الاثنين، 7 أبريل 2008

بوجدرة يعتبر روايات آسيا جبار «ما يطلبه الفرنسيون»

الجزائر: شبوب أبو طالب
بدأت الحكاية بعد نشر حوار جرى بين الروائي واسيني الأعرج والروائية فضيلة الفاروق. وقد ورد في هذا الحوار سطر مجنون يشير إلى الروائي الطاهر وطّار (قاتل نساء). ورغم أن سياق الاتّهام كان روائيًا، مبنيًا على ملاحظة أن كثيرات من بطلات وطّار يتم (التخلص منهن)، إلا أن وطّار لم يرض مثل هذا الانتقاص من موهبته في التعامل مع (حريمه)، فكتب معلّقة من حلقتين عن واسيني الأعرج، نابشاً في ملفاته القديمة، متهماً إياه بأنه غير أصيل في اختيار عناوينه، وأنّه قافز ممتاز على عناوين غيره، ولو بتصرّفٍ يسير، والأمر ليس غريبًا عنه، فقد قفز من قبل على إرث الأديبة الجزائرية زوليخا السعودي.
وكما يحدث في كل مرّة يكتب وطّار، فقد كان له فعل (الزلزال) الذي لم يستثن أيًّا ممن ركبوا الموجة وتعرّضوا له، فقد أوقف كل المتطاولين عند حدّهم، وبالرغم من (الكيماوي المزدوج) الذي أخرجه، فإنه لم يتعدّ حدود المتوقّع، سوى بإطلاق تهديد عاصفٍ بتصفية حساب كل متسكّعي شارع الأدب وأنذاله.. ما بقي له عمر !
وفي الوقت المستقطع بين رحلة جوية وأخرى، وجد واسيني الفرصة ليرد على الطاهر وطّار بنشر ثلاث حلقات، وأيّ رد! فقد أعلن أولاً انه لن ينزل بالمستوى، لكنّه استنفر التاريخ والجغرافيا، والده ووالدته، وحتّى كلاب جدّته ليقصف وطّار بالجنون والخرف والعجز الرّوائي وحتّى الأبوي!
وليمنحه رتبة (الشامبيط)،أي حارس بلدية الأدب الجزائري! ويبدو ان لا شيء اعترض واسيني في انطلاقه للأسفل، فقد تحدّث بكل ما خطر على باله... وما زال ردّ وطّار منتظرًا.
وفيما يستمر الاشتباك مشتعلاً بين الرّجلين، فإن جبهة أدبية أخرى تحتدم، إذ ان الروائي رشيد بوجدرة تذكّر فجأة مسدّسه، وطرد الروائية المعروفة آسيا جبّار من حظيرةِ الوطنية، لمجرّد أنّها اُختيرت عضوًا في الأكاديمية الفرنسية للآداب، واصفًا أدبها بالمتوسّط، وسلوكها الرّوائي بما يشبه برنامج (ما يطلبه المستمعون)، مع استبدال المستمعين بالفرنسيّين! ولم ينتظر الرجل كثيرًا ليطلع بحوار صحافي عاصف، أكّد فيه آراءه ووقف ضدّ الأسطول الإعلامي الجزائري الناطق بالفرنسية، والذي لا يعرف على أي رجلٍ يرقص فرحًا بالاختيار المبارك لآسيا!..، ثم جاءنا الروائي أمين الزّاوي من خارج السّرب، مفسِّرًا موقف بوجدرة بـ(التنفيس عن غيرة شخصية)على طريقته التنفيسية حين وصف كتابات أحلام مستغانمي بـ (ساندويتش البطاطس)! ولم يفلت الروائي الآخر بشير مفتي من التورط في المعمعة، فوصف المتصارعين بجوقة السبِّ والشّتمِ، والبطّالين ثقافياً وعملياً. والمعركة متواصلة وسط نصائح السينمائي والروائي عيسى شريّط للكل، بضرورة البحث عن مظلات، وربّما دخول مدرسة المظليّين، قصد تعلّم النزول لواقع النّاس، والكف عن حرب النجوم!
لم تخلُ هذه الاشتباكات من لحظات طريفة، كتذكير وطّار بعض منتقديه، بكؤوس الشّاي التي شربوها على طاولَتِهِ، وردّهم من وراء ستار، بأنّهم ينتظرون الفاتورة كي يدفعوا ثمنها، ويتخلّصوا منتِهِ! وكذا ردُّ واسيني على الاتّهامات الموجّهة له بسرقة العناوين، حيث اقترح على خصومه قائمة جديدة من العناوين المسروقة مع أصولها.. كي تكون لائحة الاتّهام مكتملة!
تكتب صحف الجزائر مقالاتها هذه الأيّام بالمِسطرة، وينصب بعضها محاكم للتفتيش عن النّوايا، وبين الحين والآخر يسقط البعض بنيران صديقة.. أمّا القرّاء فإنّهم يتساءلون عن دوافع ما يحدث، هل هو لهيب توهّج إبداعي جديد، أم آخر شرارات القنديل. وتتحدّث تقارير طبّية مشكوك في صحّتها، عن احتمال انتقال فيروس (جنون البقر) من شمال المتوسّط إلى جنوبه!
سنوات الحلم والخوف في سيرة ذاتية عراقية
«أية حياة هي؟» لعبد الرحمن مجيد الربيعيالرباط : عبد الرحيم العلام
يلجأ بعض الأدباء للإشارة في أحد نصوصهم الأدبية، إلى كتابهم الآتي. لقد فعلها من قبل الراحل جبرا إبراهيم جبرا مبشراً في روايته «البحث عن وليد مسعود»، بالجزء الأول من سيرته الذاتية، الذي صدر فيما بعد بنفس العنوان المشار إليه في الرواية السابقة، أي «البئر الأولى». كما سبق للروائي عبد الرحمن مجيد الربيعي أن وعد قراءه، في سيرته الأدبية «من ذاكرة تلك الأيام»، بعزمه كتابة سيرته الذاتية ونشرها بعنوان «أية حياة هي؟». فقد كتب في مقدمة ذاك الكتاب: «ليست هذه مذكرات أروي فيها سيرتي الذاتية فهذا أمر ما زال مؤجلا وإن كان مشروعا مطروحا، لا بل إنني اشتغلت عليه قبل سنوات، ووضعت مخططه وعنوانه الذي كان على هيئة سؤال: «أية حياة هي؟».
بعد مرور ما يزيد على أربع سنوات صدرت أخيرا للربيعي، عن «دار الآداب»، سيرته الذاتية «أية حياة هي؟ (سيرة البدايات)»، في سياق إقبال أدبي عربي لافت على كتابة السيرة الذاتية. وإذا كان الكتاب الأول يحكي عن العديد من المحطات الأساسية في حياة الكاتب، وعن المكابدات والمواقف والانطباعات، فإن الكتاب الثاني يركز، وإن كان يتكامل مع الاول على بعض اللحظات التي يستبق فيها السارد زمن الحكاية إلى استشراف أزمنة بعدية، وعلى رصد جوانب مرتبطة بمرحلتي الطفولة والنضج تحديدا.
تقدم لنا السيرة مجموعة من الحكايات الطفولية للكاتب، في زخمها وتنوعها، بحيث يصبح الزمن، غير خاضع لأي منطق، إذ تتداخل الطفولة ببعض المحطات الحياتية الأخرى للكاتب، في تناوب بين الاستباق والاسترجاع، وتلعب الذاكرة لعبتها الماكرة، يصبح معها من الصعوبة وضع حدود زمنية بين محطة وأخرى.
يبدو من الصعوبة بمكان تقديم كل الحكايات التي يسوقها الكاتب عن طفولته، كما هو الشأن مع عدد من علائقه العابرة بشخصيات أدبية، فكثيرا ما يشكل تذكر بعض الشخوص الواقعية في هذا النص، مناسبة للحديث عن توظيفه لها في بعض نصوصه القصصية والروائية، وبأسمائها الحقيقية في أغلب الأحيان، كما هو الشأن بالنسبة لبعض شخوص رواياته: «القمر والأسوار» و«خطوط الطول.. خطوط العرض» و«الوشم»، ومجموعته القصصية «ذاكرة العميان»، وذلك بمثل حديثه أيضا عن سياقات كتابته لبعض القصص والروايات، كقصة «البرتقالة» وروايتي «القمر والأسوار» و«الوشم»، كذلك الحال بالنسبة لاستحضار الكاتب لبعض الفضاءات والأحداث التي عاصرها..
فمن الحديث عن البلدة مسقط الرأس والفضاء العائلي، الأب والأم والإخوة والجدتين، إلى الشيطنة والدراسة، والقراءات الأولى، فالاكتشافات لفن القص من خلال حكايات الجدة، والحب الأول، وعالم المغامرات الغرامية، وعشق الارتحال والسفر والتنقل بين الفضاءات والمدن العراقية، فالحديث عن بعض الظواهر الاجتماعية والجنسية التي كانت سائدة، بما في ذلك إدراجه لحديث مطول وجريء عن عوالم الحب.
وينتقل السارد إلى مرحلة جديدة بدخوله المدرسة الثانوية وإدراكه لعوالم الموت، من خلال موت الأم وموت الجار أبي سكينة، وهو ما سيشكل، بالنسبة له، أولى مواجهته للموت (ص 152)، ثم انفتاحه على عوالم القراءة والكتابة والرسم والنشر والمغنين، من مصر والعراق، والسينما الأميركية في المرحلة الأولى، فإعجابه بالسينما الإيطالية، والسينما الفرنسية، فيما بعد، ثم حديثه عن سنوات الحلم والخوف.
ثم تأتي مرحلة التحاق الكاتب بمعهد الفنون الجميلة، وما ولده له اكتشاف بغداد من سحر وإعجاب كبيرين، بعد كل ما سمعه وقرأه عنها، فيخصص لها حيزا كبيراً نتيجة ما ولدته لديه هذه المدينة، من فتنة ودهشة وبهاء ومغامرات جديدة وحرية أيضا، بعيدا عن سطوة الأب، وخوف من المجهول والضياع: «لكنه ليس الضياع السلبي بل الضياع المعطاء الذي به أرى وأتمعن وأستشرف ويتسع أفقي»، على حد تعبيره (ص381)، وقد بدت له بغداد مدينة الفنون ومعارض التشكيل بامتيا..
ومن بين المراحل المؤثرة في حياة الكاتب تلك التي اطلع فيها على المنشورات الحزبية السرية للحزب الوطني الديموقراطي، وهو ما كان له التأثير اللاحق في روايته «القمر والأسوار» التي وظف فيها أحد بيانات الحزب المذكور، كما تعرض فيها لعراق الخمسينيات قبيل سقوط النظام الملكي.
بموازاة هذا كله، يلجأ الكاتب بين الفينة والأخرى، إلى استرجاع وسرد بعض الأحداث والمراحل السياسية التي شهدها العراق، سواء إبان الحكم الملكي، وثورة تموز 1958، والحرب العراقية الإيرانية والحزب الشيوعي السري والحزب الوطني الديموقراطي وحزب البعث، وغيرها من الأحداث الأخرى التي تجعل من هذه السيرة الذاتية سيرة مختلفة حقا.
الشرق الأوسط ـ الاربعـاء 06 جمـادى الثانى 1426 هـ 13 يوليو 2005 العدد 9724.

ليست هناك تعليقات: