الثلاثاء، 8 أبريل 2008

اعتبر الحجاب أشد فتنة من الانكشاف

حوار: شبوب أبو طالب يمكن أن تختلف معه كما يمكن أن تتفق، ولكن الحوار وحده يبقى فرصة لسماع آرائه من مصدرها، ولكل شخص الحق في القبول أو الرفض أو الانتقاد.. فالمهم أولاً أن تتوفر الفرصة للسماع. هكذا كان شعار «العرب» حينما جلست مع المفكر الدكتور أدونيس في جلسة حوارية حول الدين ودوره في الحياة.
 أثرتم الانتباه بحديثكم عن الحجاب. كيف تلخصون نظرتكم للموضوع؟
- أولا لا يوجد نص ديني قاطع في قضية الحجاب، والأحكام التي وضعت في هذا الشأن كانت لاحقة، بما يفيد إمكانية نقاشها وتفنيدها، هذا من الناحية الدينية، أما من حيث اللباس كلباس، فلباس الرأس هو جزء من لباس الجسم، وقد كان موجوداً في القديم، وبالتالي فالحجاب سابق على الإسلام، كما أنه رداء يُرتدى لدواعي الزينة، إذ إنه يساعد على «تركيز» نقاط الإغراء في العينين والشفتين.إن المرأة حينما تفعل ذلك فهي تركّز نظرة الرجل في موضع ما، وتجعل الرجل خاضعاً لإغواء شديد، وهكذا يصبح الحجاب فتنة من حيث يراد له تغطية الفتنة. النقطة الثانية، إن اعتراضي على الحجاب يأتي في سياق رفضه إن كان إجباراً، أما إن كان اختياراً حراً فلا نستطيع الاعتراض عليه، لكننا نستطيع التأمل فيه: هل هو اختيار حر فعلا؟ أم أنه اختيار فرضته ظروف اجتماعية وسياسية.. وأنا أميل إلى اعتبار اختيار الحجاب محصلة لضغوط مختلفة عليها، ولا تتجسد فيه الحرية بشكل تام.
 قلت أيضا إن النقاش حول الحجاب هو تغطية لقضية المرأة. كيف ذلك؟
- لقد قلت: إن اللهو بالكلام عن الحجاب قد يصبح هو الآخر حجاباً على الحقيقة، ويلهينا عن بحث القضايا الأساسية للمرأة.
 لنفرض أن الاختيار كان حراً. ما حجم الخدمة التي سيقدمها هذا التوجه للمجتمع؟
- إذا كان الاختيار حراً فأفضل أن لا تحتجب المرأة، وذلك يخدم التساوق مع الواقع الحالي، فالبشرية تسير نحو الكشف والعري مع النفس والآخر، وبالتالي فتحرر المرأة سيكون ضمن هذا التوجه.
 لنتحدث عن قولك بأن القرآن كتاب ثقافي، ما معنى هذا؟
- يؤخذ القرآن إجمالاً لدى المسلمين ككتاب أوامر ونواهٍ، وكتاب شرع، لكننا يجب أن نتخطى هذه النظرة، ونرى القرآن ككتاب ثقافي، فهو خلاصة ثقافية للثقافات القديمة، فقد تأثر بالتوراة وشخص المسيح والثقافة اليونانية والآرامية.. خلاصة ثقافية لمرحلة كاملة، وهذا ما نهمله.
 هل من المفروض الآن أن ندرسه ككتاب ثقافي؟
- يجب ذلك، ولكن المتدينون يعتبرونه شرعاً وحسب.
 ولكن، في حال دراسة القرآن كإبداع ثقافي، فسيجري عليه ما يجري على الإبداعات الأخرى، فتتحدد صلاحيته الزمانية، ناهيك عن إخضاعه للنقد الذي يختص بالإبداع البشري..لا الكلام الإلهي؟
- ولكن كيف يجيز المتدينون لأنفسهم قراءة القرآن كتشريع وحسب؟! يجب أن لا يقرؤوه من الأصل.. يجب أن يوضع في محل التقديس في القلب أو الصدر أو الرف وينتهي التعامل معه أصلاً.
 هم يقولون إن هذا هو السبيل للحفاظ على قدسيته؟- القدسية ليست في غلق النقاش حوله، واعتباره عالماً مغلقاً، بل في الكلام عليه وتفتيق دلالاته ومعانيه.
 هل تتصور القرآن حاملاً لدلالات جمالية؟
- بالطبع هو حامل للشيء الكثير منها، ولكن يجب أن تربط دلالاته الجمالية بالتاريخ والاجتماع، فمجرد نزول القرآن على مدى 22 سنة فهذا يعني أن هنالك بعداً تاريخياً لهذا النص، ولولا ذلك لنزل دفعة واحدة، ولاختفى أسلوب الناسخ والمنسوخ.
 هناك من يقول بأن فكرة إجابة القرآن على كل التساؤلات تغلق الباب على العقل، وتحيله إلى التقاعد، فما فائدة التفكير وكل شيء في القرآن؟
- ليس النص هو الذي يشل التفكير، بل طريقة تعاملنا مع النص. فالعقل هو الذي يشل نفسه في النهاية.
 كيف نوائم بنظرتك للقرآن كإبداع جمالي، وقولك بأنه قضى على الحقيقة الشعرية واختص لنفسه بكل حقيقة وصادر الإبداع..هل صادر هذا الكتاب المحكم الجميل الإبداع من حياة الناس؟
- لقد قلت كلامي وصفاً لا تقويماً، فالقرآن بطبيعته كوحي منزل وخاتم للرسالات وبطبيعة ناقله كخاتم للأنبياء، فهو على رأي المؤمنين خاتمة للحقائق، وهذا لا يتناقض مع فكرة أن تكون خاتمة الحقائق قد نزلت في ثوب بياني جميل.
 ألم تقض «خاتمة الحقائق» على الإبداع كما قلت؟
- هي لم تقض، ولكن تأويلها وتعميمها وتحويلها لشرع هو الذي عرقل حرية التفكير، ليس النص من فعل ذلك ولكنها الممارسة والذين ادعوا الائتمان على القرآن وادعوا حمايته.
 هل تقول إن القرآن نص جميل له محمولات دينية وجمالية، ولكن من حملها عرقل الإبداع؟
- في الحقيقة هؤلاء أساؤوا فهم القرآن، فالنص مهما كان جميلا فهو يصغر في العقول الصغيرة! وزّع القرآن على مجموعة من العقول المتفاوتة، وسيأخذ هذا النص شكل كل عقل تعامل معه، لأننا نرى القرآن من خلال العقول التي تعاملت معه، إن النص يكبر مع العقول الكبيرة ويصغر مع الصغيرة، وأنا آسف إذ أقول إن المتدينين إجمالاً قد جعلوا القرآن سجيناً لعقولهم الصغيرة.
 هل يمكن أن نقول إن «مأساة القرآن» هي أنه لم يتح له عقول في مستوى جماله وإبداعه؟
- في الماضي أتيحت له عقول جبارة وجميلة، مثلاً كتاب الجرجاني عن النظم القرآني من أجمل وأعمق الكتب، تفسير الرازي أيضا، الدراسات القرآنية القديمة عظيمة، لكن هذه الدراسات العظيمة لا يمكن أن تقاس للدراسات الحالية أبدا، أكثر من هذا أن الأشخاص الذين حاولوا قراءة القرآن في العصر «الرقمي» و»الحداثي» وأرادوا إدراج الفكر الإسلامي في الفكر الكوني كمحمد أركون مثلا..هؤلاء تصدى لهم البعض ووصموهم بالكفر.
 هل تريد ترشيح محمد أركون كمفسر للقرآن؟
- مفسّر..لا!..هكذا سوف أقضي عليه حينما أحوّله إلى شيخ!
 لنسمّه قارئاً إذن؟
- قارئ..نعم.
 تحدثت عن دراسات جميلة للقرآن في العصور السابقة، ما الذي قدمته هذه الدراسات للعرب اليوم؟
- المشكل أن العرب يتحدثون عن تراثهم دون أن يعرفوه، العرب أجهل الناس بتراثهم..أجهل من الغرب بابن رشد وبالتصوف ومجمع تراثهم، العرب جاهلون على جميع المستويات..الفن العربي لا يعرفه العرب ـ نتحدث بأسلوب العامة طبعا ـ ونفس الشيء مع الشعر الذي يعتبرونه ديوانهم، ويعتبرون أنفسهم جميعا شعراء، أقول لك بثقة: «أجهل الناس بالشعر العربي هم العرب»!..العرب لا يعرفون تراثهم فكيف يستفيدون منه؟».
 تحدث عن تجديد الشعر وتجديد الدين، وفرّقت بينهما، كيف ذلك؟
- تجديد الدين معناه تجديد قراءة النص الديني، أما النص ذاته فلا تجديد فيه، أما في الشعر فأنت تبتكر باستمرار نصاً جديداً.
 لو طلب منك مواطن بسيط أن تفهمه قولك بأن الحقيقة الشعرية تحمل قيمة معرفية بينما الحقيقة الدينية قضت على الجانب المعرفي.. أي دور معرفي للحقيقة الشعرية؟
- لقد تحدثت عن الحقيقة الشعرية مجازاً، أما الحقيقة في الشعر فهي موضع تساؤل دائم، ولا يمكن القبض عليها، إنها «حرية البحث عن الحقيقة»، وإذا كان هناك عالمٌ معرفي قوي ومتماسك، فهذا العالم المعرفي خلقه الشعر في المقام الأول بدءاً من امرئ القيس فأبو نواس وأبو تمام والمتنبي والمعري..هؤلاء خلقوا لنا عوالم أكمل من العوالم التي خلقتها الفلسفة مثلا، والتي كانت محصورة في الإطار المنطقيالعقلاني، لقد علمنا الشعر كيف نناقش الدين وكيف نتمرد عليه وكيف ننقده وكيف ننفصل عنه.. لقد خلق لنا عوالم أخرى.
 طيب، لو قدر لكوكبة من الشعراء أن تتولى الحكم بدلاً من حكامنا التاريخيين، كيف كان ماضينا سيكون؟
- أولا، لا يمكن المقارنة بين الشعراء والحكام، فمعاوية وهارون الرشيد..وغيرهما، هؤلاء مع أنهم أسسوا الدولة العربية الأولى، فاليوم أصبحوا جزءًا من التاريخ العربي وكفى، ونحن لا نعرفهم إلا بقراءة تاريخ العرب، بينما كان التاريخ جزء من الشعراء وعرفنا التاريخ بهم، ولم نعرفهم بوساطة التاريخ. إنهم أعظم بكثير من معاوية وهارون..هم خلقوا العصر ولم يخلقه الخلفاء، والنظام السياسي.
 هلا أوضحت الأمر قليلاً؟
- النظام السياسي جزء من التاريخ، بينما التاريخ مندرج في الشعر، فالذين خلقوا الهوية العربية ليس الخلفاء ولا الساسة ولا المؤسسات ولا الاقتصاد..الذي خلق الهوية العربية هو الإبداع العربي، وقد كان هذا الإبداع متمثلاً في الشعر بالمقام الأول، وهو الآن ممثل بالشعر والهندسة المعمارية والفنون المختلفة..إن الهوية هي إبداع الفنان وليست صنعة السياسي.
 هل يمكن القول تأسيساً على ذلك بأن تاريخنا كان صراعاً بين صناع الهوية العربية من الشعراء ومدمريها من الحكام؟
- لا أستطيع القول إنهم مدمرون، بل أصفهم بأنهم المغتصبون للسياسة العربية، فالعرب لم يعرفوا في تاريخهم كله انتخاباً حراً، فقد كانت السلطة ولازالت نوعاً من الاغتصاب القبلي والمالي والعائلي.
 ما هو الحل للتخلص من القبيلة؟- لو كان لدي الحل لانتهت مشاكلي.
صحيفة العرب القطرية
8-4-2008

الاثنين، 7 أبريل 2008

عندما تكون «ضيف الله» عاشقة في الستين من العمر!

الجزائر: شبّوب أبو طالب
لم ينته الحبّ بعد، ولم ينقرض مجانينه، وإذا كانت ليلى قد احتكرت تاريخ العشق النسائي العربي بشعرها، فإن «ضيف الله» الجزائرية قد طاولتها تضحيةً وفداءً.. وكانت أكثر منها صمتاً، وأقلّ حكمة!
دعونا نبدأ من البداية.. ربّما سمع بعضكم في الآونة الأخيرة أغنية النّجم الأسمر محمّد منير «البارح كان في عمري عشرين»، وربّما عرف بعضكم أنّها لمطرب جزائري يسمّى الحاج الهاشمي قروابي، لكن الذي الذي قد لا يعرفه كثيرٌ منكم هو قصّة هذا المطرب النّجم، المطرب الموهوب، الصّوت الشّجي، العاشق الكبير.. الإنسان الظاهرة.
ولد الهاشمي قروابي في السادس من يناير 1938 بحي «الـمُرادية» بأعالي العاصمة الجزائرية، ونشأ في حيّ «بيلكور» الشعبي، أحد أقدم أحياء العاصمة الجزائرية وأكثرها ثورةً وعنفوانًا، فكان الهاشمي عطفًا على ذلك فتًى وسيمًا، في محيّاه نعومة أبناء الأحياء الراقية، وتمرّد الجزائري وغضبه المشهورين.
لعب كرة القدم، ومارس التمثيل الدرامي والكوميدي، ثم بدا له أن يجرّب حظّه في الغناء، فكان التقرّب من شيوخ الطرب الشعبي «تسمية الأسلوب الغنائي الشائع بالعاصمة الجزائرية»، مثل، الحاج محمّد العنقاء والحاج مريزق والحاج حسيسن. هؤلاء الذين تعوّدوا أسلوباً مّا في التعامل، وطريقة معيّنة في الحياة، نظروا باستغراب لهذا الفتى المدلّل الذي لا يكترث كثيرًا بشيء غير موهبته ووسامته، ويرفض أن يلتزم (قواعد السلوك الفني) السائدة في عصره، والتي تعتمد على استرضاء كبار أهل الطرب وعدم التحرّك إلا في حمايتهم. الهاشمي رفض الانصياع، غامر وتحدّى ولم تنته الستينات حتّى كان له أسلوبه الشخصي في الغناء، والذي قام على تحرير أغاني «الشعبي» من لغة القرون الوسطى، وتقريبه من الطرب المشرقي وحتّى الغربي وتبسيطه ليفهمه كلّ الناس. جزائر الستينات وبداية السبعينات كانت مشتّتة بين الولاء لشيوخ الطرب «الشعبي» القديم، والإعجاب بالخرجات التجديدية للهاشمي قروابي. ورغم المعارضة الشرسة التي لقيها الفتي الأنيق، فإن الكلّ كانوا إذا اختلوا بأنفسهم غنّوا «البارح كان في عمري عشرين» و«يا الورقة» و«يوم الجمعة خرجوا لرْيَام». وكي نتصوّر مدى التجديد الذي أدخله الهاشمي على الأغنية «الشعبية»، فلا بدّ نعرف بأن كلماتها قبله كانت تتحدّث عن السلاطين والجواري. يعني عن زمن مضى، وكان غريبًا أن تتحدّث عن «الهاتف» و«الرسائل الغرامية». كانت ثورةً فجّرت البيت بمن فيه، وخلقت للثّائر ـ الذي غدا رمزًا ـ مئات الآلاف من الخصوم ومئات الآلاف من المعجبين والمعجبات خصوصًا.
لكن الفتى الهاشمي كان في وادٍ آخر، لم يكن ليلتفت إلى ما يثيره مروره من ضجيج وأغانيه من حرائق، لأنّه كان عاشقًا. نعم الحقيقة كذلك، فالشاب الذي تتقاطرت عليه المعجبات بأكثر ممّا تتقاطر أمطار الأمازون، كان يبكي إذا خلا بنفسه. يبكي للشخصية التي لا يعرفها أحدٌ، والتي بقيت سرًّا كما بقيت تفاصيل حكايتهما مجهولةً، لكن الذي يبدو من تفاصيلها أن ارتباطهما قد استحال لسبب من الأسباب، فذهبت الحبيبة لزوجٍ آخر وذهب هو لقدره.
كان الوقت مغرباً، حين هزّ سمع الحاج الهاشمي طرق حيّي على باب بيته بالعاصمة الجزائرية، وجاء صوته الرنّان والشجي: من؟ لا جواب. ثم: من؟ وبعدا لا جواب. ثم: من؟ متنمّرة وغاضبة. ليأتي الجواب من ذات لثامٍ «ضيف الله!» (وهي العبارة التي يقولها ابن السبيل في الجزائر، عندما يطرق بيتًا راجيًا مأوى أو زاداً). اغروقت عينا الحاج بالدمع، حُبِسَ صوتُهُ، وارتّجت كل ذرّة من ذرّات جسده الذي ناء بحمل السنين. لقد كانت (هي) الطارقة، الحبيبة التي صار عمرها ستين سنة. عجوزٌ تتلفّع بلثامها، يقودها قلبها إلى بيت مجنونها، بعد أن توفي زوجها أو أذنت لها زوجة الحاج. وكانت «ضيف الله» القصيدة التي أبكت نساء العاصمة الجزائرية، قصيدة الحب السبعيني، اللقاء الذي ينتظر عقودًا وعقودًا والقلب الذي يبدّل ملابسه ومشاربه لا مشاعره. هذه هي قصّة الرجل الذي غنّى له محمّد منير «البارح كان في عمري عشرين». لا أحد يعرف من هي «ضيف الله» ولا أحد يهتم بذلك فعلاً، فالمهم هو الرائعة الشعرية التي يبكي فيها قلبٌ طوى العمر ولم يبق إلا منعطف، يبكي فرحا عند لقائه بالحبيبة. يبكي لأن الزمن قد حنّ أخيرًا. هل قال أحدٌ مّا بأن زوج ليلى قد كان يسمح لقيس برؤيتها ثقة منه في عفافهما؟ هل قال أحد مّا أن «دي كابريو» قد آثر حياة حبيبته على حياته؟ هل قال أحدٌ مّا إن دولة الحبّ قد دالت. في الجزائر حدث ما هو أجمل وأرقّ من كلّ ذلك، وشخوصه ما زالوا أحياء. ولكن لم تسقط السماء ولا زلزلت الأرض، ولا تغيّر تاريخ الأدب العربي!
الشرق الأوسط ـ الاربعـاء 08 جمـادى الثانى 1427 هـ 5 يوليو 2006 العدد 10081

بوجدرة يعتبر روايات آسيا جبار «ما يطلبه الفرنسيون»

الجزائر: شبوب أبو طالب
بدأت الحكاية بعد نشر حوار جرى بين الروائي واسيني الأعرج والروائية فضيلة الفاروق. وقد ورد في هذا الحوار سطر مجنون يشير إلى الروائي الطاهر وطّار (قاتل نساء). ورغم أن سياق الاتّهام كان روائيًا، مبنيًا على ملاحظة أن كثيرات من بطلات وطّار يتم (التخلص منهن)، إلا أن وطّار لم يرض مثل هذا الانتقاص من موهبته في التعامل مع (حريمه)، فكتب معلّقة من حلقتين عن واسيني الأعرج، نابشاً في ملفاته القديمة، متهماً إياه بأنه غير أصيل في اختيار عناوينه، وأنّه قافز ممتاز على عناوين غيره، ولو بتصرّفٍ يسير، والأمر ليس غريبًا عنه، فقد قفز من قبل على إرث الأديبة الجزائرية زوليخا السعودي.
وكما يحدث في كل مرّة يكتب وطّار، فقد كان له فعل (الزلزال) الذي لم يستثن أيًّا ممن ركبوا الموجة وتعرّضوا له، فقد أوقف كل المتطاولين عند حدّهم، وبالرغم من (الكيماوي المزدوج) الذي أخرجه، فإنه لم يتعدّ حدود المتوقّع، سوى بإطلاق تهديد عاصفٍ بتصفية حساب كل متسكّعي شارع الأدب وأنذاله.. ما بقي له عمر !
وفي الوقت المستقطع بين رحلة جوية وأخرى، وجد واسيني الفرصة ليرد على الطاهر وطّار بنشر ثلاث حلقات، وأيّ رد! فقد أعلن أولاً انه لن ينزل بالمستوى، لكنّه استنفر التاريخ والجغرافيا، والده ووالدته، وحتّى كلاب جدّته ليقصف وطّار بالجنون والخرف والعجز الرّوائي وحتّى الأبوي!
وليمنحه رتبة (الشامبيط)،أي حارس بلدية الأدب الجزائري! ويبدو ان لا شيء اعترض واسيني في انطلاقه للأسفل، فقد تحدّث بكل ما خطر على باله... وما زال ردّ وطّار منتظرًا.
وفيما يستمر الاشتباك مشتعلاً بين الرّجلين، فإن جبهة أدبية أخرى تحتدم، إذ ان الروائي رشيد بوجدرة تذكّر فجأة مسدّسه، وطرد الروائية المعروفة آسيا جبّار من حظيرةِ الوطنية، لمجرّد أنّها اُختيرت عضوًا في الأكاديمية الفرنسية للآداب، واصفًا أدبها بالمتوسّط، وسلوكها الرّوائي بما يشبه برنامج (ما يطلبه المستمعون)، مع استبدال المستمعين بالفرنسيّين! ولم ينتظر الرجل كثيرًا ليطلع بحوار صحافي عاصف، أكّد فيه آراءه ووقف ضدّ الأسطول الإعلامي الجزائري الناطق بالفرنسية، والذي لا يعرف على أي رجلٍ يرقص فرحًا بالاختيار المبارك لآسيا!..، ثم جاءنا الروائي أمين الزّاوي من خارج السّرب، مفسِّرًا موقف بوجدرة بـ(التنفيس عن غيرة شخصية)على طريقته التنفيسية حين وصف كتابات أحلام مستغانمي بـ (ساندويتش البطاطس)! ولم يفلت الروائي الآخر بشير مفتي من التورط في المعمعة، فوصف المتصارعين بجوقة السبِّ والشّتمِ، والبطّالين ثقافياً وعملياً. والمعركة متواصلة وسط نصائح السينمائي والروائي عيسى شريّط للكل، بضرورة البحث عن مظلات، وربّما دخول مدرسة المظليّين، قصد تعلّم النزول لواقع النّاس، والكف عن حرب النجوم!
لم تخلُ هذه الاشتباكات من لحظات طريفة، كتذكير وطّار بعض منتقديه، بكؤوس الشّاي التي شربوها على طاولَتِهِ، وردّهم من وراء ستار، بأنّهم ينتظرون الفاتورة كي يدفعوا ثمنها، ويتخلّصوا منتِهِ! وكذا ردُّ واسيني على الاتّهامات الموجّهة له بسرقة العناوين، حيث اقترح على خصومه قائمة جديدة من العناوين المسروقة مع أصولها.. كي تكون لائحة الاتّهام مكتملة!
تكتب صحف الجزائر مقالاتها هذه الأيّام بالمِسطرة، وينصب بعضها محاكم للتفتيش عن النّوايا، وبين الحين والآخر يسقط البعض بنيران صديقة.. أمّا القرّاء فإنّهم يتساءلون عن دوافع ما يحدث، هل هو لهيب توهّج إبداعي جديد، أم آخر شرارات القنديل. وتتحدّث تقارير طبّية مشكوك في صحّتها، عن احتمال انتقال فيروس (جنون البقر) من شمال المتوسّط إلى جنوبه!
سنوات الحلم والخوف في سيرة ذاتية عراقية
«أية حياة هي؟» لعبد الرحمن مجيد الربيعيالرباط : عبد الرحيم العلام
يلجأ بعض الأدباء للإشارة في أحد نصوصهم الأدبية، إلى كتابهم الآتي. لقد فعلها من قبل الراحل جبرا إبراهيم جبرا مبشراً في روايته «البحث عن وليد مسعود»، بالجزء الأول من سيرته الذاتية، الذي صدر فيما بعد بنفس العنوان المشار إليه في الرواية السابقة، أي «البئر الأولى». كما سبق للروائي عبد الرحمن مجيد الربيعي أن وعد قراءه، في سيرته الأدبية «من ذاكرة تلك الأيام»، بعزمه كتابة سيرته الذاتية ونشرها بعنوان «أية حياة هي؟». فقد كتب في مقدمة ذاك الكتاب: «ليست هذه مذكرات أروي فيها سيرتي الذاتية فهذا أمر ما زال مؤجلا وإن كان مشروعا مطروحا، لا بل إنني اشتغلت عليه قبل سنوات، ووضعت مخططه وعنوانه الذي كان على هيئة سؤال: «أية حياة هي؟».
بعد مرور ما يزيد على أربع سنوات صدرت أخيرا للربيعي، عن «دار الآداب»، سيرته الذاتية «أية حياة هي؟ (سيرة البدايات)»، في سياق إقبال أدبي عربي لافت على كتابة السيرة الذاتية. وإذا كان الكتاب الأول يحكي عن العديد من المحطات الأساسية في حياة الكاتب، وعن المكابدات والمواقف والانطباعات، فإن الكتاب الثاني يركز، وإن كان يتكامل مع الاول على بعض اللحظات التي يستبق فيها السارد زمن الحكاية إلى استشراف أزمنة بعدية، وعلى رصد جوانب مرتبطة بمرحلتي الطفولة والنضج تحديدا.
تقدم لنا السيرة مجموعة من الحكايات الطفولية للكاتب، في زخمها وتنوعها، بحيث يصبح الزمن، غير خاضع لأي منطق، إذ تتداخل الطفولة ببعض المحطات الحياتية الأخرى للكاتب، في تناوب بين الاستباق والاسترجاع، وتلعب الذاكرة لعبتها الماكرة، يصبح معها من الصعوبة وضع حدود زمنية بين محطة وأخرى.
يبدو من الصعوبة بمكان تقديم كل الحكايات التي يسوقها الكاتب عن طفولته، كما هو الشأن مع عدد من علائقه العابرة بشخصيات أدبية، فكثيرا ما يشكل تذكر بعض الشخوص الواقعية في هذا النص، مناسبة للحديث عن توظيفه لها في بعض نصوصه القصصية والروائية، وبأسمائها الحقيقية في أغلب الأحيان، كما هو الشأن بالنسبة لبعض شخوص رواياته: «القمر والأسوار» و«خطوط الطول.. خطوط العرض» و«الوشم»، ومجموعته القصصية «ذاكرة العميان»، وذلك بمثل حديثه أيضا عن سياقات كتابته لبعض القصص والروايات، كقصة «البرتقالة» وروايتي «القمر والأسوار» و«الوشم»، كذلك الحال بالنسبة لاستحضار الكاتب لبعض الفضاءات والأحداث التي عاصرها..
فمن الحديث عن البلدة مسقط الرأس والفضاء العائلي، الأب والأم والإخوة والجدتين، إلى الشيطنة والدراسة، والقراءات الأولى، فالاكتشافات لفن القص من خلال حكايات الجدة، والحب الأول، وعالم المغامرات الغرامية، وعشق الارتحال والسفر والتنقل بين الفضاءات والمدن العراقية، فالحديث عن بعض الظواهر الاجتماعية والجنسية التي كانت سائدة، بما في ذلك إدراجه لحديث مطول وجريء عن عوالم الحب.
وينتقل السارد إلى مرحلة جديدة بدخوله المدرسة الثانوية وإدراكه لعوالم الموت، من خلال موت الأم وموت الجار أبي سكينة، وهو ما سيشكل، بالنسبة له، أولى مواجهته للموت (ص 152)، ثم انفتاحه على عوالم القراءة والكتابة والرسم والنشر والمغنين، من مصر والعراق، والسينما الأميركية في المرحلة الأولى، فإعجابه بالسينما الإيطالية، والسينما الفرنسية، فيما بعد، ثم حديثه عن سنوات الحلم والخوف.
ثم تأتي مرحلة التحاق الكاتب بمعهد الفنون الجميلة، وما ولده له اكتشاف بغداد من سحر وإعجاب كبيرين، بعد كل ما سمعه وقرأه عنها، فيخصص لها حيزا كبيراً نتيجة ما ولدته لديه هذه المدينة، من فتنة ودهشة وبهاء ومغامرات جديدة وحرية أيضا، بعيدا عن سطوة الأب، وخوف من المجهول والضياع: «لكنه ليس الضياع السلبي بل الضياع المعطاء الذي به أرى وأتمعن وأستشرف ويتسع أفقي»، على حد تعبيره (ص381)، وقد بدت له بغداد مدينة الفنون ومعارض التشكيل بامتيا..
ومن بين المراحل المؤثرة في حياة الكاتب تلك التي اطلع فيها على المنشورات الحزبية السرية للحزب الوطني الديموقراطي، وهو ما كان له التأثير اللاحق في روايته «القمر والأسوار» التي وظف فيها أحد بيانات الحزب المذكور، كما تعرض فيها لعراق الخمسينيات قبيل سقوط النظام الملكي.
بموازاة هذا كله، يلجأ الكاتب بين الفينة والأخرى، إلى استرجاع وسرد بعض الأحداث والمراحل السياسية التي شهدها العراق، سواء إبان الحكم الملكي، وثورة تموز 1958، والحرب العراقية الإيرانية والحزب الشيوعي السري والحزب الوطني الديموقراطي وحزب البعث، وغيرها من الأحداث الأخرى التي تجعل من هذه السيرة الذاتية سيرة مختلفة حقا.
الشرق الأوسط ـ الاربعـاء 06 جمـادى الثانى 1426 هـ 13 يوليو 2005 العدد 9724.

«الفروبينيس».. عندما تتحالف مافيا الآثار مع وكالات الجاسوسية

تحقيق: شبوب أبو طالب
لم تكن حادثة لصوص الآثار الألمان، الذين ألقي عليهم القبض قبل أشهر في الجزائر، سوى الفصل الأول الذي كشف عن أكبر عملية سرقة أثرية في تاريخ هذا البلد العربي. والعجيب أن السرقة تمّت عبر اتفاقية رسمية. والأعجب أن الفضيحة اشتملت، أيضا، على جرائم تمس بالأمن القومي الجزائري.. أما الذي يسبب الإغماء فهو ان الفاعلين أحياء ولم يحاسبوا!! وهذه هي التفاصيل.
مطلع السنة الجارية، دعيت كغيري من الإعلاميّين لتغطية ندوة صحافية لمسؤولي وزارة الثقافة حول (قضية اللصوص الألمان)، أو الفضيحة التي نجمت عن تورّط سياح ألمان في سرقة أثرية جزائرية لا تقدّر بثمن. يومها سمعت في الكواليس همهمة باسم (فروبينيس) تتكرّر باستمرار، يضاف إليها كلمات من طراز (تواطؤ) أو (هذه هي النتيجة) أو (الألمان ثانية..فليحصدوا ما زرعوا)! وعلى عكس الزملاء الذين طرحوا أسئلة خاصة بموضوع الندوة، فقد غامرت بسؤال هو خِيطَ من (طراطيش الكلام) الكواليسي، فقد تساءلت ( إذا كنّا اليوم نتحدّث عن سرقة آثار بفعل سياح أجانب، فإن السؤال المطروح على حضرات المسؤولين، هو عن درجة تواطؤ بعضهم و تسهيلهم لهذه الجريمة؟ وما الذي فعلوه بعد قضية فروبينيس؟ من حق الرأي العام أن يفهم. وكانت المفاجأة، فقد اضطربت القاعة، وأقنعنا المحاورون ببعض الوقائع الشحيحة، بلفلفة الموضوع، فيما رفضت وزيرة الثقافة الجزائرية، خالدة تومي، أي تعليق!
البحث في كومة قش
* بدأنا البحث في أرشيف وزارة الثقافة، حيث حصلنا على معلومات حول اتّفاقية موقّعة بين الدولة الجزائرية و مخبر ألماني بحثي باسم (فروبينيس)، الاتفاقية شملت طلبًا لـوضع خريطة أثرية لأكبر محمية سياحية جزائرية تمتد على مدى أكثر من 80 ألف كيلومتر مربع، وتدعى (تاسيلي نادجر)، لكن الاتفاقية إيّاها قادت إلى سرقات متكرّرة لآثار لا تقدّر بثمن، كما أن الجانب الألماني لم يفِ بواجبه، إذ لا تتوفّر للدولة حاليًا أي خريطة أثرية لهذه المحمية. أكثر من هذا فإن المسؤولين عن متابعة الاتفاقية الكارثية خرجوا من ثوب العمل الرسمي، إلا أنّهم مازالوا ينشطون ضمن جمعيات أهلية لحماية التراث، دون أن يحتوي أرشيف الوزارة، على أي تبرير منهم لكيفية صرف الاعتمادات المالية المخصصة للمخبر الألماني، ولا جَرْدَة نتائج. والأكثر من هذا أن الكل في الوزارة يعطيك الانطباع بأن (الملف قد طوي). وكان غريبًا أن يحاول البعض إقناعك بأنّه من الطبيعي أن تموّل الحكومة الجزائرية برنامجًا لسرقة آثارها! وأن يتم هذا البرنامج في أصعب سنوات الفتنة الأهلية! وأن لا يحاسب أحدٌ في جريمة سرقة أثرية يدينها العرف وكل القوانين.. شيء مّا وشى بأن الأمور ليست على ما يرام.
رحلة في أعماق الصّحراء
ما وجدناه في الوزارة لم يقنعنا، وكان علينا أن نحزم الحقائب باتّجاه الجنوب الجزائري، لمواصلة بحث مضنٍ استمر شهورًا، والذي حصل أن (مؤسسة الشروق) التي أعمل لحسابها قد وافقت على مغامرة البحث في تلك المجاهيل، وخلال ثلاث ساعات من الطّيران كنّا في مطار مدينة (جانت) بعيدًا عن العاصمة الجزائرية بحوالي 1700 كيلومتر.
(التاسيلي نادجر) المذكورة في أرشيف الوزارة كانت أكبر من كل توقّع، فهي منطقة (كوكتيل طبيعي) لمختلف أنواع التضاريس، تمتد عشرات آلاف الكيلومترات في حضن الصّحراء، وبها من الآثار ما لا يخطر على بال،إذ أنّها تحوي شواهد من كل الحقب التاريخية والما قبل تاريخية، وبحكم قلة عدد سكّانها، وهم بضعة آلاف، فإن الآثار مازالت كما تركها الإنسان الأوّل، بكامل عذريتها، في حراسة لا أحد.
سألنا مدير المحمية، السيد حسين عمبيز، وهو باحث شاب، فبدأ بوضع بعض النقاط على الحروف، ملتزمًا واجب التحفّظ بطريقة مثالية. حسين أخبرنا أنه إثر توليه مهامه قبل سنوات قليلة، لاحظ أثرًا للاتّفاقية المذكورة، وعلم أن المخبر الألماني قد أنشأ خريطة معلوماتية بالكامل لأكثر من 3000 منطقة أثرية بالمحمية، النقاط حدّدت وفق النظام الدولي لتحديد الموقعGPRS وهي على درجة فائقة الدقة، إلا أن المخبر الألماني لم يسلّم الخريطة إلى الحكومة الجزائرية، وهرب بها، مع كمية هامة من القطع الأثرية. جريمة لم تتابع قضائيًا لوجود بندٍ لم يعرف أحد كيف تسرّب للاتّفاقية، ترخّص الحكومة الجزائرية بموجبه لـ (إخراج القطع الأثرية خارج أرض القطر لغرض علمي)، وإذن فإن كامل المسروقات قد قدّمت على أنها (مخرجات لغرض علمي)، ولم تعد إلى الآن.
القضية لم تتوقف هنا، فإن (الباحثين) الألمان عادوا للجزائر ثانية، لاستئناف بحثهم! وبدون (الرخصة البحثية)، التي يفرضها القانون الجزائري على أي نشاط مماثل يقوم به أجانب، فما كان من المدير الشاب سوى توقيفهم باستدعاء قوّات الأمن، ومطالبتهم بإرجاع كافة المسروقات. لكنه تلقى بعد ذلك، بلاغًا رسميًا من مسؤوله الأعلى بوزارة الثقافة، يطالبه بـ(تسهيل مهمة الباحثين و معاملتهم كسياح) بل نصّ البلاغ على تحذير شديد اللّهجة من أي (عرقلة) قد يقوم بها المعني لعمل هؤلاء، وتهديد علني بفصله عن عمله إذا ما حدث ذلك! وبإمكانكم تخيّل نفسية الرجل حين يطالبه مسؤوله بتسهيل مهمة لصوص يسرقون محمية وضعتها حكومة البلد في عهدته.
حاولنا الاستفسار عن علاقة محتملة بين كون المخبر الذي وضع الخريطة إيّاها ذا انتماء ألماني، وبين الصّدفة التي جعلت من غالبية مهرّبي الآثار الجزائرية من جنسية ألمانية أيضًا، خصوصًا أن الرأي العام الجزائري قد صُدِم للسهولة البالغة التي يتحرّك بها هؤلاء اللصوص داخل الصحراء، بطريقة من يتجوّل داخل بيته، وكأنّهم يمتلكون خريطة تفصيلة لكل نقطة في الصّحراء... المدير الشاب استعصم بالصّمت.
وقائع جاسوسية أخرى
* مباشرة بعد العودة من مدينة (جانت) نُشِر التحقيق المدعّم بالصور والوثائق والتواريخ، الذي يتساءل عن معنى تورّط مسؤولين نافذين في حماية مهرّبي آثار، ويشير بالأحرف الأولى إلى أسمائهم، ويحاول إحصاء بعض المسروقات..وكانت ضجّة! تحرّك نواب مطالبين وزيرة القطاع الثقافي بكشف مستورها، وتحرّك آخرون لاستدعائها إلى جلسة استجواب علنية، و تحدّث آخرون عن نية مفاتحة الرئيس في القضية! وهذا كله ليس أهم ما في الموضوع!
الأهم،أنّنا تلقيّنا سيلا من الاتّصالات التي كشفت الملامح الأولى لقضية غاية في الخطورة، إذ أن الاتفاقية البحثية وقّعت في أشد لحظات الفتنة الأهلية الجزائرية، سنة 1994، وفيما كانت الحكومة الجزائرية تمارس التسريح الإجباري على آلاف من العمّال، لعجزها عن تسديد أجورهم، وتقترض لتطعم شعبًا يذبح على مرأى العالم، فقد بدا غريبًا أن توقّع اتفاقية بحثية لاكتشاف الآثار، وبدا أغرب أن تكون منطقة البحث أنسب مكان لرصد نشاط نووي غير سلمي كانت (جهات أوروبية) تتّهم به الجزائر! وبدا غير مفهوم أن الهيئة البحثية قد نصبت أجهزة استشعار يمكن استعمالها في عمليات الرصد النووي لا الأثري! وبدأت الشكوك تتوارد حول كون المؤسّسة البحثية قد اخترقت لتتحوّل إلى واجهة استخباراتية تمارس الجاسوسية لصالح أجهزة لم تعلن رسميًا للآن، وكون هذه الواجهة قد تلقّت عونًا من جهات جزائرية لأسباب غير معروفة، ولكن يمكن افتراض بعضها، إذا أُخِذَ بعين الاعتبار حقيقة أن الدلائل على الأرض، تساعد على الظن بأن الخريطة إيّاها ربّما قد وضعت مرارًا بيد مافيا دولية لسرقة الآثار، يقودها ألمان، فهذا هو التفسير المنطقي الوحيد لكون أفراد هذه الجنسية وحدهم دون غيرهم يستطيعون التحرك على أرض الصحراء الجزائرية بنفس مهارة سكّانها، وربّما أحسن.
وهنا يغدو من الطّبيعي الحديث عن (شبكة متكاملة): مخبر علمي كواجهة استخباراتية محترمة، طرف أجنبي يهمّه التأكّد من الوضع النووي لبلد قارب السّقوط في قبضة العصابات الإرهابية، وطرف محلّي يتوفّر مثله في كل شعب، أي طرف يستطيع بيع جلده إذا قبض الثمن، طرف سهّل عملية إعداد المافيا الأثرية لخارطتها في أحسن الظّروف، فأعطاها أنجع وسيلة للتحرّك طمعًا في ثمن أو رغبة في المشاركة بالغنيمة الضّخمة للمنجم الأثري المفتوح على الهواء.
الشكوك تكاثرت، والملف ازداد اتّساعًا، وضغط أحد النوّاب، مطالبًا الوزارة والوزيرة بملف مكتمل عن الفضيحة، وعقد اجتماع مغلق داخل أسوار الوزارة، تم فيه إشعار المسؤولين بأن الفضيحة التي أخذت بعدها الأمني بالكامل، قد صارت ( من صلاحيات المسؤول الأوّل بالوزارة) أي الوزيرة خالدة تومي شخصيًا، التي تعهّدت بالمضي في الملف إلى ما لا نهاية.
رؤوس ستطير
* غضب بعض نوّاب البرلمان الجزائري تصاعد بمضي الوقت، وارتفعت أصوات مطالبة بالكشف عن (القائمة الكاملة) للمتورّطين، وعن أسباب (التسهيل) الذي قدّموه للأجنبي، وعن حجم الضرر الأمني الذي حاق بالبلد، وعن أسباب عدم محاكمتهم للآن، وعمّن يحميهم.... ولأن الدورة التشريعية الربيعية قد انتهت، فقد برمجت جلسة استجواب علنية لوزيرة الثقافة الدورة المقبلة، استجواب يتوقّع مراقبون أن يكون من بين أسخن ما مرّ على المنصّة التشريعية الجزائرية، ويتضخّم التوقّع لرؤوس ستطير، و(فضائح أدهى) ستكتشف، وموعدنا بعد أشهر قصيرة لمتابعة بقية الحكاية!
الشرق الأوسط ـ الاربعـاء 12 رجـب 1426 هـ 17 اغسطس 2005 العدد 9759

أغاني الراي .. جرأة وواقعية وتجاوز للخطوط الحمراء أحيانا

الجزائر: شبوب أبو طالب
يمكن القول ان اغنية الراي الجزائرية مرت بثلاث مراحل. تتمثل الاولى في بروز "ظاهرة الشيوخ" الذين كانوا يؤدون اغنيات تعبر عن "الرأي السديد"، ومن هنا برزت التسمية على أرجح الروايات، ثم جاءت مرحلة الثمانينات من القرن الماضي عندما برز "الشبان" يؤدون هذا النوع من الطرب بكلمات عادة ما كانت توصف بـ "غير النظيفة وغير المناسب سماعها وسط العائلة". لكن مع انتشار هذا النوع من الغناء في تسعينات القرن الماضي خارج الجزائر وبلوغه العالمية، في الغالب بسبب موسيقاه، بدأ "جيل المرحلة الثالثة" يتجه نحو تحسين اختيار الكلمات، ويقول الجزائريون ان "الراي" دخل برامج التلفزيوني الجزائري الرسمي، لاول مرة خلال هذه المرحلة. لكن رغم ذلك، فان هناك من يقول ان أغنية الراي لا تزال تتجاوز بعض الخطوط الحمراء.
فعبدو (او عبده كما يكتبها المشارقة)، مثلاُ، احد نجوم فن الراي الحاليين، عرف بتصريحه الدائم عن شذوذه، وهو لا يتورّع عن الاعتراف بذلك، بل قدم أغاني تدعو إلى الرأفة بعواطفه. وعبدو ليس طارئًا على المشهد الغنائي الجزائري، فله أكثر من عشرين سنة على المنصة، يرتدي لباسًَا نسائيًا، ويضع الأساور والخواتم، وكامل الزينة النسوية من "أحمر" الشّفاه إلى "وردي" الخدّين! ويرقص بفن تحسده عليه روبي.
بوح بلا حدود
* ومن بين أغانيه المتداولة واحدة بعنوان Appel masquژ أو (مكالمة مجهولة المصدر)، لا يسمح المكان بذكر كامل كلماتها، ففيها ما لا يخطر على البال، وما لا يمكن أن يُتخَيّل بأن نصًّا مكتوبًا بالعربية ـ العامية ـ يمكن أن يحتويه.
هذا الرجل ـ على حدّ قول بطاقة هويّته ـ ظاهرة حقيقية، وقد سبق لأكثر من قناة تلفزيونية أوروبية أن رافقته في جولاته الغنائية، وصوّرت طقوسه الخاصة بالكامل، واستجوبته فدافع عن طريقته في الحياة، بكل لغة يعرفها. وعندما رحل الأوروبيون عن وهران ـ مسقط رأس المطرب ـ كان في جعبتهم اعتراف يقول (إننا نستطيع أن نزايد على الجزائريّين في كل شيء إلا في هذا المجال)، ذلك أن المغني معروف، وممارساته مشهورة، ولكن لم يسبق أن أوقفه أي شرطي، ولم ترفع عليه أي دعوى قضائية، وإذا كان النّواب المصريون قد خصّصوا لروبي وهيفاء بعضًا من جلساتهم البرلمانية، فإن نظراءهم الجزائريّين لا تهمهم مثل هذه القضايا كثيرًا، بل ربما كان بعضهم من هوّاة أغانيه.
غناء نقدي
* إذا كان من عادة المشارقة مجاملة الشعور الوطني، والتغزل ببلدانهم، فإن بعض أشهر نصوص الراي الجزائري تحفل بانتقاد عارم للسلطة يصل إلى درجة الكفر بالبلد ذاته. فهذا (رضا الطالياني) واحد من بين أشهر مطربي الراي الشباب، يسجّل أغنية بعنوان (Les Kamikazes) أي (الانتحاريون)، يفتخر خلالها بأن الجزائريّين يملكون شجاعة انتحارية، في قدرتهم على الفرار من بلدهم! وتُعَدّد كلمات الأغنية وسائل الهرب، من تزوير جوازات السفر إلى الالتصاق بالبواخر المتّجهة شمال المتوسّط، بل ويتيه المطرب فخرًا بوفاء أبناء بلده لحلمهم بالهجرة، فإن فلتت هذا الموسم فلن تفلت الموسم المقبل، هذه الأغنية موجودة ومتداولة، ولاشيء اعترضها، ورغم أنّها ضد الوطنية على طول الخط، فقد كان الألبوم الذي احتواها قنبلة الموسم الماضي، وتحوّلت إلى ما يشبه النشيد الشبابي الجماعي، تصادفه في الملعب، والجامعة، والعرس وفي أي مكان.
(رضا الطالياني) لم يكن جريئًا في هذه وحسب، بل له أغانٍ غرامية في غاية الغرابة، من بينها (جوزيفين)، وتروي معاناة جزائري تزوّج من إيطالية ـ جوزيفين ـ طمعا في تسوية (تصاريح الإقامة)، لكنّه ما استطاع التأقلم مع طريقتها المتحرّرة في الحياة، وإذن فهو ـ بكامل رجولته ـ يطلب منها تطليقه، ويرجوها أن تعيد إليه وثائقه الثبوتية. أغنية قلبت سوق الكاسيت رأسًا على عقب، والذي يمكن أن يستشف من سماعها هو أسبقيتها في تناول قضية على درجة عالية من الحساسية، قضية واقعية ولكن لم تتناول في الغناء العربي بوضوح وصراحة، بل إن (مجتمع المهاجرين) العرب ككل، لم يحظ بمن ينصفه غنائيًا سوى الجزائريّين.
مفاجأة تلفزيونية
* للتّاريخ العسكري الجزائري خصوصيته، التي حملت كثيرين على وصم بعض جنرالات الجيش بالاستبداد، وقد أثير النقاش خارج الجزائر، ووصل صداه إلى الدّاخل، غير انّه ظل محصورًا بصحف المعارضة، وبعض الهمسات غير المسموعة. أسوأ المفاجآت حدثت يوم استضاف التلفزيون الرسمي (الشاب بعزيز)، وهو معارض عريق، بغرض تقديم وصلة غنائية على الهواء، ولثوانٍ قبل انطلاقته، ظل مخرج الحلقة، ومعه 30مليون جزائري لا يدرون ما الذي سيغنيه، لأنّه احتفظ به لنفسه، لتنفجر حنجرته بأغنيته الشهيرة حول (الجنرالات)، والتي لم يترك فيها أي نقيصة إلا وألصقها بهم. جَمُدَ منشّط الحفل، وجمدت كاميرات التصوير، وجمد المشاهدون، وباختصار كان المتحرّك الوحيد في الجزائر هو (الشاب بعزيز) طوال 5 دقائق هي مدّة الأغنية!
لا أحد جرؤ على توقيفه لأنّهم توقّعوا الأسوأ من مطرب لا يملك ما يخسره، بل إن المنشّط المضطرب، وجد نفسه يهدي المطرب باقة ورد عملاقة، ويغدق عليه الثناء العاطر! حصل هذا قبل سنوات قليلة، وبسببه منع المغني من دخول مبنى التلفزيون الرسمي ثانية، وكانت تلك أكبر ضربة تلقّتها المؤسّسة الرسمية الجزائرية، ورقيبها الفنّي بالذّات، حدث كل هذا في سابقة عربية تبدو معها كل التصريحات الفنية المعارضة لهذا الرئيس أو ذلك، مجرّد تلميحات لا ترقى إلى الجنون الذي مارسه (الشاب بعزيز). فإذا كانت روبي تثير الشّعور العام بتعرية ذاتها، فإن المطرب المشاغب قد عرّى وطنًا برمّته! ومازال حرًّا طليقًا لم يتعرّض له أحد بسوء بل ربّما كانت تلك الأغنية سببًا في حمايته بأثر عكسي.
كهذا هو الراي الجزائري، أفق غير محدود لممارسة البوح بكل معانيه، ولعل حاجز التأقلم مع العامية الجزائرية هو الذي منع وصول روائعه إلى كثير من الأقطار العربية، ومنعه بالتّالي من اهتمام يحق له أن يناله، ذلك أن الجرأة التي يحفل بها تفوق بكثير ما يتداول في أي وسط فني عربي خارج الجزائر، جرأة تكشف أن المخالفة الحقّة ليست في تعرية الجسد وحسب بل تعرية الحقائق أيضاً.
الشرق الأوسط ـ الخميـس 11 شعبـان 1426 هـ 15 سبتمبر 2005 العدد 9788

عزلة الجزائر الثقافية لن يغفرها الجيل الطالع

الجزائر: شبوب بوطالب
قيل أن أصعب سؤال في برنامج «من سيربح المليون» كان التالي: «أذكر أربعة أدباء جزائريين».. لا أحد ظفر بالجواب، لا متنافس، ولا صديق، ولا جمهور... والسبب أنه لا يوجد غير ثلاثة! قد تحمل هذه الطّرفة بعض السخرية، لكنها تصور واقعاً أليماً، فقلما يوجد أديب جزائري فرض نفسه على الساحة العربية. أو إن شئنا الدقة، لا يوجد أي اسم جزائري أتيح له فرض نفسه على الساحة العربية، فما هي الخلفيات التي تؤسس لهذه الوضعية؟
ربما يتصور البعض ـ لأسباب كثيرة ـ أنه لا يوجد وسط ثقافي في الجزائر، والواقع أن زعماً مثل هذا يضحك الكثيرين، ولنورد بعض الأرقام: فحسب آخر أرقام مديرية الجمارك يستهلك الجزائريون حوالي 2.56 مليار دينار من الكتب، أي حوالي 25.600.000 دولار أميركي، هذا عن الكتب المستوردة، أما الإنتاج المحلي فهو بالتقريب مماثل للإنتاج المستورد، يقوم عليه أكثر من مائة ناشر، ناهيك عن المنشورات المطبوعة بدعم رسمي، عبر (صندوق دعم الإبداع) وهو حساب عام يوجه رصيده لدعم إبداعات الشباب. وقد انتج في حوالي السنتين ما يقارب مائتي عمل إبداعي جديد، بين رواية وقصة وديوان شعري، غير هذا تملك المديريات الثقافية في كثير من المحافظات، شبيهاً محلياً لهذا الصندوق، يمارس ذات المهمة. وإذا أخذنا بظاهر الأرقام، فهنالك حوالي عشرين رواية جديدة سنوياً في الجزائر، يضاف لها نفس الرقم أو يزيد قليلاً من دواوين الشعر، أما الكتب البحثية والجامعية، فهنالك العشرات تنتج سنوياً، أيضاً في أكثر من 36 مدينة تحوي مؤسسات جامعية، ولكل جامعة موازنة خاصة بالنشاط الثقافي، وكلها تصرف ميزانياتها إلى آخر مليم، وتظهر رغبةً عارمة في التوسع (النشطوي) الثقافي. وفي الجزائر أيضاً حوالي 48 مديرية ولائية للثقافة، وأكثر من 500 منشأة، ما بين دور للشباب ومراكز ثقافية محلية، كلها ممولة من المال العام، دون نسيان حوالي 300 مليون دولار خصصت في إطار مشروع الموازنة العامة للدولة كمصاريف ثقافية، ومعنى هذا كله أن الإنتاج الثقافي غير معدوم في الجزائر، فما الذي يعيق تسويقه خارجياً؟ وما الذي يمنع تسويق أصحابه معه؟
تضاريس ثقافية وعرة
* خارطة الأدب الجزائري تتسم بتثليث أبعادها، فاللغات التي يكتب بها الجزائريون هي العربية، الفرنسية، ثم اللهجة الأمازيغية، وإذا كان انتشار النوع الأول قابلاً للفهم، فإن النوعين الآخرين لا يجدان نفس اليسر في الانتشار، فإذا عرفنا بأن عيون الأدب الجزائري قد كتبت باللغة الفرنسية، ثم عرفنا بأن غالبية القراء العرب يفضلون الانجليزية عليها، فسيكون أول مفاتيح غياب الأدب الجزائري بين أيدينا.
ومن المؤسف أن عملية الترجمة غير ناشطة في هذا السياق، هكذا فإن مأساة احتجاب الأدب الجزائري قد راحت تتواصل دونما نهاية، مما حرم القارئ العربي من روائع نالت التشجيع والثناء الأوروبي والأميركي والدولي أيضاً، روائع شيخ الروائيين الجزائريين المرحوم مالك حداد كـ (سَأََهَبُكِ غزالة) و(الشقاء في خطر)، وروائع الراحل مولود فرعون كـ(ابن الفقير)، وروائع الراحل محمد ديب كـ (ثلاثية الدار الكبيرة)، وروائع الروائية العالمية آسيا جبار كـ (الفانتازيا)...الخ.
يقول الراحل مالك حداد: «اللغة الفرنسية منفاي»، ولعل عبارته تلخص واحداً من سجون المتن الأدبي في الجزائر، ذلك أن جيل الآباء المؤسسين للأدب الجزائري قد زاول تعليمه في الغالب بالفرنسية، ومن ثم ما كان متاحاً له العودة إلى مقاعد الدرس لتعلم لغته الأم، فخسر جمهوره، ثم راح يخسر باستمرار على مدى عقود متواصلة مزيداً من القراء الجزائريين وغيرهم، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن نسبة معتبرة من الشباب الجزائري هم من غير المفرنسين، والمشكلة تتكرر مع الأعمال الجديدة المكتوبة بلغة المستعمر السابق، فالرواية الأخيرة ـ مثلاً ـ لرشيد بوجدرة، والحاملة لعنوان (الجنائز) حقّقت نجاحاً مشهوداً في فرنسا، لكن القارئ الجزائري والعربي لم يطلع عليها، وربما لم يسمع بها، وأعمال الروائي يسمينة خضرة ـ اسم نسائي مستعار للروائي والعسكري السابق محمد مولسهول ـ قد حازت إعجاباً ضخماً في أوروبا حيث نشرت بأكثر من لغة، بينما لم يشرع الجزائريون في قراءتها إلا أخيراً، وخذ قياساً على ذلك الكثير من الأدباء والأعمال، ويمكن القول بدون تحفّظ بأن الكُتاب باللغة الفرنسية لا يضعون ضمن قائمة اهتماماتهم ـ لا القريبة ولا البعيدة ـ طموح الانتشار عربياً، ذلك أن جمهورهم أوروبي بحت، وهم يحققون النجاح تلو النجاح معه، فلماذا يلتفتون لغيره؟
ويتورط الأدب الجزائري المعرب في مشكلة أعمق، ذلك أنه من جهة يعاني هاجس حصارٍ غير معلن، فالإدارة الثقافية الجزائرية مفرنسة في غالبها، وبالتالي فهي غبر متحمسة للتعاطي معه، وليس وارداً في حساباتها أن تسهل له الانتشار مشرقياً، هذا لجهة الصعوبة الداخلية، أما خارجياً فإن المأساة هي أن بعض المنطق لا يدعو أي ناشر مشرقي لمساعدة كاتبٍ لا تساعده دولته! كما أن الناشرين في الجزائر لا يفضلون طباعة الإبداعات المكتوبة بالعربية، لانخفاض عائدها المادي بالمقارنة مع المكتوبة بالفرنسية. فالطّبقة الأكثر قدرة على شراء الكتب هي الطبقة الراقية ذات التوجه الفرنسي، بينما تبقى الطبقات الوسطى (طلبة، موظفون صغار، حرفيون...) العروبية التوجه، ذات قدرة محدودة على اقتناء الكتاب لغلاء ثمنه، والنتيجة هي إحباط طباعة الكتاب المعرب داخلياً، والتسبب في تعطيله خارجياً!
ويدخر الكتاب الجزائري مفاجأة سارة، هي الإبداع المكتوب باللهجة الأمازيغية، وهو إبداع يشقّ طريقه بثبات إلى الواجهة، وفي عوالمه مجموعة رائعة من الكتاب ذوي الموهبة الأكيدة، لكن عوامل كثيرة قد تقعد به عن الانتشار عربياً، أولها حداثته، حيث ان الأمازيغية لم تتم تسميتها كلغة رسمية إلا قبل فترة قصيرة، وعليه فهي لم تراكم بعد رصيداً إبداعياً ـ مكتوباً ـ يفي بطموحها. ثاني عوامل التقييد هو حاجز الترجمة، فلا أحد يطّلع على إبداع مكتوب بلغة مغرقة في المحلية، ويأتي الإشكال الثالث عبر بوابة الخصوصية التي تميز الإبداع الأمازيغي، حيث يتسم بمنسوب ضخم من الايدولوجيا، ما يجعل تفاعل القارئ العادي معه مرتبطاً بمدى إيمانه المسبق بقناعات التيار السياسي الذي يمثله. هذه هي خارطة التضاريس الثقافية بالجزائر، وجزءاً من مشاكل الانتشار التي تتخبط فيها انطلاقاً من القاعدة المحلية، ولكن السؤال الموالي هو: ما رأي الكتاب الجزائريين في القضية؟ وما مدى مساهمة المشرق العربي في العزلة الأدبية الجزائرية؟
كيف ينظرون للقضية:
* قسم من المبدعين الشباب يعلقون بالقول «... ولكن لا أعمالنا سافرت ولا نحن أيضاً»! أما الروائي إبراهيم سعدي فيرى الأمر من زاوية أخرى، إذ ألح في حديث لـ (البيان) الإماراتية على أن «الأدب الجزائري يشهد حاليا نوعا من الانقسام، مما يجعله يبدو للعالم بصورة جزئية. فالمشرق العربي يظن أن ما لدينا من أدباء وانتاج إبداعي يقتصر فقط على الأدباء المعربين، وما أنتج باللغة العربية. وهو ما يفضي بهم إلى تصور هذا الإنتاج محدودا، لأنهم لا يأخذون بعين الاعتبار الزخم الآخر الذي يتشكل مما أنتجه الأدباء الجزائريون الذين يكتبون بالفرنسية مثل مالك حداد وكاتب ياسين ونور الدين سعدي ومحمد ديب ورشيد بوجدرة ورشيد ميموني وياسمينة خضرة وغيرهم...». في كلام إبراهيم سعدي كثير من المنطق، إذ من المؤسف أن المشرق العربي قد ترجم كبرى الروايات العالمية، وقعد عن ترجمة روايات عربية الروح وإن لم تكن عربية القلم، ففي حين ترجمت أعمال غابريال غارسيا ماركيز، باولو كويليو، وسومرست موم... وعشرات غيرهم، ما زالت الأعمال الجزائرية عالقة رغم أنها تحصد النجاح في الغرب، ورغم أن ترجمتها إلى العربية ليست صفقة خاسرة بأي حال من الأحوال... من المؤسف أيضاً انه بعد أربعين عاما من استقلال الجزائر فكر الاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب في ترجمة ثلاثة أعمال روائية جزائرية إلى العربية! بينما يشهد التاريخ أنه بين من ترجم عيون الأدب العربي إلى اللغات الغربية برع جزائريون ليس آخرهم الراحل ـ من فترة قصيرة ـ جمال الدين بن الشيخ، مترجم ألف ليلة وليلة ونزار قباني و...الخ.
هل هذه كل جناية المشرق؟ يرى الجزائريون غير ذلك، ففي حين تمتلئ الساحة الجزائرية بالمبدعين من كل الأعمار والأجناس، تصر القنوات الإعلامية العربية على إدارة الظهر لهم، وتوكيل اسمين أو ثلاثة للحديث باسمهم في كل حال وتحت أي ظرف، وتلك ممارسة لا يغتفرها للمشرق أي من فاعلي الوسط الثقافي الشاب بالجزائر، لأنها تجني على جيل كامل، فماذا تخسر كبريات القنوات الإعلامية العربية لو أوكلت إلى بعض مبعوثيها الخاصين مهمة استكشاف الساحة الثقافية الجزائرية بدلاً من استكشاف المقابر الجماعية وترديد شعار (من يقتل من؟).
(التقصير المتبادل) ربما كان السيد الجاني في قطيعة الأدب الجزائري بشقيقه العربي، ولعل التفاتة جادة من الطّرفين ستكون الكفيل بحل الإشكال.
الشرق الأوسط ـ

حي بن يقظان الجزائري... أخرس يسابق النعام وينتج الحليب!
اسمه «هداري» وأحفاده يرفضون أن يكون جدهم محض أسطورة
الجزائر: شبوب أبو طالب
تنطلق القصّة بمنطقة «تيندوف» الواقعة غرب الجزائر، هنالك حيث تتنفّس الأرض دخانا، وتيبس في بعض النواحي حتّى لتخالها قدّت من الحديد الصلب. على هذه المساحة المقتطعة من جهنّم والجنّة معا تنتقل قافلة من البدو الرّحل بحثًا عن الرزق، وبينهم امرأة يكاد العطش يعصف بها ومعها رضيع ارتوى من عطشها، وسحب إلى جوفه من حليب أمّه ما تركها على حافة الموت. تتوقف القافلة عند بئر، لتنطلق المرأة كالمجنونة لا تلوي على شيء باتجاه الماء، وفي الأثناء، تعصف زوبعة رملية بالمكان، فتنمحي معالم كل شيء، ويتطاير كل ما خفّ ثقله في الهواء. أطنان من الرمل تحيل المكان إلى غرفة مظلمة سوداء خارقة الأبعاد يجهد الانسان داخلها ليغلق عينيه لأن فتحهما معناه فقدانهما االنظر.
ومع انحسار العاصفة يشقّ القافلة صوت امرأة مجروحة، صراخ يصعد إلى «رب السماء» كما تقول الأسطورة.. «أين ولدي؟». اختفى الرضيع مع العاصفة، وطيلة ثلاثة أيام يجهد أفرادها بحثًا عنه، تحت الصخور وخلف الوديان وبين الحشائش وداخل الكهوف.. ولا أثر. في ناحية غير بعيدة ، يرتاح الرضيع داخل محمية لقطيع ضخمٍ من طيور «النعام»، ويبدو أنه لا يشعر بأي انزعاج، إذ تزعم الأسطورة بأن «رب السماء» سخّر له من بيض النعام غذاءً كاملاً، واستحال اصبعه إلى «مصنع حليب»، يمصّه الصبي فيرتوي بحليب مذاقه كمذاق حليب أمّه، إلا أنه لا ينقطع ولا يبرد، حليب دافئ شهيّ.
يكبر الصبي بين «النعام» ويكون سلوكه مزيجاً من السلوكين البشري والحيواني، يركض بسرعة النعام، يصدر عنه صراخ كصراخه، يأكل كل ما تنبته الأرض. وعدا الصراخ لا يتقن نطق حرف أو كلمة، لكنّه يمشي على اثنين لا أربع كالحيوان.
سنوات تمضي وأهل الصبي يبحثون عنه إلى أن تتوارد الأخبار عن كائنٍ غريب يعاشر قطعان النعام السارحة في صحارى «تيندوف»، الأم الوالهة تقول إن قلبها يحدّثها بأن المعني ابنها، والقبيلة ترفض التصديق إلا بعد جهد يتفتق عن أكبر «فخ» في التاريخ البشري، تكفل باصطياد آلاف من طيور النعام.. وقع معهم «هداري»!
ينزاح الستار عن مشهد آخر بعد أربعين سنة، إذ أن «هداري» أو «ابن النعام» قد عاد ليشغل مكانه بين أفراد قبيلته، رجلا شجاعا صامتا، لا أحد يتفوّق عليه في الركض أو مقارعة القبائل الغازية، ولا أحد يستطيع أن يأخذ من فمه كلمة، شيئا فشيئا يتعلّم «الصلاة» على الطريقة الإسلامية بعد أن ظلّ يعبد «رب السماء» كما تعبده كل الكائنات غير البشرية، يتزوّج «هداري» من ثلاث نساء، وينجب بضعة وعشرين ابنا، ويتطلع بعد سبعين سنة إلى لقاء «رب السماء» الذي حماه من غائلة الموت عطشا في صحراء قاتلة، ووفر له من النعام مجتمعا ثانيا. يرحل «سيّد الصحراء» مخلّفا أبناء لا يقلون عنه سرعة، ولا يتخلّفون عنه في عدد «الكرامات» التي تظللهم برعاية سماوية، وإلى اليوم ما زال قسم منهم يسكن حوافّ منطقة «تيندوف»، وقد بادر أحدهم بتسجيل قصّة «جدّه» ضمن القاموس الجزائري الرسمي للأساطير مؤخّرا.
هذا هو «ابن يقظان» الجزائري، حدثت حكايته قبل قرن ونصف لا أكثر! ويعدّ قبره مزارا للمتصوّفين من طالبي الرُقَيِّ الروحي والكرامات الإلهية، والبحث يدلّ على أن لا علاقة لقصّته بقصة «ابن طفيل»، وإذا عنّ لك أن تقنع أحد «أحفاده» بأن جدّه محض أسطورة وأن «كاتبها رجل يدعى أبا بكر ابن الطفيل عاش بالأندلس في القرن الثالث عشر الميلادي، وقد ترجمت إلى العبرية واللاتينية والإنجليزية في القرنين الرابع عشر والسابع عشر، وتأثر بهذه القصة الكاتب الإسباني «بلتاسار حراثيان» حتى انه كتب قصتة «النقاد» على نفس منوالها، والبعض يعتبر أن قصة «روبنسون كروزو» لدانيال ديفو التي ظهرت في عام 1719 ترجع إلى نفس المنبع... الخ» إذا حاولت إقناعه بشيء من ذلك أو به كلّه فسوف... يدعك لتحادث نفسك!
الشرق الأوسط -الاربعـاء 11 ذو الحجـة 1426 هـ 11 يناير 2006 العدد 9906

مشروع المصالحة الجزائرية يعيد المثقفين إلى عين المعمعة

الجزائر: شبوب أبو طالب
تعيش الجزائر حدثا استثنائيا، بعد العفو الشامل الذي أطلقه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، عن مجموع الضالعين في الأزمة الدموية التي عصفت بالبلاد، بمن فيهم أولئك الذين ثبت تورطهم في عمليات اغتيال واغتصاب. سيناريو يحاكي كثيرا ما حصل في لبنان وجنوب أفريقيا، فما رأي الطبقة المثقفة في ما يحصل، وهل يمكن لقانون أن يمحو جراح الماضي، ويمسح أثر الدم؟ خاصة أن بعض هؤلاء المثقفين هم ممن حملوا السلاح أو تعرضوا لرصاص الغدر، وبالتالي فالمثقف الجزائري كان منذ البدء جزءاً من المعركة.
يمس مشروع العفو الشامل الطبقة المثقفة الجزائرية في الصميم، ذلك أن بعض هؤلاء، كانوا قد رفعوا السلاح في وجه توقيف المسار الانتخابي بداية التسعينات، وثمة بينهم من سقط برصاص الإرهابيين الغادر أو تعرض لمحاولات اغتيال. وإذا كانت المجموعة الأولى معنية بالاستفادة من إمكانية العفو والعودة إلى الاشتغال بالحياة المدنية بصورة طبيعية، فإن المجموعة الثانية معنية بمدى إمكانية تجاوز جرح الماضي الذي لا تزال تحمل بعض آثاره حية في أجسادهم.
يبلغ الجرح أقصاه حين نقرأ إحدى مواد المرسوم الرئاسي التي تحرم العودة (كتابة أو مشافهة) إلى إثارة أو فتح حيثيات الأزمة الدموية بشكل يغذي الحقد أو يحرض على التفرقة الأهلية. وهي مادة جسدت الحساسية البالغة لدى المشرع الجزائري من إمكانية العودة للخلف، ولو بكتابة صحافية، إلا أن كثيرين يرون فيها تخطيطا لكتابة التاريخ بواسطة قانون. وهو شيء غير معقول ولا مقبول.
«لشرق الأوسط» سألت المثفين والكتاب من الطرفين، رأيهم.
غرمول: لنخرج من جهنم ثم لنتحاسب بعد ذلك
أصر عبد العزيز غرمول، رئيس اتحاد الكتاب الجزائريين، على أن السؤال المطروح هو: «ماذا نفعل أمام هذه التجربة الرهيبة.. تجربة الجزائر مع الإرهاب والتي دامت أكثر من عشر سنوات، وأدمت كل مظاهر الحياة»، ليضيف بأن الجواب واحد لا أكثر «كان لا بد من سلم ما يشرق في سماء هذا البلد الذي كادت تدمره الأحقاد والحسابات القديمة، كي نعود إلى أعمالنا ومشاريعنا التنموية وصداقتنا مع الحياة ومع الناس». أما حول التخوف من كتابة التاريخ بقانون فقد رد «إنني أعي بكل تأكيد سلبيات قوانين المصالحة، وأعرف أن ما يترتب عليها قد يصل تأثيره إلى المستقبل، لكننا في مواجهة وضع صعب، أي حل له سيكون داميا وله سلبياته ومآخذه، لذلك أجنح للسلم لأنه لن يحقن الدماء فحسب، ولكنه سيعطي لنا فرصة أفضل للتفكير في حلول أخرى تبني ولا تحطم. أعرف أن أكثر المعارك شراسة هي معركة السلم، وربما الشيء الوحيد المضمون فيها، بعد موازنة الأرباح والخسائر، هو تحقيق السلم في حد ذاته». وحينما سألناه عن إمكانية نسيانه ككاتب، للفترة التي كان فيها ملاحقا، ومن ثم كان مئات الآلاف من المواطنين يعيشون وضعه، غضب وانفعل وراح يصرخ قائلاً «هناك عماء حضاري لدى بعض الساسة، وهناك جراح في قلوب الأمهات، وهناك دفتر حسابات مفتوح على احتمالات قد تكون سيئة. لكننا في نهاية الأمر سنكون مضطرين لطرح سؤال الرئيس الراحل محمد بوضياف، الذي طرحه منذ أربعين عاما ولم نجد له الجواب الشافي الكافي: «الجزائر إلى أين؟»، من يحبنا اليوم بعد كل الذي حدث؟ أمام الجزائر مهام جسيمة، وهي في هذا الوضع الحرج الذي تقف فيه على الهاوية، مهما قدمت من جثث، ومهما استثمرت من وقت ومال، ستبقى على حافة الهاوية. لذلك وقفت شخصيا مع حل الجنوح للسلم والمصالحة، أما الجراح فكما قال الرئيس بوتفليقة... الزمن كفيل بشفائها».
هؤلاء لم يجيبوا
الطاهر بن عائشة الصحافي المخضرم قال باختصار شديد حينما سألناه «تريدون معرفة رأيي... حسنا، سأجيبكم عندما نلتقي في سويسرا». أما الأستاذ الجامعي الهادي الحسني، أحد كتاب الاتجاه الإسلامي، فكان رده «لا أريد التصريح، ما سأقوله سيزعج هؤلاء وأولئك...هل يكفي هذا؟». فيما كان رد محمد مكركب، وهو كاتب ومفكر إسلامي، كلمة واحدة: «سف». واكتفى الخير شوار، الروائي والقاص الشاب، بالقول «سجل! موقفي هو اللاموقف».
عبد الحميد مهري، المجاهد المثقف والزعيم الأسبق للحزب الحاكم، كان رده هو الآخر: «آسف»!
صمت هؤلاء يترجم عدم استطاعة بعضهم تجاوز جرح الماضي، ويكشف خيبة البعض الآخر.
يوسف وغليسي:أرفض التساوي مع مواطن يَفضُلني بجريمة!
رد د. يوسف وغليسي، الشاعر الناقد الذي فاز أخيرا بجائزة «مفدي زكريا للأدب المغاربي»، كان مميزا وواضحا: «باعتباري مواطناً مسلماً، مسالماً، ومشاركاً في مؤتمر المصالحة الوطنية الذي عقدته وزارة الثقافة الجزائرية، فلن أستطيع الوقوف في وجه مشروع يدعو إلى طي صفحة الدم، إلا أن ذلك لا يعني أنني مستعد للتساوي مع مواطنٍ آخر يَفضُلني بجريمة! نعم لعودة السلم، نعم للعفو، لكن لا لمحاولة التطاول على ذاكرة دمنا». أما السعيد بن زرقة، الأستاذ الجامعي الناقد والكاتب الساخر، فقد وقف بوضوح مع الدعوة إلى عدم فتح جرح الماضي ولو كتابةً «نعم للعفو، نعم للمصالحة، نعم للسلم الأهلي. ثم دعوا الوقت يأخذ مجراه. فتح دفتر الحساب معناه أن الأزمة ستطول، وأن قائمة الضحايا ستظل مفتوحة، ليعد الكل إلى بيوتهم وأعمالهم، ولتهتم الحكومة بتحقيق تنمية فاعلة، أما الجرح وأما الماضي، فإن فتحه متاحٌ في كل حين، فلنؤخر ذلك الحين قليلاً».
نصر الدين قاسم، كاتب عمود في صحيفة «الشروق اليومي»، الثانية في الجزائر، كان أكثر الجميع تطلباً وقال إن «جنوح السلطة ـ بعد سنوات الدم والدمار التي أفرزتها سياسة الحل بالحرب ـ نحو السلم وخيار المصالحة الوطنية كان له الأثر العميق في حقن دماء الجزائريين. حقيقة أن الخطوات التشريعية وتحت ضغط ما سماه الرئيس بـ«التوازنات الوطنية»، كانت تتضمن في حناياها الكثير من النقائص التي خيبت آمال الكثير من الجزائريين الذين كانوا يتطلعون نحو عفو شامل يطوي صفحة المأساة إلى الأبد، إلا أن التدابير التنفيذية لتلك التشريعات، أكدت أن الأمور تتجه نحو تجسيد خيار المصالحة الوطنية بمعظم أبعاده». ورفض قاسم بقوة وضع الأزمة على ظهر طرف واحد، معتبرا أن حلاً قائماً على الحوار الهادئ هو الكفيل بطي موضوع الدم نهائيا.
بين الأمل والحيرة
ردود الكتاب والمثقفين الجزائريين، لا تخرج عن ترجمة شعورين متناقضين يمسكان بتلابيب الكل. فالجميع يريدون طي صفحة المأساة بشكل نهائي، لكن الجميع واقعون في اسر حاجز نفسي جبار، المثقف الذي حمل السلاح لا يستطيع أن يتخيل نفسه على طاولة واحدة مع المثقف الذي «نَظرَ» و«بارك» سجنه وحرمانه من حقوقه السياسية، بينما لا يستطيع المثقف الذي تعرض لمحاولة اغتيال أن يضع يده بكل بساطة في يد من حاول قطف رأسه وسرقة فرحة أطفاله! المسافة بين الرغبة الجامحة في السلام، والرغبة الجامحة في تصفية الحساب، تكتبها كلمة «حاجز»، إلا أن الكل فيما يبدو سيحاولون الاقتداء بالرئيس بوتفليقة، فقد اغتيل ابن أخيه، وتعرض أفراد أسرته لنفس المصاعب التي عاناها مواطنون بسطاء، لكن انتقامه كان بإطلاق مشروع المصالحة الوطنية.
الشرق الأوسط ـ الاربعـاء 06 ربيـع الاول 1427 هـ 5 ابريل 2006 العدد 9990

حينما يدار الصراع الطبقي بطريقة مطبخية في رواية «الجيفة»

الجزائر: شبوب أبو طالب
عيسى شريط، روائي وسينمائي جزائري، وفي روايته الجديدة «الجيفة» يجعل العلاقة بين الفتاة الثرية والشاب المعدم مدخلاً للتوغل في تراث مطبخي جزائري
اقل ما يقال فيه انه محتدم بالمعارك الطبقية. فبين الأغنياء والفقراء ثمة حوار يستحق أن يصغى إليه.
هل يتجلى صراع الطبقات في كتب لينين وماركس فقط، وهل لا بدّ من إراقة الدم كي يحدث هذا الذي لا بدّ منه. في الجزائر صراع طبقي آخر، لكنّ ساحته هي المائدة، وأبطاله هم «المْصَوَّر» و«الشخشوخة» و«المَله»!
القصّة طريفة، ولم ينتبه لها أحدٌ حتّى جاء الروائي والسينمائي الجزائري عيسى شريّط فأزاح عنها الستار في أحدث رواياته الحاملة لعنوان «الجيفة».
عيسى قال إنّ المعضلة الرئيسية، التي يدور حولها عمله الجديد هي صراع الطبقات في المجتمع الجزائري، وذلك يتجلى عبر اللقاء المضطرب بين فتاة من أبناء الذوات ومتسوّل نصف مجنون ينقذها من الاختطاف، ومن ثمّ تنطلق به في رحلة عبر العالم المخملي. المسكين يظنّ أن ما يشاهده وما يتناوله في بيتها هو سلع «من خارج المجرّة»، وتغلفه دهشة لا حدّ لها، لكن البطلة تحاول أن تبرهن له بأن حياة الأثرياء هي مجرد «إعادة صباغة» أو «دبلجة» لحياة الفقراء، ولكن بكلفة أعلى! هكذا هو تعريف الثراء لدى البطلة. ولكي تعطيه الدليل المنطقي، فإنها تعود به إلى لحظة ميلاد المطبخ الجزائري.
ففي القديم كان أثرياء الجزائريين يتفاخرون على الفقراء بشيّ اللحم خارج البيت، وأمام أعين الجميع، ثم يدعونهم للوجبة الدسمة التي يرافقها عادة خبز مصنوع بطريقة جدّ خاصة، يتسم بكثافة دسمه ودقة سمكه (بالإضافة طبعا إلى ما يرافق ذلك من توابل). ويبدو أن هذا الطقس الموغل في التباهي أثار الطبقات الدنيا، فكان لا بدّ من ردّ مطبخي بليغ. هكذا ولدت وجبة «الشخشوخة»، التي تعد ردّ فعل على الوجبة الأولى المسمّاة «المْصَوَّر». إذ تصنع الشخشوخة من خبر لا تهم دقته ولا مدّة طهيه، بل يؤخذ كعجينة صغيرة ثم يلقى على صفيحة مستديرة لينضج بعد أقلّ من خمس دقائق، ثم يقطع في لامبالاة ظاهرة، بينما تطهى كمّية صغيرة من اللحم في حساء خضار محلي بدون تكلفة تقريبا، وبعدها يلقى الخبز في الحساء ويخلط المجموع!
وجبة الشخشوخة، التي تعد إرثا جزائريا خالصا، تترجم وجها آخر لصراع الطبقات، ولو على حافة المطبخ، وتترجم حاجة الطبقات الدنيا إلى واجهة (مطبخية) ترفع الرأس في الصراع مع الطبقات الأعلى. وإذا كان العربي القديم يكرم ضيفه بـأن (يذبح) له، فإن الجزائري الفقير يكرم ضيفه بأن (يشخشخ) له! هكذا طوّر الفقير أداة أخرى للصراع الطبقي، لم تكن على هذا القدر من الأهمية سابقا.
الحكاية نفسها تحدث في الجنوب الجزائري، مع قبائل «الطوارق». فهذه المجموعة البشرية التي تقضي أغلب أوقاتها في الصحارى، طالما عانت في المفاخرات مع نظرائها من ساكني المدن، ولعل الطريف أن طبقة الحضر كثيرا ما اختصرت مفاخرها في «الفرن الطيني»، الذي اعتُبِر في حينه رمزا لانتصار (الآلة) على الطبيعة (حجارة الأثافي). ويبدو أن عقدة الفرن قد ظلت حاجزا بين الفصيلتين البشريتين، خصوصا حين يبرز أحد أعيان طبقة الحضر ما تنتجه آلاتهم السحرية ـ الأفران ـ من خبزٍ عالي النوعية، ولم ينتهي أمر المأساة إلا لحظة سقطت تمرةٌ عفنة على دماغ امرأة طارقية، فولدت «المله»، وهي عبارة عن خبز من الحجم الكبير والثخين، يعدّ في ثوان، حيث يجمّع خليط من قطع اللحم والخضار المحلي ثم يغلف بعجينة! وهذه هي العجيبة الأولى، أمّا العجيبة الثانية، فهي أن الطهو لا يحتاج إلى فرن. فبحكم نوعية التربة التي تتواجد ببعض مناطق جنوب الجزائر، التي تحتفظ بالحرارة طويلا جدا، فإن السكان المحليين قد اهتدوا إلى فكرة حفر حفرة متوسطة وملئها جمرا، مما يرفع درجة حرارتها عاليا، ثم يردم الجمر بطبقة كثيفة من الرمل ويوضع الخبز فوقه، ويُحْثَى المزيد من الرمل السّاخن (المستخرج من الحفرة) فوقها! والنتيجة هي فرن طبيعي مائة بالمائة، يستطيع إنضاج قطعة خبز واحدة، قد يزيد وزنها على كيلوغرام في أقل من نصف ساعة...طبعا عندما تشاهد كيف تصنع فإنك ترفض أن تأكلها، لكنّ بعد أن تشاهد كيفية تنظيفها بالماء ـ فهي سميكة الحاشية ـ وتتذوق طعمها، فإنك سوف لن تنساه بكل تأكيد.
السخرية هنا مزدوجة، فـ(الطارقي) القادم من طبقة شبه معدمة يهين الرجل الحضري عبر إنهاء أسطورة الآلة، وكذا تحضير وجبة أفضل وألذ.
يقول الأديب والسينمائي عيسى شريّط إن ملاحظته لهذا التاريخ، ولسخرية الرجل الفقير من الغني قد وضعته أمام طريقة أخرى لإدارة صراع الطبقات بطريقة مطبخية، وعرّت آليات أخرى للمقاومة وللتفاعل، غير الطريقة الدموية التي يصرّ كارل ماركس عليها أسلوبا وحيدا لتصفية الحساب الطبقي، التي تمنح القارئ فكرة وحيدة، هي أن أفراد المجتمع الأوروبي يعيشون تفككا عارما، وإذن فمن المنطقي أن يحمل بعضهم راية الثورة الدموية ضدّ بعض، بينما يبقى أفراد المجتمعين الأمازيغي والعربي متعلقين بوحدة ثابتة، قد تفقد صلابتها، قد تتعرّى ولكنها لا تتمزق. هكذا فإن الصراع الطبقي يحسم بصورة أخرى غير الصورة الدموية، قصد الإبقاء على اللحمة المجتمعية. ولعل هذه النتيجة هي التي دفعت شريّط لإنهاء روايته «الجيفة» بموعد غرامي بين البطلة الثرية والبطل القادم من أقصى أقاصي، خطّ ما تحت الفقر!
الشرق الأوسط - الاربعـاء 13 ربيـع الاول 1427 هـ 12 ابريل 2006 العدد 9997

"ثورة" الصحف الرياضية الجزائرية

الجزائر: أبوطالب شبوب نحو مليون ومئتي الف نسخة هو مجموع ما توزعه خمس صحف رياضية بالجزائر.. إنه قطاع يعيش فترة انتعاش، خصوصا ان عدد المطبوعات الرياضية في تزايد وبالنظر إلى قدرتها العملية على فرض خياراتها داخل أوساط القرار الرياضي.
يعود تاريخ الصحافة الجزائرية إلى أكثر من 40 سنة، إلا أن الصحافي إلياس فضيل عضو هيئة تحرير مطبوعة «الكرة» يقول إن المزاج الجزائري الرياضي بالإضافة إلى المواعيد الرياضية الكبرى ساهما في دفع صحفنا إلى الأمام، فاحتضان الجزائر لألعاب البحر المتوسّط كان دفعة قوية، وانتصار المنتخب الجزائري على نظيره الألماني في كأس العالم سنة 1982 كان دفعة أخرى، وهكذا مثّلت النتائج الجيّدة والمواعيد الكبرى مع جرعات أوكسجين للصحف الرياضية، وهكذا ولدت صحف «الهدف» الناطقة بالفرنسية و«المنتخب» الناطقة بالعربية والتي وصل سحبها إلى رقم 100 ألف نسخة وكذا «الوحدة الرياضية» وهي ملحق لمجلة «الوحدة» ذات الطابع السياسي.
كان هذا قبل إطلاق حرية التعبير في الجزائر وفتح مجال إنشاء الصحف الخاصة بنهاية الثمانينات، أين انطلقت العديد من الصحف الرياضية؟، لعل أشهرها هي «صدى ملاعب» التي أدارها آنذاك الشاعر عز الدين ميهوبي، مدير عام الإذاعة الجزائرية حاليًا، التي اتّسمت بالمزج بين الخبر الرياضي والتعليق الطريف، وفي سنة 1993 أسّست أسبوعية «كومبتيسيون» أي «المنافسة» الناطقة بالفرنسية، وهي الصحيفة الأقدم عمرًا في الميدان الرياضي، ثم تلتها العديد من الصحف، «الهداف»، «الهداف ـ وك آند»، «الكرة»، «الكرة +»، «الكرة ويك آند»، «الشباك»، «كومبيتيسيون ـ ويك آند»، «بيتور»، «الشباك»، «قوول»، «بلانيت سبور»..، لكن الأمر أخذ منعرجًا حاسمًا قبل فترة إذ صارت السوق الإعلامية الرياضية «تفرّخ» العناوين بشكل كبير، ومعها تحوّل الإعلام الرياضي من نوع إعلامي إلى ظاهرة تستحق الدرس في ظل أرقام سحبه التي تخطّت أحيانًا سحب الصحف السياسية.
لم يرى العربي محمودي، رئيس القسم الرياضي بصحيفة «الشروق» وممثل الصحافيين باللجنة الأولمبية الجزائرية، أن الإقبال الكبير الذي تسجّله الصحف الرياضية يرجع إلى عاملين أساسيّين «فمن جهة هنالك العامل التاريخي، حيث تسبّبت الأزمة السياسية التي مرّ بها البلد في فرار الناس من أخبار القتل والذبح إلى أخبار الرياضة التي ولدت أبطالا أولمبيّين كنور الدين مرسلي وحسيبة بولمرقة وحسين سلطاني الذين ظهروا أواسط التسعينات في عزّ أزمنة الدم، ومن جهة ثانية هناك عامل إعلامي أي تراجع الخبر السياسي عن صدارة مانشيتات الصحف، بفعل تعافي البلد ما جعل الخبر الرياضي يتقدّم لريادة القاطرة».
ويضيف الصحافي وسيم بن عروة إلى ذات العوامل حقيقة أن «نسبة 75 بالمائة من الشعب الجزائري هم دون سن 35 سنة، ما يشكّل مزاجًا إعلامياً حيويًا»، كما ينبه إلى أنه «يمكن الإشارة إلى خلفية ثانية للموضوع، تتعلّق بالأهمية الكبيرة للخبر الرياضي في العالم كلّه، ما يجعل المزاج الجزائري متوافقًا مع نظيره العالمي، ناهيك عن كثرة المشاركات الجزائرية في المنافسات الدولية».
أما سر النجاح اللافت فيلخّصه الأستاذ الجامعي سيد أحمد فلاق، الذي يشتغل صحافيا رياضيًا بذات الحين، بالحديث عن أساليب التسويق التي تتّخذها الصحف إما «التركيز على أخبار نادٍ بعينه» أو على «أخبار منطقة بحدّ ذاتها» ويشرح الأمر عمليًا بالقول «إن صحيفة «الهدّاف» مثلا تركّز على أخبار نادي مولودية الجزائر بفعل كثرة أنصاره الذين يعدّون بمئات الآلاف، ما يجعل رقم سحبها يقفز إلى رقم 220 ألف نسخة حسب تصريح هيئة تحريرها، أما الأسلوب الثاني أي التركيز على أخبار منطقة بحدّ ذاتها فذاك هو أسلوب صحيفة الشباك التي تهتم بأخبار منطقة الوسط، ما يجعل خطّها التحريري واضحًا وكذا خطّة انتشارها».
أما عن الأرباح التي تحقّقها الصحف الرياضية فإن العربي محمودي يشرح الأمر ببساطة لـ «الشرق الأوسط» قائلا «يجب أن نضع بعين الاعتبار أن غالبية هذه الصحف ذات طابع أسبوعي، وكذلك أن معدّل سعر طباعتها هو 8 دنانير جزائرية (0.108 دولار) بينما سعر بيعها هو 20 دينارًا (0.27دولارًا).
ورغم الرواج الكبير الذي تحقّقه الصحف فإن الأمر لا يخلو من مخاطر حقيقية، يجملها الصحافي ياسين بن لمنور، رئيس أسبوعية المحقق، بالقول «إن المشكلة الأساسية هي أن الرواج الكبير قد دفعت ثمنه الرياضة الجزائرية، لأن أصحاب القرار صاروا يخشون سطوة بعض الصحف القادرة على تغيير مزاج الأنصار، وبالتالي فهم يتّخذون قرارات حسب طلب الصحف لا حسب المصلحة الرياضية الصِّرفة، لكن هذا ليس سوى أخفّ الضررين، إذ أن الضرر الكبير ذو امتداد اجتماعي، فبفعل المنافسة الشديدة، صارت الصحف ذات طابع شعبي لغويًا ومهنيًا، وهذا ما دفع بالصحف إلى تحويل كلام الأنصار إلى مانشيتات يشكّل بعضها دعوة للجريمة! كالمانشيت الذي يقول «بين المولودية والحرّاش ما يفريها غير الكلاش» أي «بين نادي المولدية ونادي الحرّاش، لا حكم إلا الرشاش!» فهذا النمط من العناوين لا يصلح عنوانا افتتاحيًا لصحيفة تحترم نفسها».
وليت الأمر توقّف عند ذلك، فسيد أحمد فلاق يضيف بعدًا آخر للموضوع، لأن «الحرص على السبق، دفع ببعض الصحف إلى كتابة حوارات مختلقة، وتصريحات غير ذات مصدر، ما يكيّف قانونًا في شكل جريمة مهنية وأخلاقية عقوبتها السجن».
وفيما تواصل الصحف الرياضية الجزائرية تدوير عداد أرباحها، فإن عدّاد أخطائها المهنية لا يتوقّف عن الدوران هو الآخر، لتتحوّل هكذا من رقيب ناجح على الحياة الرياضية إلى لاعب سيّئ الطباع.
13/12/2006

مساعدو رئيس الحكومة الجزائرية منعوا الصحافيين من التقاط صور إصابته


الجزائر: بوطالب شبوب لم تكن حنان، ذات العقد الثالث، تعرف أنها ستودّع العالم حينما توجهت إلى مقر عملها بمقر رئاسة الحكومة الجزائرية، تماما كما لم تعلم صديقتها كريمة أن مشروع زواجها غدا في مهب الريح بعد أن أفقدها تفجير «القاعدة» أجمل ما تتباهى به أيُّ شابة. نفس السيناريو مع عمر ذي العشرين يوما ورئيس الحكومة الذي قدّم بعضا من دمه في يوم «الأربعاء الأسود».
صمت رهيب، وجوم شامل، وأحلام ممزقة، وعشرات من محطّمي القلوب، تلك كانت الصورة الوحيدة التي ملأت بهو مستشفى «مصطفى باشا» الواقع بوسط العاصمة الجزائرية، والذي استقبل الكم الأكبر من جرحى وقتلى التفجير الانتحاري الذي استهدف مقر رئاسة الحكومة الجزائرية.
عشرات العائلات تفترش بهو المستشفى، بينما يتراكض الأطباء الجرّاحون من جناح إلى آخر للحاق بالأجنحة المخصصة للعمليات التي استقبلت عددا غير عادي من المصابين، فيما رابط عدد كبير الشباب في البهو في انتظار أي خبر عن مصابيهم. بعضهم كان جالساً في ناحية الباب ينظر مرة إلى غرفة العمليات وأخرى إلى ناحية المدخل في انتظار قدوم قريب يواسيه او يقتسم معه الألم، بينما كان بضعة أطفال صغار مشتتين، بعضهم نام على الأرض لطول الانتظار، وبعضهم يمص قطعاً من الحلوى أو يلتهم «ساندويشات» البطاطس.
141 هو العدد الإجمالي للمصابين الذين استقبلهم المستشفى خلال ساعة واحدة، وهو عدد يتجاوز كثيراً إمكاناته، خصوصا إذا أخذنا في الاعتبار أنه كان لزاما على طاقم جراحيه أن يجري 29 عملية جراحية مستعجلة.. رقم كان صعباً على الإدارة ان تستوعبه بالنظر لعدم وجود العدد الكافي من قاعات الجراحة والجرّاحين، وكذا اتسام كافة العمليات بالطابع الاستعجالي والتنوع الكبير، إذ شملت 4 عمليات في قسم العظام، وواحدة في قسم الأطفال، و11 في قسم الأعصاب، وواحدة في قسم الفم والحنجرة، و3 في قسم العيون، وواحدة في الجراحة العامة. أما البقية فكانت عمليات معقدة للغاية إذ توزّعت الإصابات على أنحاء عديدة من الجسم مما يستلزم طاقما طبيا يشمل كافة الاختصاصات.
وتقول السيدة جودي، الناطقة باسم المستشفى، إن يوم التفجير كان «يوما شاقا للغاية، فقد وضعنا أمام اختبار قاسٍ وكان لابد أن ننهض بالعبء». وتضيف الدكتورة آسيا موساي أن «الطاقم الطبي تحمّل ضغطاً غير عادي وقع بالأخص على الأطباء الجرّاحين».
أما السائق م. علي، فيقول إنه «لحسن الحظ كان التفجير في وسط العاصمة مما شكّل عاملا حاسما في تسهيل عملية إجلاء الجرحى، كما أن حالة الخوف التي أعقبت التفجير ودفعت المواطنين إلى الانسحاب من الشارع وفرت مرونة كبيرة لتنقلات سيارات الإسعاف، هذا دون الحديث عن التجنيد الرائع لجمعيات وروابط المتبرعين بالدم الذين ما إن سمعوا دوي الانفجار حتى هرعوا إلى المستشفى، بل إن بعضهم وصل إليه قبل وصول الجرحى. وكانت دماؤهم الساخنة فرصة حياة إضافية وهبت لعشرات المصابين».
رئيس الحكومة أصيب في كفه
* أكثر المتضررين من الانفجار الانتحاري كانوا من أعضاء ديوان رئيس الحكومة الجزائرية، عبد العزيز بلخادم، بل إن الرجل نفسه لم ينج، إذ أصيب كفّه وشجّ رأس مدير مكتبه. وكان على جهازه الأمني تأمين خروجه سالما من قصره وحمايته من أي اعتداء إضافي، فقام حراسه السبعة بإحاطته، بينما فعّل الأمن الحكومي أجهزة التشويش الهاتفي التي جعلت أي عملية اتصال بالجوال أو الثابت مستحيلة تفاديا لأي عبوة موجهة، وعملت على توفير صمت هاتفي كلي خلال العشرين دقيقة التي سبقت خروج بلخادم من مكتبه مسرعا ليستقل سيارة بيضاء من نوع «بيجو 406» في اتجاه مجهول، ويبدو أن الرجل الشجاع قد تأثر إلى حد كبير بالتفجير، إذ نسي حتى ان يمسح الدماء التي غطّت كفّه، وهو مشهد حرس جهاز الأمن على منع أي صحافي من التقاطه، فيما ركب الرجل السيارة، وهو ينظر للخلف متأملا العشرات من الموظّفين الذين يعملون معه، والذين فداه بعضهم بروحه، كحارسي البوابة اللذين أفلحا في توقيف سيارة الانتحاري عند البوابة الرئيسية عن طريق قتل سائقها لحظات قبل انفجار سيارته، لكنهما لم يفلحا في النجاة، أحدهما تدحرج رأسه بعيدا أما ثانيهما فلم يعثر له على أثر.
موظّفو رئيس الحكومة دفعوا الثمن كاملا
* الموظّفون الذين يشتغلون في ديوان رئيس الحكومة، كانوا في مقدمة من قدّم دمه. فحنان حناشي، الشابة ذات الاثنين والثلاثين ربيعا، التي تشتغل بديوان بلخادم موظّفة بسيطة، يشهد لها كافة زملائها بالبساطة والتواضع، لم تكن ذات أحلام كبيرة، ولا مشاريع ضخمة، كل أحلامها كانت أن تؤدي عملها وتقف إلى جانب عائلتها، أمسك بها التفجير الانتحاري في الطابق الثالث، ويبدو أنها كانت إلى جانب الجدار المواجه لسيّارة الانتحاري، إذ أطاح التفجير بالحائط تماما، وانتزعه من جنبات القصر ليلقي به خارجا، بينما انهارت أجزاء كبيرة من سقفه إلى الأسفل، حيث حطمت أضلاع حنان تماما، وسالت دماؤها بغزارة قبل أن يصل إليها المسعفون الذي وجدوا أنفسهم في مواجهة خاسرة مع الموت، فلم ينجح التدخل الجراحي في إنقاذ الشابة التي غادرت عالما لم تعمِّر فيه طويلاً.
أما كريمة عبد الباقي فقصتها أفظع، الشابة الجميلة التي تحوز لقب أسعد موظّفة في القصر الحكومي، حيث التقت نصفها الثاني أخيرا، وتقدم الشاب النجيب إلى عائلتها خاطبا إيّاها فمنحته العائلة يدها إكراما لعالم من السعادة تتوقع أن يمنحها للابنة التي يحبها الجميع. كريمة التي تشتغل بديوان رئيس الوزراء كانت قد اتّفقت مع خطيبها على أن يكون موعد 24 مايو (ايار) المقبل آخر يوم في حياة عزوبيتهما معاً، هذه الفتاة نفسها لم تكن تدري أن يوم الحادي عشر من أبريل (نيسان) الحالي سيكون آخر يوم في حياة أحلامها الوردية، لقد كانت في الطابق الثالث حين اندفعت الـ700 كيلوغرام من الديناميت نحوه فحطّمته وقذفت بخشب المكاتب وزجاج النوافذ وأجزاء كبيرة من الجدار الاسمنتي في وجوه الموظّفين، نصيب كريمة من الصدمة مس أعز ما تمتلكه شابة جميلة، فقد شجّ رأسها وقطعت أذنها وسكنت بقايا الاسمنت والخشب والزجاج عينيها. ورغم سرعة التدخل الطبي وفعاليته، فإن الأطباء وجدوا أنفسهم محرومين من أي فرصة لإعادة الأذن التي تمزّقت إلى عشرات الأجزاء.
«الشرق الاوسط» التقت بوالدي خطيبها في بهو المستشفى، فكان الحزن واليأس والرهبة من المجهول الحاضر الوحيد في عيونهما، لقد دخلت كريمة في غيبوبة تامة، ويبدو أن موعد استيقاظها سيكون أسوأ موعد تنتظره العائلة ككل، فالفتاة ستكون في مواجهة مصيبتها في جمالها ومصيبتها في خطيبها الذي فضّلت عائلته ألا تخبره بشيء حتى حضوره من السفر. عائلتا الخطيبين اجتمعتا ولا شيء على الشفاه سوى «الله يستر». شقيقة كريمة كانت تسير في بهو المستشفى جيئة وذهابا مشفقة على أختها. أما شقيق العريس فكان ممزّقا إذ يترتّب عليه أن يطلب من الأطباء تغيير الضمادات وفك اللفافات المحيطة بوجه المريضة. وعلى قدر حماستها لرؤية وجه خطيبة أخيه فقد كان خائفا بل مرعوب من الحقيقة التي ستكتشفها الجريحة حال استيقاظها وفكّ لفافاتها. وقف الرجل أمام باب جناح طب العيون يقدّم رجلا ويؤخر عشرا، وحوله وقف بعض الأصدقاء، يشجّعونه أو يدعون أن يرزقه الله الصبر، بينما كان الرجل يقول بحدّة «لا يمكن ان يكون هؤلاء من بني جلدتنا، هؤلاء جاءوا من عالم آخر، أفغانستان أو غيرها، يكرهوننا ويحقدون على بلدنا ويريدون تحطيمنا».
أصغر المصابين اسمه عمر. الرضيع الذي كان نائماً في مهده في غرفة تطل شرفتها على القصر الحكومي. وكما لو أن الانتحاري أراد أن تمس «رسالته» المتفجرة كافة الأجيال، الماضية واللاحقة.

"الشرق الأوسط" 13/4/2007

"حماس من الداخل"..مثال جيد لـ"خبير" تنقصه الخبرة!


يوحي مؤلف كتاب "حماس من الداخل" بكثير من التعمق في معرفة واقع حركة حماس وتاريخها، كما لا يفتأ يذكّر بعلاقاته الشخصية بقادتها، ولكن هذه "المعرفة" تفسح المجال لعدد كبير من الأخطاء التي تثبت بأن الكاتب غير مطلع على تفاصيل جد هامة، كما أن رؤيته الكلية لموضوعه لم تستكمل كافة قواعد التحليل المنطقي السليم.
الدوحة ـ شبّوب أبوطالب
صدر كتاب "حماس من الداخل" للكاتب المعروف زكي شهاب، الصحفي المتخصص بالشأن الشرق أوسطي والخبير في قضايا هذه المنطقة الملتهبة، وقد كانت نسخته الانجليزية بعنوان "inside Hamas" ، ثم قامت "الدار العربية للعلوم" بتعريبه ونقله لكتاب العربية.
توحي السيرة الذاتية للكاتب بكثير من الاحترام و الاطلاع، كما أن علاقاته بقادة الحركات الفلسطينية تبدو جيدة للغاية، و يمكن التصور بأنها توفر له مصدرا ثمينا للمعلومات، أما هدف الكتاب فهو تقديم مقاربة لحركة "حماس" من الداخل، و وضع القراء في صورة نشوئها وتطورها، و الأزمة السياسية البالغة التي وضعت فيها عقب انتصارها الانتخابي الساحق لها في كانون ثاني/ يناير 2006.
يقول الكاتب أن "حماس" نشأت في ظروف تسامح إسرائيلي، وتمكنت من خداع النوايا الإسرائيلية لتطور نفسها إلى جهاز عسكري فاعل، ورغم أن سجن مؤسسها أحمد ياسين قد قاد لـ"انهياره" و الاعتراف بالقصة الحقيقية للجهاز العسكري إلا أنه وجد لاحقا الطريقة لإعادة صياغة "كتائب القسام"، و التي تطورت لتصبح خصما شديد المراس لإسرائيل، ولكن الظروف التي مرت بها "حماس" قد انتقلت بها من ميادين الفعل العسكري إلى المطالبة بحصة من السلطة، وقد خططت هذه الخيرة لنصرها الانتخابي عبر خطة خداعية ماكرة، استهدفت تعطيل استشعار الآخرين لقوتها، ثم تسلمت الحكم فرفضت مشاركة الآخرين لها في الحكومة، ولم تخضع لذلك إلا مضطرة، و عانت لاحقا من التضارب بين قيادتها "الغزاوية" و نظيرتها "الدمشقية" المرتهنة لحلفها الإيراني السوري، كما أن جناح "الصقور" بداخلها كان السبب وراء تحطيم اتفاق مكة، و دخول مجازفات خاسرة كـ"اختطاف" الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليت، وبرغم إصرار خصوم "حماس" على انتزاعها فإنها ظلت وستظل قادرة على فرض نفسها، ولا يمكن ، و الحال هذه ، لخصومها سوى أن يقبلوا على مفاوضتها من أجل الوصول إلى حل الأزمة الشرق أوسطية.
بالرغم من كون الكتاب موثقا في الكثير من التفاصيل، و هادفا لتقديم "المعلومات" فإن ما ينقص الكاتب حصرا هو "المعلومات"، ثم عدم قدرته على متابع بعض المفاصل بشكل تتكامل فيه وقائع الميدان كاملة، ولا يتم أخذ الحكم من خلال جانب واحد.
لنبدأ الكتاب في تسلسله، فالكاتب يقول في الصفحة 9 أن حماس لم تكن تريد مشاركة أي أحد في حكومتها الأولى لولا الضغط الدولي الذي جعلها "تتودد" إلى غريمتها حركة فتح، و الغريب أن هذا الزعم لا يمكن أن يصدر من متابع لما حصل عقب انتخابات 2006، إذ أن المؤتمر الصحفي الذي عقده خالد مشعل بعد فوز حركته بالانتخابات كان زاخرا بشيء واحد هو الدعوة للوحدة الوطني، و لمشاركة كافة الفصائل، ولم يكن فيه رغبة بالتفرد، و للمزيد من التوضيح فقد قال خالد مشعل لقناة العربية في 6/3/2006 "المصلحة الوطنية تقتضي أن تشارك فتح"، وقال لقناة نيو تي في في 15/3/2006 "نحن لا نلغي الآخر ثم أعلنا أننا سنتعاون مع الأخ أبي مازن احتراماً لموقعه في رئاسة السلطة" ثم أوضح الأمر أكثر"نعم سنستوعب الجميع برحابة صدر وهؤلاء شركاؤنا، والقضية الفلسطينية أكبر من أن تختزل في فصيل بعينه"، و الرفض الوحيد الذي سمع في حينه لحكومة وحدة وطنية فلسطينية هو رفض محمد دحلان الذي أعلن أن "عار على الفتح أن تشارك في حكومة ترأسها حماس"!..الكاتب لا يذكر هذا بل يصم "حماس" بأخطاء الآخرين، ولا يبدو أن هذا الأمر منفردا فالكاتب يتهم "حماس" برمي خصومها من أعلى أسطح البنايات، مشيرا بذلك لحادثة اغتيال الفتة حسام أبو قينص، و الذي يثير الدهشة أن الكاتب لو كان على درجة 10 بالمائة من الاطلاع لكان قد سمع بشهادات والد الفتى وجيرانه و التي تبرئ "حماس"، و التي توجت باعتراف توفيق أبو خوصة الناطق باسم وزارة الداخلية الفلسطينية السابقة يوم 11 / 1 / 2008 على قناة "الحوار" بأن قوات فتح هي التي قتلت أبو قينص لأنها ظنته من "حماس"..بسبب لحيته!
طبعا في الكتاب أخطاء لا يمكن تفنيدها لأنها مضحكة، كالقول بأن صلاح الدين الأيوبي "حمى في العام 1187 مدينة القدس من الجيوش المسيحية".ص61..حماها ولم يحررها! أو القول بأن بداية الانتفاضة شهدت فرض "الحركات الإسلامية لنفسها مع قليل من الدعم الإسرائيلي"ص.42! أو ثالثة الأثافي حين يعلن الكاتب خلافا لكل البيانات الرسمية و خلافا لما اتفق عليه العالم بأن المجموعات التي تمكنت من "خطف" جلعاد شاليت هي "كتائب القسام" و "كتائب الناصر صلاح الدين"و "سرايا القدس"! بينما الحقيقة أن "سرايا القدس لم تشارك في العملية مطلقا وشارك فيها فصيل محسوب على فتح يسمى "جيش الإسلام".
هناك أيضا نقول غير دقيقة كالقول الذي ينسبه الكاتب لأحمد ياسين الذي يعتبر النساء "إفادة تكتيكية" ص155.بينما قال أحمد ياسين عقب أول عملية استشهادية تنفذها ناشطة في حماس "طالما قلنا أن النساء مخزون استراتيجي"، أو نسبة "مايشبه الادعاء الكاذب" لأحمد ياسين ص.134.أو القول بأن لباس كتائب القسام هو الأزرق المرقط ص 124 أو أن صواريخها تحمل عبارة "صنع في غزة على يد كتائب القسام" ص 92. وهي معلومات خاطئة فلون "القسام" أخضر و العبارة المخطوطة على صواريخه هي اسم الصاروخ واسم الكتائب..من الغريب أن لا يعرف الكاتب هذه الأمور البسيطة، ولكن الغرابة تزول حين نعاين مدى خبرته عمليا فالرجل يعتقد في ص 124 أن رايات حماس سوداء مزينة بخريطة فلسطين..هل يكون يكون خبيرا في شؤون الفصائل الفلسطينية من لا يفرق حتى بين رايتها؟ ويجهل المسافة بين رايات حماس ورايات الجهاد؟ أو من لا يعرف الاسم الصحيح لـ"القوة التنفيذية" التي يسميها "قوة التدخل".ص245
بخلاف هذا توجد نوافذ عديدة توحي بأن الكاتب يخلط المعلومات عمدا أو يستقي معلومات مشوهة بشدّة، كالقول بأن القوة التنفيذية شكلت على غير رغبة من أبي مازن .ص243، و الواقع أنها تشكيلها يدخل ضمن صلاحيات وزير الداخلية، وقد أضاف سعيد صيام في حينها توقيع أبو مازن لمرسوم التشكيل..ناهيك عن كون صيام لا يملك أي وسيلة ليضغط على رئيسه المنتخب! ويمكن أن نضيف إلى زعمه بأن "صقور حماس" هم من أفشلوا اتفاق مكة بعد أن رفضت أوروبا استقبالهم ص.263! و لكن الرجل الخبير يتناسى أن يذكر أن أول خرق لاتفاق مكة كان عبر المكالمة التي أجراها محمد دحلان يوم توقيع الاتفاق مع قيادات إسرائيلية وعدهم فيها بإنهاء الاتفاق، كما يتناسى مئات من ضحايا "الأمن الوقائي" الذين سفحت دماؤهم بدءً من محمد فايق عودة في 4/1/2006 و صولا إلى حسام النجار في 14/6/2007، وبين هؤلاء عشرات العلماء و الأساتذة و الطلاب...هذه الدماء كلها يتجنبها الكاتب، وينحو إلى مدح محمد دحلان و تبرئة جهازه، بل وصفه بالجهاز الذي دافع عن المقاومة وتعرض لغضب "حماس"!
في محصلة الأمر، يبدو الكتاب جهدا جيدا في ناحية جمع المعلومات، ولكن بطريقة تثير التساؤل، ففيها الانتقائية وفيها التجاوز، وفيها التغاضي وفيها عدم معرفة بعض الأساسيات التي تجعل عبارة "أفضل معلقينا و أكثرهم اطلاعا على القضايا العربية" التي أطلقها جون سيمبسون محرر الشؤون الدولية في البي بي سيعلى الكاتب في محل شك..هذه العبارة وحدها تشرح سوء الفهم الذي يقع فيه العالم الغربي تجاه قضايا العربية، طالما أن يأخذ معلوماته من أشخاص يحتاجون في المقام إلى..تصحيح معلوماتهم!