الاثنين، 7 أبريل 2008

"ثورة" الصحف الرياضية الجزائرية

الجزائر: أبوطالب شبوب نحو مليون ومئتي الف نسخة هو مجموع ما توزعه خمس صحف رياضية بالجزائر.. إنه قطاع يعيش فترة انتعاش، خصوصا ان عدد المطبوعات الرياضية في تزايد وبالنظر إلى قدرتها العملية على فرض خياراتها داخل أوساط القرار الرياضي.
يعود تاريخ الصحافة الجزائرية إلى أكثر من 40 سنة، إلا أن الصحافي إلياس فضيل عضو هيئة تحرير مطبوعة «الكرة» يقول إن المزاج الجزائري الرياضي بالإضافة إلى المواعيد الرياضية الكبرى ساهما في دفع صحفنا إلى الأمام، فاحتضان الجزائر لألعاب البحر المتوسّط كان دفعة قوية، وانتصار المنتخب الجزائري على نظيره الألماني في كأس العالم سنة 1982 كان دفعة أخرى، وهكذا مثّلت النتائج الجيّدة والمواعيد الكبرى مع جرعات أوكسجين للصحف الرياضية، وهكذا ولدت صحف «الهدف» الناطقة بالفرنسية و«المنتخب» الناطقة بالعربية والتي وصل سحبها إلى رقم 100 ألف نسخة وكذا «الوحدة الرياضية» وهي ملحق لمجلة «الوحدة» ذات الطابع السياسي.
كان هذا قبل إطلاق حرية التعبير في الجزائر وفتح مجال إنشاء الصحف الخاصة بنهاية الثمانينات، أين انطلقت العديد من الصحف الرياضية؟، لعل أشهرها هي «صدى ملاعب» التي أدارها آنذاك الشاعر عز الدين ميهوبي، مدير عام الإذاعة الجزائرية حاليًا، التي اتّسمت بالمزج بين الخبر الرياضي والتعليق الطريف، وفي سنة 1993 أسّست أسبوعية «كومبتيسيون» أي «المنافسة» الناطقة بالفرنسية، وهي الصحيفة الأقدم عمرًا في الميدان الرياضي، ثم تلتها العديد من الصحف، «الهداف»، «الهداف ـ وك آند»، «الكرة»، «الكرة +»، «الكرة ويك آند»، «الشباك»، «كومبيتيسيون ـ ويك آند»، «بيتور»، «الشباك»، «قوول»، «بلانيت سبور»..، لكن الأمر أخذ منعرجًا حاسمًا قبل فترة إذ صارت السوق الإعلامية الرياضية «تفرّخ» العناوين بشكل كبير، ومعها تحوّل الإعلام الرياضي من نوع إعلامي إلى ظاهرة تستحق الدرس في ظل أرقام سحبه التي تخطّت أحيانًا سحب الصحف السياسية.
لم يرى العربي محمودي، رئيس القسم الرياضي بصحيفة «الشروق» وممثل الصحافيين باللجنة الأولمبية الجزائرية، أن الإقبال الكبير الذي تسجّله الصحف الرياضية يرجع إلى عاملين أساسيّين «فمن جهة هنالك العامل التاريخي، حيث تسبّبت الأزمة السياسية التي مرّ بها البلد في فرار الناس من أخبار القتل والذبح إلى أخبار الرياضة التي ولدت أبطالا أولمبيّين كنور الدين مرسلي وحسيبة بولمرقة وحسين سلطاني الذين ظهروا أواسط التسعينات في عزّ أزمنة الدم، ومن جهة ثانية هناك عامل إعلامي أي تراجع الخبر السياسي عن صدارة مانشيتات الصحف، بفعل تعافي البلد ما جعل الخبر الرياضي يتقدّم لريادة القاطرة».
ويضيف الصحافي وسيم بن عروة إلى ذات العوامل حقيقة أن «نسبة 75 بالمائة من الشعب الجزائري هم دون سن 35 سنة، ما يشكّل مزاجًا إعلامياً حيويًا»، كما ينبه إلى أنه «يمكن الإشارة إلى خلفية ثانية للموضوع، تتعلّق بالأهمية الكبيرة للخبر الرياضي في العالم كلّه، ما يجعل المزاج الجزائري متوافقًا مع نظيره العالمي، ناهيك عن كثرة المشاركات الجزائرية في المنافسات الدولية».
أما سر النجاح اللافت فيلخّصه الأستاذ الجامعي سيد أحمد فلاق، الذي يشتغل صحافيا رياضيًا بذات الحين، بالحديث عن أساليب التسويق التي تتّخذها الصحف إما «التركيز على أخبار نادٍ بعينه» أو على «أخبار منطقة بحدّ ذاتها» ويشرح الأمر عمليًا بالقول «إن صحيفة «الهدّاف» مثلا تركّز على أخبار نادي مولودية الجزائر بفعل كثرة أنصاره الذين يعدّون بمئات الآلاف، ما يجعل رقم سحبها يقفز إلى رقم 220 ألف نسخة حسب تصريح هيئة تحريرها، أما الأسلوب الثاني أي التركيز على أخبار منطقة بحدّ ذاتها فذاك هو أسلوب صحيفة الشباك التي تهتم بأخبار منطقة الوسط، ما يجعل خطّها التحريري واضحًا وكذا خطّة انتشارها».
أما عن الأرباح التي تحقّقها الصحف الرياضية فإن العربي محمودي يشرح الأمر ببساطة لـ «الشرق الأوسط» قائلا «يجب أن نضع بعين الاعتبار أن غالبية هذه الصحف ذات طابع أسبوعي، وكذلك أن معدّل سعر طباعتها هو 8 دنانير جزائرية (0.108 دولار) بينما سعر بيعها هو 20 دينارًا (0.27دولارًا).
ورغم الرواج الكبير الذي تحقّقه الصحف فإن الأمر لا يخلو من مخاطر حقيقية، يجملها الصحافي ياسين بن لمنور، رئيس أسبوعية المحقق، بالقول «إن المشكلة الأساسية هي أن الرواج الكبير قد دفعت ثمنه الرياضة الجزائرية، لأن أصحاب القرار صاروا يخشون سطوة بعض الصحف القادرة على تغيير مزاج الأنصار، وبالتالي فهم يتّخذون قرارات حسب طلب الصحف لا حسب المصلحة الرياضية الصِّرفة، لكن هذا ليس سوى أخفّ الضررين، إذ أن الضرر الكبير ذو امتداد اجتماعي، فبفعل المنافسة الشديدة، صارت الصحف ذات طابع شعبي لغويًا ومهنيًا، وهذا ما دفع بالصحف إلى تحويل كلام الأنصار إلى مانشيتات يشكّل بعضها دعوة للجريمة! كالمانشيت الذي يقول «بين المولودية والحرّاش ما يفريها غير الكلاش» أي «بين نادي المولدية ونادي الحرّاش، لا حكم إلا الرشاش!» فهذا النمط من العناوين لا يصلح عنوانا افتتاحيًا لصحيفة تحترم نفسها».
وليت الأمر توقّف عند ذلك، فسيد أحمد فلاق يضيف بعدًا آخر للموضوع، لأن «الحرص على السبق، دفع ببعض الصحف إلى كتابة حوارات مختلقة، وتصريحات غير ذات مصدر، ما يكيّف قانونًا في شكل جريمة مهنية وأخلاقية عقوبتها السجن».
وفيما تواصل الصحف الرياضية الجزائرية تدوير عداد أرباحها، فإن عدّاد أخطائها المهنية لا يتوقّف عن الدوران هو الآخر، لتتحوّل هكذا من رقيب ناجح على الحياة الرياضية إلى لاعب سيّئ الطباع.
13/12/2006

ليست هناك تعليقات: