الاثنين، 7 أبريل 2008

"حماس من الداخل"..مثال جيد لـ"خبير" تنقصه الخبرة!


يوحي مؤلف كتاب "حماس من الداخل" بكثير من التعمق في معرفة واقع حركة حماس وتاريخها، كما لا يفتأ يذكّر بعلاقاته الشخصية بقادتها، ولكن هذه "المعرفة" تفسح المجال لعدد كبير من الأخطاء التي تثبت بأن الكاتب غير مطلع على تفاصيل جد هامة، كما أن رؤيته الكلية لموضوعه لم تستكمل كافة قواعد التحليل المنطقي السليم.
الدوحة ـ شبّوب أبوطالب
صدر كتاب "حماس من الداخل" للكاتب المعروف زكي شهاب، الصحفي المتخصص بالشأن الشرق أوسطي والخبير في قضايا هذه المنطقة الملتهبة، وقد كانت نسخته الانجليزية بعنوان "inside Hamas" ، ثم قامت "الدار العربية للعلوم" بتعريبه ونقله لكتاب العربية.
توحي السيرة الذاتية للكاتب بكثير من الاحترام و الاطلاع، كما أن علاقاته بقادة الحركات الفلسطينية تبدو جيدة للغاية، و يمكن التصور بأنها توفر له مصدرا ثمينا للمعلومات، أما هدف الكتاب فهو تقديم مقاربة لحركة "حماس" من الداخل، و وضع القراء في صورة نشوئها وتطورها، و الأزمة السياسية البالغة التي وضعت فيها عقب انتصارها الانتخابي الساحق لها في كانون ثاني/ يناير 2006.
يقول الكاتب أن "حماس" نشأت في ظروف تسامح إسرائيلي، وتمكنت من خداع النوايا الإسرائيلية لتطور نفسها إلى جهاز عسكري فاعل، ورغم أن سجن مؤسسها أحمد ياسين قد قاد لـ"انهياره" و الاعتراف بالقصة الحقيقية للجهاز العسكري إلا أنه وجد لاحقا الطريقة لإعادة صياغة "كتائب القسام"، و التي تطورت لتصبح خصما شديد المراس لإسرائيل، ولكن الظروف التي مرت بها "حماس" قد انتقلت بها من ميادين الفعل العسكري إلى المطالبة بحصة من السلطة، وقد خططت هذه الخيرة لنصرها الانتخابي عبر خطة خداعية ماكرة، استهدفت تعطيل استشعار الآخرين لقوتها، ثم تسلمت الحكم فرفضت مشاركة الآخرين لها في الحكومة، ولم تخضع لذلك إلا مضطرة، و عانت لاحقا من التضارب بين قيادتها "الغزاوية" و نظيرتها "الدمشقية" المرتهنة لحلفها الإيراني السوري، كما أن جناح "الصقور" بداخلها كان السبب وراء تحطيم اتفاق مكة، و دخول مجازفات خاسرة كـ"اختطاف" الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليت، وبرغم إصرار خصوم "حماس" على انتزاعها فإنها ظلت وستظل قادرة على فرض نفسها، ولا يمكن ، و الحال هذه ، لخصومها سوى أن يقبلوا على مفاوضتها من أجل الوصول إلى حل الأزمة الشرق أوسطية.
بالرغم من كون الكتاب موثقا في الكثير من التفاصيل، و هادفا لتقديم "المعلومات" فإن ما ينقص الكاتب حصرا هو "المعلومات"، ثم عدم قدرته على متابع بعض المفاصل بشكل تتكامل فيه وقائع الميدان كاملة، ولا يتم أخذ الحكم من خلال جانب واحد.
لنبدأ الكتاب في تسلسله، فالكاتب يقول في الصفحة 9 أن حماس لم تكن تريد مشاركة أي أحد في حكومتها الأولى لولا الضغط الدولي الذي جعلها "تتودد" إلى غريمتها حركة فتح، و الغريب أن هذا الزعم لا يمكن أن يصدر من متابع لما حصل عقب انتخابات 2006، إذ أن المؤتمر الصحفي الذي عقده خالد مشعل بعد فوز حركته بالانتخابات كان زاخرا بشيء واحد هو الدعوة للوحدة الوطني، و لمشاركة كافة الفصائل، ولم يكن فيه رغبة بالتفرد، و للمزيد من التوضيح فقد قال خالد مشعل لقناة العربية في 6/3/2006 "المصلحة الوطنية تقتضي أن تشارك فتح"، وقال لقناة نيو تي في في 15/3/2006 "نحن لا نلغي الآخر ثم أعلنا أننا سنتعاون مع الأخ أبي مازن احتراماً لموقعه في رئاسة السلطة" ثم أوضح الأمر أكثر"نعم سنستوعب الجميع برحابة صدر وهؤلاء شركاؤنا، والقضية الفلسطينية أكبر من أن تختزل في فصيل بعينه"، و الرفض الوحيد الذي سمع في حينه لحكومة وحدة وطنية فلسطينية هو رفض محمد دحلان الذي أعلن أن "عار على الفتح أن تشارك في حكومة ترأسها حماس"!..الكاتب لا يذكر هذا بل يصم "حماس" بأخطاء الآخرين، ولا يبدو أن هذا الأمر منفردا فالكاتب يتهم "حماس" برمي خصومها من أعلى أسطح البنايات، مشيرا بذلك لحادثة اغتيال الفتة حسام أبو قينص، و الذي يثير الدهشة أن الكاتب لو كان على درجة 10 بالمائة من الاطلاع لكان قد سمع بشهادات والد الفتى وجيرانه و التي تبرئ "حماس"، و التي توجت باعتراف توفيق أبو خوصة الناطق باسم وزارة الداخلية الفلسطينية السابقة يوم 11 / 1 / 2008 على قناة "الحوار" بأن قوات فتح هي التي قتلت أبو قينص لأنها ظنته من "حماس"..بسبب لحيته!
طبعا في الكتاب أخطاء لا يمكن تفنيدها لأنها مضحكة، كالقول بأن صلاح الدين الأيوبي "حمى في العام 1187 مدينة القدس من الجيوش المسيحية".ص61..حماها ولم يحررها! أو القول بأن بداية الانتفاضة شهدت فرض "الحركات الإسلامية لنفسها مع قليل من الدعم الإسرائيلي"ص.42! أو ثالثة الأثافي حين يعلن الكاتب خلافا لكل البيانات الرسمية و خلافا لما اتفق عليه العالم بأن المجموعات التي تمكنت من "خطف" جلعاد شاليت هي "كتائب القسام" و "كتائب الناصر صلاح الدين"و "سرايا القدس"! بينما الحقيقة أن "سرايا القدس لم تشارك في العملية مطلقا وشارك فيها فصيل محسوب على فتح يسمى "جيش الإسلام".
هناك أيضا نقول غير دقيقة كالقول الذي ينسبه الكاتب لأحمد ياسين الذي يعتبر النساء "إفادة تكتيكية" ص155.بينما قال أحمد ياسين عقب أول عملية استشهادية تنفذها ناشطة في حماس "طالما قلنا أن النساء مخزون استراتيجي"، أو نسبة "مايشبه الادعاء الكاذب" لأحمد ياسين ص.134.أو القول بأن لباس كتائب القسام هو الأزرق المرقط ص 124 أو أن صواريخها تحمل عبارة "صنع في غزة على يد كتائب القسام" ص 92. وهي معلومات خاطئة فلون "القسام" أخضر و العبارة المخطوطة على صواريخه هي اسم الصاروخ واسم الكتائب..من الغريب أن لا يعرف الكاتب هذه الأمور البسيطة، ولكن الغرابة تزول حين نعاين مدى خبرته عمليا فالرجل يعتقد في ص 124 أن رايات حماس سوداء مزينة بخريطة فلسطين..هل يكون يكون خبيرا في شؤون الفصائل الفلسطينية من لا يفرق حتى بين رايتها؟ ويجهل المسافة بين رايات حماس ورايات الجهاد؟ أو من لا يعرف الاسم الصحيح لـ"القوة التنفيذية" التي يسميها "قوة التدخل".ص245
بخلاف هذا توجد نوافذ عديدة توحي بأن الكاتب يخلط المعلومات عمدا أو يستقي معلومات مشوهة بشدّة، كالقول بأن القوة التنفيذية شكلت على غير رغبة من أبي مازن .ص243، و الواقع أنها تشكيلها يدخل ضمن صلاحيات وزير الداخلية، وقد أضاف سعيد صيام في حينها توقيع أبو مازن لمرسوم التشكيل..ناهيك عن كون صيام لا يملك أي وسيلة ليضغط على رئيسه المنتخب! ويمكن أن نضيف إلى زعمه بأن "صقور حماس" هم من أفشلوا اتفاق مكة بعد أن رفضت أوروبا استقبالهم ص.263! و لكن الرجل الخبير يتناسى أن يذكر أن أول خرق لاتفاق مكة كان عبر المكالمة التي أجراها محمد دحلان يوم توقيع الاتفاق مع قيادات إسرائيلية وعدهم فيها بإنهاء الاتفاق، كما يتناسى مئات من ضحايا "الأمن الوقائي" الذين سفحت دماؤهم بدءً من محمد فايق عودة في 4/1/2006 و صولا إلى حسام النجار في 14/6/2007، وبين هؤلاء عشرات العلماء و الأساتذة و الطلاب...هذه الدماء كلها يتجنبها الكاتب، وينحو إلى مدح محمد دحلان و تبرئة جهازه، بل وصفه بالجهاز الذي دافع عن المقاومة وتعرض لغضب "حماس"!
في محصلة الأمر، يبدو الكتاب جهدا جيدا في ناحية جمع المعلومات، ولكن بطريقة تثير التساؤل، ففيها الانتقائية وفيها التجاوز، وفيها التغاضي وفيها عدم معرفة بعض الأساسيات التي تجعل عبارة "أفضل معلقينا و أكثرهم اطلاعا على القضايا العربية" التي أطلقها جون سيمبسون محرر الشؤون الدولية في البي بي سيعلى الكاتب في محل شك..هذه العبارة وحدها تشرح سوء الفهم الذي يقع فيه العالم الغربي تجاه قضايا العربية، طالما أن يأخذ معلوماته من أشخاص يحتاجون في المقام إلى..تصحيح معلوماتهم!




ليست هناك تعليقات: