الاثنين، 28 يوليو 2008
بشار مدينة المدن السبع.. بنتها الأساطير ونسجتها الحكايا
حيثما تجولتَ في مدينة بشار، فإن الأسطورة ستظل رفيقك الدائم، منطقة قد لا تكفي سنة لزيارتها، ولكن تكفي لحظة واحدة لتمنحك الإحساسَ بأن سبعة عوالم كاملة تعيش داخلها.. ولكل عالم زمنه الخاص! تعتبر بشار عاصمة للجنوب الغربي الجزائري، ولا يفصلها عن العاصمة الجزائرية سوى ساعة ونصف من الطيران أي 950 كليومترا. بشار عبارة عن سهل هائل يمتد على مساحة 5000 آلاف كيلومتر مربع وتحيط به جبال ثلاثة؛ هي عنتر وقرزاز وبشار، ورغم وقوع المنطقة في الناحية الصحراوية للجزائر، فإن معدل الأمطار يقترب من 100 مليمتر سنويا، وهو معدل مرتفع للغاية، مما يبرر اخضرار بشار ووفرة الأشجار فيها.تتكون بشار من سبع مدن، هي بشار القديم، بشار الجديد، العبادلة، بني عباس، قرزاز، غار الذئبة وتابلبالة، بالإضافة إلى عشرات القصور التاريخية المنتشرة هنا وهناك، والتي تمنح المكان بُعدا أسطوريا يحيل إلى تاريخ ضارب في العراقة ولكنه غير مكتوب.وتبدو العراقة ماثلة في الحفريات التي يمتد عمر بعضها لأكثر من 25 قرنا، ولكن الثقافة الشفوية المسيطرة في المنطقة حولت التاريخ إلى حكايات يصعب فيها فصل الحقيقة عن الخيال، أو يصعب بالأصح التصديق بأن كل ذلك الجمال حقيقي لا مفتعل.تمتاز بشار بالتنوع الكبير في مناظرها، إذ توفر لهواة الصحراء فضاءات لا نهائية لممارسة كافة رغباتهم من رحلات السفاري إلى صيد الطيور والغزلان، كما توفر لعشاق التزلج على الرمال كثبانا رملية يزيد متوسط ارتفاعها عن الـ1300 متر، مما يجعلها موقعا مثاليا للتزلج، كما توفر المدينة لمحبي السباحة النهرية العديد من الأنهار والبرك، أما لمن يبحث عن الغرائب، فإن قصة المدن السبع هي أفضل أسطورة يمكن أن يلمسها بيده في تلك الناحية.فقد كانت بشار طوال تاريخها منطقة خضراء وسط بحر من الرمل يفصل شمال القارة الأفريقية عن وسطها، مما ضمن لها ازدهارا دائما، كما أن احتماءها ببحر الرمل جعلها أفضل مستقر يؤوي إليه الهاربون من العسف السياسي والخائفون على أنفسهم وأفكارهم، ولعل التمازح بين الصنفين أكد حقيقة غريبة، هي أن تاريخ بشار قد صنعه الضيوف والغرباء.فمن أبرز الشواهد على ما صنعه الغرباء تلك القصور المنتشرة حيثما توفر نبع ماء، فنظرا لاتساع المنطقة فقد جرت العادة أن يبني كل قادم جديد قصرا بالطوب المحلي، ويمارس داخله ما شاء من أفكار وتقاليد، يحدث هذا وسط تسامح كبير من سكان المنطقة الذين يتسمون بانفتاح غير عادي، وقد حدث هذا مع قصور «زاوية سيدي محمد» التي بناها المصلح الديني محمد بن موسى وعاش فيها مع أتباعه عيشة أقرب للغرابة، كما حدث مع قصر «غار الذئبة» الذي بناه أفراد قبيلة يَُسمون بأبناء الحسين وجعلوه قريبا من مغارة تشتهر بنقوشها الحجرية التي تمثل غزلانا وذئابا، كما حدث هذا أيضا مع قصر الأضرحة السبعة، وهي عبارة عن سبعة أضرحة عملاقة لا يعرف أحد لها تاريخا، ولكن جيرانها يقولون إنها هبطت من السماء ذات يوم مع مطلع الفجر، ورغم أن عمرها يزيد على القرون الثلاثة فلا زالت لغزا غير قابل للفهم.. بل إن الجيران لا يعلمون حتى شخصيات من بداخلها! ونفس الشيء مع قصر «سيدي عثمان» الذي تقول أسطورته إنه قدم من مصر مع نفر من أتباعه، وكان شيخا هرما، فلما أخذته سكرة الموت غرس عصاه في الأرض طالبا ألا تنزعَ حتى يفارق الحياة، وهكذا كان، فما إن صعدت روحه حتى انتزعت العصا وتفجر من أسفلها نبع ماء ما زال حاملا لاسم «سيدي عثمان» منذ أكثر من قرن غفل الراوي عن عدها.وأينما تجولت في المدن السبع لبشار، فلن تجد سوى الأسطورة، إنه بلد بنته الأساطير ونسجته الحكايا، ولعل ذلك راجع لتقاليد السمر الليلي، وهي جلسات مطولة يحتضن الشاي فيها الحكايا ولا تصفو إلا برغد العيش، عنصر مكفول جدا في بشار فالزراعة متطورة جدا والغلات الفلاحية تتراوح بين التمر والطماطم مرورا بالقمح والتفاح مما يجعل المائدة البشارية غنية للغاية، فهناك «الكليلة» وهي وجبة باردة عمادها الحليب المجفف الممزوج بنباتات محلية، وتصلح كمقبل لذيذ لوجبة دسمة تتراوح بين «الحريرة» و«الترفاس باللحم»، فـ«الحريرة» هي أول أطباق المنطقة المغاربية ككل، وهي عبارة عن قمح خاص يطحن بعناية ويضاف له السمن والأعشاب الطبية والطماطم وبعض الخضروات المطحونة بعناية، ما يفيد في إعطاء «طلقة تمهيدية» فاتحة للمعدة بانتظار الوجبة الثانية التي تختلف بين الليل والنهار، ففي النهار هناك «الترفاس باللحم» وهي وجبة تعد بواسطة «الترفاس» وهو نبات فطري محلي لا يزرع بل يتوافر في الطبيعة عقب كل موسم أمطار، وطعمه لذيذ للغاية لحد أن ثمن الكيلوغرام منه 10 دولارات. ويحضر «الترفاس» بعد تقطيعه إلى أطراف صغيرة تضاف لها كميات متوسطة من اللحم ويطبخ الكل في حساء من الخضروات، ومن شأن خليط كهذا ان يولد طاقة مضاعفة تساعد على العمل، على عكس «الكسكس» وهو الوجبة الرئيسية في منطقة المغرب العربي والتي يفضل البعض تناولها ليلا، وهي غنية عن التعريف، أما أنواع الخبز المحلي فتتراوح بين «المسمَّن» وهو خبز من طبقة واحدة يخلط بالسمن البلدي والعسل، و«الخبز» وهو شبيه بخبز الفرن الإفرنجي، ولا يختلف عنه إلا في مادة الإعداد.كما أن كثبان بشار الرملية توفر لك متكأً يذهب بك بعيدا في الزمن يطارد فيه خيالك آلاف الأساطير المزروعة في كل ركن من المنطقة، هذا إن كنت من هواة التخييم الطبيعي، أما إن أردت الفنادق فهناك أكثر من 10 فنادق جميلة ينطلق يبدأ سعر غرفها من 25 دولارا وتنتهي غير بعيد عن 150 دولارا. وتوفر هذه الفنادق إلى جانب إمكانات الإقامة الجميلة فرصا ذهبية للاختلاط بالناس وحتى مشاركتهم رقصة «الهوبي» وهي نظير «العرضة» السعودية إلا أنها تؤدَّى بالبنادق لا السيوف.
الشرق الأوسط اللندنية
الاربعـاء 24 ربيـع الاول 1428 هـ 11 ابريل 2007 العدد 10361
http://www.aawsat.com/details.asp?section=41&issueno=10361&article=414508&search=شبوب&state=true
المهرجانات الموسيقية الجزائرية.. كثرة العدد وفوضى التنظيم!
الجزائر: شبّوب أبو طالب
يصادف زوّار المدن الجزائرية مهرجاناتٍ موسيقية في كلّ مكان، هناك «مهرجان الرّاي» في مدينة وهران، «مهرجان تيمقاد» في مدينة باتنة، «ليالي الكازيف» في العاصمة و«مهرجان الموسيقى الأندلسية» بمدينة تلمسان... مهرجانات لمختلف الأذواق الموسيقية المحلية والدولية، مهرجانات بلا حصر، فما الحكاية؟ وكيف هو واقع المهرجانات الموسيقية الجزائرية؟ وماذا تخفي وراءها؟
للمهرجانات في الجزائر قصّة طويلة جدا، انطلقت بمسعى رسمي عام 1967لإنشاء مهرجان موسيقي ضخم باسم (مهرجان تيمقاد)، تطوّر من الصّبغة الوطنية إلى المتوسّطية إلى العالمية. وبمرور الوقت توالدت الهيئات الجزائرية التي ترعى المهرجانات والحفلات، وأخذت طابع عدم الاستقرار بناءً على التغيير الدّائم الذي شهدته التشريعات المختصّة من جهة،ومن جهة أخرى ذلك الصّراع الأيديولوجي الذي تشتهر به الجزائر بين (المعرّبين) و(المفرنسين)، والذي قاد إلى فقدان البوصلة باستمرار. فمثلاً يحدث أن يأتي (معرّب) لإدارة مهرجان موسيقي، فيكون التّداعي الطّبيعي أن تصبح غالبية المدعوّين من المشرق العربي، وتتلوّن اللّوحات بـ (الدبكة) و(العرضة) وغيرهما، فإذا آلت الإدارة في العام الذي يليه إلى (مفرنس)، فإنّه سيقصي كلّ هؤلاء ويدعو خوليو إيغليسياس وجيمي كليف!
بموازاة هذا عملت الوفرة البترولية على تشجيع مبادرات إقامة مهرجانات موسيقية من مختلف التصنيفات، محلية، وطنية، دولية، باعتبار الخزينة قادرة على السّداد، وتوفّر (مساحات شاغرة) داخل التشريعات المختصة يمكن لها فتح نافذة الربح الشخصي. وبمرور الوقت بدا أن أفضل إنجازات الإدارة الجزائرية هو كمّ ضخم للغاية من المهرجانات الموسيقية وتوابعها، تنظّمها هيئات رسمية وأهلية، دون فائدة ولا نتيجة.
من ترتيب الفوضى إلى الفوضى المرتّبة
* الى ما قبل العام الماضي، لم تكن التشريعات الجزائرية تتضمن شروطاً واضحة ومفصّلة لكيفيات الحصول على (الاعتماد الرّسمي) لإقامة مهرجان موسيقي، إذ كان يكفي استئجار قاعة أو مسرح في الهواء الطّلق لرفع لافتة (المهرجان الوطني....) أو (المهرجان الدّولي..)، والمشكلة أن هذه المهرجانات كثيرًا ما تحفل بما يسيئ إلى اللافتة (الوطنية) المرفوعة، وتحسب بالتّالي على البلد، لا على الهيئة المنظّمة... ويكفي كدليل على ذلك أن (وكالة إعلانية) نظّمت مهرجانًا موسيقيًا دوليًا، رغم أنّ ليس من مهامها فعل ذلك.
لإنهاء هذا الوضع بادرت وزارة الثقافة الجزائرية إلى إقرار تشريعات جديدة، نظّمت من خلالها العملية، وجاءت بالصّيغ القانونية الكفيلة بضمان تنظيم مقبول للمهرجانات الموسيقية، إلاّ أن تشريعاتها الجديدة لم تجد طريقها السريع إلى النّفاذ، بل تمّت مقاومتها بشدّة، إذ وقف ضدّها مسؤولون نافذون في التلفزيون الجزائري ومسؤولون نافذون في أكبر الوكالات الإعلامية الرّسمية، بل وشهد التلفزيون الرّسمي العام الماضي تغطية غير مسبوقة لمهرجان (ليالي البهجة)، الذي شارك فيه كثير من الفنّانين، مثل مصطفى قمر، شيرين وجدي، محمد منير. والغريب أن مسؤولي هذه الهيئة الرّسمية قد فعلوا هذا رغم يقينهم أن المهرجان غير قانوني، بل ودخل أثقل جهاز إعلامي جزائري على خطّ التنظيم والتّمويل أيضًا!
التشريعات الجديدة عانت أيضًا من (تفخيخ) داخلي منعها من النّفاذ، إذ أن مهرجاناً موسيقياً دولياً كـ (مهرجان تيمقاد) لا يمتلك هيئة تسيير مستقلة، بل ولا يعتمد مقاييس الرّبح والخسارة! وتصوّروا انه يعيش على موازنة سنوية من وزارة القطاع لا تُصَبُّ في رصيده إلا في آخر لحظة، قبل أسبوعين من انطلاقه، هكذا فإن القائمين عليه لن يجدوا فرصة التعاقد مع أي اسم محترم نظرًا لضيق الوقت، وسيضطرّون لـ (تمشية الأمور) بأي اسم وجدوه عاطلاً عن العمل!. أكثر من هذا فإن اعتماد المهرجان على موازنة رسمية قاد إلى لا مبالاته بالنّجاح الجماهيري، فحتّى لو غاب الجمهور فلن يتأثّر المهرجان، لأنّه لا يتغذّى على حصيلة بيع التذاكر، بل على الموازنة الرسّمية، وفي أحدى حفلاته لهذه السّنة كان عدد من اقتنى التذاكر هو 24 شخصًا من بين 10.000حضروا الحفل، ومع ذلك فلا احتجاج!
خطوات إلى الأمام
الخطوة التي اتّخذت قبل سنتين، عزّزت هذه السنة بقرارات مجلس الوزراء، الذي اعتمد، تسمية 6 مهرجانات وطنية، وأقرّ إفراد هيئة إدارية مستقلة (محافظة) لأبي المهرجانات الموسيقية الجزائرية ـ مهرجان تيمقاد ـ مع خصّه بميزانية مستقلة.
وجهاز رقابي يؤطّر عمله، وفق المقاييس الاقتصادية، يضاف إلى ذلك تعزيز العملية الرقابية على بقية المهرجانات التي جرى التّأكيد على أن الجهة الوحيدة الكافلة لإصدار (تصاريحها) هي وزارة الثقافة. وهكذا فقط جرى تحييد أصحاب النفوذ الذين عرقلوا طويلا التطوّر التسييري والأدائي لهذه التظاهرات الثقافية، ويبدو أن استحداث محافظات مختصة سيمكّن أيضًا من إنهاء الصّراع المحتدم بين (المعرّبين) و(المفرنسين) على تولي مهام الإدارة وما يرتبط بها من ريوع، إذ إن إخضاع الإدارة لضوابط العملية التسويقية ربحًا وخسارةً، سيقلّص مساحات النّفاذ إلى المال العام بلا حسيب ولا رقيب.
تبدو الجزائر في مرحلة صناعة تقاليد ثقافية محترمة، ويظهر أن أخطاءها السّابقة كانت سلة تجارب يمكن الاستفادة منها في صناعة غدٍ أحسن، وما اختيارها عاصمة لاحتضان (المؤتمر العربي الأوّل لمسيّري المهرجانات الموسيقية) إلّا دليل على تزكية عربية لمجهود يستحق الاحترام... ربما!
أزمة سكن حادة يعاني منها أبطال الروايات الجزائرية
الجزائر: شبّوب أبو طالب
آخر الروايات الصادرة، في الجزائر، ليس في اي واحدة منها طرف خيط يشدّها إلى البلد. وقد تبدو الكاتبات أكثر نزوعاً إلى الترحال من الكتاب.
السنة الماضية أفاق المشهد الثقافي الجزائري على «طفلة» في السابعة عشرة من العمر، روائية ذات لغة وخيال يصعب التصديق بأنهما غير مستعارين، الأمر الذي استوقف الروائي السوري نبيل سليمان في زيارته للجزائر، حيث أبى إلا أن يسجّل صدمته بالظاهرة التي تسمّى سارة حيدر. المشكلة أن رواية سارة حيدر التي تحمل اسم «زنادقة»، لا ترتبط بشكل أو بآخر ببلدها، بل تمتد من نيويورك إلى بغداد دون أن تتوقف في بلد المليون شهيد. والأغرب أن «الطفلة» عندما تتحدّث لا تأتي على ذكر بلدها ولو عفوًا، تحدّثت عن كل شيء إلا عن الجزائر، حتّى اسمها بدا غريبًا عن تشكيلة الأسماء والألقاب الجزائرية التي يندر فيها هذا اللقب المشرقي «حيدر». توقّع الكل أن ما قامت به سارة مرحلة وانتهت، لكن عندما سئلت «ما الذي تقرئينه؟»، تبين أن الأزمة مستمرة، إذ جاء جوابها «التاريخ التركي !».
في الأيّام السابقة طلعت علينا روائية جديدة، كانت قد شرعت في كتابة «ثلاثية» وعمرها 14 سنة وأنهتها في الثامنة عشرة. ثلاثية «ذاكرة الدم الأبيض»، صدمت المشهد الثقافي الجزائري، فكاتبتها فتاة تمتلك لغة سابقة لسنّها بكثير، ولا تتخلّف قدراتها الوصفية عن قدراتها اللغوية إذ أنّها تُطَوِّّعُ الجمل حتّى لَكَأَنَّها ريشة في يد رسّام أو قلب عاشق في يد حسناء مستبدة. لكن المشكلة ظهرت ثانيةً، فأحداث هذه الرواية تقع بين مدينتي «مانشيستر» و«ليفربول» البريطانيتين، وليس فيها اسم عربي واحد كي لا نقول اسما جزائريا. الفتاة تحدّثت في ندوة مشهودة عقدتها في «اتّحاد الكتّاب الجزائريّين»، قالت خلالها إنّها تعبت كثيرًا لتكتب عن العهد الفيكتوري وأحداثه في بريطانيا ـ الرواية تدور أحداثها أواخر القرن 17 الميلادي ـ وأنّها عادت لكل ما توفَّر من كتب ومراجع، بل وجنّدت الشبكة العنكبوتية لتحصل على خرائط تفصيلية عن «مانشيستر» و«ليفربول» كي يكون تموقعها الجغرافي سليمًا ولا تتوه عن مناجم الفحم ومصانع القطن. حين سئلت خديجة نمري عن مشروعها الجديد الذي تضع فيه كل عقلها ومشاعرها، بعد أن أضافت للأدب الانجليزي عملاً آخر، قالت إنّها تفكّر في رواية بوليسية، وأنّها شرعت في الاستعداد لذلك بـ«حملة قراءة» استنزفت كل ما خطّته الراحلة آجاتا كريستي.... وبعد لأيٍ قالت إن أحداث هذه الرواية البوليسية قد تكون جزائرية.
ولم يتوقّف الأمر عند صغار المشهد الثقافي، فالروائي والجامعي سفيان زدادقة الذي كان أوّل من تحدّث عن الظاهرة العسكرية الجزائرية وسمّاها باسمها، شرع أخيرًا في كتابة عملٍ جديد عن «الموريسكيّين» في اسبانيا ومثله فعل الكثيرون. طبعًا لم يغترب المشهد بكامله، فما زال الثقل الساحق تمثّله روايات تتغذّى من سنوات الجزائر العصيبة، لكن «الظاهرة الاغترابية» تفرض نفسها بقوّة، خصوصًا إذا استكملت الصورة بقراءة إحدى الفقرات التي كتبها أحد النقّاد الايطاليّين ممن أقاموا في الجزائر طويلاً، إذ قال «مشكلة الرواية الجزائرية هي البطل المثقّف»، أي أن معظم الروايات الجزائرية مؤخّرًا لا تسجّل يوميات شعبية بقدر ما تسجّل احباطات مثقّف وتترجم تقوقعًا فاشلاً ضمن منظومة المجتمع ككل، وإلا كيف نفسّر الظاهرة المحيرّة التي تجعل غالبية أبطال الروايات الجزائرية كتّابًا وروائيين. وهي قاعدة لم يشذّ عنها سوى قلّة، بينهم الروائي الشاب الخيّر شوّار وعبد الوهّاب بن منصور والروائي السينمائي عيسى شريّط الذي أخرج عملاً بعنوان «الجيفة» يحكي يوميات حيّ فقير تملؤه الموبقات. هل صارت الجزائر بلداً طارداً للذّات الراوية؟ أم أن الأمر برمّته صدفة غير مرتّبة؟ وهل ينعم الوطن بسلام يجعل من العثور على «مأساة» مناسبة لكتابة رواية عظيمة ضرباً من المستحيل؟
يخيل للقارئ ان أزمة السكن الحادة في الجزائر، لحقت بأبطال الروايات فهربوا.
الاربعـاء 22 صفـر 1427 هـ 22 مارس 2006 العدد 9976
من سرق مخطوطة ابن خلدون
شبوب أبوطالب
اجتمعوا ليكرّموه، فإذا به غير موجود! هكذا يمكن أن نلخّص النتيجة المدهشة التي انتهى إليها، الأسبوع الماضي، «ملتقى الجزائر الدولي حول ابن خلدون».
القصة أن رئاسة الجمهورية الجزائرية قد نظّمت ملتقى دولياً حول أعمال وفكر العلامة الراحل عبد الرحمن بن خلدون، دام ثلاثة أيام. وقد حضر الملتقى ما يزيد على 24 باحثا خلدونيا من 12 دولة، لكن المفارقة المدهشة أن الحاضرين قد صحوا على خبر فجائعي، مفاده أن نسخ المقدّمة، قديمها وجديدها، قد اختفت من البلد الذي كتبت به. صاحب البشارة السيّئة كان مدير مخبر البحث في المخطوطات بجامعة الجزائر مختار حسّاني، الذي قال وسط دهشة الحاضرين «لم تعثر فرق بحثنا على أي عمل من أعمال الراحل ابن خلدون، رغم امتداد إقامته بالجزائر، وكتابته للمقدمة على أرضنا»، ولم يكتف بذلك بل قال ان نتائج بحثه الشخصي قد ترجّح إحدى الفرضيتين المشهورتين حول مكان المقدمة، إذ تقول الفرضية الأولى بأن ابن خلدون قد أهدى النسخة الأصلية لـ(أبي حفص) سلطان تونس، وتقول الثانية بأن رواق المغاربة بجامع الأزهر يحتضن هذه النسخة، ولاحظ حساني بمرارة أن الأزهر لم يعلن أي تفاصيل بخصوص هذه القضية.
لكن مختار حساني لم يغفل الإشارة إلى فرضية ثالثة تقول بأن (المقدمة) الأصلية ما زالت في الجزائر، عطفا على ورودها ضمن الإجازات العلمية التي كانت تمنح لطلبة العلم بالمغرب الأوسط، حيث يعلن العالم المختص أنه يمنح إجازة التدريس للطالب الفلاني لثبوت تمكّنه من الاطلاع على محتوى مجموعة كتب ومتون. وقد عثرت فرق البحث الجزائرية على إجازات ذكرت فيها المقدّمة، وهكذا يستنتج أن النسخة الأصلية، أو على الأقل، ان بعضاً من بين أقدم النسخ قد تكون في الجزائر.
القضية خطيرة، إذ لا معنى لعدم وجود أي نسخة من نسخ المقدمة بمكان كتابتها سوى احتمالات جدّ مؤلمة، وهو الأمر الذي دفع بكثير من المختصين إلى تصوّر بضعة سيناريوهات لما يكون قد حدث.
يقول مسعود سيساني، أستاذ في علوم التاريخ، أن الفرضية الأقرب بالنسبة له هي أن تكون فرق البحث الفرنسية قد عثرت على المقدمة في عهد الاستعمار ومن ثمّ جرى نقلها إلى باريس، وحفظت في مكان غير معلن. وهو الأمر نفسه الذي جرى مع الكثير جداً من المحفوظات ذات القيمة التاريخية الكبيرة والتي حوتها خزانة «الداي حسين»، آخر حكّام الجزائر باسم السلطان العثماني. لكن الباحثة خيرة عمراني ترجّح أن يكون الأمر بعيداً عن ذلك، فبالنسبة لها «المقدّمة حلم الكثير من الباحثين عن الكنوز، ولا استبعد أن يكون أحدهم ـ جزائريا كان أو غربيا ـ قد صادفها، وفكّر ببيعها في سوق تهريب الآثار، ولن يمضي وقت طويل حتى تعلن دولة غربية أنها اقتنت المقدّمة من شخص ما، وتحتفظ بها كإرث قومي، كما تفعل المملكة البريطانية مع العديد من المراجع العربية التاريخية».
ويضيف عمر. م ـ أحد رجال الأمن العام ـ فرضية جدّ شخصية للموضوع، إذ يقول بأن «دلائل كثيرة تقول بأن فرق البحث الفرنسية، ربما، تكون قد عثرت على المقدمة، وأودعتها بمقر المكتبة الوطنية حالياً، لكن آثارها قد اختفت بعد استقلال الجزائر، ومن المرجّح أن بعض الموظّفين قد باعوها طمعاً بالمال، أو أن إدارة المكتبة الوطنية الجزائرية لم تعلن عن وجودها بمخازنها حفظا لها من خطر السرقة».
ويردّ السيد عمر. ب، على التساؤل الذي يستغرب عجز دولةٍ عن حماية وثيقة كهذه بالقول ان «سجّلات المكتبة الوطنية نفسها لا تذكر شيئا عن الموضوع، وبالتالي فلا إثبات على وجود المقدّمة بمخازنها إطلاقا، ولا دليل على عملية بيع أو سرقة، بل إن بعضهم يقول بأن الوثيقة موجودة في مقر المكتبة الوطنية الجزائرية، لكنّها اختفت مباشرة بعد زلزال 31 مايو (أيار) 2003 والذي نتج عنه انهيار جزئي لمخازن المخطوطات النادرة، ثم أغلقت ـ بغرض الترميم ـ لفترة غير قصيرة بالمرّة. وهي فترة تفتح الباب أمام كل احتمال».
وأمام سلسلة الاحتمالات التي يطرحها كل طرفٍ، يبدو أكيداً أن البلد الذي شهد ميلاد مقدّمة ابن خلدون بمغارة «أولاد سلامة» لا يمتلك أي نسخة من هذا العمل العلمي الذي يوصف بأنّه خطوة التأسيس الحقيقية لعلم الاجتماع بمعناه الحقيقي. وهي مأساة فعلية لأجيال من عشّاق ابن خلدون، ومن بينهم الرئيس الجزائري الذي قال بأن ابن خلدون «ابن هذه الأرض.. لا يلومنا في قول ذلك مشرقي ولا مغربي»، فمن سيكشف عن سارق المقدّمة؟
«نجمة» الأديب كاتب ياسين اختيرت رمزا للجوال الجزائري
الجزائر: شبّوب أبو طالب
في الجزائر أطلقت إحدى شركات الجوّال خدماتها باسم «جازي»، وهو شعار نُحِتَ من اسم البلد مع بعض التحوير، وأطلقت شركة منتجات غذائية اسم «الصومام» ـ أشهر المؤتمرات العسكرية التي عقدتها قيادة ثورة التحرير الجزائرية ـ على منتج «لبن طبيعي»، كلّ هذا بدا مفهومًا.
لكن الظاهرة التي جذبت الانتباه، هي أن شركة اتّصالات اختارات اسم «نجمة» كشعار لها. و«نجمة» هذه هي أشهر أعمال الروائي الجزائري المرحوم كاتب ياسين. وهي المرّة الأولى التي يحمل فيها منتج تجاري اسم رواية، فخفخة غير معهودة في دول الشمال الإفريقي على الأقل. مسؤولو شركة الاتصالات قالوا إن الاختيار تمّ بناءً على سبر آراءٍ قامت به المؤسّسة، وكانت نتيجته أن الاسم الأكثر قبولاً هو «نجمة»، وعليه فليس لدى المسؤولين أي شيء غير عادي لتبريره. بل إنّهم يعتزون بكون كل رنّة هاتفٍ ستذكّر زبائنهم بالرائعة الروائية الخالدة، هكذا يكتسب «الجوّال» نفسه طعمًا آخر.
الجميل في ظاهرة الجوّال الذي يصادق الكتاب هو حياة الكاتب نفسه، فكاتب ياسين عاش حياةً صعبة شديدة التعقيد، وانتهى بائسًا وفقيرًا ومحطّماً، لكن اسم أفضل أعماله سيذكّر الكل به، وسيضمن له من الخلود ما لم يحلم به، ناهيك من إدخاله التاريخ من أوسع أبوابه، كأنه «سوبر ستار» صنع شهرته من قلمه، وظلّت هذه الشهرة فاعلة حتّى بعد رحيله.
يحكي ياسين للكاتب العراقي سيّار الجميل في كتابه «نسوة ورجال» قائلاً: «ولدت عام 1929 في منطقة القبائل وأنا أمازيغي. كانت طفولتي صعبة ولكنني كنت مشاغبا، وطفقت اكتب وأنا ابن عشر سنوات فرأي الآخرون عندي مخايل الذكاء واضحة لا تحتاج إلى أي تفسير.. مررت قبل أن ادرس في المدرسة الفرنسية بالكتاتيب التي تعلم القرآن، على عادة أترابي التقليديين. لم يشجعني احد على الكتابة إلا احتلال فرنسا للجزائر الذي جعلني أكون سياسيا في كل ما اكتبه وأقوله من النصوص النثرية وقصائد الشعر.. لقد ولدت «نجمة» من مجموعة إيحاءات وهواجس ورموز كنت ألملمها كل يوم على مدى عشر سنوات، أي منذ عام 1946 لتغدو رواية صدرت في باريس عام 1956، وأنا شاب جزائري في العشرينيات والثورة المسلحة قد اندلعت في كل البلاد.. ونجمة هو رمز لابنة العم التي كنت متعلقا بها إلى حد الجنون!». ويعلّق سيّار الجميل على الكلام بالقول «لم يكن اسمها نجمة، كان اسمها زليخة وكانت متزوجة وتكبره بعشر سنوات.. وعليه، فهذا الحب ضرب من المستحيل».
هذه هي ظروف ميلاد «نجمة» التي تروي قصّة حياة «لخضر» ذلك الذي يتساءل دوماً عن سبب حبّ الكل لـ«نجمة» رغم إدانتهم لها بذات الحين. وهو سيناريو تشبيهي لما كان يحدث مع الجزائر التي كانت «مستباحة» من طرف الفرنسيّين، ولكن الكلّ كان متعلّقًا بها.
هذا هو الوتر الذي تعزف عليه تفاصيل الرواية من أوّلها لآخرها، ولهذا السبب فإنّها قد منعت من التداول في فرنسا حتى استقلال الجزائر، كما منع عرضها كمسرحية في ذات البلد حتّى سنة 2003، اذ عرضت في إطار فعاليات سنة الجزائر الثقافية بفرنسا. مشكلة الفرنسيّين كانت أن «نجمة» تتألّق بشكل غير اعتيادي، ويضمن لها مستواها مكانةً متقدّمة للغاية في سجّل الأدب المكتوب بالفرنسية، إلا أنّها تبقى رغم كلّ ذلك عملاً يدين الاستعمار ويصمه إلى الأبد.
ياسين لم يقدّر له الاستمتاع بشهرته كثيرًا، إذ أن روح النضال بداخله تغلّبت على الفن. لقد أخرج الكثير من الأعمال إلى النور ففي الشعر أخرج «مناجيات» و«قصائد إلى الجزائر المضطهدة» و«مئة ألف عذراء» و«تحت صرخات الديكة». وفي المسرحية كتب «الجثة المحاصرة» و«دائرة القمع» و«غبار الذكاء» و«الأسلاف يزدادون ضراوة« و«المرأة المتوحشة» و«الرجل ذو الصنادل المطاطية» و«حرب الألفي عام» و«ملك المغرب»، وأضاف في الرواية عملاً بعنوان «المضلع النجم». كل هذا لم يشفع للرجل الذي كان يسارياً متطرّفًا، وظلّ دائم الاصطدام بالشعور العام والمؤسّسات الرسمية في ذات الحين، لم يتقن المهادنة ولا عرف الحلول الوسط، وانتهت به حياته مشرّدًا مسكينًا وفقيرًا بمدينة «غرونوبل» الفرنسية يوم 29 أكتوبر 1989. وكم هي المفارقة عجيبة، أن يموت المبدع فقيرًا لكن آخرين لا صلة لهم بالإبداع يجنون الذّهب والألماس من اسمه!
أصغر رؤساء التحرير في الجزائر: فرضت نفسي بالمهنية والأخلاق والاحترام
ـ لقد مارست منصب رئيس التحرير لأكثر من عشر سنوات، وفي جرائد كثيرة، وبالنسبة إلى الجرائد اليومية، فقد كنت أصغر رئيس تحرير في أكبر جريدة يومية في وقتها. وقد لا يهمني ذلك فالمفارقة أن الصحافيين يختمون مسارهم المهني برئاسة التحرير، ولكنّي أكاد أمثل حالة استثنائية في الصحافة الجزائرية فقد بدأت مسيرتي الصحافية برئاسة التحرير.
إنني لا أتكلم بنوع من النرجسية، لكنها ملاحظة أساتذة كلية الإعلام في الجزائر، حتى أن أحد هؤلاء الأساتذة الذين تعلمت على أيديهم فنيات الكتابة الصحافية قد قال عني إن منصب رئيس التحرير بالنسبة إليّ هو وظيفة أصلية لا ترقية! > لكن كيف وصلت الى هذا المنصب؟ ـ لقد وصلت الى رئاسة التحرير لا بالانقلاب ولا بالانتخاب وإنما اوصلني قلمي لهذه المسؤولية وتعلمت ان احافظ على هذا القلم لكي يدوم احترام الناس لي حتى وان زالت المسؤولية. > هل من السهل أن تكون رئيس تحرير في الجزائر؟
ـ كان من الصعب في بداية التجربة الإعلامية الحرة أن تكون رئيس تحرير في الجزائر لأن الأمر كان يتعلق بالمهنية وبالاحتراف، لكن بعدما انتكست الصحافة الجزائرية قد أصبح من السهل جدا أن تصبح رئيس تحرير، ربما لأجل ذلك أصبحت أصف رئيس التحرير برجل المهمات القذرة، وربما لأجل ذلك قد آن لي أن أستريح من هذه المهمة القذرة! > تحدثت عن صحافيين برتبة جنرالات ومواطنين بدرجة رؤساء، هل هنالك صحف تستطيع إقالة الرؤساء في الجزائر؟
ـ حدث أن غُرّر بالصحافيين في أحد الانتخابات الرئاسية، واعتقد الصحافيون أو توهموا بأنهم يستطيعون إيصال هذا المترشح إلى القصر الرئاسي، هم في الحقيقة وضعوا أنفسهم مكان المواطنين وانتخبوا بدلا عنهم! هكذا انحرف هؤلاء الصحافيون عن رسالتهم الإعلامية المقدسة.
لو كانت الصحافة الجزائرية هي التي تصنع الرؤساء، حقا لكانت تستطيع أن تقيلهم. فإذا كانت السلطة هي نفسها قد خلقت هذه الصحافة، فكيف بهذه الصحافة تتحول إلى آلهة تُجلس فوق عرش السلطة من تشاء! > مارست الصحافة بشاعرية، والشعر بـ «تصحيف» هل من تناقض بينهما؟
ـ أبدا، لا أرى هنالك أي تناقض، كثير من مقالاتي الصحافية تشبه قصائدي الشعرية، ربما أكون قد حاولت ذات مرة أن أكتب شعرا فتمخضت القصيدة عن مقالة صحافية، وقد يحدث لي عكس ذلك، فأكون صحافيا مع القصيدة مثلما أكون شاعرا مع المقالة الصحافية.
> كيف ترى مستقبل الصحف الجزائرية؟
ـ إن المستقبل يتحدد على ضوء الحاضر الذي هو نتاج الماضي وحين نعرف من أين جاءت هذه الصحف نستطيع أن نعرف إلى أين تتجه ومع ذلك فإنني اتطلع إلى غد مشرق للصحافة الجزائرية، حيث لا يبقى في الساحة الإعلامية غير الجرائد المهنية، وهنا أراهن على الصحافيين أنفسهم لا على غيرهم.
إن الصحافة التي جاءت مع الريح، لا بد أن تذهب معها، وتتناثر أوراقها مثل أوراق الخريف الذي كان يعصف بالجزائر أول مرة! > باعتباركم واحدا من أصغر رؤساء التحرير في الجزائر، كيف تقدمون الصحافة الجزائرية للقارئ العربي؟
ـ الصحافة الجزائرية ظهرت خلال فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر الذي أخذ طابعا استيطانيا، فكانت هناك جرائد للمستوطنين الفرنسيين وجرائد أخرى للأهالي الذين هم الجزائريون، بل إن كلمة الجزائريين لم تكن في ذلك الوقت تطلق على الجزائريين سكان الأرض الحقيقيين ولكنها كانت تطلق على الفرنسيين الذين يحتلون الجزائر ويسكنون فوق أراضيها المحتلة! وللأسف الشديد أن الجرائد التي ظهرت خلال الاحتلال لم تعد إلى الصدور، مع الاستقلال وكأنها ذهبت مع الاحتلال إلى غير رجعة، حيث احتكرت الدولة المستقلة إصدار المطبوعات، فكانت الصحف إما تابعة للحكومة أو للحزب الحاكم، ومع ذلك بقي الصحافيون يناضلون من أجل حرية إصدار الجرائد، وهو ما حدث بالفعل غداة أحداث أكتوبر، حيث أقرت السلطة حرية إصدار الجرائد وحرية تأسيس الأحزاب، ومع الانفتاح الإعلامي والسياسي ازدهرت الصحافة الجزائرية في بدايتها خاصة أن الذين خاضوا التجربة هم صحافيون مهنيون وليسوا دخلاء على الحقل الإعلامي، ولكن حدثت الانتكاسة مع إلغاء المسار الانتخابي والديمقراطي. ومع اندلاع أحداث العنف في الجزائر حصل تراجع في جودة الصحافة. ما يؤسفني أننا في الجزائر نمتلك صحافة ولا نمتلك مؤسسات إعلامية، ولذلك فقد اصبح كل من هب ودب يمتلك جريدة وهو لا علاقة له بالإعلام، وذلك ما جعل الصحافة الجزائرية تتقهقر إلى الوراء، فيما يفضل الصحافيون الجزائريون الهجرة بأقلامهم إلى المؤسسات الإعلامية الكبرى في العالم العربي. فإذا كنا أثناء أحداث العنف نخاف أن نقول إننا صحافيون، فإننا بعد ذلك ومن الناحية الاجتماعية قد أصبحنا نستحي أن نقول إننا صحافيونّّ! > ما هو موقفك من صحافيين يسجنون بتهم غير إعلامية؟
ـ إن الصحافي قبل كل شيء هو مواطن، بل إنه لا يستحق أن يكون صحافيا حين يعتقد بأنه مواطن من الدرجة الأولى. ومن الطبيعي أن يدخل الصحافي السجن باعتبار أنه مواطن حكمت عليه العدالة في قضايا تتعلق بالحق العام، ما هو غير مقبول هو أن يتوهم الصحافي بأنه فوق قوانين البلاد وفوق العباد، فيتجند الصحافيون والحلفاء السياسيون من أجل تضليل الرأي العام حين يربطون سجن الصحافي بحرية التعبير، بينما هو يكون قد دخل السجن لسبب آخر! > بعد سنوات من العمل الصحافي، ما هو الشعور الذي تحملونه كنتيجة لتراكم كل هذه السنوات؟
ـ صعب جدا أن اختصر سنوات من العمر في لحظة عاطفية، ولكن شعوري الوحيد الذي لا يفارقني أبدا، هو أنني ما زلت تلميذا في مدرسة الصحافة، ففي كل يوم أتعلم شيئا جديدا، بل إنني أحفظ درسا جديدا.
لست أبالغ في الأمر، إذا قلت إن أساتذتي الحقيقيين هم هؤلاء القراء الذين أكتب لهم! > فيما تختلف الصحف الجزائرية عن نظيراتها المشرقية والدولية؟
ـ توجد في الجزائر حرية ولا توجد صحافة، بل إن الصحافة الحرة غير موجود ما دام أنه لا توجد مؤسسات إعلامية بمعنى الكلمة، فالصحافة قبل كل شيء مؤسسة، حقا يوجد في الجزائر صحافيون يناضلون باستمرار من أجل تأسيس صحافة حقيقية وليس مزيفة.
وقد تغدو، صورة واقع الصحافة كاريكاتورية في بعض البلدان العربية، التي توجد بها مؤسسات صحافية ولكنها لا تتمتع بالحرية، قياساً بالحرية التي يتمتع بها الصحافيون الجزائريون الذين يفتقرون إلى مؤسسات صحافية. > أين تقف الأحزاب من لعبة الصحافة في الجزائر؟
ـ حزب جبهة التحرير الوطني هو الحزب الوحيد الذي استطاع أن يخلق صحيفة يومية بعد اقرار التعددية الإعلامية والحزبية ولم تكتف السلطة بمصادرة الجرائد التي ورثها، بل عمدت إلى توقيف الصحيفة التي أنشأها أول مرة، ولكن بقية الأحزاب تريد أن تختفي وراء الصحف، ومن الغرابة أن يصل حزب إلى الحكم وهو لا يمتلك أية صحيفة.
صحيح، الصحافة لا توصل المرشحين إلى السلطة، ولكن من العيب أن لا تكون للأحزاب السياسية جرائد يومية أو أسبوعية.
* سيرة ذاتية
* إبراهيم قارعلي
* من مواليد 13 أكتوبر من عام 1968 يعمل حاليا نائبا لرئيس تحرير «الشروق اليومي». وهو حاصل على شهادة البكالوريا شعبة آداب وشهادة الليسانس في الإعلام والاتصال وشهادة الماجستير في التاريخ فرع تاريخ الثورة.
اقتحم عالم الصحافة من بوابة استقلاليتها فكان من الجيل الأول الذي خاض تجربة الصحافة المستقلة في الجزائر. اشتغل صحافيا في العديد من الجرائد اليومية والأسبوعية وتقلد رئاسة التحرير في الكثير منها. مثل الجزائر اليوم والحوار والعالم السياسي وصوت الأحرار والمحقق والسفير والأخبار.
شارك في دورة تدريبية حول الصحافة الاستقصائية في بيروت لبنان وحصل على شهادة من مركز إنترنيوز الأميركي.
"بركات".. سينما تترحم على الاستعمار
فيلم "بركات" غير عادي.. هذا هو الوصف اللائق جدًّا بآخر إنتاجات السينما الفرنسية. غير عادي؛ لأنه يروي مقاربة فرنسية غريبة لسنوات الدماء في الجزائر، فبدلاً من تصوير الصراع الدموي بين السلطات والمسلحين الإسلاميين؛ فإن الفيلم يرى أن الذين مارسوا المذابح الجماعية هم مناضلو حرب التحرير الجزائرية.. وهم أنفسهم أباطرة المال واللصوصية وسدنة احتقار المرأة وظلمها.
"بركات" الذي شهدت قاعة "الموقار" بوسط العاصمة الجزائرية عرضه الشرفي، هو باكورة إنتاجات المخرجة "جميلة صحراوي" وهي من مواليد 1950، وقد تقاسمت بطولته كل من "رشيدة براكني" و"فطومة بوعماري"، فيما توزع السيناريو بين المخرجة "جميلة صحراوي" والسيناريست الفرنسي "سيسيل فير غافتي".
الإرهاب والمفاجأة
تبدأ الأحداث سنة 1990، باختطاف زوج البطلة أمال (رشيدة براكني) من طرف جماعة مسلحة؛ بسبب انتقاداته اللاذعة للعمليات الإرهابية التي شهدتها الجزائر في الفترة بين 1990 - 1999، فتقرر البطلة أن تبحث عنه، ولتفادي المشاكل واختصار الوقت فإنها تصطحب صديقتها الممرضة خديجة (فطومة بوعماري) في رحلة إلى معاقل الإرهابيين بأعالي الجبال.وبالفعل تنجح وصاحبتها في استنقاذ الزوج المختطف، ولكن على وقع مفاجأتين رهيبتين، تتمثل الأولى بكون قائد المجموعة الإرهابية مستثمرًا كبيرًا ومناضلاً سابقًا في حرب التحرير الجزائرية، أما المفاجأة الثانية فلا تقل إيلامًا ودراماتيكية، ذلك أن الذي نفذ عملية الاختطاف هو والد أحد الأطفال الذين أنقذت البطلة أمال حياتهم بحكم اشتغالها طبيبة.
هذه هي قصة الدم في الجزائر كما ترويها عدسة جميلة صحراوي، مناضلون وطنيون يحررون بلدهم، ثم يتفرغون لقتل أبنائه وسرقته بدلاً من تعميره.
هذا عن الجيل الأول والأكبر في جزائر الاستقلال، أما الجيل الثاني فيمثله شباب يتخلى عن أسرته؛ ليقتل من يقوم بتطبيبها (أمال) وزيادة وعيها (زوجها الصحافي)؛ لتكون المحصلة فشلاً مستمرًّا لمجتمع فقد أي رغبة بالحياة,
نظرة الفيلم للمأساة الجزائرية غريبة جدًّا، ذلك أنها تجرِّم مناضلي جيش التحرير الذين طردوا فرنسا بعد استعمار دام 132 سنة، وتلقي عليهم تبعة فشل مشروع المجتمع الجديد، كما تجرِّم الجيل الجديد من الجزائريين وتصمهم بالعنف والدموية، فيما توحد الجيلين تحت بند اضطهاد المرأة ومحاربتها باسم تقاليد بالية. وغني عن القول إن هذه النظرة لا تثمر سوى تمجيد المستعمر الفرنسي الذي وفّر "السلم الاجتماعي" أيام "عدله" توزيع الظلم لكافة شرائح المجتمع الجزائري.
التناقض
بدا سيناريو الفيلم غير مقنع بالمرة، ذلك أنه يعاني من أزمة مشاهد؛ إذ لا يمكن لرؤية واحدة أن تقنع الضحية "المشاهد الجزائري" والجلاد "المشاهد الفرنسي" معًا.
وعطفًا على ذلك سارت الأحداث باستخدام "قفزة الضفدعة" في عدة اتجاهات مختلفة لا رابط بينها ولا منطق؛ إذ فيما تُصرّ "خديجة" في أحد المشاهد على ارتداء "الحايك" -وهو لباس محلي يغطِّي المرأة تمامًا- ورفض "الحجاب" في شكله القادم من المشرق العربي؛ بحجة الحفاظ على التقاليد الوطنية، فإنها في مشهد آخر تظهر إصرارًا أكبر على ارتداء زينتها كاملة قبل خروجها من بيتها وتدخين سيجارتها بلذَّة غريبة. مشهد لا علاقة له بصورة "الحفاظ على التقاليد" التي تحاول المخرجة إلباسها لـ"خديجة".
وهو تناقض يتناسخ بطول الفيلم مع البطلتين ويُضعف تركيبتهما التي سعت المخرجة؛ لجعلها واضحة وصريحة في مقابل شخصيات بقية أفراد المجتمع المتسمة بالتردد والحيرة.أداء البطلتين كان متوسطًا مع أفضلية رشيدة براكني، وهي من مواليد 1977، والفائزة قبل ذلك بجائزة أفضل ممثلة عن "بينالي السينما العربية" الذي احتضنه معهد العالم العربي بباريس (دورة 2006)، وظهر تصوير كاتل ديجيان وصوتيات أوليف سكووب في مستوى جيد للغاية، في محاولة لتفادي عثرات النص وهشاشته، أما الموسيقى التصويرية التي أعدَّها عازف العود الجزائري المعروف بـ"علَّة" فقد اصطدمت مرارًا بسيناريو الفيلم للحد الذي يعتقد معه المشاهد أنها "أقحمت" إقحامًا فيه، ولم يجرِ الاتفاق بشأنها مسبقًا.
الفيلم الذي جاء كعمل مشترك فرنسي - جزائري، أوضح بجلاء أن الرؤية الحاكمة في أعمال كهذه هي رؤية الطرف المموّل، حتى إن كانت منقضة للواقع وللحقيقة أيضًا.
*الشرق الأوسط بتاريخ 24 نوفمبر 2006.
الأحد، 27 يوليو 2008
سيمبوزيوم الديار يدخل مراحله النهائية
كانت نهاية الأسبوع الماضي موعدا مع إتمام غالبية المتنافسين في «سمبوزيوم الديار» التشكيلي لأعمالهم، وفيما لم تبقَ إلا بعض التدقيقات والرتوش الطفيفة فإن أعضاء لجنة التحكيم قد بدؤوا التفكير باكرا في النتيجة النهائية التي لن يكون حسمها سهلا.وتكشف جولة داخل كواليس المسابقة عن الصراع الصامت الذي يدور رحاه بين المتنافسين، كلٌّ على طريقته، فقد اختار الرسامان العراقيان الأسلوب الذي أعلناه من قبل، حيث جسّد الفنان سالم مذكور صورة لشيخ يتكئ على أحد جدران سوق واقف، بينما تكشف ملامحه ونوعية الجدار عن الشيء الكثير من ماضي قطر وتاريخها، وقد أبدع مذكور بشكل كبير في التعامل مع موضوعه وإن كان اللون السماوي الذي اختاره ليس لونا كثير الاستعمال في قطر، وهو اختيار سيضع التزام مذكور بالواقعية الفنية على المحك برغم وفائه لتمثيل صورة الرجل الذي «يعيش في غير زمنه»، حيث بدا الشيخ المرسوم خارجا لتوّه من عهد غابر، ومسافر بآلة زمن توقّفت دقائقها وثوانيها على موجات القرن الماضي. أما الفنان إسماعيل عزام فقد جسّد لوحة فنية من الخمسينيات تقريبا، وتمثل صورة لوسط سوق واقف وقد تناثرت على جنباتها المحلات بأسمائها الشعبية الشائعة حينذاك من «متجر الجوهرة» إلى «المعرض الوطني» وقد اختار أن يمثل صورة ذلك العهد بشكل يبدو أقرب للحَرفية منه للابتكار، وهو موضوع سبق أن رأيناه في أعمال سابقة لعزام وغيره من الفنانين المقيمين بقطر، ما يطرح سؤال التجديد لحظة الحكم على اللوحة حتى ولو دخل في الاعتبار التزام الفنان منذ البداية بإنجاز عمل واقعي لا فلسفة فيه.من ناحية ثانية، يظهر أن المنافسة ستكون حامية للغاية بين الفنانين: السعودي زمان جاسم والعُماني أنور سونيا على صعيد المقاربة الفنية وعلى صعيد العمل أيضا، فقد اختار الفنانان كلاهما المدرسة التجريدية واشتغلا على التناغم اللوني بشكل مدهش، وبدا لمن راقبهما أنهما الفرسان الأسودان في صراع الظفر بذهب «سمبوزيوم الديار»، حيث عمل زمان بشكل متقن للغاية وتوقّف مطوّلا عند كل تفصيل في لوحته، وصبر طوال الأيام الماضية على التعامل الهادئ مع لوحته فيما كان زملاؤه قد قاربوا النهاية، ولعله قد جسّد حقيقة مقولته إنه لا يرسم ما يخطّط له ولا يخطّط ما يرسمه وإنما يدع اللوحة لتنمو من تلقاء ذاتها، وفي الاتجاه المقابل فقد كان الفنان أنور سونيا على موعد مع حيازة جزء كبير من إعجاب الحاضرين، خصوصا أن من أجمل المشاهد التي قدمها السمبوزيوم للزائرين: اللوحة التي صنعها أنور سونيا بنفسه، فقد قضى يوم نهاية الأسبوع برمّته عاكفا على لوحة واحدة وتفصيلات دقيقة ولم يتحرّك ولو مترا بعيدا عن لوحته، وقد ظهر مشهد هذا الفنان المخضرم وهو يتوقّف عند أبسط التدقيقات مذهلا للغاية، خصوصا أن للجسد قوانينه التي يفرضها مرور الزمن، والتي يبدو أنور سونيا في حل من تطبيقها، أما على صعيد الاشتغال الفني فإن التجريدية هي الأخرى تطل برأسها من لوحة سونيا وتفرض سياقها على عمله، والاختيارات اللونية تُظهر المهنية العالية التي يتمتّع بها.من ناحية ثانية، ركّز بعض الفنانين على إنجاز أعمالهم بكفاءة وسرعة، فالفنان علي عزام أنهى أربع لوحات بدلا من اثنتين، وقال لـ «العرب» إنه قد جاء لـ «السمبوزيوم» مستعدا بشكل جيّد للغاية، ولذا لم يضيِّع وقته وانطلق في مشروعه مبكرا وتحولت ابتسامته غير محددة المعالم في اليوم الأول إلى أربع لوحات جميلة مزجت الواقعية بالتجريدية التعبيرية، وأظهرت مدى اشتغاله على اللون والاختيار الفني.نسويا، يبدو أن الصراع سيكون بطعم «الفلفل الأحمر» بين لوحتي الفنانتين: العراقية صبا حمزة والقطرية وضحى السليطي، حيث اختارت كلتاهما المدرسة التجريدية وفيما استوحت صبا حمزة فكرة الجدار لتصنع منها لوحة فإن وضحى السليطي قد استوحت الملابس، وبالتالي بدا الفرق واضحا في درجات الدفء اللوني بين صبا التي جاءت لوحتها خليطا بين البياض والزرقة والدفء الرمادي وبين السليطي التي كانت ألوان لوحتها دافئة للغاية، وسيكون من الصعب على أيٍّ منهما أن تحسم اللقب، كما سيكون من الصعب على لجنة التحكيم الفرز بين عملين يتشابهان في الذهنية والتنقية ويختلفان في اختيار موضوع التصميم. في اتجاه آخر يستمر الفنان إسلام كامل في استيحاء لوحاته بذات طريقة عمله في السودان، حيث يُعرف كامل لدى المطلعين على فنه بقدراته على امتصاص المضامين الثقافية الإفريقية، أو ما يُعرف بثقافة «السكان الأصليّين» وهو المذهب ذاته الذي يسير عليه في رحلته القطرية، حيث يلتقط صوره من أشكال أواني الطبخ وأدوات الاستعمال اليومي لكنه يقدّم كل ذلك بشكل تجريدي يلعب فيه اللون البنّي دوراً مهماً.وأمام هذا الكمّ من اللوحات المنتهية تقريبا فإن لجنة التحكيم ستكون «مهمومة» للغاية لدى اجتماعها المرتقَب للفصل في النتيجة النهائية، فمن جهة فرض بعض الفنانين «ريتما» عاليا على المسابقة كزمان جاسم وأنور سونيا، إذ يبدو صعبا أن يزيح أنور سونيا فنانٌ آخر غير زمان جاسم والعكس صحيح، بينما تبدو فرص البقية في منازعتها بعيدة، نظرا للمستوى العالي للغاية الذي فرضاه، أما بقية الفنانين فسوف تكون لجنة التحكيم مجبرة على التفاعل بإيجابية مع جهودهم، فعلي عزام الذي رسم بأكثر مما فعل أي فنان غيره، وأبدع في فنّه من غير المرجّح أن يخرج مبكّراً من السباق، ومثله السودانيان إسلام كامل ونور الهادي، أما الجانب النسوي من السباق، فيبدو من شبه المؤكد أن تظفر إحدى ممثلاته بجائزة ولو على سبيل حفظ الحق التمثيلي لـ «نون النسوة» في السباق، ولن يكون سهلا الفصل بين المتنافسات، خصوصا أنهن اعتمدن النوعية الفنية ذاتها، التجريد، وإن تنوّعت مصادر الاستيحاء لدى كل فنانة، كما يبدو ظاهر أن صبا حمزة ووضحى السليطي، إحداهما أو كلتاهما، ستحجز مقعدا ضمن كوكبة الأوائل.وبين هذا وذاك فإن لجنة التحكيم تباشر عملها بهدوء شديد وتلحظ تطوّر السباق دقيقة بدقيقة، فيما يبرمج الجمهور أنفاسه على توقيت المراحل النهائية التي ستكون نتيجتها الأخيرة جاهزة خلال 72 ساعة هي كل ما تبقّى من عمر أول «سمبوزيوم» تشكيلي في تاريخ قطر.
العرب القطرية
2008-07-27
الثلاثاء، 22 يوليو 2008
«سوق واقف» يؤجج المنافسة بين فناني «سمبوزيوم» الدوحة
الاثنين، 21 يوليو 2008
افتتاح شرس لـ"سمبوزيوم الديار" التشكيلي!
افتتح أمس "سمبوزيوم الديار" بـ"مركز وقف للفنون "، وقد أكمل الفنانون المشاركون استعداداتهم لجولة منافسة حامية، وكشّر كل منهم عن أنياب ريشته.
الدوحة ـ شبّوب أبوطالب
أعلن رئيس الجمعية القطرية للفنون التشكيلية، محمد العتيق، أمس عن الافتتاح الرسمي لفعاليات "سمبوزيزم الديار" التشكيلي، بمقر "مركز واقف للفنون"، وأكد أنها "المرة الأولى التي تحتضن فيها قطر مشروعا كهذا" ما يعني "أن على المشاركين مسؤولية كبيرة للغاية لتشريف أنفسهم و إعطاء صورة مشرقة و انطلاقة واعدة لمثل هذه التظاهرات التشكيلية"، وقال العتيق أن المشروع يعتمد على مسارين، أولهما المسار النقاشي العلمي حيث سينشّط الحاضرون فعاليات ندوة تسائِلُ قضية التراث و الحداثة، وتستشرف مستقبل التشكيل العربي في عالم متغير، أما المسار الثاني فهو مسار التسابق، حيث وقّع الفنانون عقدا مع جهات التنظيم و الرعاية، وزارة السياحة تحديدا، تلزمهم بالانتهاء من عملين فنيين خلال عشرة أيام هي مدة "السمبوزيم"، وقد أوضح العتيق أنه ضمن بنود العقد "أن يكون العمل المعني متعلّقًا بسوق واقف وليس هنالك أي مجال لعمل ثانٍ"، وفي ذات الحين "فإنه لا حدود على طريقة التناول التي يفضّلها أي فنّان، أو المقاربة التي يعتمدها، أو التقنية الفنية التي يستعملها، و إنما الأساس أن يتعلّق العمل بسوق واقف، ولكلٍ الحرية في التعامل مع موضوعه بالشكل الذي يريحه"، وحال الانتهاء من الأعمال تتسلم لجنة تحكيم كافة الأعمال وتجري تقييما نهائيا عليها، بحيث ينال ثلاث مشاركين جوائز خاصة وينال ثلاثة آخرون جوائز تقديرية.
من جهتهم كان المشاركون المبدعون متحفّزين لبدء المنافسة، حيث قال الفنان نور الهادي، من السودان، أنها "فرصة طيبة للالتقاء و التنافس مع نخبة مميزة من المبدعين العرب" واعدا بأنها سيبذل "قصارى الجهد" لتشريف نفسه وبلده، أما الفنان المخضرم أنور سونيا من سلطنة عمان فأبدى ارتياحا كبيرا "لفكرة الفعالية بحدّ ذاتها، ناهيك عن التنافس الجميل مع الزملاء من مختلف أنحاء العالم العربي، بما يضيفه ذلك إلى رصيد التجربة و الخبرة"، وهو ذات المنطق الذي تحدّث به الفنان زمان جاسم من السعودية، و الذي أبلغ الحاضرين تحيات جميع فناني التشكيل السعودي، خصوصا فناني المنطقة الشرقية، مبديا سرورا كبيرا بالمجيء إلى قطر و الدخول إلى حلبة المنافسة مع أسماء لها وقعها ورنينها في عالم التشكيل العربي.
من جهتهم تحدّث الفنانون القطريون بكثير من الثقة، حيث قالت الفنانة وضحى السليطي أنها تشعر "بالرهبة لوجود أسماء محترمة للغاية ودخولها على خطّ المنافسة" ولكنها أبدت تفاؤلا كبيرا ووعدت بـ"بذل كل الجهد الممكن للعمل على إنجاز أعمال مميزة تنال ثقة الجمهور و الحكام"، وقالت الفنانة سعاد السالم أن "التنافس سيكون جميلان كما أن الجو المتوفر يوحي بتمضية فترات عامرة بالاستفادة العلمية و الفنية"، وقال الفنان عد الرحمان المطاوعة أن تواجده في المنافسة يستهدف في المقام الأول "الاستفادة من تجارب جميع زملائنا الحاضرين، وبذات الحين العمل على تقديم مستوى مشرّف" وقد وعد هو الآخر باستخراج كامل مقدراته الفنية للتعامل مع المسابقة المفتوحة.
عمليا، نشّط مدير "السمبوزيوم" جلسة تعارف خفيفة، حيث قدّم كل فنان نفسه لزملائه بشكل موجز، ثم قاد المشاركين في جولة استكشافية بسوق واقف، وذلك لتحصيل انطباع أوّلي يفيد على مستوى استيحاء خصوصيات السوق و التعرف على معالمه، وقد رافق العتيق المشاركين بشروح وافية عن تاريخ السوق الذي يمتد إلى الأربعينات، أيام كانت منطقته عبارة عن مجرى وادٍ صغير تصب فيه أنهار"مشيرب" قبل توجهها إلى البحر، فيما ينتصب الباعة على طرفي الوادي ليقدّموا للمواطنين القطريّين ما تجود به الأرض من خيرات، ولذا فقد اشتق اسم السوق من وضعية الوقوف التي كان الباعة يمارسون بها عملهم، و بعد ذلك توسّع السوق و كثرت محلّاته، وبرغم فرص العمل الكبيرة التي وفّرها التوسع فإنه تم بشكل غير منسّق و أقرب للفوضوية، ما دعا سمو أمير البلاد، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، إلى إطلاق مشروع إعادة بناء السوق بشكله التراثي مع الحفاظ على خاصيته التجارية، وهو ما تحقق انطلاقا من سنة 2004.
وقد أبدى المشاركون لهفة كبيرة لمشاهدة أنحاء السوق والتعرف إلى قيمته التاريخية و التراثية، كما سعدوا جدًّا بالمبادرة التي قام بها مسؤول "السبموزيوم" و التي شملت تعريفهم على مجموعة من الفنانين التشكيليّين الشباب، وكذا التجوال في بعض المناطق ذات الخصوصية التراثية و التشكيلية في قطر، و تلهّفوا خصوصا لزيارة المتحف الإسلامي ومتحف المستشرقين.
يذكر أن فعاليات المسابقة انطلقت أمسية الأمس مباشرة بعد الانتهاء من إتمام الإجراءات الإدارية و التجول الخفيف في سوق واقف، وستوافيكم "العرب" بتطورات التسابق أوّلًا بأول.
سلمان رشدي يثير أزمة ثقافية في السعودية
فنانون تشكيليون عرب يفتتحون «السمبوزيوم» اليوم
السبت، 19 يوليو 2008
رسالة اليونسكو تتحدث عن جديد قائمة التراث العالمي!
خصّصت رسالة "اليونسكو" عددها الجديد للحديث عن بعض مواقع التراثية العالمية، والتفتت على الخصوص للإضافات الجديدة على القائمة الدولية.
الدوحة ـ شبّوب أبوطالب
توقف العدد الجديد من "رسالة اليونسكو" عند جبل المورن التاريخي الواقع غرب موريشيوس، وتذكر كيف أن الجبل البركاني كان منذ القرن 17 حتى إلغاء الاتجار بالرقيق العام 1835، وقد حاول هؤلاء دوما الفرار باتجاه الجبل الذي يوفّر ملاذا آمنا من المطاردة، وبرغم النهاية المأساوية لبعض محاولات الفرار فإن حوالي الـ2000 عبدا ظلوا معتصمين بالجبل وتحولوا إلى جزء من النسيج السكاني المحلّي.
كما تناول العدد مواقع الكنيسة الأرمنية بأذربيجان، وخص بالذكر دِيراً يرجع تاريخه إلى القرن الثاني عشر، و يتألف من موقعين كنسيين متجاورين، إحداهما تدعى "السوداء" يرجّح أنها بنيت في العام 1329 و الثانية تسمى"البيضاء" وتم بناؤها بين عامي 1810 و1830، وتعد الكنيستان إرثا تاريخيا مهما، لجهة القيمة الدينية وكذا المعمارية، ذلك أنها تعكسان فن القرون الوسطى و"عصور الأنوار" التي هلّت على أوروبا مطلع القرن السادس عشر، وتوثّقان الاتجاهات المعمارية في تلك الفترة.
وتوقف العدد أيضا عند مدينة كاماغواي، مسقط رأس شاعر كوبا القومي، نيكولاس غيين، ورصد مبانيها المزينة بالقرميد الأحمر، و العادات المعمارية الخاصة بأهلها كالبراميل الكبيرة التي كان "الماغوايين" يصنعونها ويضعونها في الأفنية و الحدائق بغرض تخزين الماء والاستفادة منه، وحفظه بعيدا عن الأوبئة و الجراثيم.
وعلى ذات النسق كتبت رسالة اليونسكو عن مستنقعات كوك الواقعة في غينيا و التي اتضح أنها المهد الأول للزراعة في العام، و جزيرة سورتسي (آيسلندا)، التي تعد أعجوبة حقيقية، إذ أنها كانت مطمورة تحت أعماق المحيط ثم طفت إلى السطح عام 1963، ومن يومها أصبحت مقصد علميا كبيرا يدمن عليه خبراء التنوع البيولوجي و الراغبون في استكشاف أنواع غير معروفة من النباتات و الحشرات التي لا تتوفر في أي بيئة أخرى.
وكانت اليونسكو قد أعلنت في الأسبوع الأول من الشهر الجاري أن "لجنة التراث العالمي" التي عقدت دورتها الثانية والثلاثين في منطقة الكيبيك بكندا، قد وافقت بشكل نهائي على إضافة 4 مواقع جديدة لقائمة الحماية الدولية، وتشمل المواقع الجديدة كلا من جبل المورن بجزر مويس، ومنازل واقعة بمحافظة فيجان الصينية و موقع "مدائن صالح" الواقع بالمملكة العربية السعودية، ومنطقة الكنائس الأرمينية بأذربيجان، وقد جاءت هذه الاختيارات عطفا على الطلبات التي تقدمت بها 41 دولة موقِّعة على اتفاقية التراث العالمي وشملت 13 موقعا طبيعيا و 34 موقعا ثقافيا اقترحت الدول الموقِّعة شملها بحماية قائمة التراث العالمي وتوفير الحماية القانونية اللازمة لها، إلا أن اليونسكو لم تضف سوى أربع مواقع.
ومثل تصرف اليونسكو الأخير نصرا كبيرا للعرب، لأن إضافة موقع عربي إلى القائمة يمثّل تخليا عن السلوك الرسمي العربي الذي طالما رفض التعاون مع اليونسكو لسبب أو لآخر فبعض الدول العربية رأت أنها تملك من الإمكانات المالية و القانونية ما يجعلها في غنى تام عن أي تعاون مع اليونسكو وينسحب هذا الوصف على بعض دول الخليج العربي، أما بعض الدول الأخرى فإن مصالحها التراثية لا تلقي بالا لأهمية الموضوع أصلا، فيما تحتكم دول ثالثة على نظرة يشوبها الشك في دوافع اليونسكو كالجزائر التي رفضت تركيز اليونسكو على رعاية الآثار الرومانية ورفضها حماية الآثار الإسلامية ما قاد وزيرة ثقافتها إلى اتهام خبراء اليونسكو علنا بأنهم "جواسيس لا علماء"!، ويبدو أن المحاولة السعودية الأخيرة تمثل خروجا من نفق الشك والكسل الذي دخلته دولنا العربي برمتها.
وتنبع أهمية التعاون مع اليونسكو من بديهية قانونية تتفرع عنها الكثير من المزايا الحمائية والمالية و السياحية، وتفترض البديهية أن لا دول بإمكانها أن تفتخر بتراثها الضارب في العراقة و تسعى لجعله مقصدا عالميا دون أن تعرّف به، أو تسعى لتصنيفه كأثر ذي صبغة عالمية وإنسانية، ويتفرع عن هذا التصنيف، الذي يقدم في شكل طلب من طرف سلطات البلد، إضافة الأثر المعني إلى قائمة "التراث العالمي" بعد مداولات تستشار خلالها هيئتا "المجلس الدولي للمعالم والمواقع الأثرية" و"الاتحاد العالمي لصون الطبيعة"و تشترك فيها الدول الـ 21 الأعضاء في لجنة التراث العالمي ليتم التصويت بالأغلبية، وتمثّل مرحلة التصويت مرحلة جدّ هامة إذ أنه على الدولة المعنية بإضافة تراثها أن تقود حملة دعائية داخل لجنة التراث العالمي لتضمن وصولها إلى قائمة الترشيحات النهائية وهي قائمة معقّدة للغاية، ويمكن أن نأخذ مثلا ما حدث هذه السنة فمن بين 43 طلبا لم توافق اليونسكو سوى على إضافة 4 مواقع! و لذا تتصارع الدول أيضا على عضوية لجنة التراث العالمي التي تمثل الجهة التي تفصل في الطلبات ومن المؤسف أن عددا قليلا من الدول العربية أبدت سعيها لعضوية اللجنة وهي مصر وتونس و الجزائر..بينما زهدت فيها بقية الدول.
ويترتب على إضافة أي موقع إلى قائمة التراث العالمي إصدار تعميم عالمي بحمايته والمحافظة عليه، بحيث يصبح تحت بصر اليونسكو، ومن خلفها الأمم المتحدة، ويحرّم المساس به أو تشويهه، كما يمكن للدولة التي تحتضنه أن تقدم طلبات للحصول على اعتمادات مالية لرعايته وتطويره، وهي الميزة التي لا تستعملها غالبية دولنا العربية رغم أن جزءًا كبيرا منها يدفع اشتراكاتها لهيئات اليونسكو المختصة، بما يعني أننا نموّل مشاريع صيانة تراث العالم وتراثنا مرمي مهمل! كما يعني أننا نضحي سنويا بمبلغ 4 ملايين دولار يصرفها "صندوق التراث العالمي" للدول التي تقدم طلبات "ترميم طارئ" لمواقعها المسجلة ضمن قائمة التراث العالمي.
وإضافة إلى المزايا الحمائية القانونية و المالية التي تترتب على إضافة موقع مّا إلى القائمة الدولية فإن هناك مزية سياحية تنشأ من خلال الإشهار العالمي المجاني الذي يحصل عليه الموقع و الاهتمام الكبير الذي يلقاه من طرف وسائل الإعلام، وهو اهتمام يمكن استخدامه لاستجلاب السواح بسهولة خصوصا أن عبارة "موقع مصنف ضمن قائمة التراث الإنساني" تفعل فعلها في السائح العالمي و الأوروبي خصوصا.
كما يتقدم اليونسكو تدريبا مهنيا عاليا ومجانيا لكوادر هيئات صيانة الآثار في الدول التي تحتوي مواقع ذات تنصيف دولي، و التي تشمل 141 دولة، والحال في هذه كما في سابقاتها إذ أن قلة من الدول العربية من تستعمل هذه الخاصية، فيما تبادر إلى التعاون مع هيئات التنقيب الآثاري الدولية، كما يحدث هنا في قطر حيث أن آخر اكتشاف أثري قطري قد جرى بأيدٍ دانماركية بينما لو تم التعاون مع اليونسكو لكان ممكنا أن يتم بأيدٍ وطنية تجعل الفرحة فرحتين.
يذكر أن قائمة التراث العالمي تشمل 851 موقعا ذات "قيمة عالمية استثنائية"، تنقسم إلى 166 موقعا طبيعيا، و 25 موقعا مختلطا، و660 موقعا ثقافيا.
العرب -18-7-2008
سلمان رشدي يثير أزمة ثقافية في السعودية
العرب القطرية ـ 2008-07-19
رسالة اليونسكو تتحدث عن جديد قائمة التراث العالمي
في شعر الأسر والسجن والتحرير
الاثنين، 14 يوليو 2008
«حدائق الله».. حكاية الغباء المنتج للدم
كيف يمكن أن نحول العابث إلى إرهابي والباحث عن ساحات الجهاد إلى باحث عن أميرة حسناء والباحثة عن التميز الصحافي إلى مجندة للمخابرات الأميركية.. هذا ما تجيب عنه الرواية الأخيرة للكاتب التونسي سعيد الصافي.
الأحد، 13 يوليو 2008
تركيا.. أزمة الثقافة حينما ترفض التعددية
السبت، 12 يوليو 2008
في ذكرى غسان كنفاني
الدوحة - شبّوب أبوطالب