة» في لفتة نادرة، فزبائن البضاعة اللاأخلاقية يبحثون في بعض نواحي سلوكهم عن مقادير معينة من الحب الأنثوي، ونظرا لعجزهم عن تحصيله بالطريقة الطبيعية فإنهم يتجهون نحو شرائه بالمال، على طريقة نزار قباني « بدراهمي.../لا بالحديث الناعم/حطمت عزتك المنيعة كلها بدراهمي/ وبما حملت من النفائس والحرير الحالم/ فأطعتني/ وتبعتني/ كالقطة العمياء، مؤمنة بكل مزاعمي»! والغريب أن الكاتب يضع ضمن هذا الإطار فكرة «الصدقة» ولعل هذا الطرح قد يبدو غريبا للوهلة الأولى، لكننا في حال تذكرنا النماذج العديدة التي يتحدث عنها الإعلام من طائلي الثراء الذين يقدمون بعضا من المال، قلّ أو كثُرَ، لبعض من الفقراء ولكنهم لا يفعلون ذلك دون أن يكونوا مدججين بأساطيل جبارة من الكاميرات ووسائل الإعلام، وهو نموذج سائد وقد تحدث عنه القرآن الكريم في قوله تعالى «لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ « (الآية 188. آل عمران)... وهنا قد تصبح «الصدقة» باعتبارها فعلا إنسانيا نبيلا في مثل وقاحة فعل البغاء. وللكاتب من هذه الوجهة ألف دليل على صوابية رؤيته.ويذكر الكاتب ضمن النماذج التي اختارها نموذجا جيدا للإنسان المحتال، وهو وصف - للطرافة - يصدق على أنواع عديدة من المحتالين بالمال أو بغيره، فيقول الكاتب «والمحتال إذ يعيش حالة من التضخيم لذاته، فما ذلك إلا لكي يهرب من الشعور بالقلق والإحساس بالنقص والدونية، فكثير من المحتالين لا ينتظرون من الآخرين سوى التمجيد والنفاق والرياء، وربما يدرك بعضهم أن الآخرين يقولون عنهم ما ليس فيهم، لكنهم - مع ذلك - يشعرون بالسعادة ويرتاحون إلى المداهنة ويستعذبون النفاق، لأن ذواتهم تعيش بالنفاق وتعتمد بشدة على آراء الآخرين فيهم».. الطريف أن القارئ لهذا المقطع سوف يتذكر آلافا من النماذج التي مرت بها من سياسيين ورجال أعمال وحكام مستبدين أو حتى من ناس عاديين يتسمون بهذه الخصال جميعها، فكأن الكاتب لم يعرف محتالي المال بل محتالي العمل والحب والأخوة وغيرها من المشاعر النبيلة.يتحدث الكتاب بشكل أقرب للوصفية، ويختتم صفحاته بنموذج اختباري قد يجد فيه الطفل أو الإنسان الراشد «زمرته المالية»، وإن كان من نقطة قد تسجل عليه فهي ميله لطرح القضية المالية في شكلها الاجتماعي وعدم التعمق في تحليلها بشكل قد يقود لأعمق النوازع البشرية التي تجعل السلوك المالي مؤشرا عمليا على الصحة النفسية للشخص، وحاكما في تحديد خياراته الاجتماعية.. تبقى فقط الإشارة إلى أن الكتاب في صيغته الحالية قد يكون جيدا للغاية لفئة المرضى بالمال، وليس البخلاء، فإن كان البخل ممارسة قد تنشأ من خلال محصلة عوامل اجتماعية ونفسية متداخلة فإن مرض المال ليس إلا فيروسا يصعب جدا الفكاك منه، ولعل قراءة التوصيفات اللطيفة التي يوردها الكتاب قد تكون نوعا من العلاج الموضعي على الأقل!تصف الروائية السعودية سمر المقرن، كاتبة هذا العمل، كتابها بأنه محاولة لقول بعض ما يؤرقها..إلا أنها تستدرك بالقول أنها لم تقل كل شيء، و أنها تحفظت عند كثير من التفاصيل...وهي الخلاصة المنطقية الوحيدة التي يمكن أن يخلص لها قارئ الرواية.
الدوحة ـ شبّوب أبوطالب
تعتبر "نساء المنكر" جزءًا تمثيليا بسيطا مما يمكن تسميته "فورة الرواية السعودية" التي ضربت الوسط الثقافي العربي بـ"تسونامي" حقيقي منذ ثلاث سنوات فانفجرت مواهب وكتابات كانت قبل ذلك في مخبأ مكين! والرواية في وصفها العام أقرب لمشروع رواية منها إلى نص روائي مكتمل، إذ يمكن ملاحظة أن أحداثها هي خطوط واضحة لرواية كبيرة الحجم أو لسلسلة روائية متوسطة الحجم، فهي بالتالي مشروع أقرب منه لرواية مكتملة.
تتحدث الرواية عن سعودية متزوجة من رجل يشاركها فراشها ولا يشاركها أي شيء غير ذلك، لا عواطف ولا أحاسيس ولا أفكار ولا مشاعر ولا اهتمام، بل إنه أبعد الناس عنها، ويقود الاغتراب العاطفي الزوجة البائسة للبحث عن العاطفة خارج حدود بيتها، فتتعرف على شاب يصادق إحدى زميلاتها، وتتوطد العلاقة بين الطرفين عبر الهاتف و برامج المحادثة الفورية على شبكة النت، وبتطور العلاقة يصبح كل طرف من طرفي العلاقة بحاجة للقاء الآخر بشكل شخصي ومباشر، خصوصا أن علاقة الشاب بصديقته السابقة تنسحب إلى طي النسيان، أو على الأقل هذا ما يبدو!
ينتقل البطلان إلى انجلترا حيث يعيشان حالة من الجنون، فالمرأة رغم أنها متزوجة لا تستنكف أن تتشارك فراشها مع الشاب الذي جمعتها به النت وأوقات الفراغ الطويلة، و المرأة التي يفترض أنها تعيش منذ فترة طويلة مع زوجها ترغب في أن تعيش حلم الزواج الأول مع المعني الجديد بالأمر، والصديقة التي تعرف حق الصداقة وتعتز بها، لا ترى عيبا في أن تخون صديقتها مع حبيبها السابق عطفا على انخفاض مستوى "التمثيل الدبلوماسي" بين الحبيبين السابقين.
تنطلق البطلة في رحلة انجلترا لتحطم كل القيود السابقة، وتنتقم لنفسها من كل الأوقات التي حرمت فيها مما تشتهي نفسها، فساحة "الهايد بارك" حيث يلتقي المعارضون السعوديون و العشاق الصغار و البط الذي يبحث عن خبز ناشف و المجانين بحرية التعبير..هذه الساحة ستكون على موعد مع تصفية حساب عسيرة للغاية، فالبطلة قد زارتها سابقا مع والديها وكانت تختلس النظرات للعشاق الذين تحسدهم و تتذرع بإطعام البط لمشاهدتهم، أما الآن فإنها تشاهدهم وتشاركهم فرحتهم، و تقول بلسانها كل الذي رغبت به سابقا ولم تستطع حتى التفوه به بينها وبين نفسها، والقادم الجديد لحياتها يبدو مستعدا لتعويضها كل أنواع الحرمان الذي عاشته من قبل، و لأن لكل بداية نهاية فإن علاقتها بالصديق الجديد ستنتهي على أبواب المطار البريطاني، لأن الفتى الذي نال ما تمنى سوف لن يملك الوقت الكافي لـ"تمديد العمل" بـ"شهر العسل " الذي عاشاه في لندن، وبمجرد عودته للسعودية يقلب ظهر المجن لبطلتنا، ما يدعوها لكتابة رسالة خائبة معتزة بنفسها ـ بعد طول بذل ـ ومقررة أن تنهي وجودها العاطفي في حياته" ثق أنك لم تجدني حين يروقك أن تشغّل جوالك وتُسَلِّي (ما سنجرك) فأنا لست محظية وقت فراغك من منتصف الليل، و أنا واثقة بأنك أكثر انشغالا من أن تضيع وقتك معي،احذفني من هامش جدولك المزدحم بالمعجبات، فأنا لن أكون من ضمن القطيع مهما حصل، ولست بعد اليوم أطمح لرجل ينتشلني من وحلي ..اتركني دون أن تبحث عن أدلة براءتك، وشكرا لأنك جعلتني أخيرا..أكرهك!"..و الطريف أن "العودة" عن "خطاب الاستقالة" كانت بذات سرعة كتابته، أما حرارة العودة فكانت بذات درجة حرارة "أكرهك" التي كتبتها بطلتنا آخر الرسالة، إذ قررت المرأة المتزوجة أن تلتقي حبيبها في مطعم عام يقدم وجباته للعائلات، ولم تتورع عن إطعامه بيديها، ورغم "كافة الاحتياطات الأمنية" التي سعى لها البطل الخائف فإن سذاجة المرأة قد أوقعته في يد "هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر" فكان مصيرهما السجن و البهدلة، وهناك في الغرف السوداء تتعرض البطلة لتعذيب وحشي بغرض إقناعها بالاعتراف بقائمة تهم لم ترتكبها، وينداح ستار السجن عن مجموعة صور تفضح بعض الذي يمارس في غيبة الرقابة الرسمية، وهناك يكون الموعد مع قصص عديدة لسجينات بعضهن سُجِنّ بسبب القتل و بعضهن بسبب "خيانة مشروعة" على حدّ عنوان فيلم المخرج الشهير خالد يوسف!
وبين أسوار السجن تتبدى ملامح مجتمع يعاني مصاعب الانتقال من طور لطور وسط ممانعات شتى من قبل فئات تخشى ذهاب نفوذها أو تتمسك بسلطان الأعراف و العادات، كما تتلبّس البطلة رداء المحامية عن سجينات وقعن في الخطأ، أو أوقعهن المجتمع فيه، فهذه انفصلت عن زوجها ثم تعرفت على غيره و استجلبته لبيتها فـ"طبّت" عليهما "الهيئة" وسيقت المرأة للسجن بدعوى ممارستها للدعارة.. وكأن تزويج فتاة ممن لا تحب بضغط المال و الأهل و الحساب الاجتماعي ليس دعارة بعقد رسمي؟ وتلك قتلت زوجها فحكم عليها القضاء و انتصر لها أهلها فالقتل في أوطاننا " من شيم الكرام"..ولا غرابة أن يقف الأهل مع قاتلة وينكرون حق "عاقلة" في الزواج بمن ارتضته...مسرح ضخم ترسمه الكاتبة في سجنها وتعرفنا من خلاله على مجتمعها، ولكن المسرح الحقيقي لم ينطلق بعد، لأن الفتاة التي تدثرت بعارها خرجت إلى الحياة باحثة عن عمل فلم تعثر سوى على منصب "صبابة قهوة" في الأعراس، وتكون فاتحة أعمالها في عرس ...حبيبها السابق!
هكذا تنتهي الرواية، التي تشهد للكاتبة بمقدرة لغوية جيدة و يمكنها أن تتطور بقوة، وتشهد لها بالمقدرة على رسم المشاهد ببراعة، إلا أنه رسم "غير مكتمل الأنفاس" إذ تنتقل الكاتبة أحيانا من "التصوير الفني" إلى البلاغة الخطابية في غير فاصل، و تعود من رواية حكاية مّا إلى "وقت مستقطع" بين حدثين لتلقي كلمة بمناسبة الحديث عن حقوق المرأة!، ويبدو أن هذا ما عنته الكاتبة حينما قالت بأنها "تحفظت بعض الشيء" في روايتها، فالتحفظ ظاهر و التفاصيل محروسة بعناية من "الإفراج التام" .. ومع هذا فالرواية صادمة وتستحق القراءة وصريحة في بعض الأحيان بشكل محيّر، كما في الحديث عن الضغط الذي يمارسه رجال "الهيئة" على خدم المطاعم بغرض "تجنيدهم" في كشف العشاق الذي يرتادونها! أو طرق التحقيق "العلمية للغاية" التي يمارسها بعض محققي سجون بلد الكاتبة على حد روايتها... العمل في عمومه يؤشر لبذرة تستحق العناية ويمكن للقارئ أن ينتظر منها، وتنتظر من نفسها، عملا أكثر عمقا و تفصيلا!
