الاثنين، 7 أبريل 2008


حي بن يقظان الجزائري... أخرس يسابق النعام وينتج الحليب!
اسمه «هداري» وأحفاده يرفضون أن يكون جدهم محض أسطورة
الجزائر: شبوب أبو طالب
تنطلق القصّة بمنطقة «تيندوف» الواقعة غرب الجزائر، هنالك حيث تتنفّس الأرض دخانا، وتيبس في بعض النواحي حتّى لتخالها قدّت من الحديد الصلب. على هذه المساحة المقتطعة من جهنّم والجنّة معا تنتقل قافلة من البدو الرّحل بحثًا عن الرزق، وبينهم امرأة يكاد العطش يعصف بها ومعها رضيع ارتوى من عطشها، وسحب إلى جوفه من حليب أمّه ما تركها على حافة الموت. تتوقف القافلة عند بئر، لتنطلق المرأة كالمجنونة لا تلوي على شيء باتجاه الماء، وفي الأثناء، تعصف زوبعة رملية بالمكان، فتنمحي معالم كل شيء، ويتطاير كل ما خفّ ثقله في الهواء. أطنان من الرمل تحيل المكان إلى غرفة مظلمة سوداء خارقة الأبعاد يجهد الانسان داخلها ليغلق عينيه لأن فتحهما معناه فقدانهما االنظر.
ومع انحسار العاصفة يشقّ القافلة صوت امرأة مجروحة، صراخ يصعد إلى «رب السماء» كما تقول الأسطورة.. «أين ولدي؟». اختفى الرضيع مع العاصفة، وطيلة ثلاثة أيام يجهد أفرادها بحثًا عنه، تحت الصخور وخلف الوديان وبين الحشائش وداخل الكهوف.. ولا أثر. في ناحية غير بعيدة ، يرتاح الرضيع داخل محمية لقطيع ضخمٍ من طيور «النعام»، ويبدو أنه لا يشعر بأي انزعاج، إذ تزعم الأسطورة بأن «رب السماء» سخّر له من بيض النعام غذاءً كاملاً، واستحال اصبعه إلى «مصنع حليب»، يمصّه الصبي فيرتوي بحليب مذاقه كمذاق حليب أمّه، إلا أنه لا ينقطع ولا يبرد، حليب دافئ شهيّ.
يكبر الصبي بين «النعام» ويكون سلوكه مزيجاً من السلوكين البشري والحيواني، يركض بسرعة النعام، يصدر عنه صراخ كصراخه، يأكل كل ما تنبته الأرض. وعدا الصراخ لا يتقن نطق حرف أو كلمة، لكنّه يمشي على اثنين لا أربع كالحيوان.
سنوات تمضي وأهل الصبي يبحثون عنه إلى أن تتوارد الأخبار عن كائنٍ غريب يعاشر قطعان النعام السارحة في صحارى «تيندوف»، الأم الوالهة تقول إن قلبها يحدّثها بأن المعني ابنها، والقبيلة ترفض التصديق إلا بعد جهد يتفتق عن أكبر «فخ» في التاريخ البشري، تكفل باصطياد آلاف من طيور النعام.. وقع معهم «هداري»!
ينزاح الستار عن مشهد آخر بعد أربعين سنة، إذ أن «هداري» أو «ابن النعام» قد عاد ليشغل مكانه بين أفراد قبيلته، رجلا شجاعا صامتا، لا أحد يتفوّق عليه في الركض أو مقارعة القبائل الغازية، ولا أحد يستطيع أن يأخذ من فمه كلمة، شيئا فشيئا يتعلّم «الصلاة» على الطريقة الإسلامية بعد أن ظلّ يعبد «رب السماء» كما تعبده كل الكائنات غير البشرية، يتزوّج «هداري» من ثلاث نساء، وينجب بضعة وعشرين ابنا، ويتطلع بعد سبعين سنة إلى لقاء «رب السماء» الذي حماه من غائلة الموت عطشا في صحراء قاتلة، ووفر له من النعام مجتمعا ثانيا. يرحل «سيّد الصحراء» مخلّفا أبناء لا يقلون عنه سرعة، ولا يتخلّفون عنه في عدد «الكرامات» التي تظللهم برعاية سماوية، وإلى اليوم ما زال قسم منهم يسكن حوافّ منطقة «تيندوف»، وقد بادر أحدهم بتسجيل قصّة «جدّه» ضمن القاموس الجزائري الرسمي للأساطير مؤخّرا.
هذا هو «ابن يقظان» الجزائري، حدثت حكايته قبل قرن ونصف لا أكثر! ويعدّ قبره مزارا للمتصوّفين من طالبي الرُقَيِّ الروحي والكرامات الإلهية، والبحث يدلّ على أن لا علاقة لقصّته بقصة «ابن طفيل»، وإذا عنّ لك أن تقنع أحد «أحفاده» بأن جدّه محض أسطورة وأن «كاتبها رجل يدعى أبا بكر ابن الطفيل عاش بالأندلس في القرن الثالث عشر الميلادي، وقد ترجمت إلى العبرية واللاتينية والإنجليزية في القرنين الرابع عشر والسابع عشر، وتأثر بهذه القصة الكاتب الإسباني «بلتاسار حراثيان» حتى انه كتب قصتة «النقاد» على نفس منوالها، والبعض يعتبر أن قصة «روبنسون كروزو» لدانيال ديفو التي ظهرت في عام 1719 ترجع إلى نفس المنبع... الخ» إذا حاولت إقناعه بشيء من ذلك أو به كلّه فسوف... يدعك لتحادث نفسك!
الشرق الأوسط -الاربعـاء 11 ذو الحجـة 1426 هـ 11 يناير 2006 العدد 9906

ليست هناك تعليقات: